أخرج إيان قوارير الدواء واحدةً تلو الأخرى ودحرجها نحوي.
توقفت خمس قواريرٍ كاملة عند قدمي. لكنّني لم ألتقط أيًّا منها.
اكتفيت بالتحديق فيه بثبات.
“سألتُكَ، ما الذي تفعله؟”
“قد تبدو بخيرٍ الآن، لكنها سُمومٌ قاتلة. إذا لم تتناول المُهَدِّئ كلَّ ست ساعات، فسينتشر الطفح الجلدي في جسدك بأكمله، وفي غضون ساعة ستدخل في نوبة وتموت. صحيح أنّ الترياق يشفي، لكن ستعاني من آثارٍ جانبية لفترة.”
“لقد قلت، لماذا تفعل هذا؟!”
“أنتِ تنوين الذهاب إلى القارة الشرقية، صحيح؟ سأُرسلكَ إلى هناك مهما كلّف الأمر. لديّ خطة.”
قال إيان مبتسمًا:
“استغلّيني، رايلي.”
“……”
“سأضع حياتي بين يديكِ.”
لم تكن نظرته مازحة، وهذا ما جعلني أزداد ذهولًا.
تأملتُه بصمت ثم التقطتُ قارورةً واحدة.
“لا يمكنني أن أثق بكَ مباشرة.”
“أتفهَّم. هل ننتظر معًا حتى تأتي النوبة؟ المكان هنا بارد قليلًا، ما رأيكِ بالانتقال إلى ذاك المستودع؟”
أومأت برأسي، جمعتُ القوارير كلَّها ووضعتها في حقيبتي، ثم تبعتُه إلى الداخل.
المستودع الواسع كان يملؤه الصمت.
إيان وأنا، لم نتبادل كلمةً واحدة. جلس كلٌّ منّا في زاويةٍ بعيدة عن الآخر، نراقب بعضنا فقط.
‘إن لم تظهر عليه الأعراض، سأهاجمه بالسحر فورًا. والمستودع سيكتم الضوضاء نسبيًّا.’
انشغلتُ بتنقية قواي السحرية، أفكّر في أيِّ تعويذةٍ ستكون أكثر فاعلية، وأتخيّل سيناريوهات مختلفة في رأسي.
بعد دقائق استعاد وعيّه بالكامل، لكن وجهه كان شاحبًا شحوب مريضٍ حقيقي، مِما جعلني أبتسم بسخرية.
بل إن جسده كان يرتجف قليلًا، فاضطررتُ لنشر دفء سحري حوله، ليبتسم قائلًا:
“شكرًا.”
“هل جننتَ حقًّا؟ لماذا فعلت ذلك؟”
“ظننت أنّكِ ستثقين بي بهذه الطريقة.”
… حسنًا، ربما نبتت في داخلي ثقةٌ صغيرةٌ جدًّا، لكن لا أدري إن كان الأمر يستحق كل هذا.
حتى عندما كنت أتهيأ لاستخدام السحر لم يبدُ عليه أدنى توتر.
‘هل هو واثقٌ أنّي لن أؤذيه؟’
أم…
‘حتى لو هاجمته… فهو مستعدٌ لتقبُّل الأمر؟’
ما كان مؤكدًا هو أنّ إيان الآن مسموم، وقرار إنقاذه بيدي.
بحثتُ في جسده وهو فاقد الوعي علّني أجد ترياقًا آخر، لكن لم أجد شيئًا. وإن كان هناك شيء مميّز فقد…
“تذكرت، لم أعطكِ ورقة تركيبة المُهَدِّئ. خذي.”
وأعطاني إيّاها الآن، وهي مختومةٌ بحيث لا يمكنني قراءة ما بداخلها.
“أعلم أنّكِ لن تُزيلي الشك تمامًا… لكن.”
“فهمت، لا داعي للمزيد.”
كان صوته مبحوحًا لدرجةٍ لا تحتمل. شعرتُ ببعض الشفقة.
“هيا بنا، علينا إيجاد مكان آخر للراحة.”
ساعدته على النهوض، وغادرنا المستودع.
كانت مرافقة لا أرغب بها أبدًا.
***
ذهبتُ بإيان إلى نُزُل متداعٍ، أرخص مكان يمكن إيجاده، مليء بالغرف، وصاحبُه لا يهتم بالنزلاء.
دفعتُ الأجرة، وأُعطيت المفتاح فورًا.
تحدّثنا هناك عن كيف عثر عليَّ، والطريقة التي اتبعها، وصدقته نسبيًّا… لكني أبقيت باب الشك مفتوحًا، لذا أخذت غرفةً أخرى.
وفي صباح اليوم التالي، عند الميناء، قطّبت حاجبيّ حين رأيت رجالًا مدججين بالسلاح.
“سيطروا على المكان بين ليلةٍ وضحاها.”
“لقد تمّت الصفقة مع النبلاء، وسيبدأ بناء سكة الحديد الماجوتقنية في الشمال هذا العام. ستكون الأولى في العالم، وسيأتي الكثيرون لرؤيتها.”
أخبرني أيضًا أنّ جنود وليّ العهد منتشرون في كل الموانئ، حتى ذكر أعدادهم بالتفصيل.
“وكيف تعرف كل هذا؟”
“ولي العهد لا يضع خطةً مهمة دون إبقائي إلى جانبه.”
“لطالما تساءلت، كيف أصبحتَ قريبًا منه إلى هذه الدرجة؟”
“اتبعتُ ما فعلتِه أنتِ مع الكونت فولكس.”
ثم أضاف متلعثمًا:
“لكن من دون دلع.”
“أنا أيضًا… لم أستخدم الدلع!”
إذن، كنتَ تسايره، وتبدو ممتنًّا، وتظهر الحزن والقلق عند الفراق… وكل هذا مع ولي العهد؟ لابد أنّ الأمر كان مرهقًا.
“متأكّد أنكَ تريد مساعدتي؟ إذا علم ولي العهد فسيشعر بخيانةٍ كبيرة.”
بحسب ما قاله أمس، حتى استراق السمع على خطط ولي العهد كان نتيجة توجيهه لي، وكدتُ أن أُكتشف وقتها.
فلو لم يُشغل فيليون ولي العهد عني، لكنتُ انكشفت.
حينها قال إيان بجدية:
“أنتِ أهمّ بالنسبة لي.”
التفتُّ نحوه متفحصة…
‘هل… يعجبٌ بي؟’
… لا، ربما هو شعورٌ بالذنب.
حين أخبر الكونت فولكس بما قلتُه، كدتُ أن أُلقى لمصير أسود: حبسٌ تحت الأرض، استعباد حتى الموت، ثم التحوّل إلى فأر تجارب.
إيان علم بحقيقة الكونت في سن السابعة عشرة، وأراد إخراجي من برج السحر، لكني رفضت، وبقي الأمر دينًا في قلبه.
“البقاء هنا خطر، لنذهب.”
تركنا الميناء، وركبنا عربة أجرة، حتى وصلنا إلى قصرٍ في ضواحي هادئة.
عند البوابة، تعرف علينا الحارس، ودخلنا الحديقة.
“إيااان!”
ركض رجل قوي البنية، ذو شعرٍ بني، وعانقه بحرارة.
“مرّ وقتٌ طويل، أليس كذلك؟”
“نعم، كيف حالك؟”
“كما أنا دائمًا. وهذه شقيقتكَ؟”
انحنيتُ بتحية:
“لينا فولكس.”
“تالون لويانس، تشرفنا يا آنسة.”
دخلنا القصر الفخم، كل ما تقع عليه العين يلمع كالذهب. حتى الأرائك الفاخرة تجعل الجلوس عليها بحذر.
أمر تالون الخدم بالمغادرة، وأغلق الباب، ثم ابتسم.
“والآن، فلنكن صريحين.”
“في الواقع…”
“نعم، أنا امرأة.”
هز كتفيه:
“مفاجئ، أليس كذلك؟ أحب رؤية هذه النظرة في عيون الناس.”
حتى بعد قوله، كان من الصعب التصديق. مظهره وصوته رجوليان بالكامل.
“حتى في الأكاديمية العسكرية لم يكتشف أحدٌ أمري، سوى شخصٍ واحد.”
ونظر إلى إيان، الذي كان رفيق غرفته وقتها.
“كنت واثقةً أني سأخفي الأمر حتى ونحن نتشارك الغرفة.”
“أفهم…”
عاشت كذكر منذ طفولتها، حتى الأوراق الرسمية مسجّل فيها أنها ذكر. كان ذلك بقرارٍ من والديها، وخاصة والدتها، البارونة السابقة، التي واجهت محاولاتٍ لا حصر لها من أقارب ذكور للاستيلاء على منصبها، رغم نجاحها في كل مهامها.
حين وُلدت تالون، حُكم على والدتها بعدم القدرة على الإنجاب مجددًا، فقررت تربيتها كصبي لتفادي المعاناة نفسها.
بقيت تالون تُعامل كـ ذكر طوال حياتها إلى أن التقت بشخصٍ قد غير كل أفكارها. حبيبها الشخص الذي كشف حقيقتها و احبها و حماها رغم ذلك.
طوال حياتها، عاشَت تالون تحت قناع الرجل، تؤدي دورها بإتقان حتى نسيَت ملامح ذاتها الحقيقية.
لكن لقاءٌ واحدٌ قلب موازين عالمها رأسًا على عقب.
كان هو من اخترق جدرانها العالية، من كشف السر الذي لم تجرؤ يومًا على البوح به. لم يبتعد، لم يَشْمَئِزّ، بل احتواها. أحبّها كما هي، وحماها وكأنَّ وجودها بات جزءًا من روحه.
ومنذ تلك اللحظة، لم تعد حياتها كما كانت أبدًا.
حتى وأنا أسمع القصة، كانت تالون تبدو مرتاحة، واثقة، تنضح قوة داخلية لا يمكن اصطناعها، نابعةٌ من محبةٍ عائلية حقيقية.
“قد لا تصدقين، لكني راضيةٌ تمامًا عن حياتي الحالية. ولا أنوي الكشف عن جنسي أبدًا.”
“……”
“حتى مسألة الوريث وجدتُ لها حلًّا، فحبيبي يحميني ويحفظ سرّي، وهو ينتظرني في القارة الشرقية.”
كانت تملك كل شيء: الكفاءة، الحليف المخلص، وحتى شريك الحياة.
“هددني برسائل عدّة أنّه سيأتي إليّ إن لم أذهب إليه خلال نصف عام.”
قالت ذلك بلهجة متبرمة، فيما أنا ابتسمت.
“لابد أنكِ تشتاقين إليه كثيرًا.”
“… نعم، كثيرًا جدًا. والآن تفهمين لماذا أحتاجكِ.”
ابتسمت تالون.
“لِنُقم زواجًا مزيفًا، يا لينا فولكس.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 84"