الفصل 89 :
“فكّري جيدًا.”
“هاه؟”
“فكّري جيدًا لماذا أحضرتكِ إلى هنا.”
نقر بأصابعه على صدغي بلطف.
“أنتِ تحبين حل الألغاز، أليس كذلك؟ شغّلي عقلكِ جيدًا.”
“وماذا لو لم أستطع معرفة السبب؟”
“عندها… ستبقين هنا.”
“ماذا يعني ذلك…؟”
“استريحي، لا بد أنكِ متعبة.”
ثم نهض فيليون بخفةٍ من مكانه.
أنا أيضًا نهضتُ بسرعةٍ من على السرير.
“انتظر!”
“لقد كنتِ نائمةً طوال الطريق إلى هذا المكان البعيد. الآن يمكنكِ أن تكوني أكثر راحة.”
“أأنتَ… أأنتَ تنوي حبسي هنا؟! هيه! إلى أين تذهب! أجبني قبل أن تذهب! فيل…!”
وفجأة، مال جسدي إلى جانب واحد. لقد دستُ على طرف فستاني من دون قصد.
مددت يدي بسرعة نحو السرير لأتمسك به، لكن يدًا قوية سبقتني وأمسكت بي.
وبفضلها، استعدت توازني ولم أسقط.
رفعت رأسي، فإذا بفيليون يقف قريبًا جدًا مني.
لم يقل شيئًا. وكأنّ إمساكه بي كان كل ما جاء مِن أجله، ثم همّ بترك يدي فورًا.
لكنني لم أفوّت الفرصة وأمسكت بذراعه.
بعد لحظة صمت قصيرة، قال:
“اتركيني.”
“لا أستطيع.”
“اتركيني.”
“فيليون…”
نظرت إليه بوجهٍ متوسّل.
“ألا يمكنكَ أن تفك هذا القيد عني، أرجوك؟”
“…..”
“الأمر يخنقني جدًا، فهمت؟”
لم يكن ذلك تمثيلًا، بل كنتُ حقًا أشعر بالاختناق. لقد عشتُ حياتي كلها مع السحر!
وعندما رآني أنظر إليه بهذه الطريقة، قال:
“وإذا فككته؟”
أمال رأسه قليلًا وسأل بصوتٍ ناعم:
“لَن تفعلي أيَّ حماقةٍ، صحيح؟”
“طبعًا.” أجبتُه بصوتٍ لطيفٍ مرةً أخرى.
“لم ننته من الحديث بعد، كما أنني ما زلتُ أفكر في اللغز الذي أعطيتني إياه.”
لكن هذه المرة كنت أمثل. أيٍ حديث؟ أنتَ من قال إنكَ لا تريد سماعه أصلًا.
كنت أخطط أنه حالما أستعيد سحري، سأهرب فورًا من هنا.
لكن حينها…
“رايلي. عندما أقترب منكِ هكذا، أنتِ…”
اقترب مني أكثر حتى صار وجهه قريبًا جدًا، حتى أن أيَّ جزء منه لو لمس وجهي لما بدا ذلك غريبًا.
ارتبكت، وبدأ قلبي يخفق بسرعة. هممت بسؤاله:
“لماذا تقترب هكذا؟”
لكن…
“أنتِ حقًا لا تُجيدين التمثيل.”
قالها وهو يضحك أمامي مباشرة.
كلامٌ فارغ! لو كان تمثيلي سيئًا إلى هذا الحد، لاكتشف الكونت فولكس خيانتي منذ زمن…
“ليس فقط أنكِ بلا موهبة، بل أنتِ تحفرين تحت القاع أيضًا. الأمر محزنٌ أن أراكِ هكذا.”
“وما شأنكَ؟ هل ساعدتني في شيءٍ حتى تنتقدني؟”
نسيت التمثيل ورددتُ بعصبية، فابتسم فيليون بمتعة.
“بالطبع لم أساعدكِ. فقط… أشعرُ بالأسف قليلًا.”
“على ماذا؟”
“لو اكتشفتِ الأمر أسرع، لكان الأمر أكثر متعة. أليس كذلك؟”
بمعنى آخر، لو عرف منذ وقتٍ طويل، لكان قد أزعجني أكثر في الماضي، ويأسف لأنه لم يفعل.
‘يا له من شخصٍ لا يفكر إلا في مضايقتي.’
***
فيليون الذي قابلته بعد زمن طويل، كان هو نفسه المزعج القديم.
لكن لم أستطع معاملته كما كنتُ أفعل في الماضي. أردتُ بشدةٍ أن أتخلص مِن هذا القيد.
لذلك استجمعت تركيزي وحاولت العودة للتمثيل، لكن…
-“انتهينا من الحديث، أليس كذلك؟”
بينما كنت شاردة، تراخى قبضتي على ذراعه، فابتعد بسرعة.
-“انتظر! لم ننتهِ بعد…”
-“تصبحين على خير، رايلي.”
لاحقته متأخرة، لكن الباب أُغلق أمام وجهي، بل وأُقفل بمفتاح.
هذا حبسٌ حقيقي…
“مجنون…”
جلست على السرير وأنا أستعيد أحداث الليلة الماضية وتنهدت.
لم أكن أرتدي فستان الزفاف. فقد وجدت في الخزانة ملابس كثيرة متنوعة، فاخترتُ منها بجامة وارتديتها.
ثم غلبني النوم فورًا.
وأعترف أن النوم في هذه الظروف أمرٌ غريب، لكنني ما إن وضعت رأسي حتى غفوت.
وعندها أدركت أن السرير هنا أفضل وأغلى بكثير من ذاك الذي كنت أستخدمه في قصر تالون.
… ليس أمرًا مهمًا. على أيّ حال، هذا ما حدث.
‘على الأقل، لم يدخل أحدٌ أثناء نومي.’
كنت قد وضعت ورقةً صغيرة قرب الباب بشكل معين. لو دخل أحد، لسقطت الورقة، لكنها بقيت كما هي.
‘كنت أعلم أنه لن يؤذيني.’
لهذا استطعت النوم بعمقٍ حتى في مكان غريب.
لكن هذا لا يعني أنني سأبقى هنا بهدوء.
ارتديت ملابسي وتوجهت إلى الشرفة.
كنت أنوي الخروج إليها ليلًا، لكن الظلام حال دوّن ذلك، فأجلت الأمر للصباح.
كنت بحاجةٍ إلى تفحص المكان بدقة لوضع خطة هروب.
لكن ما إن خرجت حتى…
“ما هذا؟”
رمشتُ عدة مراتٍ أمام المشهد المذهل.
غابةٌ صنوبرية ممتدةٌ بلا نهاية، خضراء كبحرٍ عميق.
كأنني أمام لوحةٍ فنية، فالسماء صافية بلا غيوم، والغابة الكثيفة تبعثُ على الانتعاش وصفاء الذهن.
لكن المشكلة أن كل تلك الأشجار كانت تحت قدمي مباشرةً.
أمسكتُ بحافة السور، وحين أطللت، أسرعتٍ بالرجوع إلى الداخل.
يا إلهي…
‘إنه منحدرٌ صخري!’
يبدو أن القصر بُني على قمة منحدرٍ عميق وسط الجبال. وغرفتي في أقصى الحافة.
مكان مثالي لمشاهدة المناظر… لكنني أخطط للهروب.
كيف أهرب مِن هنا بلا سحر؟!
‘قد أموت لو حاولت.’
هل أعيش وأتحمل مضايقات فيليون، أم أموت؟
هل أعيش وأتحمل سخريته، أم أموت؟
ربما أيُّ شيءٍ يفعله بي أهون من الموت.
حينها سمعت طرقًا على الباب.
دخل شابٌ بشعرٍ بني، يبدو في عمري، وانحنى قليلًا.
“اسمي جيس. سأكون خادمكِ من اليوم. تشرفتُ بلقائكِ.”
“خادم ماذا؟”
ثم شرح لي باختصارٍ أنه عاش في قصر ديلاريك منذُ صغره، ويعرف فيليون منذ زمن.
إذًا، يعرف الكونت ديلاريك أيضًا.
“أين الكونت ديلاريك الآن؟”
“أ… لا أعرف حقًا.”
“وأم فيليون؟”
“لا أعلم.”
عندما عبستُ، انكمش صوته أكثر:
“أقسم أنني لا أعرف. لقد أحضرني السيد فيليون إلى هنا بالقوة أيضًا…”
حتى الخادم أُحضر بالقوة! ما الذي يفعله هذا الرجل؟
“هل تحتاجين شيئًا آخر، سيدتي؟”
فكرت قليلًا وقلت:
“هل يمكنك إحضار أدوات؟ كفأسٍ مثلًا.”
بعد قليل، عاد ومعه مطرقة. كنت أخشى أن يرفض، لكن يبدو أنه شاب طيب القلب.
“أحضرتها. ماذا تريدين أن نفعل بها، سيدتي؟”
“اكسر بها هذا القيد.”
“ماذاا؟!”
وأصيب بالذعر حقًا.
“لا… هذا مخيف… لا أستطيع.”
“إذًا أعطني إياها. سأفعل بنفسي.”
أخذت المطرقة منه. لم تكن ثقيلةً جدًا، أستطيع استخدامها بيدٍ واحدة.
“أمسك بالقيد من الخارج. سأضرب عند موضع الوصل.”
“أنـا؟”
“أمسكه جيدًا، مفهوم؟”
“أشعرُ بتوترٍ شديد…”
“ما الأمر الكبير؟ هيا، واحد، اثنان!”
طَق! دوى الصوت وانتقلت الاهتزازات إلى معصمي.
لكن القيد ظل كما هو. ضربتُ مرةً أخرى. طَق! طَق!
“اللعنة! لماذا هو صلبٌ هكذا؟”
“سيدتي، أعلم أنكِ تشعرين بالانزعاج لعدم قدرتكِ على استخدام السحر، لكن… رجاءً، لا تقومي بهذه المخاطرات.”
تنهدت بعمق.
“بالنسبة لي، عدم امتلاكي السحر هو الخطر الحقيقي.”
“لكني بجانبك! والسيد فيليون طلب مني أن أعتني بكِ جيدًا.”
“… يبدو أنه يقلق عليّ فعلًا، رغم أنه لم يظهر وجههُ اليوم.”
“إنه مشغولٌّ جدًا، لكنه يهتم بكِ حقًا. وطلب مني أن أبلغه بكل ما تفعلينه.”
عندها، لمعت فكرةٌ في رأسي.
وضعت المطرقة على السرير ونظرتُ إليه.
“جيس.”
“نعم، سيدتي.”
“أتعلم أنني رايلي فولكس، صحيح؟”
ارتبك قليلًا، ثم أومأ ببطء.
نظرت إليه بجدية وتابعت:
“أنا… نادمةٌ جدًا على أنني تظاهرتُ بالموت وهربت.”
“حقًا؟”
“وأندم أيضًا على ما حدث قبل أشهر. لم يكن يجبُ أن أترك فيليون وأرحل. في الحقيقة، كنتُ أريد أن أذهب معه إلى القارة الشرقية.”
“أحقًا؟”
“المهم، أخبره بهذا. فهمت ما أعنيه، أليس كذلك؟”
فيليون قال إنه لا يهمه الأمر، لكنني أعلم أن حبسه لي له علاقةٌ بالماضي.
واصلت الحديث معه بهدوء، حتى صار الكلام كثيرًا لكن خلاصته واحدة: أنا نادمة، وأريد أن يسامحني فيليون.
أومأ جيسي بحزم.
“مفهوم. سأبلغه.”
“وأمرٌ آخر.”
انحنيت قليلًا وهمست:
“ابحث لي عن طريقةٍ للاتصال بالكونت ديلاريك.”
“بالكونت؟”
“نعم. أنا بحاجةٍ إلى مساعدته.”
الكونت ديلاريك يكره وجودي بجانب فيليون. لقد محا حتى ذكريات حفيده عني ليفصل بيننا.
لو علم أنني هنا، سيأتي فورًا ليبعدني مجددًا، حتى لو لم يرغب فيليون بذلك.
“مفهوم.”
“شكرًا لك. أرجوك.”
ابتسمت وأنا أشعر بخفةٍ في قلبي، وأكلت فطور الصباح الذي جلبه لي جيس بشهية.
لكن فيليون ظهر بعد الظهر بقليل.
“سمعتُ كل شيء، رايلي. تقولين إنكِ تريدين الاتصال بجدي؟”
دخل الغرفة وقال ذلك فورًا، فتجمدتُ مكاني وأنا أمسك بالكتاب.
وعندما نظرت خلفه، رأيت جيس يطل برأسه قليلًا.
لم يتكلم، لكنني قرأت ما يقوله بعينيه:
‘آسف… لكنكِ لم تقولي أن الأمر سرّ…’
حقًا أمرٌ يثير الجنون.
“سأنقل له الرسالة. ماذا أردتِ أن تقولي له؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 89"