لم أتمكّن في النهاية من أن أسألها عن اللون الذي تُحبّه.
على أيّ حال، تحسَّنت علاقتي مع رايلي قليلًا.
كان الأمر مختلفًا منذ اللحظة التي تلاقينا فيها.
ففي المرّة السابقة، كانت ما إن ترى فيليون حتّى تعقد حاجبيها وتشيح برأسها فجأة وترحل.
أمّا الآن، فقد صار هناك وقت تقف فيه قليلًا وتنظر إليه.
وكأنّها حين تتذكّر كيف ضحكت بشدّة عندما رأتْه يتلقّى صفعة، ترتسم على وجهها ملامح إحراج، ثمّ إذا ظلّ فيليون يحدّق بها، ترفع يدها بخفّة بالغة.
كانت لحظة قصيرة جدًّا حتّى إنّها أحيانًا بدت كإشارةٍ تطرده بها، لكن فيليون لم يكن يجهل أنّ تلك طريقة رايلي في إلقاء التحية.
هو أيضًا غيّر قليلًا من طريقة تعامله معها.
صحيح أنّه لم يسبقها بالكلام، لكنّه لم يعد يبالغ في انتقادها عندما تخسر في المبارزة كما كان من قبل.
ظلّ أسلوبها المليء بالاستفزاز على حاله.
“لم تفوزِي اليوم أيضًا. يا للأسف.”
“ملامحكَ لا يبدو فيها أيًّ أسف!”
“آه، لقد انكشف أمري.”
لقد التزم بحدودٍ معيّنة.
وكان يعلم أنّه لو تجاوزها هذه المرّة، فسوف تعاملُه رايلي وكأنّه غير موجود على الإطلاق، لذلك تصرّف بحذر.
حتّى أنّه صار يتلقّى الهدايا منها مجدّدًا.
لم تكن رايلي قد أحضرتها له من تلقاء نفسها، بل كان هناك سببٌ لذلك.
كان ذلك بعد بداية العام الجديد بأيامٍ قليلة.
كان في مطعم مع أصدقائه عندما نزلت رايلي لتناول الطعام.
وبحسب ما سمعه، فإنّ الكونت فولكس قد انتقدها أمام الجميع في قاعة الحفل قائلًا إنّه خاب أمله بها.
وربّما لهذا السبب بدت في ذلك اليوم بلا طاقة على الإطلاق.
وبما أنّها نزلت وحدها، متثاقلة الخطى، من دون أقارب يرافقونها، فقد بدت، على غير العادة، مثيرةً للشفقة رغم أنّها من فولكس.
لو لم يكن أصدقاؤه موجودين، لكان بادر بالكلام ذلك اليوم.
لكن خشية أن يصل إلى جدّه كلامٌ غريب، لم يجرؤ فيليون على النهوض من مقعده.
راح يمضغ بلا اكتراث قطعة بسكويت أحضرها صديقه من مكان فاخر، وهو يراقب رايلي الجالسة على مقربةٍ منه.
وفي اللحظة التي سأله فيها صديقه لماذا لم يأكل سوى واحدة، التقت عيناه بعينيها.
فوضع فيليون البسكويت وقال مبتسمًا:
“لا تُناسب ذوقي كثيرًا.”
“حقًّا؟”
“البسكويت الذي خبزه أحدهم لي من قبل كان ألذ بكثير.”
مع أنّه لم يذقه قط ورمى به كلّه، فإنّ أحدًا على هذه الطاولة لم يكن يعرف ذلك، فبدت جملته في غاية الهدوء.
لم تُبدِ رايلي ردّة فعلٍ واضحة، بل نظرت إليه قليلًا، ثمّ عادت تخفّض رأسها وتركّز على طعامها.
ظلّ يراقبها حتّى وهي تنهض وتغادر، لكن لم تتلاقَ نظراتهما مرّة أخرى.
‘أهذا ليس كافيًا؟’
عبث فيليون بشعره من الخلف بضجر، وفكّر: ماذا كان عليه أن يقول إذًا؟ ثمّ غفا وهو يفكّر.
في اليوم التالي استيقظ في وقتٍ مبكّر جدًّا.
ذهب إلى الصف قبل أصدقائه وجلس شاردًا يُحدّق من النافذة.
وفجأة، طرّق شيءٌ صغير على مكتبه.
كانت رايلي قد ألقت عليه لفافةً صغيرة.
“وجدتُها في طريقي.”
“…….”
“إن… لم تُرِدها، فارْمِها.”
ثمّ استدارت راحلة إلى مقعدها قبل أن يتمكّن فيليون من قول “شكرًا”.
وبالرغم من أنّ أصدقاءه دخلوا بعد لحظات فلم يتسنَّ له اللحاق بها وشكرها، وبالرغم من أنّها غادرت الصفّ فور انتهاء الدرس فلم يتمكّن من محادثتها، فقد كان واثقًا أنّ علاقتهما يمكن أن تُصبح أفضل ممّا كانت عليه بكثير.
‘إنّه لذيذ.’
ومنذ ذلك الحين، نادرًا ما كان يتشاجر مع رايلي.
لكن هذا لا يعني أنّ حياته خلت من الإزعاجات.
فعلى سبيل المثال، أبلغته بريجيت بفسخ الخطوبة.
وكان جدّه ووالداه غاضبين جدًّا، فاضطرّ للعودة إلى المنزل الرئيسي بأمرهم.
ورغم أنّه ذهب مع والديه للاعتذار من بريجيت ودوق ليبين، فإنّ قلب الأب وابنته كان متصلّبًا، وبدأ والداه يسحبانه من هنا وهناك للبحث له عن خطيبةٍ أخرى.
لكن بسبب أنّ بنات النبلاء كنّ يخشين بريجيت، لم تتمّ أيّ خطوبة، وكان عامًا مليئًا بالانشغال والاضطراب لدرجة أنّه لا يتذكّر كيف مرّ الوقت.
أيامه كانت سلسلةً متواصلة من الانزعاج.
وكانت الأوقات القليلة التي يعود فيها إلى برج السحر هي المتنفّس الوحيد له.
خصوصًا أنّه كان يبتسم دائمًا حين يرى تحيّة رايلي الغريبة بيدها.
وبدأ، عندما يخلو المكان من الناس، يبادر بنفسه بالاقتراب منها والحديث معها.
وكان يشعر أنّها صارت تتعامل معه براحةٍ أكبر من قبل.
وفي أحد أيّام الخريف، حين كان يشعر بهذا الهدوء الجديد، قالت له فجأة:
“يا، فيليون.”
“هممم؟”
“أين ستذهب في تدريبك العملي هذه المرّة؟”
كان يقرأ كتابًا بين رفوف المكتبة حين اقتربت وسألته بصوت منخفض.
“ولِمَ تسألين؟”
“لأني لا أريد أن نكون في نفس المكان. وأنت أيضًا لا تحبّ أن نذهب معًا، أليس كذلك؟”
أسند ذقنه إلى يده وهو ينظر إليها مائلًا:
“سأذهب إلى الشرق.”
“حسنًا، فهمت. إذًا لن أختار الشرق أبدًا.”
“وأنتِ، رايلي، أين ستذهبين؟”
“إلى الغرب.”
في اليوم التالي، غيّر فيليون وجهته إلى الغرب دون أن يعلم أحد.
وفي يوم الانطلاق، حين رآها مذهولة، قال لها ببرود:
“أحد أصدقائي كان يرغب بشدّة في الذهاب إلى الشرق، فطلب منّي تبديل الوجهة.”
هزّت رأسها بضجر، لكنّه ابتسم، وكان راضيًا أكثر لأنّ قائمة المتدرّبين خلت من ديلاريك وفولكس.
“سأعتمد عليكِ لبعض الوقت، يا رايلي.”
لكن فيليون لم يكن يعلم آنذاك أنّه سيتجاوز هناك خطًّا لا عودة منه.
***
كان تدريب ذلك العام شبيهًا بما هو معروف.
الذهاب إلى منطقةٍ يُشاهَد فيها الوحوش كثيرًا، والتدرّب على القضاء عليها تحت إشراف ساحر من برج السحر، ثمّ مساعدة السكان المتضرّرين من هجماتها.
وكان هذا الحال في العام الماضي وما قبله أيضًا.
لكن المختلف هذه المرّة أنّ الوحوش التي هربت بينما كان الجميع منهكًا عادت فجأة وهاجمت الناس مجدّدًا.
تعاون السحرة بسرعة للقضاء عليها، لكن النار التي أطلقتها التهمت القرى وغابات المنطقة في لحظات.
وبفضل التحرّك السريع، تمكّنوا من إنقاذ معظم الناس.
لكن بعضهم لم يتمكّن من النجاة، وجاء فجر اليوم التالي قاتمًا على نحو قاسٍ.
عاد فيليون إلى المأوى في ذلك الصباح، وكان قد أمضى الليل في مدينة أخرى بدعوة صديق والده.
وحين رأى النتائج المروّعة التي خلّفتها النيران، بدا عليه الارتباك الشديد.
خصوصًا أنّه كان يسمع السحرة يردّدون:
“لو كان فيليون هنا، لكان الوضع مختلفًا…….”
ولم يجرؤ على الكلام، إذ كانت رايلي تقف بجواره.
“رايلي جلبت المطر، لكن لم يكن ذلك كافيًا. فالجوّ كان جافًّا جدًّا…….”
لكن رايلي لم تقل شيئًا.
واكتفت بمواصلة نقل الجثث المحترقة، رغم أنّها كانت مرهقةً من استخدام السحر طوال النهار السابق.
وحين طلب منها فيليون أن تترك الأمر لغيرها وتستريح، أجابته:
“كان شخصًا أستطيع إنقاذه.”
“…….”
“ولهذا، فإنّ موته مسؤوليّتي.”
كانت صامدة.
ورغم أنّ رؤية جثّة الرجل الذي شكرها مرارًا في اليوم السابق لا بدّ أنّها كانت مؤلمةً لها، فإنّها لم تُظهر أدنى مظهر من مظاهر الضعف.
وفي اليوم التالي حضرت جنازتهم المشتركة.
وحين عادت إلى المأوى، كانت عيناها منتفختين كثيرًا، ربّما لأنّها بكت كثيرًا بعد ذلك.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 77"