“يـ… يبدو السّريرُ أفضل مِمّا توقّعتُ إذًا. حتّى إنَّكَ قلتَ إنَّه أعجبك.”
أدرتُ رأسي فجأةً لأخفي وجهي الذي احمرَّ، بينما شفتي تتحرّك من تلقاء نفسها.
“أو ربّما لأنّكَ أرهقتَ نفسك كثيرًا في الفترة الأخيرة. فأنتَ دائمًا لم تكُن تنامُ جيدًا. حتّى حين أقولُ لكَ يمكنكَ أن تنامَ أكثر، تصرّ على النهوض. كان عليك أن تنام حين كانت الفرصة متاحة. أحيانًا تبدو غبيًّا.”
لا… لم أقصد أن أقول هذا كلّه. هكذا سأبدو وكأنّي أوبّخه.
لكن حين التفتُّ قليلًا نحو فيليون، لم يُبدُ أنّه انزعج. بل ابتسم قليلًا ونهض وهو يقول:
“صحيح. لقد كنتُ غبيًّا.”
“… من الآن فصاعدًا، لا تفعل ذلك. إذا شعرتَ بتوعّك، فأخبرني.”
ثمّ استدرتُ وغادرتُ الغرفة.
ولم أكتفِ بذلك، بل فتحتُ الباب الأمامي وغادرتُ الكوخ تمامًا.
ومع ذلك، لم يتوقّف خفقان قلبي بسهولة. بل على العكس، بعد أن لامستني برودة هواء الليل، ازداد قلبي وجعًا وخفقانًا.
هل يمكن أن يكون هذا…؟
لا… لا يمكن!
***
في صباح اليوم التالي، كان أول ما خطر في بالي:
‘لا يمكن أن يكون اضطراب نبضات القلب…’
لكنّي لم أقلق طويلًا. فبعد أن نهضت، كان نبض قلبي مستقرًّا جدًّا.
صحيح أنني اضطربتُ قليلًا حين قابلتُ فيليون مجددًا، لكن…
“استيقظتِ؟”
سرعان ما عدتُ لطبيعتي. ربما لأنني طوال الإفطار أبقيتُ نظري على الطبق أمامي، لا عليه. على أيِّ حال، كنتُ بخير.
وأجواء القرية الجبلية الهادئة ساعدتني كثيرًا على الاسترخاء.
حين كنتُ أفتح النافذة، كان صوت العصافير الجبلية يتردّد، وعندما أتنفس بعمق، أشعر أنَّ الهواء النقي يُصفّي ذهني.
الإرهاق المتراكم في الأيام الماضية بدا وكأنّه اختفى تمامًا. لقد مرّ زمنٌ طويل منذ شعرتُ بهذا القدر من الراحة. حتى الخيول بدت مرتاحةً وسعيدة.
بعد أن أنهيتُ تنظيف الكوخ، جلستُ على العتبة أتأمّل الخارج، وأنا ممسكة بكوب شاي دافئ أحضره لي فيليون للتوّ، أحدّق في السماء الزرقاء الصافية بشرود. كان الأمر رائعًا، لكن…
“هذا… ليس هروبًا.”
“بل أشبه بالتقاعد، أليس كذلك؟”
“… أو النقاهة.”
عادت إلى ذهني فجأة ذكريات حياتي السابقة، حين كنتُ أعاني من ضغط العمل، وأعود للمنزل عند الفجر في الخامسة. حينها كنتُ أتوق بصدق إلى حياةٍ هادئة كهذه. والمشهد أمامي الآن يشبه إلى حدٍّ كبير ما حلمتُ به آنذاك.
لكن ثمّة فارقٌ واحد عن خيالي…
“يجب أن نرتاح حين نستطيع.”
قالها فيليون وهو يجلس بجانبي مباشرة.
كنتُ ما زلتُ أحدّق في السماء، لكنّ حضوره بجانبي كان واضحًا بشدّة.
منذ أن أدركتُ معنى نظرته في الليلة الماضية، وأنا على هذا الحال…
‘لو كنتُ مشغولةًط بالهرب، لما كان لدي وقت للتفكير في هذا.’
لا… لا يمكن أن يكون اضطراب نبضات القلب! هل من المعقول أن يأتيني كلّما نظرتُ إلى فيليون؟!
أدركتُ عندها أنني كنتُ دومًا مشغولةً بالتساؤل عن مشاعره هو، ولم أفكّر يومًا في مشاعري أنا.
‘ما الذي أشعر به أنا تجاه فيليون؟’
عندما التقيتُ به مجددًا في البداية، كنتُ أظنّ أنّه يمكنني أن أقول له بوضوح: ‘آسفة، أنا لا أحبّك.’
لكن الآن…
‘عليّ أن أُفرّق بدقّة.’
لماذا أتردّد الآن في قول تلك الكلمات؟ أريد أن أعرف السبب بدقّة.
هل لأنني بدأتُ أُكنُّ له مشاعر؟ أم أنّ الأمر مجرّد…
‘أنني لا أريد أن أكون وحيدة؟’
بالطبع، كما قلتُ له من قبل، لستُ شخصًا يخاف الوحدة كثيرًا.
لكن هذا لا يعني أنني أرغب في العيش دون أي تواصل مع أحد. لو كان هناك شخصٌ بجانبي، سأشعر بالامتنان بلا شك.
‘يجب أن أعرف مشاعري الخالصة، دون شروط أو ظروف… ثم أقولها له. هذا أقلّ ما أقدّمه له من احترام.’
المشكلة أنني لا أعرف مشاعري جيدًا.
حتى البارحة، واليوم كذلك… لستُ متأكّدة.
لا أكرهه، لكن عندما تميل مشاعري نحوه، تعود بي ذكريات الماضي لتعيدني إلى نقطة الصفر.
وأنا بحاجةٍ لأن أُخبره بوضوح… قريبًا.
“… الطّعمُ ليس جيّدًا؟”
فجأة، سمعتُ صوته، فرفعتُ رأسي. عندها أدركت أنني لم أشرب من الشاي ولو رشفة.
“آه… لا. كنتُ أفكّر فقط.”
“تفكّرين في ماذا؟”
“أنه لا يمكننا البقاء هنا للأبد، مثلًا.”
كذبة. فكلّ ما كان يشغلني هو محاولة فهم مشاعري تجاهه.
“صحيح. المكان مريحٌ جدًّا.”
“لكن، لنبقَ هنا لفترة على الأقل. الخيول متعبة أيضًا. ولا أعتقد أنّ أحدًا سيصل إلينا الآن.”
“همم… تظنّين أننا سنكون بخير؟”
“أعتقد ذلك. لديّ هذا الإحساس.”
كانت مجرد كلماتٍ عابرة، إذ كنتُ منشغلةً بأفكاري الأخرى. كحديثِ نائمٍ تقريبًا.
ثم قلتُ، دون قصدٍ خاص.
“على أيِّ حال… حتى لو أُمسكنا، فهناك حلول.”
“حلول؟”
“أفكّر أحيانًا… ماذا لو تعمّدتُ أن اجعلهم يُمسكونني؟”
“… أن تُمسكي عمدًا؟”
“هم يريدون البركة، أليس كذلك؟ إن لم تعد لديّ، فلن يطاردوني. لكن لو قلتُ لهم: ‘البركة اختفت’، فلن يصدّقوا… لذا…”
“فأمامهم، ستدّعين الموت؟”
“لعلّهم يتخلّون عن الأمر… هكذا فكّرت.”
لكنّي فجأة صحوتُ من شرودي، والسبب كان النظرة المخيفة في عيني فيليون.
“لقد فكّرتُ في الأمر مرةً واحدة فقط… ولم أعد أفعله الآن!”
لوّحتُ بيدي نافِيَة، لكن وجهه لم يَلِن، بل ازداد حدة.
وضع يده على جبينه، وأطلق تنهيدةً ثقيلة، ثم قال:
“حتى لو فقدتِ البركة، فلن يتخلّوا عنكِ.”
“صحيح… رُبّما.”
“وقد يدركون أنكِ سلّمتِ نفسك عمدًا. وفوق ذلك…”
تنفّس بعمق مجددًا، كمن يُكبح غضبًا شديدًا.
ثم نهض فجأة.
“إلى أين تذهب؟”
“… سأخرج لأستنشق بعض الهواء. ابقِ أنتِ.”
وقبل أن أتمكّن من منعه، كان قد نزل التل بخطواتٍ حازمة، تاركًا كوبه خلفه دون أن أدري متى.
وبلا وعي، تبعتُه. حتى قبل أن أفكّر لماذا، كانت قدماي تتحرّكان.
وأثناء هرولتي على التل…
! كُـونغ
انزلقتُ على ورقة شجرٍ مبلّلة من أثر مطر البارحة، وسقطت.
‘آخ… يا للحرج…’
لحسن الحظ، تداركتُ نفسي بيدي قبل أن أتدحرج. كما أنني لم أصرخ بشكلٍ مخزٍ.
لكن فيليون كان قد وصل أمامي بالفعل.
انحنى على ركبتيه، وحدّق في وجهي.
“هل تبكين؟”
“لا، لستُ أبكي.”
لكن ركبتي كانت تؤلمني.
“ألقي عليّ سحر الشفاء.”
وفعل فورًا.
تحسّستُ ركبة زال أثر الجرح عنها، ومسحتُ الدم، ثم مددتُ يدي.
“ساعدني على النهوض.”
لم يكتفِ بذلك، بل ما إن وقفتُ، حتّى حملني بين ذراعيه.
وضعتُ يدي على كتفه بدهشة، فقال بحزم:
“لا تتحرّكي. ما زال يؤلمكِ.”
… وهذا صحيح، فسحر الشفاء لا يزيل الألم فورًا. لكن المسافة بين وجهينا كانت محرجة.
وفوق ذلك، ملامحه من هذا القرب…
“هل أنتَ غاضب؟”
“… نعم. لأنكِ تتجاهلين ما أقوله عن حمايتكِ.”
“أنا فقط أُفكّر بحلولٍّ واقعيّة…”
“أرأيتِ؟ حتى الآن لا تُصغين.”
خفضتُ بصري بصمت، بينما كان يحدّق فيّ، ثم قال فجأة:
“لا تكرّري مثل هذه الكلمات مجددًا.”
“أيُّ كلمات؟”
“أنّكِ قد تموتين. لا تستهيني بالموت لمجرّد أنكِ عشتِ مرّةً أخرى. وإن لم تعمل البركة حينها، ماذا ستفعلين؟”
“… أعلم.”
“ولا داعي لأن تتبعيني هكذا. لم أكن أنوي الابتعاد أصلًا.”
ابتسم قليلًا، ثم أضاف:
“أين أذهب تاركًا إيّاكِ؟”
كانت نبرتُه خفيفةً جدًّا، لكنّها لم تبدُ مزاحًا أبدًا. بل وكأنّه يقول إنّ الأمر بديهي، لا يحتاج تفكيرًا.
خفق قلبي بقوّة.
تذكّرتُ كيف كان أقاربي يتجاهلونني، ونظرة الكونت فولكس الباردة، وملامح فيونا المملّة، ووجه بريدين وهي تطلب مني العودة إلى القارة الغربية.
كنتُ أعلم أنّني لستُ من النوع الذي يحظى بحبٍّ كبير من الناس… فقد رحلوا جميعًا في النهاية.
قد يكون الاعتماد على شخص آخر بعد كلّ هذا ضربًا من الحماقة… لكن، ماذا لو آمنتُ بواحدٍ فقط…؟
“… هل ستبقى حقًا إلى جانبي دائمًا؟”
دون أن أشعر، كنتُ قد قلتها. وأمسكتُ كتفيه بقوّة.
“حتى لو طاردنا رجال وليّ العهد يوميًا؟”
“نعم.”
“حتى لو منعكَ جدّكَ بشدّة؟”
“نعم.”
“حتى لو لم نعش حياةً طبيعيّة كباقي الناس؟”
فأجاب بلا تردّد:
“نعم.”
ثم ابتسم مجددًا، وسأل:
“هل تبكين؟”
“… لا، لستُ أبكي.”
مع أنني كنتُ على وشك…
“شكرًا لك، فيليون.”
أغمضتُ عيني وأنا أتكئ على كتفه.
لم أعد أشعر بأيِّ ألمٍ في ركبتي.
***
بعد ثلاثة أيام، فكّرتُ:
‘عليّ أن أخبره أنّني رايلي فولكس.’
في الحقيقة، كنتُ أفكّر في الأمر طوال الوقت، لكنّني لم أجد الشجاعة. فلم أرغب في تدمير هدوء حياتنا في الكوخ.
لكن هذه الحياة انتهت اليوم.
كان موعد مغادرة السفينة يقترب، ولم يعد لدينا طعام.
‘كما كان هو صريحًا معي، عليّ أن أكون صريحةً معه.’
قرّرتُ أن أنهي تردّدي الليلة، حين نكون وحدنا. كنتُ أكرّر هذا القرار في ذهني طوال ركوبنا الخيل نحو المدينة.
حتى عندما وصلنا إلى النُزل وتحدّث فيليون مع صاحبه، كنتُ أفكّر فقط في ذلك.
“… غرفةٌ واحدة تكفي.”
“آه، إذًا أنتما زوجان؟”
ابتسم صاحب النزل، فأومأنا برأسينا، ومدّ فيليون يده ليُخرج المال.
“إذًا الأمر وصل إلى هذا الحدّ.”
سمعتُ صوتًا مألوفًا جدًّا من خلفي.
التفتُّ، ورأيتُ وجهًا مألوفًا للغاية.
يا إلهي… ذلك الرجل…
“هيميل؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 64"