أفلتُّ يده وتراجعتُ خطوة، وبينما كان يُلقي التحيّة على هيميل، لَمْ أزل أراقبه بعيني.
وبينما أواصل مراقبته هَكذا، راودتني فكرة.
“لا يبدو ماهرًا كثيرًا، أليس كذلك؟”
حين اقتربتُ منه وهمستُ بهَذهِ الكلمات، ابتسمت بريدين.
لَمْ أكُن أحتقره، بل كنتُ أقول الحقيقة. قد يبدو ذَلك قاسيًا لشخصٍ ألتقي بهِ لأوّل مرّة، لكنّه بدا كأحد المتسكّعين في الحانات الذين يعرفون القليل مِن السّحر ويستعرضون أنفسهم.
“حتى المستوى الرابع يبدو صعبًا عليه. هل سيكون بخير؟”
“نعم، لأنّ الحقيقيّ ليس هو.”
“الحقيقيّ؟”
عندها تمامًا…
“ما هَذا؟ لماذا لا تبتعد؟”
بدأت الضجّة ترتفع مِن الجهة التي جاء منها دايل. رفعتُ رأسي فرأيتُ شجارًا بدأ للتوّ على مقربةٍ منّا.
رجلٌ ضخم كان يضرب كتف رجلٍ طويل القامة وهو يُحدّق بهِ بنظراتٍ قاتلة.
“لماذا تحدّق بي؟ ألا تسمعني؟ قلتُ لك تنحَّ جانبًا!”
وما إنْ رأت بريدين هَذا المشهد، حتى ازدادت ابتسامتها عمقًا. آه، الآن تذكّرت. قالت إنَّ شخصين سيأتيان.
هل أحدهما مِن هذين الاثنين؟ وما إنْ خطرت لي هَذهِ الفكرة…
“كيااااه!”
حتى قام الرّجل الطويل بلوي ذراع الرّجل الضخم دفعةً واحدة.
“د-دعني، ااااه!”
حتى بعد أنْ اندفع إليه ثلاثة رجال آخرين -يبدو أنّهم مِن رفاق الرّجل الضخم-، لَمْ يُفلتهم الرّجل الطويل.
راح يتفادى هجماتهم عبر تحريك رأسهِ وكتفيه قليلًا فقط، ثمّ بدأ يركلهم واحدًا تلو الآخر بساقيه الطويلتين.
“آاااه!”
‘الحقيقيّ هو هَذا إذًا.’
“كفى، دعه.”
الشخص الذي تدخّل بين الرّجال العنيفين كان دايل.
كان ظهوره مُفاجئًا، لكنّه أنهى الشّجار. وما إنْ تراجع الرّجل الطويل، حتى ابتعد الرّجال الآخرون عنه بسرعة.
رغم نظراتهم المليئة بالاستياء، إلّا أنَّ أحدًا منهم لَمْ ينطق بكلمة، سواء بسبب الألم أو بسبب كرامتهم التي جُرحت. اكتفى دايل بإيماءة خفيفة برأسه تجاههم، ثمّ غادر المكان.
ثمّ عاد ومعه الرّجل الطّويل متجهًا ناحيتنا…
‘لقد غطّى وجهه بالكامل؟’
باستثناء عينيه، كان قد لفّ وجهه تمامًا بقطعة سوداء كالشّريط. مِن معطفهِ إلى شعره، كلّ شيء فيه كان أسود، مِمّا جعله يبدو مخيفًا لا مضحكًا.
على عكس تعابيري المُتجهّمة أنا وهيميل، استقبلته بريدين بابتسامة.
“مرّ وقت طويل، أيّها الكلب الأسود.”
لَمْ أتمالك نفسي وسألتُ بريدين بفضول.
“كلب؟”
“نعم، لأنّه وفيٌّ مثل الكلاب.”
هل مِن المناسب قول هَذا أمامه مُباشرةً…؟
لحُسن الحظ، لَمْ يقل شيئًا لنا أنا أو بريدين، لكن…
عندما التقت نظراتنا للحظة، كان نظرهُ مخيفًا بشكلٍ لا يُطاق.
“والآن، بما أنَّ الجميع اجتمعوا، لنبدأ بالتحرّك…”
“انتظري.”
قاطع هيميل حديث بريدين وهو ينهض مِن مكانه.
“أنتَ، انزع تلكَ اللفائف عن وجهك.”
“….”
“حتى وإنْ كنّا سنقضي ليلةً واحدة فقط، فسنُسلّم أرواحنا لبعضنا البعض. لا أستطيع الوثوق بشخصٍ لا يُظهر وجهه.”
هززتُ رأسي بعنف. نعم! لا أريدُ العمل مع شخصٍ مزعج كهَذا!
“لا خيار، انزعها.”
والمفاجأة أنَّ الكلب الأسود أطاع أمر دايل مرّةً أخرى دوّن تردّد.
‘هل سيقوم بذَلك فعلاً؟’ تساءلتُ، لكنّه بدأ فعلًا بتحريك يديه.
هل هو الشّعور نفسه الذي يشعر به المرء حين يرى مومياء تفتح لفائفها بنفسها؟ توتّرٌ غريب بدأ يتصاعد في داخلي. أحسستُ فجأةً بجفافٍ في حلقي، فشربتُ الماء مجددًا.
وأخيرًا، حين تمّ نزع اللفائف السوداء بالكامل.
وظهر وجهه…
“تعرّفوا عليه. عبدي، الكلب الأسود.”
فاض الماء مِن فمي فجأة.
شعرٌ أسود، وعينان بنفسجيّتان غريبتا اللون.
ذَلك الوجه الوسيم المزعج حدّ الجنون…
‘فيليون؟’
ما الذي يفعله هُنا…؟
* * *
كانت وجهتنا لا تبعد كثيرًا عن العاصمة.
“لكن مع ذَلك، سيستغرق الوصول بعض الوقت، فلو كنتِ متعبةً، خذي قيلولة.”
قالت بريدين بلُطف وهي تجلس بجانبي. ثمّ ابتسمت وقالت: لقد أحسنتُ بإحضار العربة، أليس كذلك؟
يبدو أنَّ لها علاقاتٍ واسعة حتى في القارّة الغربيّة، بعد أنْ كانت كذَلك في الشرقيّة. ورغم أنْ العربة كانت قديمةً نوعًا ما، لكن إنْ قرّرتُ النوم، سأستطيع النوم فعلًا.
لكن…
ألقيتُ نظرةً نحو مقعد السّائق وسألت:
“ذاك… دايل، هل مِن الآمن ترك ذَلك الشخص وحده؟”
“ماذا تعنين؟”
“أقصد، لو ارتحنا نحن فقط، ألا يشعر رفيقكَ بعدم الارتياح؟”
“آه، لا تقلقي. يستطيع البقاء مُستيقظًا لأسبوعٍ كامل دوّن أنْ ينهار.”
أنا لَمْ أقصد ذَلك أصلًا. كنتُ قلقةً لأنني رأيتُ فيليون يجلس في مقعد السّائق لأوّل مرّة.
لكن، ماذا؟ لَمْ ينم لأسبوعٍ كامل؟
“يفعل كلّ ما آمُر به. لهَذا هو عبدي.”
رغم أنَّ نظام العبيد قد أُبطل منذُ زمن، قال دايل ضاحكًا.
وأنا لَمْ أتمالك نفسي وقلتُ في داخلي:
‘هل جننت؟’
تستعبد فيليون إلفيرت؟!
ابن دوق إلفيرت الأصغر، والوريث الأقوى المُحتمل، وتلميذ السيّد السابق لبرج السحر، والمطلوب الذي وُضِع عليهِ عشرة مليارات؟!
وتجعلهُ يعمل كعبد؟!
‘وهو… لا يبدو منزعجًا حتى؟!’
يبدو أنَّ هَذا هو الواقع فعلًا، فالعربة بدأت بالتحرّك مباشرةً.
كانت وجوه بريدين ودايل، وحتى هيميل، مسترخية، أمّا أنا، فلَمْ أستطع ذَلك.
لماذا بحقّ السماء يبقى إلى جانب هَذا المتغطرس بينما يُدعى ‘الكلب’؟ ظللتُ أفكّر حتّى شعرت أنَّ رأسي سينفجر.
كانت هَذهِ العملية مرهقةً أكثر مِن القتال.
وفي النّهاية، الاستنتاج الذي وصلتُ إليه كان:
‘…هل كان يشعرُ بالملل؟’
آه! أعلم أنّها فرضيّةٌ غبيّة!
لكن مِن غير المعقول أنْ يكون له هدفٌ آخر! ما الذي يحتاجه فيليون أصلًا؟!
بعيدًا عن خلفيّته وسلطته، فيليون هو أقوى شخصٍ في هَذا العالم. إنْ أراد، يستطيع فعل أيِّ شيء!
لذا… هل فعل هَذا لكسر رتابة حياتهِ الهادئة؟!
كم مِن الوقت مضى بينما ظللتُ أفكّر بهَذهِ الأشياء…
“هيه! توقّف!”
صرخ دايل وهو يطرق على العربة بشدّة. ومع نظراتنا المستغربة، هزّ كتفيه وقال:
“عليّ قضاء حاجتي.”
وبدا أنه كان مُستعجلًا، إذ اختفى وسط الأعشاب كعاصفة.
“الكلب الأسود! لا تتبعني، ابقَ هنا!”
كما قال، نزل فيليون مِن مقعد السّائق، لكنّه لَمْ يتبع دايل. بل اكتفى بالنظر نحو الاتّجاه الذي اختفى فيه.
نزلت بريدين وهيميل أيضًا مِن العربة، لكن لَمْ يذهبا بعيدًا، على ما يبدو لمُجرّد التّمدّد قليلًا.
رغم أنَّ الرّحلة توقّفت فجأة، لَمْ يكُن الأمر سيّئًا بالنّسبة لي.
‘عليّ أنْ أسأله بنفسي.’
تقدّمتُ نحو فيليون دوّن تردّد.
***
كنتُ قد تخيّلتُ موقفًا كهَذا خلال طريقي إلى القارّة الغربيّة.
ماذا لو التقيتُ فيليون؟
لا أعرف كيف سيكون شكل اللقاء، لكن إنْ حدث صدفةً، ماذا سأفعل؟
وكان الجواب دائمًا واحدًا: أتظاهر بعدم معرفته. للتوّ فكّرت في ذَلك مُجدّدًا. رُبما عليَّ التظاهر بعدم معرفته.
لكنّ فضولي كان أكبر مِن أنْ أحتمله. لديّ جبالٌ مِن الأسئلة.
لماذا تعيش كعبدٍ لدى ذَلك الرّجل؟
ولماذا أصبحتَ مطلوبًا؟ وهل…
هل كنتَ تُحاول إنقاذي حقًا؟
كنتُ أريد سؤاله عن كلّ شيء.
“هاي.”
اقتربتُ مِن خلفه وقلت.
“هاي، أنتَ.”
لكن فيليون لَمْ يلتفت إليّ.
فتقدّمتُ ووقفتُ أمامه مباشرةً.
“أنا أتحدّث إليكَ.”
أشرتُ إليهِ بإصبعي، وعندها فقط، تحوّل بصرهُ البنفسجيّ مِن جهة دايل إلى ناحيتي.
كان نظرهُ جافًّا وخالٍ مِن أيِّ مشاعر… ونظرتُه تلك كانت باردةً بشكلٍ جعل صوتي يرتجف قليلًا.
“ماذا… تفعل هُنا؟”
حين قلتُها، شعرتُ وكأنّني أفتعل شجارًا.
لذا تابعتُ بصوتٍ أكثر ليونة.
“أقصد، لماذا، لأيِّ سبب، أنتَ هُنا؟”
ألَن تعرفين حين تنظرين؟ أنا بانتظار أحدهم.
لو كنتُ قد سألته هَذا السّؤال حين التقيته لأوّل مرّة قبل عشر سنوات، لكان ردّهُ بتلكَ الطريقة. نظرته الآن كانت باردةً تمامًا كحينها.
لكن فيليون الذي التقيتُه قبل خمس سنوات، قبيل رحيلي…
― كنتُ بانتظاركِ، كما تعلمين.
كان سيبتسم بمكرٍ ويقول:
― مضى وقتٌ طويل. ألَمْ تشتاقي لي؟
…لكن، لَمْ أكُن أُعوّل على ذَلك. في الحقيقة، حتى إنْ غضب منّي، لَن أستطيع الاعتراض.
لقد أقاموا لها تمثالًا ونصبًا تذكاريًّا، ثمّ عادت حيًّا؟ قد يُطالب بتفسيرٍ كلّ شيء.
لذَلك، كنتُ متوتّرةً بعض الشيء، لكن…
“هاه؟”
فيليون ببساطةٍ أدار جسده دوّن أنْ ينبس بكلمة.
“إلى أين تذهب! قلتُ إنّي أريدُ الحديث!”
أمسكتُ بذراعه، فالتفت إليّ بنظرةٍ نصف نائمة.
نظرةٌ بلا أيِّ اهتمام، نظرةٌ توجّهها لشخصٍ مزعج.
وفي الوقت ذاته، كانت نظرةً كأنّه يراني لأوّل مرّةٍ في حياته… لا يمكن!
“أنتَ… ألا تعرفني؟”
“….”
“هل فقدت… ذاكرتكَ؟”
فكّرتُ أنَّ هَذا محتمل.
فهو لَمْ يُحرّك ساكنًا حتى حين موتي.
لطالما كانت رايلي فولكس بالنسبة إلى فيليون إلفيرت كحجرٍ على جانب الطريق. وقد قيل ذَلك حرفيًّا في القصّة الأصليّة.
وها قد مرّت خمس سنوات…
فتركتُ ذراعه.
‘كان عليَّ ألّا أسأله مِن البداية.’
لَمْ أكُن… غير غاضبة. بل في الحقيقة، شعرتُ بالغيظ مِن أنّني وحدي التي أتذكّره بوضوح.
لكن أنا مَن هربتُ لأنّني أردت أنْ يُنسيني. أنْ ألومه الآن لأنّه نسيَني؟ هَذا سخيف.
في الواقع، رُبّما مِن الأفضل هَكذا. لَن أتحدّث معه مُجدّدًا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 5"