الفصل 48 :
كنتُ أطرق الباب الحجريّ بشدّة.
“فيليون!”
لكن لم يأتِ أيُّ ردّ. أرسلتُ بعض المانا، لكن لم أشعر بشيء. هل العازل السحريّ قطع تدفّق المانا خاصّتي؟
‘بهذا الشكل، لن أتمكّن من إنقاذ فيليون!’
هل عليّ فتح الباب الحجريّ بالقوّة؟ لو عبثتُ به من غير حذر، قد ينهار الكهف. وبينما كنت أعضّ شفتي وسط طوفان من القلق…
شعرتُ فجأةً بحركةٍ خلفي.
كان رفاقي يقتربون من مدخل الكهف.
من جهتهم لا يمكنهم رؤيتي بسبب الحاجز، لكنّني أنا أراهم، لذا عرفتُ من القادم.
كان براستون يقود خمسة من رفاقي، وبدأ يطرق سطح الحاجز.
دَقّ، دَقّ!
“ريكس؟ هل أنتِ بخير؟ بدا أنّ هناك صوتًا عاليًا.”
يبدو أنّ صوتي تسرّب إلى الخارج. لا بدّ أنّه بدا يائسًا، ومن الطبيعي أن يقلقوا.
لكن، لماذا…
‘لماذا يحملون جميعًا سيوفهم؟’
من الطبيعي أن يجتمع هذا العدد لمواجهة وحشٍ ما، لكن إن فكّرتُ جيّدًا، نادرًا ما حمل رفاقنا الأسلحة.
حتى في تنقّلاتنا بين المدن، أو عند نومنا في النزل، كنّا نحرص على عدم لفت الأنظار. التجوّل داخل المدينة ومجموعةٌ من المسلّحين تُرافقك أمرٌ يوحي بالخطر.
أحيانًا، حين نمرّ بمنطقةٍ قد تظهر فيها الوحوش، كنّا نمسك أسلحتنا، لكن تلك اللحظات كانت قصيرة طوال الرحلة.
ثمّ إنّني طردتُ وحوش هذه المنطقة بنفسي. لذا، الليلة الماضية وهذا الصباح، كان الجميع فارغ اليدَين.
ما حذّر منه حارسُ الباب من “خطرٍ محتمل” لا وجود له خارج الكهف.
‘لو كانت هناك وحوش… لما كان الصمت هكذا مطبقًا.’
هل يستعدّون مسبقًا؟ إذًا، لماذا لم يُخبروني بذلك صباحًا؟
حين أراهم، جميعًا يحملون أسلحتهم ويُحدّقون بي…
‘أشعر بالخوف فعلًا.’
خمسة رجال ضخام البنية يقتربون منّي بأسلحتهم. مهما كانت خبرتي كمرتزقة، لا يمكنني إلّا أن أشعر بالتوتّر. حتى تعابير وجوههم بدت قاسيةً على غير المعتاد.
شعورٌ غريبٌ ومقلق استمرّ في التسلّل داخلي. وكان صوت براستون وهو يطرق الحاجز يزيد من توتّري.
دَقّ! دَقّ! دَقّ!
خلق ذلك توتّرًا غريبًا في الأجواء.
فتظاهرتُ بالهدوء وقلتُ:
“أنا بخير! فقط تعثّرتُ وسقطت!”
“أوه، هل يمكنكِ الوقوف؟ أأساعدكِ؟ أفتَحُ الحاجز؟”
“فيلي ساعدني، لا بأس. ولم أتعرّض لإصابةٍ كبيرة.”
“مع ذلك، ما زلتُ قلقًا.”
دَقّ! دَقّ!
“هل أفتح الحاجز إذًا؟”
صرختُ بقوّة دون أن أتراجع:
“لا! كنتُ أُركّز بعمق! لا تُزعجوني من فضلكم!”
توقّفت الأيدي التي كانت تُطرق الحاجز. رأيتهم يُبادل بعضهم النظرات، وعلى الرغم من أنهم لم يتحدّثوا، عرفتُ ما تعنيه نظراتهم.
ما لبث براستون أن أنزل يده وتراجع.
“لا بأس، إن احتجتِ المساعدة، نادينا.”
ثم توقّف عند مدخل الكهف. نظراتُ الخمسة كانت مُركّزة عليّ وحدي. كانوا في الحقيقة يُحدّقون بالحاجز، لكنّني شعرتُ أنّهم يحدّقون بي مباشرة.
‘لو فكّرتُ بهدوء، ما كان لهم أن يتغلّبوا عليّ.’
نلتُ قسطًا كافيًا من الراحة ليلة البارحة، واستعدتُ المانا خاصتي بالكامل، ولديّ عشرات التعويذات القادرة على التصدّي لهم.
هزيمتهم جميعًا في الخارج قد تُرهقني، لكن هؤلاء الخمسة… أقدر عليهم بسهولة.
فلماذا أشعر بالقلق؟
‘…هل هو لأنَّ فيليون ليس معي؟’
فور أن خطرت لي الفكرة، صرختُ داخلي في يأس.
أنا؟ أشعر بالوحدة لأنَّ فيليون ليس هنا؟
‘لم أعتد أن أكون وحدي. كنتُ معه دائمًا، فاعتدتُ عليه دون أن أشعر.’
ثمّ اجتاحتني موجة أخرى من الحرج.
حتى لو اعتدتُ عليه، فهل يُعقل أنّ غيابه لعدّة دقائق يجعلني أشعر هكذا؟
“فيليون…”
هززتُ رأسي ونهضتُ من مكاني.
نعم، ربّما أشعر تجاه فيليون بألفةٍ أكثر مِمّا كنتُ أظن.
وفي هذه الحالة، لا بدّ لي من حلٍّ واحد: أن أُعيد فيليون إلى جانبي بأسرع وقت. ثمّ أُعيد تقييم الوضع بهدوءٍ من جديد.
عضضتُ شفتي وبدأتُ أستكشف الباب الحجريّ مجددًا.
ما زلتُ لا أشعر بشيء، وكان الأمرُ مُحبطًا.
لكن طالما أنّ هذا الجهاز من صنع فيليون، فلا بدّ أن أتمكّن من كشفه. لا أحد يعرف عوازل فيليون السحرية مثلي!
وبينما كنتُ أستقصي الباب بحماس…
خرجت يدٌ أخرى من الباب.
‘آآاااااه!’
لو كنتُ تأخّرتُ لحظة عن تغطية فمي، لانطلق صراخي دون وعيّ.
ثمّ خرج الوجه. أنفُه المرتفع، رموشه الكثيفة، وشفاهه الناعمة…
وحين كنتُ أتأمّله، فجأةً نطقتُ.
“في، فيليون؟”
عندها، فتح عينيه. عيناه البنفسجيّتان المُتلألئتان تحدّقتا بي وقال بلُطف:
“نعم، ريكس. أنا.”
كان لا يزال يقترب منّي بينما يتحدّث.
بعد عنقه الأملس العاري وكتفيه العريضين، أخذ جسده يظهر شيئًا فَشيئًا. كما لو أنّ شخصًا كان مغمورًا في الماء وخرج بنفسه.
وحين وقف أمامي كاملًا، قال بهدوء:
“ريكس، في الحقيقة…”
“هل أُصِبت؟!”
شهقتُ ووضعت يدي على فمي. هل سمعونا في الخارج؟ لا، لا أظن…
“هل المانا بخير؟ تلك كانت تعويذة، صحيح؟ هل اللعنة ظهرت مجددًا؟ هل تنزف؟ كيف تشعر؟”
كنت أتكلّم بصوتٍ منخفض، بينما أُمعن النظر فيه. أردتُ أن أمدّ يدي لأتحسّس المانا خاصته، لكن…
هو سبقني، وضمّني فجأة.
لم أُبعده.
كنتُ أستطيع أن أتحسّس المانا وهو في حضني، لكنّني لم أفعل.
ببساطة، استسلمتُ لراحةٍ انتظرتُها طويلًا.
هاه… هذا جيد. يبدو أنّه بخير. لا جروح…
“أنا… لستُ بخير.”
دفعتُه بسرعةٍ وقد ارتبكتُ.
“أأنتَ تتألّم؟ أين؟ ما الذي يُؤلمك؟”
“فقط…”
همس فيليون بتعاسة، ثمّ أسند وجهه إلى كتفي.
“أُريد أن أرتاح.”
“هل هذا كافٍ؟”
“أعتقد أنّ الراحة تكفي. أُريد أن أخرج بسرعة.”
“حسنًا، لنفعل ذلك. لكن، هناك أمرٌ علينا مناقشته…”
كنتُ على وشك إخباره بما يحدث خارج الحاجز، لكن فجأةً، رفعني بين ذراعَيه.
كما لو كان يحمل طفلًا صغيرًا في نزهة. بسهولةٍ بالغة. ثمّ وضع ذراعي على كتفه.
“فلنخرج إذًا.”
“…الآن؟”
“أُريد أن أرتاح بسرعة.”
“انتظر! انتظر لحظة!”
لكن، حتى بعد أن أمسكتُ بكتفه بشدّة وأوقفتُه، لم أستطع التحدّث عمّا يحصل في الخارج.
وجه فيليون عن قُرب بدا في غاية السوء.
حين التقيته أوّل مرّة، لم أكن أستطيع قراءة تعابير وجهه الباردة. لكن الآن، لا. كان قلقًا ومضطربًا.
“حدث شيءٌ هناك، أليس كذلك؟”
جسده سليم، كما رأيت، لذلك المشكلة ليست صحيّة. بالفعل، أدار وجهه عنّي.
وضعتُ كفّي على خدّه ووجّهته إليّ.
“ما الذي حصل؟ هل التقيتَ حارس الباب؟ هل كان هناك شيءٌ في الداخل؟ ماذا كان؟”
“…لم يكن هناك شيءٌ يُذكر.”
“لكن وجهكَ لا يقول ذلك. أنزلني.”
قلتُها بحزم وأنا أحدّق في عينيه، فتنزل وأعادني إلى الأرض.
ما إن ابتعدتُ عنه، حتى توجّهتُ مباشرة إلى الباب الحجريّ.
“ريكس، فقط…”
“افتحه.”
عندها، أطرق رأسه واقترب منّي وأمسك يدي.
نظرتُ إليه بدهشةٍ، فقال بحزن:
“يجب أن نكون متّصلَين لأتمكّن من دخول المكان.”
أمسكتُ يده بشدّة وسرنا معًا نحو الباب الحجريّ.
حين اقتربتُ منه، أغمضتُ عينيّ دون وعي، لكنني مشيتُ من خلاله بسهولة، دون أيّ عقبة.
حين فتحتُ عينيّ، رأيتُ غرفةً واسعة أمامي.
السقف مضاءٌ بضوءٍ عاجيّ، والجدران بلونٍ أحمر مائل للبنيّ، والمكان بدا فخمًا. والأرضيّة ناعمة… لحظة!
“هذا المكان…”
“رايلي.”
تفاجأتُ ورفعتُ نظري، فقال فيليون بصوتٍ خافت:
“هذا هو مختبر رايلي فولكس.”
“….”
“السرير، الطاولة، الخزائن، الأوراق على الرفّ، كلّها نُقلت كما هي إلى هنا. وضعتُ تعاويذ حفظ كي لا تتلف أو تتحلّل بمرور الوقت.”
ثمّ أشار إلى صدغه، وابتسم بسخرية:
“بعض الذكريات… عادت إليّ.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 48"