كانت قد تاهت في الممرّات السفلية بلا وعي، ثمّ وجدتني ممدّدة على الأرض، وحين حاولت الاقتراب، اصطدمت بجدارٍ غير مرئيّ.
لم تستطع إلّا أن تراقبني بصمت، إلى أن عادت الدّماء فجأة إلى جسدي واستعدتُ وعيي ونهضت.
“…لِذا لم يكن أمامكِ سوى أن تشرحي كلّ شيء.”
“صحيح، ولقد كنتُ أُصدّق برَيدين.”
حين قلتُ إنّ ما حدث لي يُعادل الموت مرّة، انفجرت برَيدين بالبكاء.
لم تكن دموعًا يمكن أن أعتبرها تظاهُرًا. وحين رأيتُ جسدها المليء بالجراح، بكيتُ أنا أيضًا.
“قالت إنّها لن تُخبر أحدًا بما جرى…”
وحتّى الآن، لم أستطع حبس دموعي.
مدّ فيليون يده نحوي، وعلى وجهه علامات الارتباك، لكنني سبقتُه إلى مسح دموعي.
لحُسن الحظّ، لم تسقط دموعٌ أخرى. بدلًا من ذلك، بدأ الغضبُ يتصاعد بداخلي.
‘أن يستخدموا بركتي لرفع لعنة الإمبراطور؟’
بحسب ظنّي، كانت التّسلسلات كالتالي:
أوّلًا، بدأتْ معاناة الإمبراطور بسبب اللّعنة.
وليّ العهد حاول بكلّ السّبل أن يُنقذه، لكن دون جدوى، وحين طال التفكير به، تذكّر تجارب الكونت فولكس البشريّة.
الكونت فولكس قد أُعدم بالفعل، وسمعتُ أنّ معاونيه نالوا جزاءهم، لكن لا بُدّ أنّ أحدًا من أولئك الذين شاركوه في التّجارب قد نجا.
وليّ العهد استعان بـ إيان من أجل التّواصل مع أولئك.
‘أي أنَّ الإمبراطور قد لُعن بعد إعدام فولكس.’
إيان، المَدين له، لم يستطع رفض طلب وليّ العهد، خاصّة أنّ الهدف كان إنقاذ الإمبراطور. فوافق في النّهاية.
‘لكنّ سحرة فولكس لم يستطيعوا فكّ اللّعنة، رغم محاولاتهم.’
لعلّهم بعد ذلك اهتمّوا بسحر القارّة الشرقيّة؟
لكن لا دلائل عندي على ما حدث في تلك المرحلة.
‘في كلّ الأحوال، وليّ العهد قد تواصل مع بريدين.’
بريدين نقلتْ كلّ ما مررتُ به إلى وليّ العهد، بل وساعدته في تنفيذ خطّته، حتّى أنّها استدرجتني إلى القارّة الغربيّة.
أعرف أنّ بريدين كانت فقيرةً منذ صغرها. جدّها تورّط في مشروعٍ تجاري كبير انتهى بديون هائلة، فاضطرّ والدَاها للعمل ليلًا ونهارًا لسدادها.
“هاه… في النهاية، المال هو المشكلة، أليس كذلك؟”
حين أفكّر في البركة، أشعر بالسّعادة. أليس لقائي بالحاكم نفسه تجربةً سامية؟
عانيتُ منذ الطفولة، لذا شعرتُ بالسّرور حين أدركتُ أنّ هناك ميزة ما حصلتُ عليها كمُتجسّدة، وشعرتُ بالفخر حين كان هناك شخصٌ واحد على الأقلّ اعتبرني تلميذته. كما كان يُشعرني بالأمان، لأنّه بدا وكأنّه يحرسني دائمًا.
لكن لم أتوقّع أن ينتهي بي الحال إلى هذا الموقف.
“…ما الذي ستفعلينه الآن؟”
“سأهرب.”
بغضّ النظر عمّا اكتشفه سحرة فولكس من تجاربهم، من غير المُحتمل أن يستطيعوا فصل “البركة” عنّي فقط.
فهي قوّة أُنزِلت من الحاكم نفسه. وبما أنّ السّحر متّصلُ بالقلب، فليس من الغريب أن أموت في تلك العمليّة.
ربّما حتّى أولئك السّحرة أنفسهم لا يملكون ثقة كاملة. قد يكون ما قالوه محض كذب، بدافع الفضول.
الأهمّ من كلّ ذلك: وليّ العهد يُصدّقهم.
وأمّا أنا.
“سأهرب حتى النّهاية. لن أسمح لهم بأخذي.”
“بالطّبع، هذا ما ينبغي أن تفعليه.”
قال فيليون ذلك مبتسمًا، وهو ينظر إليّ.
ثمّ وقف قائلًا:
“متى نغادر إذن؟ أظنّ أنّ المغادرة بعد رحيل وليّ العهد عند الفجر فكرةٌ جيّدة.”
“أجل، قد يكون ذلك مناسبًا.”
أومأتُ برأسي ثمّ نظرتُ إليه.
“لو كنتَ وحدك، فيليون.”
الفجر مظلم وفوضويّ، وقتٌ مناسب للهروب.
ولو بدا وكأنّ أحدهم بقيَ هنا للحراسة، فسيتأخّر اكتشاف المغادرة، ويمكن للآخر أن يرحل بسهولة.
خاصّة إنْ كان من تبقّى هو هدفهم.
“…هل تقترحين أن نفترق ونلتقي لاحقًا؟”
“لا. لن نلتقي مجدّدًا.”
“لِمَ…؟”
“وليّ العهد لا يريد إلّا أنا فقط.”
إنْ لم يكن يعرف من هو فيليون، فهو لن يهتمّ بمرافقي.
ولذا أمرهم بأن يقتلوا فيليون بالسّم.
وحين أتذكّر كيف كان فيليون يتلقّى الطّعام من المجموعة بسهولة، خاصّة حين صبّ له بريستون الخمر، أشعر بالقشعريرة.
وقتها، كان فيليون مُنهكًا لا يملك قوّةً سحر، ولو كان ما قُدِّم له مسمومًا…
فقد يكون في عداد الموتى الآن.
“لو اختفيتُ، سأبحث عنك. اختبئ لبعض الوقت، وحين يعود الكونت ديلايك إلى العاصمة، اطلب حمايته.”
“..…”
“الآن وقد عادت إليك ذاكرتك، ستكون بخير، أليس كذلك؟”
لم يُجب فيليون.
وصمته طال، لذا نهضتُ وتوجّهتُ نحو الرّكن. وضعتُ نصف المال الذي أملكه في حقيبته، وأخرجتُ الأشياء غير الضّروريّة لتخفيف الحمل.
حينها سألني فجأة.
“…وأنتِ؟”
“سأعود إلى القارّة الشرقيّة. هناك لا تصل سلطة الإمبراطوريّة.”
صحيح أنّني سأضطرّ للاختباء، لكنني سأكون أكثر حرّية من البقاء في الغرب. كما سيكون قلبي أكثر راحة.
“سأذهب، ولن أعود أبدًا.”
كان عليّ ألّا أعود من البداية.
لقد أعماني المال، فحكمتُ خطأ. لذا حين أرحل هذه المرّة، لن تكون هناك عودة.
ولا حتّى إلى فيليون…
“بما أنّنا قرّرنا، دعنا نناقش الطّريقة. ما رأيك؟”
“..…”
“إن أردتَ الرّحيل فورًا، فقط أخبرني. أنتَ جئتَ إلى هنا من أجلي، لذا سأساعدك مهما كلف الأمر.”
لكنه لم يُجبني مجدّدًا. فقط شدّ قبضته، ونظر إليّ بثبات.
لكنّني كنتُ جادّة. لم أكن أريد أن يموت فيليون هنا.
لذا حين أخرجتُ أفضل أداة سحرية من بين ما جلبته من الحاجز لأضعها في حقيبته…
“آه، ماذا لو كشفنا هويّتنا لِـ إيريون وطلبنا المساعدة…؟”
باغتني فيليون بالإمساك بمعصمي فجأة.
ثمّ انتزع الحقيبة منّي وتراجع.
اتّسعت عيناي. هل سيُفرغها مجدّدًا؟ كان في عينيه غضبٌ لا يمكن تجاهله.
لكنّه لم يفعل. بل تنفّس بعمق كما لو كان يُخفي مشاعره، ثمّ أسقط الحقيبة على الأرض بهدوء. بعدها، نظر إليّ.
“لن أذهب.”
“ماذا؟”
“لا إلى جدّي، ولا إلى تلك المرأة.”
“إذن؟ هل ستأتي معي؟”
لم يُجب. وصمته كان كافيًا لأدرك أنّه جاد. فصحتُ دون إرادة:
“هل جننت؟!”
آه، الصوت كان عاليًا جدًّا. أسرعتُ بإلقاء حاجز يمنع تسريب الصوت. ومع ذلك، لم أستطع فهمه.
هل هو مجنونٌ حقًا؟
“يبدو أنّ ذاكرتك لم تعدْ كاملة، لكنّ خصمنا هو وليّ العهد. ستقضي عمركَ هاربًا من الإمبراطوريّة.”
“جسدي مطلوبٌ بجائزةٍ قدرها عشرة مليارات، لا يهمّ.”
“لكنّ الأمر سينتهي إنْ أعدنا الكتاب المحرّم! ثمّ إنَّ البرج السّحري شيء، والإمبراطوريّة شيءٌ آخر!”
“ستتخلّى عن اسمك، عائلتك، أصدقائك. لن تتمكّن من العودة إلى موطنك، وستعيش مرتابًا بكلّ من حولك.”
“…..”
“أنا، أُلاحَق من وليّ العهد، فلا خيار لي. أمّا أنتَ، فلا داعي لأن تحيا هكذا…”
“أنا من يجب أن يسألكِ.”
في تلك اللّحظة، اقترب فيليون منّي خطوة.
“قلتِ إنّك ستعيشين تشكّين في كلّ من تلتقين به.”
أردتُ أن أتراجع، لكن خلفي كانت الطّاولة التي وضعتُ عليها الحقيبة.
اكتفيتُ بالتّحديق به، فاقترب أكثر.
“لن تتمكّني من الحديث بحرّيةٍ مع أحد، ستستخدمين أسماء مزيّفةً دائمًا. ولن تستطيعي البقاء في مكانٍ طويلًا، فوليّ العهد قد يعثر عليكِ.”
“وأنتَ تعرف هذا، ومع ذلك…!”
“لكن…”
توقّف أمامي مباشرة.
“لكن أليس وجود شخصٍ آخر أفضل من البقاء وحيدة؟”
“…..”
“على الأقلّ، لن تشعري بالوحدة.”
أمسك يدي مرّة أخرى. لكن هذه المرّة، كانت يده لطيفة، حذرة.
وعيناه النّاظرتان إليّ كانتا مليئتين بالحزن. وقلبي، لا أعلم لماذا، بدأ بالخفقان بسرعة.
“ريكس، أنا…”
لكن لا. لم يكن بإمكاني قبول ذلك.
“لا.”
سحبتُ يدي منه بحدّة.
“أفضل أن أبقى وحدي.”
في اللحظة التي تجمّدت فيها ملامح وجه فيليون.
“إن كنتِ تتظاهرين بالقوّة فقط، فـ…”
“لقد عشتُ هكذا دائمًا.”
“ريكس…”
“أنا لا أعرف من هم والداي الحقيقيّان. ليس لديّ عائلة، وصديقي الوحيد كان إيان.”
وذاك الصّديق أيضًا كان من ضمن من حاولوا قتلي، لذا لا حاجة لأن أتمسّك به.
“أصدقائي في القارّة الشرقيّة؟ صحيح، كنتُ أُحبّهم. لكن لم يكن بيننا عمقٌ حقيقي. لا أحد أشتاق إليه.”
نظرتُ إليه بثبات.
“الشعور بالوحدة؟ أتظنّ أنني لا أعرف هذا الإحساس؟”
كانت تلك الحقيقة. دائمًا ما قضيتُ وقتي وحدي، سواء في البرج أو في القارّة الشرقيّة.
لكن كانت كذبة أيضًا. فحين اختفى فيليون فجأة، شعرتُ بالفراغ.
وأعلم أنّني سأشعر بشيء مشابه بعد فراقه.
لكنني أستطيع التّحمّل.
كما قلت، أنا معتادةٌ على الوحدة.
أمّا أنت…
“أنتَ مختلف، فيليون. لديك والدان ينتظرانكَ، وعائلةٌ تحبّك. أينما ذهبتَ، الناس يحبّونك. وأنتَ كنت تستمتعُ بذلك.”
“…..”
“لن تستطيع العيش مثلي. ربّما حين لم تكن تتذكّر، كنتَ تستطيع. لكن الآن… لا يمكن. وقبل كلّ شيء…”
“..…”
“نحن، لسنا شيئًا لبعضنا.”
رُبّما كُنّا يومًا زملاء.
والآن، أردتُ أن أُنهي ذلك تمامًا.
ليستطيع فيليون الرّحيل دون حِملٍ على قلبه. لأنّ فيليون الذي أعرفه اليوم، يختلف عن ذلك الذي كان.
‘…لذلك أعجبني.’
ولذلك أيضًا، أردتُ له حياةٌ سعيدة.
ولينسَ يومًا ما ريكس إيميل التي صادفها ذات مرّة.
“غادرْ مع شروق الشّمس، فيليون.”
“..…”
“أنا أرتاح حين أكون وحيدة.”
تلك كانت كلماتي الأخيرة… ثمّ غادرتُ الخيمة.
***
بعد ساعة، حين عدتُ إلى الخيمة، لم يكن فيها أحد.
لا ملابس فيليون، ولا حقيبته.
‘رحل إذًا.’
لكن المال الذي وضعته هناك، لا يزال في مكانه.
ضحكتُ قليلًا وأنا ألمس النّقود التي تركها.
“لقد وعدتُ بأن أعيد دايل إلى ما كان عليه… لكنني لم أتمكّن.”
ربّما خاب أمله بي… لكن لا بأس.
فلن نلتقي بعد الآن على أيّ حال.
‘عليّ أن أقلق بشأن نفسي الآن. بشأن نفسي فقط.’
ضغطتُ على صدغيّ بقوّة عدّة مرّات، ثمّ وضعتُ المال في جيبي.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 54"