الفصل 47 :
لم يلتفت فيليون إلى ابن خالته حين تكلّم.
“لِمَ؟”
“أنا لا أعرف السّبب أيضًا! على أيّ حال، إذا حصلتُ على المركز الثّاني في هذا التّقييم، فستمنحني أمي الحصانَ إيروين. تتذكّر، أليس كذلك؟ الحصان الذي كنت أراقبه منذ العام الماضي.”
“آه، ذاك الذي قال خالي إنّه اشتراه.”
“نعم، صحيح. آه، لكن هذا سرٌّ بيننا، مفهوم؟ أمّي أوصتني ألا أخبر به أحدًا. عليّ أن أستغلّ فرصة غفلتهم جميعًا لأتقدّم عليهم.”
بمعنًى آخر، لم يكن هذا الأمر معروفًا إلا لبعض أفراد عائلة ديلايك فقط.
فهذا يعني أنّ: ‘جدي يريد التّخلّص من رايلي.’
ربّما سمع من الأقارب أنّ فيليون ليس على علاقةٍ وطيدة بها، لكن بما أنّه كان دائمًا يتحجّج بها ليتغيّب عن الدّروس، فربّما قرّر أن يزيل السّبب بالكامل.
كما أنّ إصراره على حضوره الدّروس نابع على الأرجح من رغبته في إرضاء سيّـد برج السّحر، سيريوس.
كان فيليون يُحبّ جدّه بدرجةٍ معيّنة، ويفهمه، لكنّه لم يستطع أبدًا أن يتقبّل ذلك الهوس الغريب بسيّد البرج سيريوس.
حتى إنّه كان يفكّر أحيانًا: ‘إن كنتَ تُحبّه إلى هذا الحدّ، فلم لا تصبح تلميذه بنفسك بدلاً من أن تفرض ذلك عليّ؟’
‘حتى الكونت فولكس يريد كسب سيريوس إلى صفّه.’
ولهذا، طرد رايلي فولكس من برج السّحر لن يكون أمرًا سهلًا، حتّى على جدي.
بل وقد يلجأ إلى أسلوبٍ دنيء وغير لائق لا يشبهه.
وبينما كان فيليون يتساءل بفضول كيف سيتصرّف، ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ صغيرة.
“إذا خرجَت من البرج، فستتزوّج مباشرة، أليس كذلك؟ هاه، محظوظة. أنا لم أرَ خطيبتي، رايشي، منذ شهرٍ كامل.”
رايشي كانت خطيبة ابن خالته.
لكنّ المهمّ الآن ليس هذا.
“ستتزوّج؟ من؟”
“رايلي فولكس، طبعًا.”
“……مِمَّن؟”
اهتزّ صوته قليلًا لسببٍ ما، لكن لحُسن الحظ، لم يلاحظ ابن خالته شيئًا.
“أليس الفتى الذي جاء منذ مدّة؟ بدا عليهما التّفاهم. آه، ربّما لم تره، أنت؟”
“……رأيتَه بنفسك؟”
“نعم، بدأ ثريًّا. كان يرتدي ملابس مذهلة، أجواء اللّقاء كانت أشبه بلقاءٍ سرّي.”
“لا بدّ أنّهم رتّبوا الأمور جيّدًا. فالكونت فولكس يُحبّ رايلي كثيرًا.”
“الكونت فولكس…….”
لكنّها قالت إنّه لن يرفّ له جفن حتّى لو ماتت.
……هكذا قالت رايلي.
“الكونت يُحبّ رايلي……. نعم. لا بدّ أنّ هذا صحيح.”
لكن، حتّى مع هذا التّأكيد، لم يكن الكلام منطقيًّا.
فما السّبب الذي قد يجعل الكونت يكرهها أصلًا؟
كانت رايلي لا تزال تُعتبر أقوى مرشّحةٍ لأن تصبح تلميذة سيريوس.
صحيحٌ أنَّ فيليون كان يتفوّق عليها في جميع المجالات، لكنّ هناك أكثر من سنةٍ متبقّية قبل اختيار التّلميذ.
لا شكّ أنّ الكونت لا يزال يعلّق عليها الآمال.
بل إنَّ فيليون نفسه، حين فكّر في محاولة جدّه لطردها، توقّع فورًا أنّ الكونت سيمنعه.
وبينما يهمس البعض أحيانًا أنّ الكونت يوبّخ رايلي بشدّة، كان فيليون يظنّ أنّها: ‘نصائح نابعة من محبّة.’
تمامًا كما يفعل جدّه معه.
‘كيف يعقل لإنسان أن يُسيء إلى أحد أقاربه؟’
رغم أنَّ هذا يحدث كثيرًا في الواقع.
ومع ذلك، لم يستطع فيليون أن يتخيّل رايلي وهي تُهان على يد الكونت.
فأمّه وخالاته بدّلن مواقفهنّ فورًا حين أظهر تفوّقًا في السّحر، وبدأن بمدحه في كلّ شيء.
“هاه.”
لذا، لم يكن أمامه إلا أن يظنّ أنّها تكذب.
هو لم يصدّقها حين قالت ذلك، والآن بات مقتنعًا أكثر.
ربّما أرادت أن تُشعره بالأمان، أو أن تستدرّ شفقته.
أن تقول مثل هذا الكذب لتُسيء إلى سمعة عائلتها؟ هذا فعلٌ لا يليق إلا بأشخاصٍ من عائلة فولكس.
لحُسن الحظّ أنّه لم يصدّقها من البداية.
لكن، كلّما فكّر في الأمر، كلّما ازداد غضبه.
لماذا تُزعجه أكاذيب عدوّته إلى هذا الحدّ؟ لم يعرف فيليون الجواب.
وظلّت كلمات ابن خالته تُثير انزعاجه.
“بالنّسبة لها، هذا أفضل بكثير. فطالما بقيت هنا، لن تصبح سيّدة البرج أبدًا. وربّما هي نفسها تُفضّل الزّواج السّعيد على التّنافس معك.”
“…….”
“لو كنتُ مكانها، لتركتُ البرج منذ زمن. لا بدّ أنّه مِن الصّعب عليها أن تراك كلّ يوم…… آه.”
“…….”
“أقصد…… أنّك موهوبٌ جدًّا. تفهم قصدي، صحيح؟”
وظلّ ذلك الشّعور العالق يُرافقه حتّى قابل رايلي بعد أيّام.
“يا لكِ من فاشلةٍ بحقّ.”
قال فيليون ببرود وهو ينظر إلى رايلي الجالسة على الأرض.
شعرٌ أحمر فوضويّ. وجهٌ صغير. وعينان خضراوان تتوهّجان بالتّحدّي نحو فيليون كعادتهما.
لكنّه لم يبتسم كعادته هذه المرّة.
“سأهزمكَ الأسبوع القادم أيضًا!”
على ما يبدو، ستظلّ هنا حتّى الأسبوع القادم.
‘لماذا أفكّر بهذه الطّريقة؟’
مرّر فيليون يده على وجهه، وداهمه مجددًا ذلك الشّعور المزعج.
تذكّر تلك الأيّام المليئة بالضّيق، ووجه ابن خالته المتردّد وهو يراقبه.
هذا ليس من طبعه.
ففيليون إلفيرت، كما يرى نفسه، لم يكن عصبيًّا لهذه الدّرجة.
كان دائمًا واثقًا، متّزنًا، لطيفًا مع عائلته على الأقلّ (وفقًا لمعاييره).
‘هذا ليس أنا.’
لكن، هناك شيءٌ واحدٌ على الأقلّ يعرف أنّه سبب تغيّره.
“لا أظنّكِ ستأتين الأسبوع القادم.”
سألت رايلي بدهشة:
“لماذا؟”
“لأنّه لم يعد ممتعًا.”
“…….”
“لقد أصبحتِ ضعيفةً جدًّا، وهذا مملّ.”
“…….”
“في البداية كنتِ جيّدة، فشعرتُ ببعض الحماس…… لكنّ مستواك في تراجع، وصار الوقت الذي أقضيه هنا مضيعة. من الأفضل أن أستغلّه في أخذ قيلولة.”
لم تكن تتوقّع سماع هذا الكلام، فتغيّرت نظراتها الكبيرة لحظة.
وحتّى ذلك أزعج فيليون.
“أشعر بالضّيق من رؤيتكِ.”
“…….”
“أنتِ من عائلة فولكس، في النّهاية.”
بهذا، لن تعود إليه مرّة أخرى.
نهض فيليون من مكانه وهو يشعر بالارتياح. وأثناء مغادرته ساحة التّدريب، صاحت رايلي من خلفه.
“تظنّني لا أنزعج من رؤيتكَ أنتَ أيضًا؟!”
“…….”
“قلتَ بنفسك إنّكَ لن تعود، لذا، إن رأيتُك مرّةً أخرى، لن أسامحك!”
ومن جديد، توقّف فيليون عن حضور كلّ الدّروس.
حتى أقاربه باتوا يتجنّبونه من فرط انزعاجه، فتوقّفوا عن توبيخه.
ورايلي فولكس لم تعد تظهر.
لم يصادفها مصادفةً أيضًا.
ومع ذلك، لم يتحسّن مزاج فيليون.
لم يَسُؤ أكثر، لكنّه بقي عالقًا في شعور خانق.
إلى أن جاءته رسالة من ويل ديلايك.
رسميًّا، كانت للسّؤال عن حضوره حفلة عيد ميلاده، لكنّ معناها الحقيقي كان مختلفًا:
[بالمناسبة، لم تعد تلتقي رايلي فولكس، صحيح؟]
لا شكّ أنَّ الجدّ هو من طلب منه ذلك.
وحالما أدرك هذا، قرّر فيليون ألا يحضر الحفلة.
أخذ يكتب ردًّا سريعًا.
كتب بعض الكلمات القاسية عن رايلي، لم يعدّلها، بل تركها كما هي.
لأنّه كان غاضبًا.
ثمّ أدرك فجأةً أنّه بالفعل…… غاضب.
لم يكن يشعر بهذا الشّكل من قبل دخوله إلى برج السّحر.
البرج.
نعم. بصراحة، كان يشعر بعدم ارتياحٍ شديد هنا.
فهناك الكثير من القواعد، ولا حرّيّة في التّصرّف.
وكان عليه أن يُنحني رأسه لسحرةٍ أضعف منه لمجرّد أنّهم يُدرّسونه.
وكان عليه أن يصمت أمام فسادهم لعدم وجود أدلّة.
ولم يكن يظنّ أنّ بقيّة الطّلاب يحبّون البرج كثيرًا أيضًا.
ألم يقل ابن خالته إنّه يفتقد خطيبته؟
لكن فيليون لم يستطع الخروج.
كثيرون ينسحبون من التّدريب، لكنّ فيليون لا يمكنه فعل ذلك.
لأنّ عائلة ديلايك تريده أن يصبح سيّد البرج. ولأنّه يريد أن يلبّي توقّعاتهم.
وكان هناك شخصٌ آخر… يعيش الظّروف نفسها.
شخصٌ واحد فقط.
― “ربّما هي نفسها تُفضّل الزّواج على التّنافس معك.”
أخذ فيليون يكتب بسرعة من جديد.
لا يعلم ما الخطة التي سيعتمدها الجدّ لطردها، لكنّه يعلم أنّ القرار النهائيّ بيد سيّد البرج.
وإذا عارض سيريوس، فلن يستطيع أحد تغيير رأيه، حتّى لو كان الإمبراطور.
والجدّ يحبّ سيريوس كما يحبّ فيليون.
لذا، عليه أن يُبادر قبل الجميع. كي يجعل الجدّ يتخلّى عن فكرة طردها.
[الأسبوع الماضي، سألتُ سيّد البرج بنفسي. قلتُ له إنّي أنا من سيُختار تلميذًا على أيّ حال، وسألتُه إن كان بإمكانه طرد رايلي فولكس.]
[لكنّه رفض، وتمّ تأجيل اختيار التّلميذ مجددًا.]
هو يتّفق تمامًا مع كون الحياة خارج البرج أفضل. لكنّ أن تخرج هي وحدها وتتركه؟ هذا غير مقبول.
وزواجٌ سعيد أيضًا؟
ومن قال ذلك؟
‘من يكذب عليّ، عليه أن يدفع الثّمن، أليس كذلك، يا رايلي؟’
ابتسم فيليون وهو يُنهي رسالته بجملة تُرضي ويل ديلايك وجدّه:
[ليتَ رايلي فولكس لم تكن موجودةً منذ البداية.]
……لكن، هل من المُمكن أن تراها رايلي بنفسها؟
***
فرك فيليون جفنيه بضيق. كان يريد أن يرى أكثر، لكنّه طُرِدَ من الحلم كأنّه مرفوض، فاستفاق رغمًا عنه.
شعر كأنّه لا يزال في سنّ السّابعة عشرة.
‘لم أتذكّر كلّ شيء بعد.’
رغم شعوره بأنّه رأى الكثير من الذّكريات، لم يتبقَّ في ذهنه إلا القليل.
خصوصًا، ملامح الوجوه لم يتذكّرها أبدًا.
كأنَّ هناك من طمسها جميعًا بالسّواد.
حتى تلك المرأة…
‘رايلي فولكس.’
المرأة التي كرهها حدّ الرّغبة في قتلها.
صحيحٌ أنّه لا يتذكّر كلّ ما حصل بينهما، لكنّه الآن يعلم أنّ علاقتهما كانت علاقة عداوة.
ويبدو أنَّ مشاعره نحوها لم تكن كراهيّة فقط.
‘هل عليّ أن أُخبر ريكس بهذا؟’
حينها فقط، تذكّر اسمه، فنظر حوله بارتباك.
‘أجل، لقد سحبني أحدهم إلى الدّاخل…’
لكنه لم يكن داخل كهف.
كان المكان مغمورًا بألوان دافئة، سقفٌ وجدرانٌ وأرضيّة كمنزلٍ عادي.
والأثاث مألوفٌ أيضًا.
هذا المكان هو:
“مستحيل…….”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 47"