لم يكن هناك سببٌ خاصٌّ للغاية لوضع مسحوق النّوم في أداةٍ سحريّة.
عندما خَطّطتُ لتَظاهُري بالموت، كنتُ قد طلبتُه لاستخدامه كطوارئ في القارّة الشّرقيّة، لكن يبدو أنّه تمّت إساءة التّوصيل فجاءت كميّةٌ كبيرة. كانت كثيرةً جدًا بحيث لا يمكن أخذها كلّها، لذا تركتُ بعضها هنا.
فكّرتُ جديًّا في أخذها كلّها ولو بتكلّفٍ، لأنّها كانت باهظة الثّمن، لكن شعرتُ أنّ تركَها سيكون أكثر فائدة.
ألن يفكّر أحدهم: “كيف لها أن تهرب وقد تركت شيئًا ثمينًا كهذا؟ لا يمكن أن تكون قد هربت!”؟
“لم أتوقّع أن يُستخدَم ما تركتُه حينها بهذا الشّكل.”
لكن، هذا لا يعني أنّ مسحوق النّوم هذا مُعجزة. فهو، كما هو حال جميع المساحيق، يتأثّر بأبسط تيّارات الهواء أو النّسيم، فيتبعثر على نحوٍ واسعٍ وغير منتظم.
لذلك، أغلقتُ هذه المنطقة بحاجزٍ. بحيث لا يتحرّك المسحوق إلا باتّباع سِحري، وعلى المسار الّذي حددتُه فقط.
وقد نجحتُ، تمامًا كما توقّعت.
“فلنخرج بسرعة.”
بعد أن تأكّدتُ من نوم الجميع، أزلتُ جميع الحواجز.
كان الخارج ساكنًا للغاية. نظرتُ حولي ناحية الأدغال، وبعد لحظات، رأيتُ رجلين ساقطين على الأرض. إنّهما مِمّن بقوا مع هاربر في الخارج.
‘أين هاربر؟’ لمّا وردت هذه الفكرة إلى ذهني، صدر صوتٌ خفيف من بين الأشجار.
كان الخارج منها هو فيليون.
تنفّستُ الصّعداء بعمق.
“…هاربر أين هو؟”
تقدّم فيليون خطوةً أخرى، وإذا به يَجرُّ هاربر من ملابسه. كان قد فقد وعيه تمامًا مثل الآخرين، فلم يتحرّك مطلقًا.
“لم أقتله.”
قالها فيليون وهو يرمي به بإهمال. لا يبدو أنّه أُصيب. هل هاجمه من الخلف؟
‘أشبه ما يكون بقاتلٍ مأجور.’
كان هذا حاله أيضًا عندما قيّد براستون. لم أتوقّع أبدًا أنّه يستطيع إخفاء حضوره بهذه المهارة.
رغم أنّ أبطال الرّوايات عادةً ما يكونون كذلك، إلّا أنّه – من وجهة نظري وقد راقبته طويلًا – حقًّا، يتقن كلّ شيء.
“لعلّ الأمر كان أسهل لأنّهم كانوا ثلاثة فقط.”
هاربر، في محاولته للقبض عليّ، أرسل أكبر عددٍ من الرّجال إلى الدّاخل. لكن ذلك كان ما أريده تحديدًا.
فكلّما قلّ عدد من هم بالخارج، كان على فيليون أن يتحرّك بسهولةٍ أكبر.
“من الجيد أنّ كلّ شيءٍ انتهى دون مشكلة.”
نظرتُ نحو عمق الكهف.
كان إيان نائمًا بعمق، دون أن يُظهر أيّ حركة.
رغم أنّني لا أزال أرغب بالتّحدّث معه، إلّا أنّ الهرب الآن هو الأولويّة. فحياة فيليون أيضًا على المحكّ.
أعلم أنّ قتل الجميع هنا سيكون الخيار الأسهل في المستقبل. فهم كلّهم ساقطون بلا دفاع، لذا لن يكون الأمر صعبًا.
“ماذا سنفعل؟”
هل ظهرت علامات التّردّد على وجهي؟ سألني فيليون.
“لم تُصب، أليس كذلك؟”
سألتُه رغم أنّه بدا سليمًا.
“لا، لم أُصب.”
أعدتُ النّظر إلى داخل الكهف. رأيتُ وجوه النّائمين واحدًا تلو الآخر، ثمّ نظرتُ أخيرًا إلى هاربر الملقى عند قدمي.
واتّخذتُ قرارًا صعبًا.
“سأمنح هؤلاء خيارًا.”
هم أُناسٌ جُمعوا لاختطافي.
لكنّهم لم يُلحقوا بي أذًى مباشرًا.
عندما دخلوا الكهف خلفي، كانوا على نيّة الإيذاء، ولكن لحسن الحظّ كنتُ أسرع منهم فنجوتُ.
وبالنّظر إلى النّتيجة فقط، فلم يُصَب أحد، لا أنا ولا فيليون.
لذلك، سأمنحهم فرصةً واحدة.
سوف يستفيقون دون أن يموتوا.
سيشعرون بالوَهَن والتّشويش بفعل تأثير مسحوق النّوم، لكن ما إن يتبادلوا الحديث، سيفهمون بسرعة أنّني تواطأتُ مع فيليون لخداعهم.
سيشعرون بالغضب، وبالخيانة، وبالخزي.
لكن عندما يُدركون أنّني أبقيتُهم على قيد الحياة، لن يستطيعوا إلّا أن يشعروا بالامتنان. وعندها، سيكون عليهم أن يختاروا:
هل سيتركونني وشأني كما فعلتُ أنا معهم؟
أم سيعودون لملاحقتي تنفيذًا لأوامر وليّ العهد؟
وإن تابعوا مطاردتي…
“فلنذهب. علينا التحرّك فورًا.”
تجاوزتُ هاربر، وسرتُ نحو موقع التّخييم.
ولم ألتفت خلفي، ولو لمرّة واحدة.
***
رغم أنّني منحتُهم رحمةً كبيرة، فإنّني، بصراحة، لم أكن مرتاحةً تمامًا.
أوامر وليّ العهد ليست شيئًا يمكن التّغاضي عنه بسهولة. خاصّةً بعض الأشخاص الّذين بدوا مقرّبين منه، كـ هاربر، فسيبدؤون بمطاردتي ما إن يستفيقوا دون أيِّ تردّد.
لذا، يجب أن أُغادر هذه الغابة بأقصى سرعةٍ ممكنة، ودون أن أترك أثرًا.
وأيضًا، عليّ اختيار اتّجاهٍ لن يتوقّعه أحد.
“بعيدًا عن المدينة الّتي كنّا فيها سابقًا… لكن أين؟ هدفي في النّهاية العودة إلى القارّة الشّرقيّة، لذا اختيار الشّرق منطقيّ، لكن ربّما يجب أن أمرّ بعدة أماكن لزرع بعض التّشويش.”
كان قرارًا صعبًا جدًّا لاتّخاذه في الحال.
لذا، قرّرتُ أن أُؤجّله قليلًا. ففي أحيانٍ كثيرة، تطرأ الفكرة المناسبة لاحقًا فجأة.
“على الأقل، سأسلك الاتّجاه المعاكس تمامًا لذلك الّذي سلكه وليّ العهد. وهو الشّرق أيضًا.”
في أمتعة هاربر، كانت هناك خرائطٌ دقيقة، وبوصلة، لذا تحديد الاتّجاه لم يكن صعبًا.
أخذنا معنا القليل من المؤن، وركب كلٌّ منّا حصانه، وغادرنا موقع التّخييم.
لإعاقة أيِّ مطاردة، قمتُ بإخفاء ما تبقّى من المؤن في مكانٍ آخر. كما أطلقتُ أحصنة الآخرين.
ودفنتُ أدواتٍ سحريّة في أماكن مختلفةٍ على الطّريق.
“هل هذه أفخاخ؟”
“نعم. ليست أدوات مكتملة، لذا تأثيرها لن يكون كبيرًا، لكن وجودها خيرٌ من عدمه.”
للأسف، كنتُ قد استهلكتُ كلّ مسحوق النّوم في الكهف. لكن بفضل الكميّة الكبيرة الّتي استخدمتُها، على الأرجح، لن يستيقظوا قبل الغد.
“كما أنّني أظنّ أنّ الوحوش ستبدأ في الظّهور قريبًا. لعلّنا نملك وقتًا أكثر ممّا نعتقد.”
رغم أنّي لم أشعر بعد بأيّ أثرٍ للوحوش، إلا أنّ الوقت قد حان لتجمّعها.
لأن…
“من المرجّح أنّ حارس البوّابة يحمل جزءًا من جسد شيطان.”
عند سماعي تلك الكلمات المفاجئة من فيليون، شهقتُ لا إراديًّا.
“كيف…؟”
أنا لم أذكر ذلك. بل قد نسيتُه وسط كلّ شيء آخر.
“عندما يموت الشّيطان، تأتي الوحوش لامتصاص طاقته. هذا يعني أنّ وجود طاقته في أيّ مكان كافٍ لجذب الوحوش، أليس كذلك؟ بناءً على ذلك، خمّنتُ الأمر.”
قالها فيليون وكأنّها مسألة بسيطة، لكنّه كان محقًّا تمامًا.
حتى في الرّواية الأصليّة، حصل أمرٌ مشابه.
في القصّة الجانبيّة، أحد الشّياطين قطع جزءًا من جسده عمدًا، وأخفاه في غرضٍ مهمّ، لا لغرضٍ كبير، بل فقط ليعبث بالبشر.
وكانت مهمّة إيريون أن تنقل ذلك الغرض، ما أدّى إلى وقوعها في ورطةٍ كبيرة.
ومن خلال تلك الحادثة، أدركت إيريون أنّ بقايا جسد الشّيطان، كموضع موته، يمكنها جذب الوحوش.
أنا أعلم ذلك لأنّني قرأتُه، أمّا هو…
‘استنتجه من مجرّد الموقف.’
لكنّ هذا لم يكن الشّيء المذهل الوحيد.
في هذا العالم، عندما يموت الشّيطان، يختفي مثل الدّخان. لا أعلم إن كان ذلك ينطبق على العوالم الأخرى، لكنّه كذلك هنا.
أي أنّ مالكَ ذلك الجسد لا يزال حيًّا في العالم الآخر.
ولا أعتقد أنّه الشّيطان الّذي ظهر في القصّة الجانبيّة. فقد قال هناك أنّها “أوّل مرّةٍ يزور فيها هذا العالم”، وأنّه يُعدّ “غريبًا” حتّى بين الشّياطين.
لذلك، السّبب الوحيد لامتلاك حارس البوّابة جزءًا من جسد الشّيطان هو:
‘لأنّ فيليون انتزعه من الشّيطان.’
ليقوم بجذب الوحوش ويُبعد البشر عن هذه المنطقة.
تعمدَ قطع جزءٍ من جسده، وتعمدَ تركه حيًّا ليعود إلى عالمه.
‘فالشّيطان يختفي كالدّخان إن مات هنا.’
وذلك ليس بالأمر السّهل أبدًا.
تخيّلي أنّ ذلك الجزء كان إصبعًا.
فيليون قطع الإصبع من الشّيطان قسرًا، ثمّ قال: ‘سأستخدمه لجذب الوحوش، لذا ارحل واتركه لي.’
حتّى الإنسان لن يتحمّل موقفًا كهذا، فكيف بالشّيطان؟
لكنّ الشّيطان غادر.
وقدوم العديد من الوحوش إلى هذه المنطقة دليلٌ على ذلك.
‘لأنّه كان متأكّدًا أنّه لا يستطيع الفوز عليه، فهرب.’
بمعنى آخر، استخدمه كما يُستخدم اللّعب.
…فجأة شعرتُ بتعاطفٍ كبير.
“صحيح. فكّرتُ أنّه قد يكون دفنه، لكنّ الحيوانات أو الوحوش قد تحفر الأرض وتجدُه، لذا سلّمه للحارس بدلًا من ذلك.”
“يبدو ذلك منطقيًّا.”
“فيليون، بعد أن فقدتَ ذاكرتك، لم تصادف شيطانًا، صحيح؟”
رغم أنّني سألتُه بجدّيّة، ابتسم فيليون.
“لا تقلقي. أنا لا أترك الأمور على النصف.”
كانت نظرته تقول: ‘الشّيطان يملك عقلًا، لذا لا يجرؤ حتّى على التّفكير في الانتقام.’
ما الّذي فعله يا ترى؟
على أيّ حال، لا أتوقّع أنّه يتذكّر الآن.
“بالمناسبة، أزدادُ فضولًا لمعرفة أين اختفى ذلك الحارس. لديّ الكثير من الأسئلة له.”
أجل، ربّما يكون ذلك الحارس هو الوحيد الّذي يعلم.
كيف حصل فيليون على ذلك الإصبع؟
ما شكل تعابير وجه الشّيطان وهو يفرّ؟
ولماذا اختار أن يحتفظ بمختبري في هذا المكان البعيد؟
ولماذا استمرّ بحمايته حتّى الآن؟
“لديّ شكٌّ واحد، لكن…”
انخفض رأسي من شدّة الحرج. هل يمكن أن يكون ذلك السّبب؟ سيكون الأمر محرجًا للغاية إن كان صحيحًا. تفكيري كان مشوّشًا تمامًا.
“هل أنتِ مُتعبة؟”
عندما لم أنظر إليه، اقترب فيليون بلُطف وسألني.
“آه، لا… أنا بخير.”
“إذا شعرتِ بالتّعب، أخبريني في أيّ وقت. سأبحث عن مكانٍ نرتاح فيه.”
“أوه… حسنًا.”
أومأتُ برأسي، ثمّ نفضتُ التّراب عن يدي بعد دفن الأداة السّحريّة.
لكن حتّى بعد أن أمسكتُ بزمام الحصان وركبتُه، لم يُبعد فيليون نظراته عنّي.
“مـ… ماذا؟”
لم أستطع تجاهل الأمر، فالوضع لا يسمح بإضاعة الوقت.
“هل لديك ما تريد قوله؟”
وقبل أن أنهي جملتي تمامًا…
تقدّم فيليون ووقف بجانبي مباشرةً. حسبتُ أنّه سيصعد معي على الحصان، لكنّه لم يفعل. بل وقف هناك، ينظر إليّ بصمت.
ثمّ ابتسم.
كانت الابتسامة نفسها الّتي كان يُظهرها لي أحيانًا قبل خمس سنوات، عندما كنّا نعمل سويًّا في مختبري داخل برج السّحر.
“لا داعي للقلق كثيرًا.”
“…..”
“سأحميكِ دائمًا.”
كان يجب عليّ أن أرفضه.
أن أقول إنَّ بإمكانه الرّحيل في أيّ وقت. أن أخبره أنّني أُفضّل الوحدة. كنتُ أعلم يقينًا أنّ ذلك سيكون الأفضل للجميع.
“…حسنًا.”
لكن دون أن أشعر، خرجتِ الكلمة من فمي بخفّة.
شعرتُ بخفقانٍ في صدري. وكان قلبي ينبض أسرع فأسرع، بينما أنظر إليه وهو يركب حصانه بابتسامةٍ راضية.
رغم أنّنا في خضمّ الهرب والمخاطر، ورغم أنَّ الجوّ مشحونٌ بالقلق…
هذا الفتى، هل من الممكن…
‘أهو يُحبّني؟!’
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 57"