لم يُخبرِ الآخرين بحقيقةِ تلاعبِ الدرجات، لأنَّه توقَّع أنْ يكون هناك على الأقلِّ شخصٌ واحدٌ سيستغلُّ ذلك.
لكن أنْ يظهرَ شخصٌ يكشف الأمر بنفسه وبدأ في استغلاله، وفوق ذلك أن تكون خطيبته هي ذلك الشخص!
مسح فيليون شعره بضيقٍ شديد، ولم يستطع حتى أنْ يبتسم بسخرية.
وفي أثناء ذلك، كانت بريجيت لا تزالُ تتحدَّث عن المنصَّة، من دون أن تلاحظ تغيُّره.
لم يستطع فيليون التحمل أكثر، فأبعدها عنه.
“لا أريد.”
“لماذا؟”
“أنتِ قلتِ قبل قليل إنَّكِ لا ترغبين في الدراسة. أنا أيضًا لا أريد. ولا أهتمُّ بأمر الثلج الأوَّل أصلًا.”
رتَّب ثيابه بخفَّة، ثم استدار متَّجهًا نحو مكان الإقامة.
وفي اللحظة التالية، دوَّى صوتُ بريجيت البارد في الممرّ.
“ما بكَ حقًّا هذه الأيام؟”
“……ماذا بي؟”
“في السابق كنتَ تفعل كلَّ ما أطلبه منك!”
ذلك لأنَّه كان يشعر بالملل.
لم يكن يحضر الدروس، فحقًّا لم يكن لديه ما يفعله.
“أتدري ما الذي كان الآخرين يتحدثون عنه اليوم؟ قالوا إنَّ فيليون إلفيرت يبدو وكأنَّه خطبَ المكتبةَ، لا بريجيت ريبين!”
“……”
“ولم أستطع أن أردَّ بكلمة! لأنَّك في الآونة الأخيرة لم تعد تبقى معي! أنا… أنا خطيبتك!”
صرخت وهي تشدُّ قبضتيها، حتى كتفاها كانا يرتجفان من شدَّة الغضب.
تنفَّس فيليون بعمقٍ ثم اقترب منها.
وقف أمامها مباشرةً، وانتظر حتى ارتفعَ نظرها إلى وجهه.
ثم بعد لحظات، قال بصوتٍ منخفض وواضح:
“بريجيت. سوف أتزوَّجكِ.”
أشرق وجه بريجيت، لكن ذلك لم يدم طويلًا.
“لكنْ هذا لا يعني أنْ نكون معًا طوال الوقت، أليس كذلك؟”
“……ماذا؟”
“أعني أنْ نحترم خصوصيَّة كلٍّ منَّا. حتى بعد الزواج.”
لم يكن فيليون يهتمُّ إطلاقًا بما تفعله بريجيت حين لا يراها، كما كان يتمنى أنْ تكون هي الأخرى غير مهتمَّةٍ بأمره.
لم يكن الأمر أنَّه يريد علاقةً يفهمان فيها بعضهما بلا كلام، بل ببساطة كان يجد الشرحَ المفرط لكلّ شيء أمرًا مزعجًا.
أما بريجيت، فكانت من النوع الذي يريد أن يعرف بالضبط ماذا درس فيليون إذا ذهب إلى المكتبة، رغم أنَّها لا تحبُّ الدراسة أصلًا.
لا حاجة لاستنزاف الطاقة في أحاديثٍ لا ضرورة لها.
كان كلامه من منظورٍ عمليّ، لكن على غير المتوقَّع، بدأ وجه بريجيت يشحُب شيئًا فَشيئًا.
“فيليون… لا تقل إنَّكَ لا تحبُّني؟”
“بريجيت.”
“أجبني بوضوح! أنت… أنت لا تحبُّني؟”
استمع فيليون لصرختها بجدِّيَّة، وبعد أن فكَّر مليًّا، قال:
“بصراحة… نعم.”
“……ماذا؟”
“الأمر ليس خطأكِ. أنا اساسًا لا أعرف ما معنى أنْ أحبَّ أحدًا.”
بالطبع، قرأ كثيرًا عن ذلك في الكتب؛ أنْ يخفق قلبك لمجرد النظر، أو أنْ تشعر بالبهجة… كل هذا كان يفهمه نظريًّا.
لكنَّه لم يختبره بنفسه أبدًا.
وبصراحة، لم يكن واثقًا من أنَّ مثل هذه المشاعر النقيَّة موجودةٌ حقًّا.
انظري إلى والديه مثلًا؛ قالا إنَّهما أحبَّا بعضهما وتزوَّجا متحدِّيَين رفضَ الجدّ، لكنَّهما في النهاية أصبحا أعداء وانفصلا.
بل حتى بعد الانفصال، ظلَّ كلٌّ منهما يسيء للآخر، وكان فيليون هو الضحيَّة العالقة بينهما، يسمع طوال حياته التحذير من أنْ يتزوَّج زواجًا كهذا.
وقرَّر فيليون أن يلبِّي رغبة والديه في هذا الأمر، وألا ينتهي مثلهم أبدًا.
“على أيِّ حال، زواجُنا قائم على الحاجة.”
فكَّر أنَّه لو كان والديه قد تزوَّجا بدافع الحاجة فقط، لما انفصلا.
فالزواج بين النبلاء أشبه بصفقة عمل، لا ينبغي أبدًا أن يُقرَّر بدافع المشاعر، لأنَّه يربط بين عائلتين.
ولهذا قبلَ خطبته من بريجيت؛ لأنَّ دوق ريبين سيكون عونًا كبيرًا له لتخطِّي إخوته والحصول على لقب دوق إلفيرت، كما أنَّه كان حليفًا قديمًا لعائلة ديلاريك، في خصومتها مع فولكس.
“لا أرى ضرورة لخلط المشاعر بالأمر. بل أعتقد أنَّ البدء بمثل تلك المشاعر قد يجعل الزواج أقصر عمرًا…”
صفعةٌ مدوِّية قطعت كلامه، تبعها ركلٌ متكرّر على ساقه.
“كيف… كيف تقول شيئًا كهذا؟!”
“……لقد قلتُ الحقيقة فقط.”
“أنتَ الأسوأ! الأسوأ فعلًا! هل تدرك هذا؟!”
لم يقاوم فيليون. لم يكن الأمر أنَّه قادر على التحمُّل، بل لأنَّه لم يفهم سبب غضبها أصلًا.
‘لماذا هي غاضبة؟ ما الذي قلته خطأ؟’
“أنا لا أستطيع الزواج بشخصٍ مثلك!”
وبعد أن ركلته مرَّةً أخيرة، غادرت الممرَّ غاضبة.
راقبها فيليون وهي تبتعد بصمت، متسائلًا: ألم تكن موافقة على الخطوبة لهذا السبب بالذات؟ لا يزال لا يفهم سبب ضربها له.
وما إنْ عبس حتى…
“بفف.”
وصل إلى أذنه صوتُ ضحكةٍ خافتة.
قطَّب حاجبيه وسار نحو مصدر الصوت.
حين وصل إلى ركنٍ بين أعمدةٍ بيضاء كثيرة، وقعت عيناه على الشخص الذي توقَّعه.
“رايلي فولكس.”
رغم برود ملامحه، ظلَّت رايلي تكتم ضحكتها.
“أممتعكِ الأمر؟”
“لا… أنا…”
لكنَّها لم تتمالك نفسها وانفجرت ضاحكةً مجددًا. كانت تبدو مستمتعةً لدرجة أنَّ انزعاجه بدأ يتبدَّد دون أن يدري.
“لقد ضُربت بطريقةٍ مثيرة للشفقة فعلًا.”
“……هذه أول مرةٍ يضربني فيها أحد.”
“كان بإمكانك أن تتفاداها بدل أن تبقى ساكنًا… بفف!”
“يكفي، أعطيني منديلًا.”
فقد شُقَّت شفتُه من شدَّة الضربة. بدا أنَّها رقَّت لحاله، فأدخلت يدها في جيبها الداخلي، لكنها توقَّفت فجأة.
“لا.”
“لماذا؟”
“هل وضعتَ مناديلك عندي؟ لقد أعطيتُكَ كل ما لدي ولم يبقَ معي سوى هذا.”
ربما كان ذلك صحيحًا؛ فقد كانت تضع له دائمًا مناديل صغيرة مع الهدايا التي تقدّمها له، مثل الكعك.
“ولستُ أنوي إعطاءكَ أيٍّ منها بعد الآن.”
لم يضع في فمه أيًّا من تلك الهدايا يومًا، لكنَّه فجأةً شعر بالفضول لمعرفة أين ذهبت تلك المناديل.
وبعد أن عاد إلى غرفته، سأل قريبه الذي يشاركه الغرفة — وهو في الحقيقة خادمٌ وضعه الجدّ معه — بشكلٍ عابر.
فتح ذلك القريب عينيه بدهشة قبل أن يُجيب:
“المنديل؟ كنتُ أرميه دائمًا مع الكعك.”
“……لماذا؟”
“لأنَّه من فولكس! ماذا لو كان مسمومًا؟”
ثم نظر إليه بقلق وسأل:
“هل هناك مشكلة…؟”
“……لا.”
أجاب فيليون ببرود:
“لا مشكلة.”
لكنَّ الأمر ظلَّ يعلَق في ذهنه. يبدو أنَّها أعطته مناديل كثيرة، ولا بدَّ أنَّها كلَّفت مالًا، وكذلك الكعك وغيره من الهدايا.
‘هل عليَّ أن أشتري لها منديلًا على الأقل؟’
لكنَّه لم يكن يعرف ذوقها. لم يرَ يومًا ما بداخل هداياها.
كما أنَّ سؤاله لها مباشرةً لم يكن سهلًا؛ صحيح أنَّ نظرتها له أصبحت ألين بعد أن ابتسمت له ذلك اليوم، لكنها ما زالت لا تبادر بالكلام معه.
وإنْ سأل أصدقاءها، فسينتهي الأمر حتمًا بوصول الخبر إلى جده.
‘يبدو أن عليَّ أن أذهب إليها وأسألها بنفسي.’
…لكن لسببٍ ما كان ذلك صعبًا جدًا.
‘لاحقًا… سأفعل لاحقًا.’
ومرَّ وقتٌ وهو يؤجّل الأمر.
إلى أنْ جاء يومٌ رآها فيه من بعيد في الحديقة الخالية، تحدِّق إلى السماء.
كانت ثلوجٌ صغيرة تتساقط بهدوء.
في اليوم التالي لصفعة بريجيت، لم يكن الثلج الأوَّل قد تساقط فعلًا، بل كان الجوُّ قد أصبح أكثر برودة فحسب.
‘إذًا هذا هو الثلج الأوَّل.’
رفع فيليون رأسه نحو السماء الرمادية، معتقدًا أنَّها لن تستمر طويلًا، وما إنْ أنزل نظره، حتى التقت عيناه بعيني رايلي.
قال فجأة:
“ماذا.”
“ماذا بكَ.”
“ماذا ماذا.”
“لماذا.”
‘لماذا الحديث صار طفوليًّا هكذا؟’
مسح جبينه، ثم قال ما كان ينوي قوله:
“……هل تنتظرين أحدًا؟”
أمالت رايلي رأسها باستفهام.
“أنتظر أحدًا؟ الآن؟”
“أعني… هناك مثلٌ يقول إنَّ الشخص الذي تكون معه حين يتساقط الثلج الأوَّل هو شريكُ حياتك…”
تساءل إن كانت تفكِّر في الشخص الذي ستتزوجه بعد مغادرتها برج السحرة.
لكن ردَّها كان:
“ما هذا؟”
كانت نظرة الاستغراب على وجهها حقيقية، فعرف أنَّها لم تسمع الحوار الذي سبق الصفعة.
“الثلج هو ظاهرةٌ تحدث حين يتجمَّد بخار الماء في السحب أو في الجو، كيف لشيءٍ غير حيٍّ أن يحدّد مصير البشر؟”
“آه… صحيح.”
‘لو سمعت بريجيت هذا لانهارت بالبكاء… الرومانسية عندها جمدت!’
“مع ذلك، أنا أحبُّه.”
اتَّسعت عينا فيليون وهو ينظر إليها.
“حين كنتُ في أراضي فولكس، لم تتح لي فرصة رؤية الثلج جيدًا، لذا يبدو الأمر مدهشًا.”
عادت بنظرها إلى السماء.
‘آه… كانت تقصد الثلج. للحظةٍ ظننتُ…’
صُدم فيليون من نفسه. ‘لماذا فكَّرتُ بهذا الشكل؟ ولماذا فوجئتُ هكذا؟’
‘لا، هذا رد فعلٍّ طبيعي، فأمرٌ نادر أن تُعجب فتاةٌ من فولكس بأحدٍ من ديلاريك. أيٌّ كان سيُصدم.’
وهذا ما جعله يتوتَّر فجأة. كان قلبه ينبض أسرع… من شدَّة المفاجأة، هكذا فسَّر الأمر.
“أعتقد أنَّ مجيئي إلى برج السحرة كان قرارًا صائبًا.”
ابتسمت وهي تنظر إلى ندفةٍ حطَّت على يدها. كانت عيناها الخضراوان تلمعان.
رغم أنَّها كانت ترتدي نظارات إخفاء الملامح، إلا أنَّ فيليون، بمهارته السحرية، كان يرى كل شيء بوضوح… بما في ذلك حقيقة أنها كانت سعيدةً للغاية الآن.
ظلَّ يراقبها، حتى حين لمست يدَها الندفةَ الثانية والثالثة، وحتى حين تجمَّدت على جبينها فأغمضت عينيها بابتسامة.
لم يستطع أن يشيح بنظره عنها، وكأنَّها كانت الشيء الوحيد المضيء في الحديقة الباردة القاحلة.
وبينما كان يحاول كبح توتره الغريب، ناداها:
“يا… فولكس.”
كان لديه سؤال يودُّ طرحه: ما نوع المنديل الذي تحبِّينه؟ سأشتريه لكِ خصيصًا… لكن،
ما إنْ التقت عيناه بعينيها مرَّة أخرى، حتى تجمَّد في مكانه.
“لا، لا شيء.”
ثم ابتعد مسرعًا، غير مدركٍ أنَّ وجهه كان قد احمرَّ تمامًا.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 76"