مكتبٌ كبير يتّسع ليستلقي عليه شخص بحجم فيليون، وثمانية رفوف واسعة. طاولةُ عملٍ وأدواتٌ متنوّعة. طاولةٌ مستديرة وكراسٍ عتيقة، وحتّى الخدوش عليها، كلّها كانت أشيائي التي استخدمتها.
حَتّى التّصميم كان متماثلًا. في أحد أركان غرفة البحث الواسعة، وُجد جهاز تبريد صغير ومغسلة، وفي الجهة الأخرى غرفةُ النّوم.
وحين فتحتُ نافذة غرفة النّوم، بدا المنظر كما في الماضي تمامًا: فناء برج السّحر والغابة الكثيفة الممتدّة بعيدًا. لقد وُضِع سحرُ وَهْمٍ أيضًا.
‘يا إلهي، لِمَ إلى هذا الحدّ؟’
ظللتُ أفكّر في هذا طوال جولتي في المكان. عندما رأيتُ حتّى التّجارب الفاشلة التي كنت أعتزم التّخلّي عنها، شعرتُ بالذهول. أعني، لمَ هذه أيضًا موجودة؟!
‘هذه ليست إلّا قطعةَ خُردة!’
كنت أظنّ أنّها اختفت منذ زمن. فعندما يموتُ صاحب الغرفة، لا تُترك كما هي.
عادةً تُسلَّم الأغراض لورثة المتوفّى، لكنّ الكونت فولكس لم يكن من النوع الذي يهتمّ بهذه الأشياء، لذا توقّعتُ أن تختفي بسرعة. أتذكّر أنّني فكّرتُ في هذا أثناء إلقاء نظرة أخيرة على الغرفة قبل ذهابي إلى الموت.
ولذلك تركتها بحالةٍ مزريةٍ أكثر.
كنتُ أريد أن أترك انطباعًا بأنّني غادرتُ على عجل، كما لو أنّني لم أتوقّع موتي أبدًا.
بعثرتُ عمدًا بعض المخطّطات الجديدة، وعرضتُ أدواتٍ سحريّةً لم أُكمل صنعها كأنّها معروضة للعرض.
فذلك يجعل كذبتي أكثرَ فاعليّة.
ولكن، أن يقوم أحدهم بجمع كلّ شيء، بل حتّى بإعادة ترميمه كما كان؟!
‘……والآن بعد أن فكّرت، يبدو أنّ أوراق فساد الكونت فولكس التي تركتها لإيريون غير موجودة.’
لقد أُزيلَ كلّ ما قد يكشف كذبي أيضًا.
باستثناء هذين الأمرين فقط، كلّ شيءٍ كان كما هو. عندما جلستُ على الكرسيّ أمام الطّاولة، شعرتُ بقشعريرةٍ من شدّة التّشابه.
في تلك الأثناء، خرج فيليون من الغرفة الدّاخليّة.
“لا يوجد أحد. ناديتُ عليه ولم يظهر.”
يعني أنّ حارس الباب لم يكن في أيّ مكان. كان يُناديّه “سيّدي”، ولكن عندما دخل السيّدُ الحقيقيّ، اختفى تمامًا دون أثر.
بسبب ذلك، ساد جوٌّ غريبٌ للغاية.
في الحقيقة، هذا الوضع مزعجٌ جدًّا. فأنا الآن لستُ “ريكس إيميل”.
عندما تدخل غرفةَ شخصٍ لا تعرفه جيدًا، ما الذي يُفترض أن تقوله؟
في الحقيقة، لم أكن في موقفٍ كهذا من قبل. لذلك لا أعلم ماذا عليّ أن أقول.
وحتّى داخليًّا، كنتُ أشعر بالإحراج ذاته. كيف حصل فيليون إلفيرت على كلّ أشيائي؟!
‘كيف عليّ أن أُفسّر هذا؟’
إنّه أمرٌ لا أستطيع حلّه وحدي. فتحتُ فمي بحذر:
“إلى أيّ حدٍّ استعَدتَ ذاكرتك؟”
“……إلى سنّ السّابعة عشرة. ولكن لا أستطيع الجزم. لا أتذكّر وجوه الناس إطلاقًا. حتّى لو كان جدّي أمامي، أظنّ أنّني لن أعرفه.”
عندما قال تلك الكلماتِ بهدوء، اتّسعت عيناي.
“رايلي فولكس أيضًا؟”
أومأ برأسه ببطء، ثمّ تابع الحديث:
“لا أتذكّر أبدًا كيف انتهى بي الأمرُ للاحتفاظ بأغراضها.”
“…….”
“لدي بعض المشاعر، لكنّها كلّها مشاعرٌ سلبيّة.”
نعم، لو أنّه تذكّر كلّ شيء من الماضي، لما استطعتُ التّحدّث معه بهذا السّلام الآن.
‘هل يجب أن أُخبره بنفسي؟’
التّساؤل الذي ظللتُ أؤجّله طوال الطّريق إلى هنا، عاد ليطفو على السّطح.
كيف سيتفاعل لو أخبرته بالحقيقة؟
من المؤكّد أنّه سيتفاجأ. لا أظنّه سيلومني فورًا.
على الأرجح، سيسمعني بهدوء في البداية، بسبب الوقت الذي قضيناه سويًّا وهو فاقد الذّاكرة.
لكن…
‘قال إنّه لا يشعر سوى بالمشاعر السّيّئة.’
لا أعلم… لا أثق في قدرتي على الشّرح الآن.
سأصبح غريبةً عليه مرّةً أخرى. ولا أعلم كيف سأتجاوز ذلك.
ولا أعرف كيف سأشرح كلّ هذا للآخرين. حتّى وليّ العهد جاء ليسأل ما الذي حصل لأنّني لم أكن مع فيليون.
‘أتمنّى لو بقي فيليون بجانبي.’
في تلك اللّحظة، لم يعد بإمكاني إنكار مشاعري التي كنت أرفضها.
كنتُ أرغبُ في البقاء مع فيليون كما نحن الآن. لا أريد أن أختبر ثانيةً ذلك الإحساس المفاجئ حين اختفى داخل الكهف.
على الأقلّ، ليس قبل أن نعود إلى العاصمة…
‘عندما تنتهي هذه الرّحلة… سأُخبره بكلّ شيء.’
إذا كان قد جمع أغراضي في هذا المكان، فقد يكون فيليون تغيّر وصار يحمل مشاعر إيجابيّة نحو “رايلي فولكس” من دون أن أدري.
لكن، طالما أنّ الأمر ليس كذلك حاليًّا، فقد اخترتُ تأجيله مرّةً أخرى.
فليس لديّ أحدٌ أثق به الآن سواه.
‘بما أنّني سأعود إلى القارّة الشرقيّة بعد هذه الرّحلة، فلن يكون الأمر سيّئًا إن أصبح الجوّ بيننا غريبًا قليلًا.’
ربّما لأنّني قرّرتُ أخيرًا الاتّجاه الذي سأسلكه، شعرتُ أنَّ عبء قلبي صار أخفّ.
في المقابل، كان وجه فيليون يزدادُ عبوسًا.
“ما الأمر؟”
“ظننتُ أنّه سيكون شعورًا جيّدًا إن استعَدتُ ذاكرتي…”
قال ذلك وهو يُمرّر أصابعه على شفتيه، ثمّ أطلق تنهيدةً عميقة.
“لكنّني ما زلتُ لا أتذكّر شيئًا عن ريكس.”
“…….”
“آسف.”
لكنّك عرفت أنّه مختبري، أليس كذلك؟
في الواقع، إنّكَ تتذكّر جيّدًا.
“هل خيّبتُ أملك؟”
“لا. لا سبب لذلك.”
أجبتُه بحزمٍ عمدًا، لكنّ تنهيدته التالية كانت أعمق.
“……على أيِّ حال، سأستدعي الآخرين. لنبحث عن الكتاب المحرّم سويًّا.”
“لا، انتظر لحظة!”
أسرعتُ إلى منعه.
سمح لي فيليون بسحب ذراعه وجلس على الكرسيّ الآخر.
رؤية وجهه أمامي في هذا المكان شعرتني بغرابةٍ كبيرة، لكن لم يكن هناك وقتٌ للانغماس في العواطف.
بدأتُ أشرح له الشّعور الغريب الذي أحسستُ به تجاه الرّفاق. حرصتُ على اختيار كلّ كلمةٍ بعنايةٍ كي أبقى موضوعيّةً قدر الإمكان.
استمع فيليون حتّى النّهاية دون أن يقول شيئًا. وعندما رأيتُه شاردًا في تفكيره، قلتُ له بلُطف:
“ربّما كنتُ شديدة الحساسيّة.”
“لكن، إن كان شيئًا يزعجك، فلا يُمكن تجاهله.”
قال ذلك ثمّ نقر بأصابعه الطّويلة على الطّاولة، وكأنّه عاد ليفكّر. بعد برهةٍ، سألني:
“ما زلتِ تشعرين بعدم الارتياح، أليس كذلك؟”
“……نعم.”
“إذًا، دعينا نُبقي فتح الحاجز سرًّا. علينا أن نُنبّه الحارس ألّا يقول شيئًا. لو ناداني ‘سيّدي’ أمام الآخرين، قد تُصبح الأمور كارثيّة.”
بعد أن نسّقنا كلامنا، وقفنا من أماكننا.
فيليون سار نحو الباب الحجريّ، بينما ذهبتُ إلى الرّكن وبدأتُ أجمع التّجارب الفاشلة وأضعها في حقيبتي.
“آه، في الحقيقة… هذه كلّها فاشلة. لو عرف أحدهم أنّ صاحب الغرفة احتفظ بها، فسيكون أمرًا محرجًا.”
أنا جادّة. لا أريد أن يرى أحدٌ هذه الأشياء.
لحُسن الحظ، فيليون أومأ دون شكّ. وجدتُ حقيبة جلدٍ صغيرة فوضعت فيها بعض التّجارب غير المُكتملة. فقد أحتاجها لاحقًا، من يدري؟
‘هل أترك هذه…؟’
لمستُ الصّندوق الصّغير الذي صنعته يومًا ما لأخر مرّة، ثمّ استدرتُ.
“لنخرج. الآخرين في انتظارنا.”
تأكّدتُ من تثبيت الحقيبة الثقيلة، وأمسكتُ بيد فيليون.
وقبل أن أغادر، توقّفتُ للحظة ونظرتُ حول الغرفة.
‘فيليون…’
في غيابي، يا تُرى، ماذا كنتَ تفكّر وأنت هنا؟
***
الخروج من الباب الحجريّ لم يكن أصعبَ من الدّخول.
أمسكتُ بيد فيليون ومررنا عبر الممرّ بسهولة.
بمُجرّد خروجنا، رأيتُ النّاس مصطفّين خلف الحاجز الذي وضعتُه.
جميع الرّفاق، باستثناء اثنين أو ثلاثة، كانوا هناك.
تمامًا كما في السّابق، يحملون أسلحتهم ويتبادلون الأحاديث. بدا المشهد فوضويًّا قليلًا، بل وربّما مُهدِّدًا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 49"