الفصل 87 :
ثم فجأة، توقفت يده.
بدا إيان وكأنه متفاجئٌ قليلًا من كلماته التي تفوّه بها.
كان على وجهه تعبير يقول: “كيف خرج مني هذا الكلام؟”
ثم التفت لينظر إليّ.
أما أنا… فقد بقيتُ بجوار فستان الزفاف طوال الوقت.
لم أكن أرغب حقًا في الاقتراب من شخصٍ ثمل.
لكن يبدو أن حتى هذه المسافة بيننا، كان إيان يراها أمرًا خاصًا.
شيئًا فَشيئًا، صارت نظرته إليّ أكثر جدية.
قال بصوتٍ منخفض:
“… بعد أن تسمعي مثل هذا الكلام، لماذا لا تغضبين؟”
“حسنًا… قد يبدو الأمر غريبًا، وأنا أتفهم ذلك. فقلّما يُحب الناس أن يكونوا بمفردهم.”
“لا، ليس لهذا السبب بالتحديد…”
خفض إيان بصره، وعاد يمرر يده على فمه.
خرجت منه عدة زفرات، وأحيانًا ضحكةٌ صغيرة ساخرة.
ثم فجأة، وكأنه أدرك شيئًا، قال:
“أنتِ… لا تريدين مني أيّ شيءٍ على الإطلاق.”
“… أود فقط أن تأخذ الترياق.”
“ألا ينبغي عليكِ أن تعاتبيني على قولٍّ مثل هذا؟”
“…..”
“هل تعتبرينني صديقًا أصلًا؟”
عندما سأل ذلك، بدا صوته وكأنه على وشك البكاء قليلًا.
لكنني لم أستطع الإجابة.
بصراحة، لم أفكر يومًا في هذا السؤال من قبل.
وبصراحةٍ أكثر، لم أكن قد فكرت في إيان بعمق إلى هذه الدرجة أصلًا…
“من البداية… لم أكن موجودًا في حساباتكِ إطلاقًا.”
لم أفهم بالضبط ما يقصده، وبينما كنتُ أبحث عن ردٍ مناسب، نهض مِن مقعده ببطء.
ارتدى معطفه، وتمايل قليلًا من أثر الخمر، ثم وقف أمامي مباشرة.
قال بصوت منخفض:
“آسف لأنني أزعجتكِ، يا رايلي.”
“لا بأس، لم يكن الأمر مزعجًا لهذه الدرجة…”
“لا، لن أفعل هذا مرةً أخرى…”
قطع جملته في منتصفها، وعَضَّ على شفتيه.
انتظرتُ بهدوء ما سيقوله بعدها، لكنه سار بخطواتٍ واسعة نحو الباب دون أن يلتفت إليّ حتى اللحظة الأخيرة.
وعندما وضع يده على مقبض الباب، بدا وكأنه تردد لحظة.
“… ارتاحي جيدًا. أراكِ غدًا.”
ثم غادر الغرفة مباشرة.
**
حين التقيتُ إيان مرةً أخرى، كان أنيقًا للغاية.
يبدو كأحد أبناء العائلات النبيلة البارزين.
والضيفات اللاتي جئن لتحية العروس في غرفة الاستقبال كنّ يلقين عليه نظراتٍ خاطفة، لكن لم يتعرف عليه أحد.
قال تالون بالأمس إنه لم يدعُ أيّ شخصٍ له علاقة بالأكاديمية العسكرية.
ومع ذلك، حتى وهو في مكان لا يعرف فيه أحدًا، لم يكن إيان يشعر بأيّ حرج.
صبغ شعره بالكامل باللون الأسود مثلي، وعرّف نفسه باسمٍ مستعار: رينون هولدن.
كما اندمج بسهولة مع الأقارب المزعومين لـ رايتشل هولدن الذين استأجرهم تالون بالمال.
وبينما كنت أنهي حديثي مع إحدى قريبات تالون البعيدة، التفت إليّ.
وبعد أن ابتعد الناس من حولي، اقترب مني وقال:
“مزدحمةٌ بالأحداث، أليس كذلك؟”
“نعم، لكن لا بأس. أستطيع التحمل.”
ابتسمتُ له، فابتسم بدوره.
“مبروكٌ زفافكِ، يا رايتشل.”
“شكرًا لك، يا أخي.”
وانتهى الحديث عند هذا الحد.
عاد إيان إلى عائلة رايتشل هولدن الزائفة، بينما انشغلتُ أنا باستقبال ضيوف تالون.
لم يكن الحديث الغريب الذي دار بيننا الليلة الماضية قد اختفى من بالي، لكن…
عليّ أن أركز على ما يحدث الآن.
لم يكن لديّ وقتٌ لأفكر في شيءٍ آخر.
كان عليّ إنهاء هذا الزواج الوهمي بسلام.
“مبروك! أنتِ جميلةٌ جدًا!”
“شكرًا. ستبقون لحفل المساء أيضًا، صحيح؟”
“بالطبع! قال لنا تالون إن بإمكان جميع الأقارب المكوث.”
“يبدو أنه ادخر المال كل هذا الوقت لينفقه ببذخ في مثل هذا اليوم.”
وبالفعل، كان حفل الزفاف يستحق هذا الوصف.
صحيح أن المكان كان معبدًا صغيرًا حُجز على عجل، لكن الزينة التي امتلأ بها المكان كانت مبهرة — الأزهار، والديكورات، والسجاد، كلها فاخرة تسرّ النظر.
حتى فستان الزفاف الذي أرتديه كان باهظ الثمن للغاية.
عندما قلت لـ تالون إن الأمر ليس زواجًا حقيقيًا ويمكن أن يكون بسيطًا، ضحك وهز رأسه قائلًا: “كلما كان أغلى، كان من الأسهل إقناع الناس!”
بدأت أظن أنه أصبح يستمتع بخداع الناس.
حتى إنه أعطاني مبلغًا إضافيًا كـ أجرة مهمة، ولم أرفضه بالطبع، فالمال دائمًا مرحّبٌ به.
وهذا يعني أن عليّ أن أبذل جهدًا أكبر.
“شكرًا لكم جميعًا على التهنئة.”
ظهر رجل مسن قالوا إنه جد تالون.
بدا مريضًا بالفعل، وجهه شاحبٌ وجسمه ضعيف، وكان الكرسي المتحرك يبدو ضخمةً عليه.
لكن صوته كان قويًا وواضحًا.
أمطرني بكلماتٍ لا أعلم إن كانت دعاءً أو تذمرًا، ومع ذلك لم يبدُ أنه متعب.
لم يكن شخصًا سيئًا.
“على أيّ حال، عيشوا بسعادة.”
“شكرًا لك يا سيدي.”
“وإذا تصرف تالون بغباء، فأخبريني فورًا.”
ابتسمت بلطف وقلت: “بالطبع.”
هكذا كنت مع كل من التقيت بهم هنا — الابتسامة تأتي تلقائيًا، بلا جهد.
كان الجميع ودودين ولطفاء.
رغم أنني ظهرت فجأةً كعروس، لم يشك أحد.
يكفي أنني الشخص الذي يحبه تالون حتى يمنحوني الثقة والمودة.
حتى جد تالون كان كذلك.
رغم نبرة كلامه الحادة، لم يبدُ أنه يكرهني.
ووعد بأن يكون في صفي.
… لا بد أن الكونت ديلاريك كان لطيفًا مع فيليون بهذا الشكل أيضًا.
اللعنة.
بمجرد أن خطر هذا في بالي، عضضتُ على لساني بقوة.
لماذا أفكر به مجددًا؟ لماذا!
تنفستُ بعمقٍ، وخفضتُ رأسي.
همستُ لنفسي مرارًا أن أتوقف عن التفكير، أن أبقى فارغة الذهن.
وبما أن جد تالون كان آخر الضيوف، كان لدي وقتٌ لأكرر هذا مائتي مرة على الأقل.
حتى فتح أحد الخدم باب غرفة العروس وأطل برأسه.
“سيبدأ الحفل قريبًا! استعدوا!”
غادرت مع قريبات رايتشل هولدن المزعومات غرفة الاستعداد.
وبدأت الترديد في داخلي مجددًا:
ادخلي، قولي النذر، تبادلا الخواتم، وانتهي الأمر!
لحسن الحظ، نجح الأمر.
وأنا أدخل القاعة على وقع الموسيقى المهيبة، لم يخطر ببالي شيء آخر.
كنت أنظر مباشرةً إلى تالون وأنا أتقدم نحوه.
“أنتِ جميلة، سيدتي.”
“وأنت أيضًا، يا سيدي النبيل. إنه لشرفٌ أن أتزوج بك.”
“وأنا أكثر شرفًا.”
عندما واجهت الكاهن الذي جلبه تالون مقابل مبلغ كبير، ابتسمتُ بثقة.
لم يتبقَ سوى خطوتين: النذر، وتبادل الخواتم!
“هل تعد أيها العريس، تالون لويانس، أن تحمي العروس رايتشل هولدن، وأن تعتمد عليها مهما كانت الظروف، وأن تبني معها بيتًا قائمًا على الحب والثقة؟”
“نعم.”
ابتسم تالون لي وقال:
“بالطبع.”
“هل تعدين أيتها العروس، رايتشل هولدن، أن تثقي دائمًا بالعريس تالون لويانس، وأن تبقي معه إلى الأبد؟”
رفعت زاوية شفتي بابتسامة.
بقيت خطوةٌ واحدة فقط بعد هذا…
لكن قبل أن أجيب،
دوي.
سمعتُ فجأة صوتًا غريبًا.
كان خافتًا حتى شككت أنه مجرد وهم.
تجاهلت الأمر، وهممت بالكلام مجددًا.
دوي! دوي!
تكرر الصوت، هذه المرة بوضوحٍ أكبر.
بعض الحضور التفتوا إلى الخلف.
لكن سرعان ما عاد الصمت.
قطب الكاهن حاجبيه وهو ينظر باتجاه المقاعد الخلفية.
“همم، سأكرر السؤال. هل—”
وفجأة—
دوي! دوي!
اهتز المكان بصوتٍ أوضح، وترددت اهتزازاتٌ خفيفة عبر الأرضية.
وبينما كان الناس يتهامسون، استمرت الاهتزازات.
ثم جاء صوت ارتطامٌ قوي بوم!
واندفعت أبواب القاعة مفتوحة بعنف.
“آآآه!”
سقط شيء ما على الأرض داخل القاعة.
وبتتبع نظرات المرأة التي صرخت، رأيتُ أن ذلك ‘الشيء’ لم يكن سوى رجلٍّ منكمش على نفسه.
عرفته فورًا — كان أحد الحراس الذين استأجرهم تالون.
أحضرهم فقط ليبدو الوضع طبيعيًا، لأنه لم يكن يتوقع أي مشاكل حقيقية…
“ما هذا…؟”
في تلك اللحظة، ظهر شخصٌ عند الباب المفتوح.
صرخت امرأةٌ أخرى، فقد كان يحمل في يده حارسًا آخر فاقدٌ الوعي — وكان هذا أكبرهم حجمًا وقوة.
جرّه المقتحم بلا مبالاة، تاركًا خلفه خطًا مِن الدم الأسود على الأرض.
سأله شخصٌ جريء:
“مَن أنت؟”
لكن بدل الإجابة، ألقى المقتحم بالحارس على الأرض، فاصطدم بجرة زهورٍ كبيرة فتكسرت بصوتٍ مدوٍّ.
ساد الصمت.
تقدّم المقتحم بخطى ثابتة نحو وسط القاعة، دون أن يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منه.
ثم وقف أسفل الدرج الذي صعدتُ منه أنا قبل قليل.
يا إلهي…
كان وجهه مألوفًا جدًا.
حتى أنني لم أصدق عينيّ حين رأيتُه، فناديته بتردد.
“في… فيليون…؟”
عندها تغيّر تعبيره.
ارتسمت ابتسامةٌ طويلة على شفتيه، وعيناه تضيئان بابتسامةٍ ساحرة.
ثم أجاب بصوتٍ مبهج.
“نعم، يا رايلي.”
شعرتُ بقشعريرةٍ باردة تزحف على ظهري.
تجمدت أصابعي، وتوقف قلبي للحظة.
فيليون نطق اسمي…!
وبينما كنتُ جامدةً من الصدمة، ابتسم بفرحٍ وقال:
“أخيرًا وجدتُكِ.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 87"