لكن عبارة ‘لن أذهب’ الحاسمة لم تخرج منه. بل ظلّ غارقًا في التفكير.
ماذا لو كانت إيريون ريفيل تعرف المكان الذي هي فيه؟
أنا…
“لدي سؤالٌ أودّ طرحه عليها.”
رفع فيليون رأسه نحو صوت إيريون الهادئ.
“……ما هو؟”
“الكتاب المحرَّم. سأعيده إلى برج السحر. ليس من أجل مُعلمي، بل من أجل سحرة البرج.”
كان البرج في الأساس مكانًا لحماية الكتب المحرّمة. ولهذا السبب، شرحت إيريون، فإن الكثير من سحرته يشعرون الآن بالذنب. ومعظمهم كانوا مقرّبين منها، لذلك لا يستطيع أن يبقى مكتوف اليدين.
“كيف لتلكَ المرأة أن تعرف مكان الكتاب المحرَّم؟”
“أنا أيضًا أعرف مكانه.”
قطّب فيليون حاجبيه. ما الأمر؟ إذًا لماذا…؟
“هناك مكانٌ يُشتبه في وجوده فيه. ما أريد سؤاله هو طريقة الدخول إليه. سمعتُ أنها حقّقت فيه بدقة.”
“……”
“في البداية، جئتُ لأسأل مُعلمي فعلًا. لكن مُعلمي الحالي لا يملك ذاكرة، أليس كذلك؟”
لا يملك. ومع أنه حاول بعد سماع كلماتها أن يشحذ ذاكرته بكل جهد، لم يتبادر إلى ذهنه أيُّ شيءٍ على الإطلاق. لذا سأل:
“أين هو؟ ذلك المكان.”
عادت ملامح التفكير لتغطي وجه إيريون. لكنها لم تلبث طويلًا قبل أن تستدير وتمسك بمقبض الباب.
“انتهى حديثنا. أنا مشغولةٌ قليلًا.”
“انتظري! يجب أن تجيبي قبل أن تذهبي!”
“لم أقل إنني سأجيبُ عن جميع أسئلتك.”
“هل تعرفين أين هي تلك المرأة؟”
“سأذهب الآن.”
من دون حتى إيماءة وداع بسيطة، غادرت الغرفة مسرعة.
استمع فيليون لخطواتها وهي تبتعد، وفكّر: هل سترحل هكذا فعلًا؟
وكانت الحقيقة كذلك. لم تتوقف إيريون ولو للحظةٍ واحدة.
لم ينفِ أنه فكّر بالركض وراءها وإيقافها، لكنه قرر العدول عن ذلك.
بهذا القدر من الحزم، لن تقنعها نبرةٌ لطيفة بعد الآن.
كما أنه لا يريد أن يركع أمام شخصٍ يراه لأول مرةٍ اليوم.
‘أركع؟ أنا؟ بسبب تلكَ المرأة؟’
سخر فيليون من الفكرة التي خطرت له فجأةً.
وبينما كان جالسًا على حافة السرير يتذكر حديثه مع إيريون، اجتاحه شعورٌ عميق بالفراغ.
صحيح، ما زال الفضول قائمًا. لكن، لا يعلم إن كانت تستحق أن يفترض أمورًا من نوع ‘إذا ركعت…’.
ربما، بالنسبة له، قد تكون شخصًا مهمًّا. لكن بالنسبة لها، هو ليس مهمًّا بالتأكيد.
لذلك تركته في هذا المكان ورحلت، دون أن تترك أيَّ أثر.
-“كان الجو بينكما قريبًا على نحوٍ غريب…”
بل قيل إنها كانت علاقةً جيد.
‘تجاهل الأمر. انسَه. حياتكَ الحالية مُرضيةٌ بما يكفي.’
وفوق ذلك، فقد فيليون كل ذاكرته تمامًا. لا يعرف حتى وجهها أو اسمها. لا ذكرياتٍ ليتشبّث بها ويسترجعها.
لا بد أنه لا توجد ظروفٌ أفضل من هذه لنسيان شخصٍ ما.
‘لا تُعِر الأمر اهتمامًا.’
وقد فعل ذلك بالفعل طوال يومٍ كامل. انشغل بدراسة السحر، ولم يفكر فيها ولو مرةً واحدة.
لكن في صباح اليوم التالي…
‘أنا فضولي.’
ها هو الضيق يعود بلا استثناء.
لم يعد أيٌّ من كتب السحر التي قرأها بالأمس، ولا حتى أبناء أقاربه الصغار الظرفاء، يثير اهتمامه.
‘لو كنت أعرف اسمها على الأقل.’
وربما لو كانت هي أيضًا لا تستطيع تناول الطعام بسبب التفكير فيه، لكان ذلك أفضل. من الظلم أن يكون وحده في هذه الحال.
‘هاه، كان يجب أن أتبعها.’
صحيح أنها بدت حازمةً طوال الوقت، لكن إيريون ريفيل لم تكن تبدو صارمةً للغاية. بل على العكس، بدا قلبها رقيقًا قليلًا.
لو كان قد ركع وتوسّل، ربما كان سيستطيع الذهاب معها.
‘……هل يُعقَل أنها ألقت تلميحًا من دون أن تدري؟ كانت تبدو فتاةٍ ذات قلبٍ لين.’
ربما ارتكبت خطأ في حديثها. بدأ فيليون يستعيد في ذهنه حواره مع إيريون بتأنٍّ.
ومرّت أيام عدة…
وفي أحد الأيام، وهو في طريقه كالمعتاد إلى قاعة الطعام، رأى الخدم يتحركون بارتباك.
أمسك فيليون بأحد الخدم القريبين.
“ما الأمر؟”
“آه، الكونت أمرنا بالتحضير للسفر.”
“إلى أين؟”
“لست متأكدًا.”
هزّ الخادم رأسه ثم أضاف:
“كل ما أعرفه أنه إلى مكانٌ ما في الجنوب.”
عندها تذكّر فيليون حواره مع إيريون.
-“في جنوب… أحد الجبال. كان الأمر صدفةً حقًا.”
وكذلك تذكّر صوت جده الذي سمعه خلسةً ذات مرة:
-“إذن حان الوقت للاستعداد للذهاب إلى هناك. تأكدتَ من معرفة الموقع منها، أليس كذلك؟”
“سيدي الشاب؟”
“جيس، من سيذهب في هذه الرحلة مع جدي أيضًا؟”
“سمعت أن الآنسة الثالثة ستذهب معه.”
“وأنا؟”
“أم… لم أسمع عن ذلك.”
“حقًا؟”
ابتسم فيليون ابتسامةً باردة.
“هكذا إذًا.”
“سـ… سيدي؟”
“ماذا؟”
“لماذا تبدو تعابيركَ هكذا؟”
بدلًا من الرد، وضع فيليون ذراعه على كتف جيس. وأثناء ارتباك هذا الأخر، جذبه إلى زاوية جانبية.
“جيس، ألم تقل إنك ساعدتني حين كنتُ صغيرًا؟”
كان وجهه يوحي بوضوح أنه يخطط لشيءٍ ما.
***
وكما قال جيس، لم يقترح كونت ديلاريك مرافقة فيليون لهم.
قال إنه لا داعي لذلك، وإنه مجرد أمرٍ مزعج يتعلق بأحد الأقارب.
أومأ فيليون بخفة. فهمت. سأبقى هنا إذًا.
لكن في اليوم الذي غادر فيه الكونت ووالدته، لم يبقَ فيليون هناك. بل ارتدى ملابس داكنة غير لافتة، وأخذ حصانه الأسود، وتبعهم خلسة.
‘سأذهب إلى المكان الذي تحدّثت عنه تلك المرأة.’
وبما أن المرتزق هيميل قد ذهب معهم، فلا شك في الأمر.
‘قد لا تكون هي هناك… لكن…’
كان يريد الذهاب. فبعد رحيل إيريون تمامًا، لم يبقَ أيُّ دليل سوى ذلك المكان. كان عليه الذهاب بأي طريقة.
كان واثقًا من قدرته على تجنّب كشف جده له. ولسببٍ ما، كان بارعًا جدًا في إخفاء حضوره. كما أن أقاربه لن يلاحظوا غيابه، لأنه أوكل الأمر إلى جيس.
-“ألم تقل إن صوتك يشبه صوتي، وأن جدي يخلط بيننا أحيانًا؟ صحيح؟”
-“صـ… صحيح، لكن هذا كان حين كنت صغيرًا. الآن صوتك أعمق بكثير!”
-“حسنًا، إذًا ببعض الجهد ستنجح.”
-“سيدي!”
-“ألن ترفض حقًا؟ وأنا أرجوك هكذا؟”
وبما أنه أمسك بيد جيس بإحكام وهو ‘يتوسّل’، فلا بد أن هذا الأخر يحاول الآن جاهدًا التظاهر بأنه فيليون إلفيرت.
وبما أنه كان يظهر انهماكًا في دراسة السحر في الأيام الأخيرة، فلن يشك أحد طالما بقي في المكتبة.
‘غريب… الجميع ودود معي، فلماذا هي تركتني؟’
‘هل تكرهني إلى هذا الحد؟’
ربما يجد الإجابة في ‘ذلك المكان’. لذا تابع فيليون مطاردة قافلة الكونت بعناية.
لكن دون أن يقترب أكثر من اللازم.
بل أبقى مسافةً بعيدة لدرجة أن لا يُرى على الإطلاق. فجده ووالدته يتمتعان بحدسٍ قوي، لذلك كان يتبعهم بحذرٍ شديد.
ومع ذلك، لم يضل طريقه. فقد كان ضمن قافلة الكونت أحد الخدم الذين لم يتمكنوا من رفض ‘طلب’ فيليون، تمامًا مثل جيس.
وعند مفترق الطرق، كان يترك علامات إرشادية، وفي المدن كان يوصل له الملاحظات عبر أصحاب النزل.
وبالاستمرار في تتبعهم، وصلوا أخيرًا إلى غابةٍ كثيفة.
وبمجرد دخولهم الغابة، زاد فيليون المسافة بينه وبينهم.
ففي هذه الغابة، بخلاف المدن المزدحمة، يصبح أيُّ شخصٍ مرئيًا جدًا.
وفوق ذلك، رأى بضع وحوش سحرية. ولم يكن يريد أن ينشغل بقتالها فينكشف أمره، فابتعد أكثر وهو يثق في شريكه.
‘المسافة بعيدة، لكن بالركوب السريع سأصل فورًا.’
اختار مكانًا مناسبًا بعد أن أخذ وقته.
كان مرتفعًا، مِما يمنحه رؤيةً جيدة للأسفل. وكان هناك حبلٌّ بالٍ، ربما كان مربوطًا فيه شخصٌ من قبل.
‘ليس حديث العهد. ولا يوجد أيُّ أثرٍ للحياة هنا.’
كان المكان مثاليًا للاختباء.
وبينما كان يتأمل حوله في فراغ، سمع فجأة:
كوووووجوجوجونغ!
صوت انهيارٍ بعيد. وتلاه اهتزازٌ في الأرض.
“ما هذا؟”
طارت طيور الجبل من مكانها، وارتفع غبار كثيف من بعيد.
‘ذلك الاتجاه… حيث يوجد جدي؟’
لكنه لم يذهب إلى هناك.
بصراحة، لم يشعر بالقلق. فجده ووالدته ساحران بارعان. ألم يقطعا الوحوش في الطريق بسرعة البرق؟
وفوق ذلك، كانا برفقة الكثير من الحراس. لن يتعرضوا لهجوم في مكان كهذا.
ويبدو أن حدسه كان صائبًا، إذ لم تتكرر الأصوات المدوية، ولم يكن هناك مزيدٌ من الاضطراب.
تحرك فيليون بعد أن غادر جده ومن معه الغابة بالكامل.
كان الوقت ليلًا، لكن بضوءٍ نار بسيط من سحره، استطاع أن يؤمّن رؤيةً كافية للسير.
وما لبث أن وصل إلى…
‘كهف؟’
بل يجب القول: موقع كان فيه كهفٌ ذات يوم.
تكدست صخور ضخمة كالجبال، وتناثرت الشظايا كأنها حطام، لكن بدا واضحًا أنه كان مدخل كهف.
وبحسب ما يبدو، فإن جده هو من دمّره.
‘لكن لماذا؟’
وسط الصمت الموحش، أخذ فيليون يفتش بين الصخور المتساقطة بحذر.
ووجد ورقةً مطويّة بإهمال.
كان شريكه قد كتب فيها وصفًا تفصيليًا لما جرى:
“عندما وصلنا إلى هنا ودخلنا، تحدث إلينا ‘حارس البوّابة’. وحين تعرّف على كونت ديلاريك، سمح لنا بالدخول.
وفي الداخل…
[كانت هناك أشياءٌ قديمة تخصّ السيد الشاب.]
[لكن لم يكن هناك أيُّ شيءٍ يمكن وصفه بأنه مميزٌ على الإطلاق.]”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات