حين زارَ عائلةُ ديلاريك بعد غيابٍ طويل، قالَ الجدّ:
“هذه الآنسة إيريون ريفيل. لا بدّ أنّك سمعتَ بعائلة البارون ريفيل؟ قديمًا ساعدتني على إيقاف تمرّد الوحوش.”
“فماذا في ذلك؟”
“ما رأيُك أن تتّخذها تلميذةً لك؟”
“لا أريد.”
ارتجفَ كتفُ إيريون من نبرةِ الرفض الحاسمة، لكنّ فيليون لم يُزِح نظره البارد عنها، إذ كان يرى خطّةَ جدّه الرامية لربطه بها.
“أنا لا أريد. ولا أحتاجُ إلى تلميذة.”
وعلى عكس إيريون، لم يُبدِ الكونتُ أيّ انزعاجٍ من ردّ فيليون البارد.
وبعد أن صرفَ إيريون من المكتب، سأله:
“ما السبب؟”
“مشغول. أين لي وقتٌ لأرعى أحدًا؟ أنا بالكاد أجد وقتًا لأجذبَ رايلي إليّ.”
“همم، ظننتُ أنَّ الأمر انتهى. لقد مرَّ زمنٌ طويل على الموعدين اللذين اتفقتَ عليهما.”
“لم ينتهِ بعد. أَعطني وقتًا أطول.”
أجابَ فيليون بوقاحةٍ وإصرار، فابتسمَ الكونت.
“حسنًا، سنتحدّث لاحقًا.”
كانت ابتسامةً تحمل معنى الدلال. ولأنّه لم يكن لديه عذرٌ آخر، ولخشيتِه أن يغيّر الجدُّ رأيه، عادَ فيليون إلى برج السّحر وهو يحملُ ضيقه معه.
وأوّل ما قصدَه كان، كالعادة، مختبرَ رايلي.
هذه المرّة، لم تتذمّر رايلي من جلوسه في زاوية الأريكة، بل بدت معتادةً على وجوده، حتى إنّها كانت تواصلُ انشغالها بأعمالها وهو بجوارها.
وبينما كان فيليون يتأمّل مؤخرةَ رأسها وهي تقرأ كتابًا بحثيًّا، نطق فجأة.
“رايلي. أظنّ أنّه عليّ أن أتّخذ تلميذة.”
أجابت بعد لحظةٍ من التأخير.
“وما شأني أنا؟”
“جدّي وجد فتاةً موهوبة.”
قال كلمة ‘جدّي’ بلهجةٍ غريبة بسبب توتّره، لكنّه واصل الحديث.
“يقول إنّ مهارتي ستتحسّن إن قمتُ بالتعليم، ويقترح أن أقبلها كتلميذة. مضحك، أليس كذلك؟”
“آه، وما شأني أنا؟”
“… هل أقبلها؟”
نظرت إليه وهي تعقد حاجبيها قليلًا.
“ولِمَ تسألني أنا؟”
لأنّي أريدُك أن تهتمّي بهذا الأمر.
لذلك أعادَ طرح ذلك الكلام الذي لا أملَ فيه.
“لأنّكِ تُحبّـ…”
“قلتُ لك إنّني لا أحبّكَ!!”
لم يُصَب بخيبة أمل، فهو كان يعلم. لكنه كان يسأل كنوعٍ من المزاح، عسى أن تردّ عليه هي أيضًا بالمزاح يومًا ما.
ولو فعلت، لكان الأمر رائعًا.
“هكذا إذًا؟ لا بأس.”
قالها ثمّ نهض من مكانه، على غير عادته في البقاء طويلًا. فقد أراد مغادرة المكان باكرًا تلك المرّة.
ولم يدرك أنّه شعرَ بوخزةِ جرحٍ في قلبه، إلا بعد أن عاد إلى مختبره.
‘… يجب أن أبحثَ عن طريقةٍ أخرى لإنقاذ رايلي.’
ومنذ ذلك اليوم، لم يزر مختبرَها لأيام.
كان الوقت الذي يقضيه وحيدًا ثقيلًا، لكنّ رؤيةَ رايلي كانت أثقل عليه.
إلى أن جاء مساءٌ ما، فإذا به يسير نحو مختبرها دون قصد، مدفوعًا بعادته القديمة، وفجأةً توقّف.
كانت رايلي أمام باب المختبر.
لم يرَها خارجًا منذ شهرين، فكان الأمرُ مفاجئًا. كانت تمسك الدرابزين وتنظر من فوق الدرج إلى فيليون في الأسفل.
‘هل كانت تنتظرني؟’
لكن سرعان ما ابتسمَ بمرارة. مستحيل. ألم تقل عشرات المرّات أنّها لا تُحبّه؟ لا شكّ أنّها مصادفة.
لوّح لها بخفّة وهمّ بالرحيل، لكنّ صوتها المنخفض جاءه فجأة.
“لا تقبلها.”
توقّف فيليون والتفت إليها.
كانت لا تزال واقفةً هناك، تعضّ شفتها وكأنّها تكبح شيئًا، وتحدّق فيه من أعلى.
لم تُضِف أيّ كلمة، لكنّ المعنى كان واضحًا لكلٍّ منهما.
“حسنًا، لن أفعل.”
وما إن ابتسمَ حتى دخلت إلى المختبر وأغلقت الباب بعنف.
بقي فيليون واقفًا، مسندًا ظهره إلى الحائط، ثمّ انزلق ببطء وجلس مطويَّ الجسد.
‘هذا جنون.’
كان قلبه يخفق بجنون.
لقد فرحَ كثيرًا، فهذه الجملة القصيرة غرزت في قلبه أعمق من أيِّ كلمةٍ سمعها في حياته.
‘لا، لا يجب أن أطير فرحًا. ربما قالتها بلا حُبّ.’
لكن لا شكّ أنّها فكّرت في الأمر. وهذا وحده كان كافيًا ليملأه بالرضا.
وعاد إلى غرفته وأرسل رسالةً برفض قبول أيِّ تلميذ.
لكن بعد أيّام، وفي عطلة نهاية الأسبوع، جاء جده قائلاً.
“لقد أنهيتُ إجراءاتها، ستعيشُ إيريون في البرج كتلميذتكَ.”
ضحك فيليون بامتعاضٍ وهو يراهما في بهو البرج.
“ألم تصلك رسالتي؟ قلتُ لك سابقًا إنّي أرفض.”
“لم تصلني أيُّ رسالة.”
ثمّ وضع الجدّ يده على كتفه.
“لكنّك ستعتني بها، أليس كذلك؟”
لم يكن يريد ذلك إطلاقًا، لكنّ نظرات إيريون الحزينة جعلته يوافق مؤقّتًا، وهو يخطّط لإحالتها إلى قريبٍ آخر لاحقًا.
المشكلة أنّه حين عاد، التقى رايلي مصادفةً، وهي لم تخرج منذ شهرين.
“تبدوان مناسبين، أتمنّى لكما التوفيق.”
قالتها ببرودٍ ومضت، والجدّ يراقب المشهد من بعيد بابتسامةٍ ساخرة.
أدرك فيليون أنّه سمع كلامهما. لم يكن هناك أحدٌ تقريبًا، والجدّ معروفٌ بسمعِه الحاد.
فأسرع خلف رايلي، وأمسك بذراعها قبل أن تصعد الدرج.
“أنتِ لم تكوني تعنين ذلك، صحيح؟”
“ماذا؟”
“قلتِه فقط لأنّي لم ألتزم بوعدي، صحيح؟”
كان يريد فقط أن تقول: أحبّك. أو حتى أن تعتبره صديقًا.
“رايلي، أجيبيني.”
لكنها نزعت يدها بقوّة.
“كنتُ أعني ما قلت. لا يهمّني إن أخذتَ تلميذةً أو لا. بل قد أكرهكَ أكثر.”
ثمّ رمقته بأبرد نظرةٍ أرسلتها له يومًا.
“لا تكلّمني مجدّدًا.”
وغادرت.
بعدها تقدّم الجدّ نحوه، فتنفّس فيليون بحدّة.
لكن لم يكن في وضعٍ يسمح له برفضه.
“رايلي، لا.”
“وماذا بعد؟”
“سأفعل كلّ ما تطلبه.”
فأخبره الجدّ أنّ الكونت فولكس قد زرع لعنةً ذهنيّة في النبلاء تمنعهم من التحدّث عمّا جرى وإلّا ماتوا، وأنّه إن أزالها عنهم فسيشطب اسم رايلي من قائمة الإعدام، لكن بشرط ألّا يراها مجدّدًا.
وافق فيليون، وبدأ العمل على فكّ اللعنة، وهي أصعب ما واجهه.
وكان ينتظر أن تأتيه رايلي، لكنّها لم تفعل، فيما كانت تقضي وقتها مع إيريون وتتجاهله تمامًا.
وبعد شهر، أنهى تحليل اللعنة. وبعد شهرين، شفى دوق هايرن منها. وكان يحتاج لمكوّناتٍ نادرة لعلاج الآخرين، لذا انتظر شهرًا آخر.
وفي الشهر الثالث، جاءته فرصةٌ لمهمةٍ مشتركة مع رايلي، فوافق فورًا وطلب من الجدّ ألّا يعرف.
كانت رايلي تبدو أكثر إشراقًا، لكنّها حين تراه تبقى باردة، على عكس تعاملها مع إيريون.
وعندما اقترحتْ أن يتنافسا على من يقتل وحوشًا أكثر، ظنّ أنّها تستفزّه، فقبل بجدّية وفاز، ثمّ ابتسم بمكر.
“أخبرتُكِ يا رايلي، لن تتمكّني من هزيمتي أبدًا.”
ولم يكن يعلم أنِّ تلك ستكون آخر جملةٍ يتبادلها معها.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 82"