“لِماذا……؟ لِماذا تُصرُّ على فِعل هذا إلى هذا الحَدّ؟”
رغم أنّ الجوَّ كان خانقًا إلى درجةٍ تُعيق التَّنفّس، إلّا أنّ داميان تمكّن بصعوبةٍ من فتح فمه وطرح سؤاله.
ابتسم فيليون بسخريةٍ خفيفة من أنفه.
“ألَا تَعلَم حقًّا لماذا تسأل؟”
“ر، ريكس قد لا تموت! لقد قيل إنَّهم سحَرةٌ بارعون. إن أحسنوا فَصلَ البركة، يُمكنها النَّجاة…”
“لكن، قبل ذلك سيقومون بِقطع لسانها.”
تلألأت عيناه البنفسجيّتان المضيئتان في الظلام بشكلٍ مُروّع.
“وسوف يكسرون معصميها وكاحليها. داميان، ألَا ترى أنّ قولَك إنّها لن تموت بعد ذلك أمرٌ غير منطقي؟”
ألقى فيليون نظرةً بطيئة تُمسك بداميان من أعلى رأسه إلى قدميه.
“هل عليَّ أن أُريك تجربةً صغيرة…؟”
“إنّه أمرٌ لإنقاذ جلالة الإمبراطور!!”
صرخ داميان بصوتٍ ملؤه الغضب.
“جلالة الإمبراطور شخصٌ عظيم! إنّه في مستوىً مختلف عن أمثالنا من العامّة! بوجوده فقط يُمكن للإمبراطوريّة أن تبقى قائمة! وحتى الحرب القادمة مع لافينسيا، هو الوحيد القادر على حلّها!”
لكنّ فيليون لم يُبدِ أيَّ تأثّر.
ليس بسبب ذِكر عبارة ‘أمثالنا من العامّة’، بل لأنّ كُلَّ ما قاله داميان لم يُحرّك في نفسه أيَّ إحساس.
هو يتّفق أنّ الإمبراطور شخصٌ مُهم.
لكن، هل سيُبقونه حيًّا إلى الأبد إذًا؟ مئة عام؟ مئتين؟ عبر كلّ وسيلةٍ مُمكنة؟
هذا أمرٌ غير منطقي. فالإنسان لا بُدّ أن يموت يومًا. وبحسب ما يعرفه فيليون، فإنَّ عمر الإمبراطور قد تجاوز الثمانين عامًا.
أمّا وليّ العهد الحالي، فهو ابنٌ أنجبه الإمبراطور من زوجةٍ ثانية تزوّجها في سنّ الستين، بعدما أنجبت الإمبراطورة السابقة أميراتٍ فقط، ليحصل بصعوبةٍ على وريث.
لم يكن بحاجةٍ ليتخيّل مدى اعتزاز الإمبراطور بذلك الابن.
وكذلك كان وليّ العهد يعتمد كثيرًا على الإمبراطور، ولذا كان يقول للجميع: ‘من دون الإمبراطور، لن تبقى الإمبراطوريّة’.
ومن المؤكّد أنّ داميان قد تأثّر بذلك القول.
‘منذ أن رأيته أول مرّة، لم يرق لي.’
رغم أنّهما لم يتبادلا الكثير من الحديث، شعر فيليون أنّه حتّى لو التقى بوليّ العهد بصفته وريثًا لإلفيرت، فلن يصبحا مقرّبين.
برأيه، إن كانت دولةٌ لا يُمكن أن تبقى إلّا بوجود شخصٍ واحد، فزوالها أمرٌ طبيعي.
وبينما كان في أفكاره، قال داميان بنبرةٍ مُتوسّلة:
“سأتحدّث جيّدًا مع سموّ وليّ العهد.”
ويبدو أنّه فسّر صمت فيليون أثناء ترتيب أفكاره على أنّه تردّد.
“لا أعلم إن كنت تعرف، لكن سموّه يتمنّى موتك. حتّى لو أمسكوا بريكس إيميل وحدها، فسوف يأمر بمطاردتك حتى النهاية.”
“……”
“إنّه يرى أنّ من الأفضل أن يعرف السرّ عددٌ قليل من الناس.”
تابع داميان بصوتٍ مُتحشرج.
“لكن، يُمكنني أن أُنقذك. سموّ وليّ العهد رجلٌ رحيم. إذا توسّلتُ إليه بشدّة، فسيعفو عنك. سأجعله يفعل ذلك. أُقسم أنّني سأفعل.”
“مُقابل تسليم ريكس؟”
ساد الصمت داخل المخزن.
وبعد قليل، نظر داميان إلى فيليون بوجهٍ حازم.
“تلكَ المرأة تخدعك.”
“تخدعني؟”
“أجل. لا أعلم ماذا وعدتك، لكن…… لا يُمكنها أن تُعطيك ذلك! لقد سمعت أنّ عليها دُيونًا كثيرة. ولهذا قبلت بطلب سموّ وليّ العهد. ماذا عسَى أن تُقدّمه لك أمرأةٌ مَدينة؟ وفوق ذلك، مستقبلًا……”
في تلك اللحظة، أطلق فيليون ضحكةً قصيرة.
لم يكن صوته عاليًا، لكن تعابيره كانت بوضوح تعابير شخصٍ مسرور.
مدّ يده وربّت على كتف داميان المذهول، وهو يمسح بقايا الضحك من عينيه.
“سمعتُ كلامًا مشابهًا من قبل.”
لقد كان ذلك منذ وقتٍ طويل، قبل عدّة أشهر، يوم التقى ريكس لأوّل مرّة.
قال دايل إنّ ريكس مُحتالة، وأنّها تنوي بيعه كـ عبدٍ في القارّة الشرقيّة، بكلماتٍ مشابهةٍ لما قاله داميان الآن.
في ذلك الوقت، صدّق الأمر بجدّية، لكن حين يُفكّر به الآن، لم يستطع منع ابتسامةٍ ساخرة.
كيف لامرأةٍ تقول إنّ السّرقة أمرٌ سيّئ وأنّه لا يجوز سرقة الأبحاث… أن تكون مُحتالة؟
“في الحقيقة، كان انطباعي الأوّل عن ريكس في غايةً السوء.”
راودته ذكرى مُبهجةٌ فجأة، فتابع الخوض فيها. كان يتذكّرها كما لو كانت بالأمس.
وجهٌ صغيرٌ أبيض، وعينان خضراوان اتّسعتا بشدّة حين نزع الضماد.
“شعرتُ بمجرّد رؤيتها بانزعاج. لم أعرف السبب، فزاد ذلك من ضيقي.”
لذلك استمرّ في التصرّف وكأنّه لا يراها.
“ومع مرور الوقت ومعرفتي لها أكثر، ظلَّ إحساس الغرابة موجودًا. حتّى ونحن نتناول الطعام سويًّا أو نضحك سويًّا، بقي الشعور.”
وأشار بإصبعه إلى أسفل صدره.
“هُنا، كان هناك ضيق.”
ولذلك رحل عنها ذات مرّة.
في اليوم الذي رفضته فيه قائلةً إنّها تُفضّل البقاء وحدها، كان يشعر بألمٍ شديد وحزن، لكن في الوقت نفسه، راودته آمالٌ خفيّة بأنّه سيتخلّص من ذلك الضيق.
لقد ندم على تمسّكه بها. في السابق، كان هدفه إحياء دايل، لكن بعد أن استعاد ذكرياته، لم يَعُد هناك سببٌ للبقاء معها.
كان يشتاق لعائلته، وكبرياؤه قد جُرح. بل وسخر في نفسه: ‘فلترَ كيف ستتصرّف وحدك.’
لكن، كلّما ابتعد عنها، زاد الضيق، فلم يجد إلّا أن يعود.
إلى أن وجدها مع فرستون، فعاد إليها مُجدّدًا. ومنذ أن انطلقا سويًّا الآن…
“أعتقد أنّني أدركتُ السبب.”
سأل داميان بفضولٍ صادق:
“لماذا…؟”
“كنتُ خائفًا. من أن تتخلّى عنّي.”
لقد تخلّت عنه مرّةً بالفعل، وكان ذلك فظيعًا.
ولذلك، لن يتردّد بعد الآن في استخدام أيّ وسيلة.
فمجرد أن تشفق عليه، لم يعُد كافيًا. أراد أن يُثبت أهميّته لها، لدرجة أن تجعل ريكس غير قادرةٍ على التفكير في تركه.
ولهذا، انتظر أن يلحق بهم المُطارِدون.
“أنا لا أريد منها شيئًا. ولو قدّمت لي شيئًا، سأرفضه.”
ورغم أنّ ريكس ستجد هذا النوع من العلاقة – الذي يعطي فيه طرفٌ واحد فقط – مُرهِقًا، إلّا أنّها ستعتاد عليه تدريجيًّا، وفي النهاية ستُدرك…
أنّه لا مكان أكثر راحةً من جانبه.
“حقًّا… وهذا يكفيك؟”
كان سؤالًا مُضحكًا، ولم يحتج للتفكير. فما إن اتّخذ قراره، حتّى زال الضيق كما لو كان مجرّد وهم.
وكأنّ نفسه القديمة تُخبره أنّ هذا هو الجواب.
“يكفيني.”
لم يعُد فيليون يرغب إلّا بشيءٍ واحد.
أن تبقى، حيّةً، إلى جانبه.
هذا فقط.
“يا له من تفكيرٍ أحمق…!”
صرخ داميان وهو يقبض على حفنةٍ من الرمل.
“ألم تُدرك الوضع بعد؟ الإمبراطوريّة كلّها تُطاردكما! أتظنّ أنّ قتلي سينهي الأمر؟ سيأتي أشخاصٌ أخطر وأقوى منّي! وسيُلاحقونكما حتى تموتا!”
كانت عيناه المحمرّتان بالدماء تشتعلان بالغضب وهو يُحدّق في فيليون.
“لن تفلتوا أبدًا.”
كان صوته مشحونًا بأقصى درجات الكراهية، لكن فيليون لم يتراجع، بل ابتسم بمرح.
“هذا رائع. ستحتاجني ريكس أكثر إذًا.”
كانت تعابيره صادقةً في فرحها، إلى درجة أن داميان أُصيب بالذهول وترك غضبه لحظةً.
“أنت… مجنونٌ تمامًا.”
“صحيح. إذًا أجبني، داميان.”
رفع فيليون خنجره أمام وجهه.
“هل ستتخلّى عنا، أم لا؟”
***
ما إن دخل فيليون الغرفة، حتّى تجمّد في مكانه.
“أين كنتَ؟”
كانت ريكس جالسةً على السرير، تحدّق به، بينما ظنّ أنّها ستكون نائمة.
“فقط خرجتُ قليلًا…”
وقبل أن يُكمل، خطت نحوه بسرعة، وأمسكت بكلتا ذراعيه، وبدأت تشمّ رائحته في أماكن مختلفة.
وتوقّفت أخيرًا عند عنقه.
رفعت عينيها الخضراوين إليه.
“رائحة دم.”
“……”
“قتلتَه؟”
ظلّ متجمّدًا بلا ردّ. كان يتمنّى أن لا تعرف، لكن لم يتوقّع أن تُدرك ذلك بهذه السرعة.
وفهمت ريكس صمته فورًا.
“وماذا فعلت بالجثّة؟”
“…… تخلّصتُ منها جيّدًا.”
تنفّست بعمق، ثم قالت:
“أحسنت.”
اتّسعت عينا فيليون قليلًا، فرفعت هي حاجبها بخفّة.
“لماذا؟ ظننتَ أنّني سأغضب؟”
“نعم.”
“وهل لي أيُّ ولاءٍ لهؤلاء؟ حتى لو كان لديّ، فلن أصفح عنهم. إنّهم يُطاردونني ليقتلوني.”
“……”
“صحيح أنّني منحتهم فرصةً بدافع الرغبة في بقائهم أحياء، لكنّني لستُ ساذجةً لدرجة أن أظن أنّنا سنفلت من هذا الوضع دون أن يُقتل أحد.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 60"