كان يرمقني بنظرة ودودةٍ وناعمة، كما لو كان قد التقى بشخصٍ طال انتظاره.
لكنّني لم أستطع الترحيب به. كانت عيناي تذهب باستمرارٍ إلى آثار الدماء الحمراء التي امتدت على طول الطريق الذي سلكه فيليون.
تذكّرتُ أيضًا الضوضاء التي دوّت قبل قليل بجانب أذني.
‘لا بد أنّه صوتُ شيءٍ تحطّم.’
وقبل كل شيء، كان هذا المكان…
‘المكان مليءٌ بالناس!’
ما إن حوّلت بصري قليلًا إلى ما وراء فيليون، حتى رأيتُ عددًا كبيرًا مِن الأشخاص يحدّقون بي.
هل اكتشفوا حقيقتنا؟ لحُسن الحظ، لم أرَ على وجوههم علامات الصدمة مِن هذا النوع.
عندها تذكّرتُ الإشاعة التي سمعتها مؤخرًا، أنّ اسمي واسم فيليون يُستخدمان أحيانًا كلقبين بين العشاق، ويرمزان إلى علاقةٍ وثيقة لا يمكن أن يفرّقها حتى الموت، أو شيء من هذا القبيل. وقتها شعرتُ بالقشعريرة ولم أكمل الاستماع، لكن المعنى كان قريبًا من ذلك.
بالتالي، هؤلاء لا يظنّون أننا ‘رايلي وفيليون’ الحقيقيان.
‘ما احتمالية أن تظهر امرأة ظنّوا أنّها ماتت مع مجرمٍ مُلاحق فجأةً في حفل زفاف أحد الأقارب؟’
لكن الموقف كان كافيًا ليجعلهم يعتقدون أنَّ عشيقي الذي كنتُ أخفيه ظهر فجأةً في حفل الزفاف ليُثير الفوضى.
على الأقل، هم أشخاصٌ مهذّبون، لذا ربما يُمكن تجاوز الأمر…
“هل كان هناك رجلٌ آخر غير تالون؟!”
… على ما يبدو، لَن يتجاوزوه.
“وفوق ذلك، في حفل زفاف! كيف يمكنكِ أن تكوني عديمة الحياء!”
“كنتُ دائمًا أشعرُ بالريبة تجاه غموض هويتها!”
“ابنةُ عائلةٍ لا أصل لها!”
إذن، كنتُم تبتسمون وأنتم تحيّونني بينما تفكّرون بهذا الكلام.
هاه، يا لها مِن لحظةٍ مؤثرة…
“رايتشل، هل تعرفين ذلك الرجل؟”
على الجانب الآخر، كان تالون ينظر إليّ بقلقٍ أكثر من الغضب.
صحيح أننا لم نرتبط حقًا، لكن كان من الممكن اعتبار هذا خرقًا لعقدنا بشكلٍ ما. ومع ذلك، كان في نظرته القلقة ما جعلني أمتن له.
لكنّني لا أستطيع قول الحقيقة هنا. نظرتُ بين تالون وفيليون بتردّد، مفكّرةً في ما أفعل…
حينها أطلق فيليون ضحكة قصيرة.
“آه، تُريدين التظاهر بأنّكِ لا تعرفينني؟”
“لـ… لستُ أتظاهر! فقط كنتُ أفكّر قليلاً…”
“لا حاجة للتفكير، رايلي.”
اقترب منّي خطوةً أخرى.
“سأتولّى أنا أمر كل شيء.”
اجتاحتني قشعريرةٌ مرعبة مجددًا. ‘يتولّى الأمر’؟!
ذهبت أفكاري مباشرةً إلى أسوأ الاحتمالات، خاصةً وأن عينيه اكتسبتا فجأةً بريقًا باردًا.
ذلك المظهر… لا يمكن أن يكون…
“لا… لا، أليس كذلك؟”
“لا أفهم ما تعنين.”
“لا تكذب! أنتَ تعرف!”
أنت لن تفجّر هذا المكان بسحرك، أليس كذلك؟!
سألتُه مجددًا بصمت.
لكن فيليون لم يجب فورًا، بل ظلّ يُحدّق بي بعينيه الهادئتين كالجليد.
كان الأمر أشبه بالنظر إلى بحرٍ هادئ قبل العاصفة. شعورٌ بالقلق من أنّ شيئًا ما قد ينفجر في أيٍ لحظة، فبدأتُ أحرك أصابعي ببطء استعدادًا لاستخدام السحر، وهو لم يُغفل ذلك.
لكن بعد لحظة، لانَت ملامحه قليلًا.
“لا.”
قالها بصوتٍ لطيف من جديد.
تنفّستُ الصعداء. إذن ليس كذلك… لكنّ اطمئناني لم يدم طويلًا.
“لكنني أعددتُ شيئًا آخر بدلًا مِن ذلك.”
أخرج شيئًا من الجيب الداخلي لمعطفه.
هذه المرة، كان تالون هو من تجمّد مكانه. سرعان ما أدركتُ ما هو ذلك الشيء.
‘رسالة حبيب تالون؟!’
لم يكن شيئًا توقّعته، ومتى سرقها أصلًا؟!
هل أنت لصّ؟!
“ما ذاك؟”
بدأ الناس يتهامسون، فيما ازدادت ملامح تالون ظلامًا.
أما فيليون، فكان يبدو مستمتعًا للغاية.
“يبدو أن الجميع فضوليون. هل يمكنني عرضها عليهم؟”
ابتسم وهو ينظر إلى تالون.
لكن الحاضرين لن يروه، لأنه كان واقفًا وظهره لهم.
ولأنه دخل القاعة ناظرًا إليّ مباشرة، قد يظنّون أنّه يوجّه هذا التهديد لي أنا.
وبهذه الفكرة، تحرّكتُ.
“أما أنا، فلا مشكلة لدي…”
“لا!”
ناولْتُ الباقة إلى تالون، ونزلتُ الدرجات القليلة بسرعة حتى وصلت أمام فيليون.
وخطفْتُ الرسالة من يده فورًا.
“هذا الشيء…لا لا.”
وأظهرتُ وجهًا مرتبكًا وكأنني أحاول إخفاء سري.
حتى لو لم يظنّ الناس ذلك، يمكن لتالون الادّعاء لاحقًا أنّني كنتُ أحمي سري. أردتُ احتواء الأمر بأيّ طريقة.
لم نستطع حتى إتمام حفل الزفاف بهدوء، ولا يمكنني السماح بانكشاف سر تالون أيضًا.
“لنخرج. لنتحدث في الخارج.”
أمسكتُ بمعصمه وسحبته معي.
لو أننا خرجنا مباشرةً لكان الأمر رائعًا، لكن بسبب الكعب العالي والحاجة لتفادي شظايا المزهريات والأشخاص الممدّدين على الأرض، لم أتمكّن من الإسراع كثيرًا.
وكانت أنظار الناس تلسع ظهري، لكنني واصلتُ المشي بثبات، وفيليون لم يتوقف، بل تبعني بهدوء.
حين خرجنا من القاعة، كان هناك عربةٌ لم أرها من قبل.
“هل هذه…؟”
“اصعدي.”
فعلتُ كما أمر. أردتُ مغادرة هذا المكان قبل أن نلتقي بأيّ أحد آخر.
لكن فستاني كان كبيرًا جدًا وذيله طويل.
جلستُ في المقعد، لكن الذيل كان طويلًا لدرجة أنَّ جزءًا منه بقي خارج العربة.
كنتُ أنحني لأسحب القماش إلى الداخل، حين أخرج فيليون خنجرًا من صدره.
شقّ ـــ تمزّق. قطع ذيل الفستان بلا تردّد.
أما الزينة الموجودة في منتصف الذيل، فلم تُقطع بسهولة حتى بالخنجر، فمزّقها بيده. كانت الأصوات الناتجة عن القطع قاسيةً وخشنة.
وحين أنهى عمله بوجهٍ خالٍ من التعبير، رفع رأسه ونظر إليّ.
“هكذا يكفي، أليس كذلك؟”
“أ… أجل.”
وقبل أن تنتهي كلمتي، أغلق باب العربة.
سألته بدهشة:
“وأنت؟”
“لديّ أمرٌ عليّ إنهاؤه.”
وقبل أن أسأله ‘أي أمر؟’، كان قد خرج من مجال رؤيتي.
“انطلق.”
ردّ السائق بإيجاز، ثم بدأت العربة بالتحرك.
لم أكن أتخيّل أنّ نهاية حفل الزفاف ستكون كهذه حتى ليلة البارحة.
***
بالطبع، كنتُ قلقةً للغاية.
‘ما الذي يريد إنهاءه؟’
لا أظنّ أنّه سيعود ليُحدث فوضى مجددًا، فقد كان وجهه عند فراقنا أكثر هدوءًا.
‘هل سيذهب ليرى تالون؟’
ربما، لكنني لم أستطع توقّع ما سيقوله له.
طرأ على بالي أن أترجّل من العربة، فطرقت الجدار عدّة مرات، لكن السائق لم يرد، بل أخذت سرعته تزداد.
… فقررت التفكير في الأمر ببساطة.
‘حسنًا، الكونت ديلاريك سيتكفّل بالأمر.’
ذلك العجوز العنيد لا بدّ أنه جاء إلى هنا.
لم أرَ حتى ظلّه، لكنني واثقة أنّه قريب. ربما ‘الحل’ الذي ذكره فيليون سيكون من فعله هو، وقد تكون وجهة العربة إحدى أرضي الكونت.
حينها يمكنني الانتظار حتى…
‘يعود فيليون.’
من طريقة كلامه، شعرتُ أنّه استعاد ذاكرته.
‘هل سيسألني لماذا تظاهرتُ بالموت؟’
كيف سأجيب؟ مجرد التفكير صدّع رأسي.
كنتُ آسفةً أيضًا…
آه! كنتُ أظنّ أنّني هذه المرة سأتمكّن أخيرًا من الذهاب إلى القارة الشرقية!
‘لن يسلّمني فيليون إلى وليّ العهد… أليس كذلك؟’
لو طلبوا مني المراهنة، لراهنت على أنّه ‘لن يفعل’، لكنّ الأمور في الحياة لا تسير دائمًا كما نريد.
‘كم تعبتُ حتى أتجاوز حفل الزفاف بسلام… لقد استيقظتُ اليوم منذ السادسة صباحًا لأستعد. ومواجهة الناس كل يوم أمرًا مرهقًا جدًا…’
وبينما أنا في هذه الأفكار، يبدو أنني غفوتُ للحظات.
وحين فتحتُ عيني مجددًا، وجدتُ نفسي في مكانٍ غريب.
اعتدلتُ بحذر، وبدأت أتفحّص المكان بذهول… حتى رأيت فيليون جالسًا على طاولة قرب الجدار.
“..…”
لم يكن بعيدًا عن السرير الذي كنتُ عليه.
نعم، كنتُ على سريرٍ كبيرٍ وفاخر، وفوقي لحافٌ غريب.
ما هذا…
“فيليون؟”
“نعم، رايلي.”
“أين نحن…؟”
حينها دوّى صوتٌ غريب بجانب أذني.
خشخشة. كان بالتأكيد صوت سلاسل.
حرّكت معصمي الأيسر بحذر، فعاد الصوت مجددًا، وشعرتُ بثقلٍ واضح.
رفعتُ الغطاء، ولم أتمكّن من إخفاء صدمتي.
‘أداة كبح السحر!’
إنها أداة سحرية تمنع مرتديها من استخدام السحر، وتُستخدم عادةً مع السحرة المجرمين في السجون.
وكانت الآن على معصمي.
حاولتُ سحب السحر، لكن لم يحدث أيّ رد فعل.
رمقته بنظرةٍ تهديدية.
“أزلها.”
“لا أريد.”
“ماذا؟”
“لسنا بحاجةٍ للسحر كي نتحدث.”
شعرتُ بالذهول وأنا أحدّق فيه، فابتسم بهدوء.
كان تعبيره مستفزًا، لكن مع هذه القيود، لم يكن بإمكاني الفوز عليه، ولا حتى الهرب.
تنفّستُ بعمق لتهدئة نفسي، ثم سألته مجددًا:
“هل… عادت ذاكرتك؟”
“أجل.”
“إلى أيِّ حدّ؟”
“كل شيء، باستثناء آخر سنةٍ ونصف.”
أيّ أنه لا يتذكّر الفترة التي هربنا فيها سويًا.
يبدو أنّ الكونت ديلاريك نجح في إعادة تفعيل لعنته. حسنًا، هذا يعني أنّه يمكنني اختلاق قصةٍ مناسبة عن أحداث قبل خمس سنوات.
‘… من المؤسف أنني الوحيدة التي أتذكر تلكَ الفترة.’
لكن لا بأس. لقد كنتُ مستعدةً لكل هذا.
بل أرى أنَّ الظروف الآن مثالية لمغادرة القارة الغربية.
“لكنني أعلم أنّكِ تركتِني ورحلتِ.”
“…..”
“الناس لم يتوقفوا عن الثرثرة.”
يبدو أن الكونت ديلاريك فشل في إسكات الألسنة.
لكن الموقف لم يتغيّر، فما زال بإمكاني إيجاد حجةٍ مناسبة…
“لكن ليس عليكِ أن تشرحي.”
“… ماذا؟”
“لستُ مهتمًا. حتى أحداث قبل خمس سنوات.”
“إذن عن ماذا سنحادث بعضنا؟”
قطّبتُ جبيني بلا وعي.
“لماذا جئتَ بي إلى هنا؟”
ربما حرّكتُ ذراعي من جديد، فعاد صوت السلاسل المزعج. السحر لم يستجب لي إطلاقًا، فعضضتُ شفتي.
ظلّ فيليون يراقبني من بعيد بصمت.
بعد لحظة ثقيلة، تحدث أخيرًا…
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 88"