حين فتح عينيه، كانت السماءُ قد تلوَّنت بضوءٍ باهت.
وسط هواءِ الفجرِ البارد، نهضَ فيليُون ببطء. كان رأسُه مثقَلاً، ووعيه لا يزال ضبابيًا. وحين ابتلع ريقَه، أحسَّ بحرقةٍ في حلقه.
لماذا أنا نائمٌ في الخارج في هذه الساعة؟
وكأنَّ سؤالَه استدعى الجواب، راحت ذكرياته تعود تباعًا.
ملاحقته سرًّا لجَدّه وأمّه.
رؤيته للكَهفِ المنهار…
لقد رأيتُ رايلي في الحلم.
في ذلك الحلم، كانت قد ماتت. جاءته إيريون تبكي وهي تُخبره أنّها ماتت وهي تدافع عنه.
بدأ فيليُون يُعيد ترتيب ما تلا ذلك.
كانت هناك أحداثٌ كثيرة، وكلُّ شيءٍ جرى بسرعةٍ هائلة.
حتى جاء ذلك اليوم، وهو يقضي وقته شبه غائبٍ عن الوعيّ…
حين جاء ‘ذلك الرجل’ يبحث عنه.
-“هل تريد أن تلتقي رايلي فوكس من جديد؟”
“تبا…” تمتم فيليُون وهو يمرر يده بعنفٍ عبر شعره.
لقد تذكَّر كلَّ شيء.
ما الذي جرى بعد لقائه بذلك الرجل، ولماذا وُجد هذا الكهف، وكيف استطاع استعادة ذكرياته هنا… كلّ ذلك.
“هاه…” زفر بعمق.
مع ذلك، ظلّت ذكريات العام والنصف الماضيين مفقودة. لكنّه لم يعد يشعر بالاختناق. فقد حصل على ما يكفي من الخيوط.
-“هناك ما يُسمّى بالسحر المانع للإدراك. مُعلمي كان يرتدي نظّارةً مسحورة بهذا النوع من السحر.”
-“…علاقتكما لم تكن جيدة أبدًا. لم يكن أحدٌ ليتصوّر أنكما قد تقضيان الوقت معًا.”
والآن وقد تبيّن له ما عليه فعله، لم يعد هناك سببٌ للتأخير.
بعينين أكثر حزمًا من أيِّ وقتٍ مضى، بدأ فيليون يمشي بخطواتٍ ثابتة نحو هدفه.
***
لأكون صادقة، لم أكن أنوي منذ البداية قبول دعم الكونت.
حتى لو كنتُ قد رحلتُ مع فيليون إلى القارّة الشرقية، لما قبلتُ دعمه. كنّا سنختفي ونعيش بطريقتنا الخاصة.
والآن، وقد أصبحتُ وحدي بلا فيليون، لم يكن هناك أيُّ سببٍ يجعلني أقبل دعمه.
قد يغيّر الكونت رأيه فجأةً ويسلّمني لوليّ العهد، أليس كذلك؟
أتظن أن هذا تفكيرٌ مبالغٌ فيه؟ لستُ واثقة. طالما أنَّ الكونت متورطٌ في سياسة الإمبراطورية، فإنَّ المتغيرات قد تظهر في أيّ وقت.
ثم إنني كنتُ ورقةً مناسبة تمامًا لصفقةٍ مع العائلة الإمبراطورية. فهو ليس مقرّبًا مني، وبما أنني ابنة الكونت فوكس، فلن يتردد في استغلالي بلا أيّ شعورٍ بالذنب.
…أشعر ببعض الذنب لأني غادرتُ دون وداعٍ لهيميل.
الرحيل هو القرار الصحيح.
في اليوم الذي قال فيه هيميل إنه سيتفقد المنطقة وتركَني في إحدى القرى وحيدة، ما إن رأيتُه يخرج تمامًا من القرية، حتى غادرتها أنا أيضًا متجهةً إلى مكانٍ آخر. قدتُ الحصان طويلًا نحو الشمال.
هناك ميناءٌ آخر في أقصى شمال الإمبراطورية. سأذهب إليه.
وأثناء الرحلة، صبغتُ شعري باللون الأسود، وصنعتُ نظارةً جديدة تمنع التعرّف عليّ، واخترعت اسمًا وشخصيةً جديدَين غير ‘ريكس إيميل’.
ومضى الوقت حتى وصلتُ إلى الآن…
“لينا! طعام الطاولة رقم ثلاثة جاهز!”
كنت أعمل بجدٍّ في مدينةٍ جديدة وصلتُ إليها.
“نعم، قادمة!”
وضعتُ الأطباق على العربة، وأسرعت بخطواتي. وبعد أن أوصلت الطعام، عدت إلى المطبخ، ثم خرجت مرةً أخرى… وهكذا.
أتسأل لماذا أعمل هكذا؟ ببساطة، كان لدي الكثير من الوقت الفارغ.
حين وصلتُ إلى هذا الميناء، كانت جميع السفن المتجهة للقارّة الشرقية قد غادرت بالفعل. أخبروني أن السفينة التالية ستغادر بعد ثلاثة أشهر، فاضطررتُ للبقاء هنا. بل واستقبلتُ العام الجديد في هذا المكان.
ولأقتل الوقت، التحقتُ بالعمل في أكبر مطعم في المدينة الساحلية. ولم يتعرّف عليّ أحدٌ طوال هذه الفترة.
حتى اليوم، كان العمل هادئًا.
“صحيح، لينا… الأسبوع القادم هو آخر أسبوعٍ لكِ، أليس كذلك؟”
كان الوقت متأخرًا في الليل، ونحن نقترب من الإغلاق حين تحدثت إليّ إحدى الزميلات.
“نعم، صحيح.”
“يا للأسف. إلى أين قلتِ أنك ذاهبة؟”
“إلى العاصمة. أختي الصغرى صارت ضعيفةً بعد الولادة وتحتاج مساعدتي.”
“آه صحيح، تذكرت.”
بالطبع، ربما لم تكن تصغي جيدًا، فحديث الإغلاق عادةً ما يكون عابرًا.
وبما أنني كنتُ أحافظ على مسافةٍ مع الآخرين خارج العمل، فلم تكن بيننا روابطٌ قوية. خاصةً وأنني على وشك الرحيل.
“إذا ذهبتِ للعاصمة… فلن نراكِ لفترةٍ طويلة، فهي بعيدةٌ جدًا.”
“صحيح، ربما سأبقى هناك عامًا.”
“إذًا فلنقم بحفل وداع نهاية الأسبوع! ما رأيكِ؟”
“حفل وداع؟” فتحتُ عيني دهشةً، لكنها ابتسمت وهزت رأسها بحماس.
“هل سيكون مناسبًا؟”
“ولِمَ لا!”
بدأت تضع الخطة فورًا: سيكون الحفل في نهاية الأسبوع في مطعم سكن الموظفين الكبير، وسندعو كل من يستطيع الحضور.
“حسنًا… رُبما.”
“رائع! سأخبر البقية وأهتم بالتحضير. أنتِ فقط تعالي!”
ثم أسرعت إلى المطبخ لتبليغ الآخرين.
… لو كنتُ أنا القديمة، لكنت رفضت فورًا.
لقد وافقت بلا شعور. لا، في الحقيقة، أعلم السبب جيدًا.
منذ أن تركتُ فيليون، أشعر بوضوحٍ بالوحدة. صرتُ أتكلم مع نفسي كثيرًا، وأشعر بالغرابة حين يعمّ الصمت. فألتفت حولي… رغم أنني أعلم أن أحدًا لن يظهر.
لقد اكتسبتُ عادةً سيئة.
غرستُ المكنسة في الأرض بغيظ، وحاولتُ نسيان الاسم الذي أقسمتُ ألّا أنطقه مجددًا.
لكن فجأة، رنّت أجراس الباب، ودخل رجلٌ طويل القامة. نهض صاحب المطعم مرحّبًا به.
“هل تأخرتُ عن موعد العشاء؟”
“لا أبدًا! تفضل بالدخول.”
في الشمال، هناك عادة بعدم ردّ الضيوف حتى وإن جاؤوا متأخرين.
جلس الرجل في زاوية، ودخلت إحدى الزميلات من المطبخ، وما إن رأته حتى ابتسمت وقالت:
“وسيم، أليس كذلك؟”
أما أنا، فأمسكتُ بطرف فستاني بقوة.
إيان سيرفيل!
لا يمكن أن أكون مخطئة. كيف يمكن أن أخطئ في تمييز ذلك الشعر الأحمر المطابق لشعر الكونت فوكس؟
“لينا! هناك طلبٌ للضيف!”
“سأذهب أنا!! هل يمكن؟” همست لي الزميلة قبل أن تذهب نحوه.
كنتُ محظوظةً أنني لن أواجهه مباشرة.
اللعين! كيف عرف أنني هنا؟
نزعتُ المئزر بسرعة، وغادرتُ من الباب الخلفي للمطعم.
في سكن الموظفين، التقيت بزميل.
“لينا؟ عدتِ مبكرًا؟”
“آه… أشعر بوعكةٍ بسيطة.”
دخلتُ غرفتي مسرعة، وقلبي يخفق.
لا يمكن أن يكون صدفة. حتى إن كانت صدفة، فهي خطر.
بدأت أجمع أمتعتي بسرعة، ولم يكن لدي الكثير منها. لكن الخروج مباشرةً كان مستحيلاً، إذ كان عند المدخل عددٌ من الموظفين يتحدثون.
لا بد أن أغادر دون أن يلاحظ أحد.
انتظرتُ حتى تجاوزت الساعة منتصف الليل، حين ساد الصمت. خرجتُ بخفةٍ، متجنبةً إصدار أيّ صوت.
لكن حين دخلتُ الغابة خلف المبنى، لمحت من بعيدٍ ذلك الشعر الأحمر المألوف.
وقبل أن أتراجع، التفت نحوي.
“رايلي.”
اللعنة… لقد عرفني.
قال مبتسمًا:
“كنتِ هنا إذن… مر وقتٌ طويل.”
“وجدتني في النهاية، إيان.” حدّقتُ فيه وأنا أستجمع طاقتي السحرية.
“لماذا… تبتسم؟”
“لأنكِ لا تبدين مصابة. جيد أنكِ خرجتِ سالمةً، أحسنتِ يا رايلي.”
“لم أفعل ذلك للحصول على مديحك!”
ثم صرختُ أكثر مِما يجب.
“لن أذهب لوليّ العهد.”
“بالطبع.” قالها بنبرةٍ هادئة. “جئتُ لأساعدكِ.”
صمتُّ، فتابع:
“الشمال لم يعد آمنًا. وليّ العهد حصل على إذن النبلاء لإرسال قواته هنا.”
كم أكرهه…
“سأساعدكِ.”
“لا أصدقك، ارحل.”
عندما أدخل يده في معطفه، ظننته سيخرج سلاحًا. لكنه أخرج زجاجةً صغيرة.
“إنه سم.”
ثم فتحها وشربها مباشرةً. أخرج أخرى وقال:
“وهذا هو الترياق الوحيد.”
وضعها أرضًا فتدحرجت حتى وصلت لقدمي.
“ماذا… تفعل؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 83"