ثمّ حوّل الكلب الأسود نظره إلى مكانٍ آخر، قاطعًا اهتمامه بها.
شعر بالاشمئزاز مِن نفسه، لتعلّقه الساذج بها.
‘هي حقًّا شخصٌ لا أعرفه.’
ذلك الإحساس المألوف لَمْ يكُن سوى مجرّد عذرٍ للاقتراب منها.
لا مظهرها ولا هالتها تُثير أيَّ ذكرياتٍ لديه. كان يُراقبها منذ مدّة، لكنّه لَمْ يشعر بأيِّ شيء.
كان الأمر مختلفًا عندما التقى بدايل لأوّل مرّة…
― هل كنتَ ستتبعه حتى لو لَمْ يكُن شعره أحمر ولَمْ يرتدي نظارات؟
الشعر الأحمر. نعم، الكلب الأسود كان يشعر براحةٍ غريبة كلّما رأى ذَلك اللون.
لكنّ هِذهِ المرأة لم تكُن تملك شعرًا أحمر. وكما قال، لَمْ يتذكّر منها شيئًا.
لكن، حتّى لو تذكّر، فهو لَمْ يكُن ليخالف أمر دايل.
‘عليَّ أنٌ أتخلّص منها بسرعة.’
ولهَذا اقترب منها.
المشكلة أنّه، حتّى بعد انتهاء الحديث، لِمْ يشعر بأيِّ أثرٍ لوحشٍ قريب.
ألقى الكلب الأسود نظرةً خاطفة على المرأة مِن جديد.
وكما توقّع، كانت ما تزال تشعر بوجوده.
رغم انتهاء الحديث، كانت تقفُ قريبةً منه، وهَذا أمرٌ طبيعي أنْ يجعلها متوترة. لكنّ هَذهِ المسافة كانت مثاليّةً لتنفيذ الخطّة.
قرّر الكلب الأسود تشتيت تركيزها قليلًا.
“هل تعرفين سبب فقداني للذاكرة؟”
“أمم… لستُ متأكدة. رُبما كان ذَلك مِن الآثار الجانبية لاستخدام الكتاب المحرّم؟ لَمْ يسبق لأحدٍ أنْ استخدمه غيرك، لذَلك لا أستطيع الجزم.”
“إذا كنتُ أنا فيليون إلفيرت، فلماذا يوجد وجهٌ مختلف على منشور المكافآت؟”
“حسنًا، أنا أيضًا أريدُ أن أعرف.”
“ولماذا لَمْ تبحث عنّي عائلة دوق إلفيرت؟”
“لا أعلم.”
“الكتاب المحرّم؟ أين خبأتُه؟”
“لستُ… واثقة.”
نظر إليّها الكلب الأسود بنظرةٍ باردة.
“يبدو أنّكِ لا تعرفين شيئًا.”
“أنتَ مَن يسأل أسئلةً صعبة! كيف لي أنْ أعرف أين خبأتَ الكتاب المحرّم؟”
“لكنّكِ يمكنكِ على الأقل تقديم تخمين. أماكنٌ أذهب إليّها كثيرًا، مثلًا.”
“وأنا كيف لي أنْ أعرف تلكَ الأماكن؟! أنتَ كنتَ عدوي تقريبًا…”
قامت فجأةً بتغطية فمها، لكن الكلب الأسود لَمْ يفوّت تلكَ الكلمة.
“عدو… كنتِ تعتبرينني عدوًا؟”
وبشكلٍ انعكاسي، اتجهت يده نحو الخنجر عند خصره. والمرأة تجمّدت في مكانها.
وفي جوٍّ متوتّر، راقب الاثنان بعضهما بصمت. لَمْ ينطق أيُّ منهما بكلمة.
وحين أمسك الكلب الأسود مقبض الخنجر بإحكام…
“انتظر.”
أدارت المرأة رأسها فجأةً إلى الجانب. وأصبح وجهُها أكثر جديّة.
عندها فقط، أدرك الكلب الأسود أنَّ الضباب مِن حولهما قد أصبح أكثر كثافة.
“يبدو أنّهم وصلوا.”
لكنّه لم يستطع أنْ يشيح بنظرهِ عنها.
كونها كانت تعتبره عدوًّا.
‘لا أظنّ أنّها قد تكذب بشأن شيءٍ كهَذا.’
فهل كانت تعرفهُ حقًا؟
‘مَن تكون هَذهِ المرأة بحق الجحيم؟’
***
كنتُ أُراجع في رأسي سريعًا أنواع الوحوش التي تستدعي الضباب.
‘في غابةٍ كثيفة مثل هَذهِ، عدد الأنواع ليس كثيرًا. وقد قيل إنّهم لا يتعدّون الدرجة الرابعة…’
وفي تلكِ اللحظة، خرج شيءٌ ما مِن بين الأعشاب.
“أخيرًا وصلوا!”
فأس هيميل تحرّك دون تردّد، وقسَم الظلّ الذي اندفع إلى نصفين. مع صوتٍ خافت وثقيل، سقط على الأرض ذئبٌ له عدّة عيون.
“هناك المزيد! استعدّوا!”
وقبل أنْ تنتهي كلمات هيميل، ظهرت ثلاثة ذئاب أخرى، فاستجبنا بسرعة.
باستثناء دايل، الذي لا يُرى في أيِّ مكان، وفيليون الذي ينظر إليَّ وكأنّه ينوي قتلي.
“ماذا تفعلين؟ مِن المفترض أنْ تُقدّمي دعمًا!”
“لا أعتقد أنّهم بحاجةٍ إلى المساعدة.”
ولم يكُن ذلك خطأ.
فالذئاب التي ظهرت الآن كانت مِن النوع ذي الدرجة الرابعة، “الذئاب الطلسمية”. مظهرها شرس، لكنّ أجسادها أصغر مِن الذئاب العاديّة وهجماتها ليست قويّة جدًا. بريدين وهيميل وحدهما كافيان للتعامل معها.
لكن، مع هذا القدر مِن الضباب…
“أيّها الأحمق! زعيم الذئاب الطلسمية سيظهر قريبًا…”
وسط الدخان الأبيض، كان يبدو كأنّه شبحٌ. جسده أصغر مِن الذئاب الطلسمية الأخرى، لكنّ طاقته السحرية كانت أقوى بكثير. هو مَن يستدعي الضباب الكثيف ويقود قطيع الذئاب في الصيد.
‘لو أمسكتُ بها، فستُدرّ مالًا وفيرًا بالتأكيد.’
ظهوره كان يعني أنَّ هناك ما لا يقلّ عن خمسين ذئبًا طلسميًّا في الجوار.
لو هجموا دفعةً واحدة، فلَن يتمكّن بريدين وهيميل مِن صدّهم. وحتّى فيليون لَن ينجح بدوّن استخدام السحر.
لم يكُن هناك مٍن خيارٍ سوى أنْ أتدخّل أنا.
“هَذا أمرٌ خطير، فابقَ هنا.”
أمسكتُ بذراع فيليون بقوّة. فيليون الذي أعرفه كان سيسخر منّي، لكنّ الرجل الذي أمامي الآن أطاعني بهدوء.
ميديرا، وتُعرف بلقب ملكة الأفاعي. وحشٌ مِن الدرجة الثانية، وتُعدّ مِن الأنواع النادرة أيضًا. تتغذّى على الوحوش، لا على البشر، لذِلك نادرًا ما يتمّ رصدها.
يبلغ طولها مترين. تأخذ هيئة إنسان، لكنّ وزنها ثقيل.
ذَلك لأنَّ جسدها محاطٌ بمختلف أنواع الأفاعي.
وإنْ التقى نظرك بإحدى تلكَ الأفاعي، ستتحوّل مباشرةً إلى حجر. حتى أقوى السحرة لٍن يتمكّنوا مِن المقاومة.
لو لَمْ يُمسكني فيليون في تلكً اللحظة…
‘لتحوّلتُ إلى حجر الآن.’
رغم أنّني فهمتُ مِن تكون، لَمْ أتوقّع أنَّ ميديرا اقتربت منّا إلى هِذا الحد. رغبتي بإنقاذ بريدين هي مَن جعلتني أتحرّك دوّن تفكير.
…وكون هِذا الشخص هو مَن أنقذني، كان أمرًا غير متوقّع على الإطلاق.
‘كان يُراقبني بحذرٍ طوال الوقت، لكنه أنقذني في النهاية.’
رغم هَذهِ الأفكار، كانت ميديرا تقترب بثبات.
وبعد فترةٍ قصيرة، توقّفت خطواتها، وسمعنا صوت أنفاسها تشهق الهواء. وشعرتُ أيضًا بتحرّك المانا مِن حولنا.
لكنّها لَمْ تبقَ طويلًا.
“هل رحلت؟”
فتحتُ جفوني بحذر ونظرتُ حولي.
لا أحد. لقد غادرت حقًّا. تنفّستُ الصعداء بلا وعي. وحين التفتُّ للأمام مِن جديد…
تقابلتْ عيناي مع عينيه البنفسجيّتين الفاتحتين.
“أوه…”
خفق قلبي بخفّة. كما قلت، لَمْ يحدث أنْ كنا بهَذا القرب مِن قبل. ولَمْ أنظر إليه مِن هَذهِ المسافة في حياتي.
وربّما لهذا السبب، رغم إدراكي لمدى الإحراج، وجدتُ نفسي أحدّق فيه.
وفيليون أيضًا لَمْ يُبعد يده، وكان يُحدّق بي بصمت.
لولا أنْ نادانا هيميل، لكنا بقينا هًكذا لبعض الوقت.
“هل هناك ناجون؟”
“ه… هنا! أنا هنا!”
أبعدتُ يد فيليون عنّي وخرجتُ إلى الساحة.
“أنا هنا! وفيل… الكلب الأسود أيضًا هنا!”
“هَذا جيد.”
“ماذا عنك؟ هل أنتَ بخير؟”
“آه. نجوت.”
خرج هيميل مِن بين الأعشاب وهزّ كتفيه بلا مبالاة.
“وماذا عن بريدين…؟”
وحين التفتُّ بعيدًا عنه، رأيتُ بريدين.
بل، ‘عَثرتُ’ عليها أدقّ.
لأنّها كانت قد تحوّلت بالكامل إلى حجر.
مثل تمثالٍ نحته أحدهم بعناية، تحجّرت بريدين وهي تضع تعبيرًا مصدومًا.
…وبجوارها تمامًا.
“يا إلهي…”
ركع فيليون على ركبتيهِ، بلا قوّة، أمام دايل الذي تحجّر بنفس التعبير تمامًا.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 8"