في كلّ مرّة، كان فيليون الصغير يسأل بعينين بريئتين:
“لماذا؟”
فكان الجواب: “عائلة فولكس أُناسٌ كالأفاعي. يُغْرونَكَ بالجمال، ثمّ يطعنونك في الظّهر.”
“لماذا؟”
“لا تحاول أن تفهم. فهم وُلدوا على هذه الطّبيعة.”
“لماذا؟”
“لأنّهم من الأصل هكذا…”
لم يُنهِ الجدّ كلامه، بل تنهّد تنهيدةً طويلة.
“أيّها الشّقيّ فيليون، لا يجوز لك أن تعبث بجَدّك إلى هذا الحدّ.”
ثمّ حمله بذراعيه القويّتين كأنّه محاربٌ مدرّب، وابتسم له.
“لا تحتاج أن تحفظ كلّ شيء، لكن تذكّر أمرًا واحدًا فقط: عائلة فولكس هم أعداء عائلة ديلاريك. كانوا كذلك، وسيظلون كذلك… وإن كنت ستسأل (لماذا؟) مجدّدًا، فعد إلى سريرك الآن. من ينام مبكّرًا، يكبر سريعًا.”
“نعم، جدّي. تصبح على خير. أحبّك!”
نعم، في صغره، كان يقول مثل هذه الكلمات المحرجة كلّ يوم.
كان منذ ولادته الابنَ الأحبّ لدى دوق إليفرت، وكان زهرةً ناعمة تُربّى في بيت ديلاريك الأرستقراطي كبيتٍ زجاجيّ.
ولهذا، لم يكن لأيّ تحذيرٍ من عائلة فولكس أيُّ أثرٍ في قلبه.
فبالنسبة لفيليون، كانت عائلة فولكس مثل الأجانب، أو أشبه بالشّياطين الذين يظهرون في كتب التّاريخ؛ مجرّد كائنات غريبة يظنّ أنّه سيلقاها يومًا ما.
لم يكن يعاني من أيّ نقص أو مشقّة. وكان يظنّ بغموض أنّ هذه الحياة ستدوم إلى الأبد.
لكن، حين كان في الثّامنة من عمره…
قال له جدّه بوجهٍ ثقيل.
“أمّك وأبوك سيُطلّقان، على ما يبدو.”
بمجرّد سماعه هذا الخبر، شعر فيليون أنَّ حياته لن تبقى كما كانت.
لكنّه لم يفهم كلّ شيء مباشرة.
فاستمرّ في السّؤال كعادته: “لماذا؟ ما معنى الطّلاق؟”
أجابه جدّه بتروٍ، رغم صغر سنّه، كأنّه قرّر أخيرًا أن يخبره:
“الطّلاق يعني الانفصال، يا فيليون.”
ثمّ بدأ يشرح له بهدوء: السّبب في أنّه يعيش في منزل ديلاريك هو أنّه تعرّض لحادث كبير وهو لا يزال صغيرًا، بالكاد يمشي.
لحسن الحظّ، لم يُصَب جسديًّا، لكنّ أمّه بدأت تعاني من قلقٍ شديد بعد ذلك الحادث.
وبعد أن تبيّن أنّ الحادث دبّرته عائلة إخوة فيليون غير الأشقّاء من جهة أمّهم، لم تستطع والدته التحمّل، فعادت إلى منزل عائلتها.
“لكن لم نكن نستطيع رفع دعوى، فلم نجد دليلًا قاطعًا. كما أنّ لعائلتهم نفوذًا كبيرًا داخل الإمبراطوريّة.”
“إخوتك غير الأشقّاء يكرهونك، لأنَّ أباك يريدك أن تكون الوريث.”
“أمّك وأبوك تكلّما كثيرًا عن كيفيّة حمايتك، وانتهى بهما الأمر إلى مشادّاتٍ جعلت استمرار علاقتِهما أمرًا مستحيلًا.”
“وحتّى نومك في غرفتي، ومنعك من الخروج، كلّ ذلك كان لحمايتك.”
سياسة. صراعات قوى. مصالح. مشاعر. زواج. قانون. أمورٌ لا تُروى في كتب الحكايات.
وطبعًا، لم يفهم فيليون كلّ ذلك.
رغم جهود الكونت ديلاريك، كان فيليون صغيرًا وبريئًا جدًا.
ونفس الأمر حدث حين سمع غضب والدته:
“ولدك لا يحبّك، يا فيليون! لو كان يحبّك حقًّا، لكان تصرّف بصرامة! لم يتمكّن من حلّ الأمر بنفسه، لذا كان عليه الاستعانة بالآخرين!”
“من الغريب أصلًا أن يقرّر الانفصال عنّي! فأنا الوحيدة القادرة على حمايتك في ذلك القصر، فكيف يقول إنّه سيأخذكَ وحدك؟ أليس ذلك كأنّه يحكم عليك بالموت؟”
“فيليون، اذهب إليه وتكلّم! أخبره بوضوح أن يطرد إخوتك المقزّزين، من أجلك أنت!”
تصرف فيليون كما أمرته أمّه.
رغم أنّه لم يكن يفهم شيئًا، نقل كلامها كأنّه يقرأ نصًّا محفوظًا.
فكلمات الأمّ كانت عند الطفل الصّغير، خاصة في هذا القصر الدّافئ، بمثابة وحيٍ إلهيّ.
وكانت تنهيدة والده الثقيلة كأنّها عقوبةٌ من الحاكم.
“حتى أنت لا تثق بي، إذن…”
قال الدوق بحزنٍ عميق.
“سأنفصل عن أمّك. وسآتي بك معي مهما كلّف الأمر. أنت ابني، وسأحميك. ويمكنني أن أسيطر على إخوتك.”
“لا تذكر هذا الأمر مرّةً أخرى، يا فيليون.”
نقل فيليون هذا الكلام إلى أمّه أيضًا. فغضبت مجدّدًا، وأعطته رسالةً أخرى لينقلها، ثمّ عاد إلى أبيه الذي بدوره انتقد أمّه على لسانه.
ومضى شهرٌ كامل على هذا الحال، دون أن يفهم فيليون حقًّا ما يجري.
لكنّه لم يستسلم.
‘ربّما أستطيع أن أجد النّصيحةً في الكتب.’
في ذلك اليوم، بدأ فيليون دراسته الحقيقيّة.
كان جدّه قد علّمه السّحر أحيانًا، لكن لم يسبق له أن درس بجدّ بهذه الطّريقة، يُدوّن ويقرأ بإرادةٍ من ذاته.
قرأ كثيرًا، وكانت الخلاصة واحدة.
“بالحبّ، والتّفاهم، والتّضحية، يمكن تجاوز أيّ خلاف.”
آمن فيليون بذلك، وقرّر أن يطبّقه.
أحبّ والديه، وسعى لتفهمهما، وبذل جهده في مراعاتهما.
لكن للأسف، لم يُجْدِ ذلك شيئًا.
قال أبوه: “لا يمكنني التّواصل مع أمّك بعد الآن. لا أريد حتّى رؤيتها.”
وقالت أمّه: “أبوك هو أقسى رجلٍ رأيته في حياتي. كان يجب ألا أتزوّجه منذ البداية…”
بدأ فيليون يُحرّف بعض الأمور، يكذب كذبًا أبيض أحيانًا، لكنّ الوضع ازداد سوءًا.
ثمّ حين بلغ العاشرة من عمره، في جلسة المحكمة التي حكمت بطلاق والديه…
‘أخيرًا، انتهى الأمر.’
حين نُطق بالحكم، أطلق فيليون تنهيدةً طويلة.
لم يَبكِ. لم يشعر بالحسرة. سئم سماع آرائهما. لم يعد ممكنًا إصلاح علاقتهما.
‘ربّما هذا هو الأفضل.’
في الحقيقة، لم يكن هدفه أن يُصلح بين والديه.
بل فقط، حاول أن يتماشى مع أفكارهما.
كان الجوّ المحيط به مخيفًا، ومليئًا بالتوتّر، فأراد أن يفعل أيّ شيء لتخفيفه.
‘لكن، الآن انتهى كلّ شيء.’
في يوم الطّلاق، شعر فيليون بالارتياح، خلافًا لما توقّعه الأقارب.
ظنّ أنّه سيعيش بهدوء من جديد. وفعلاً، ساد الهدوء لبعض الوقت.
لكن بعد أشهر قليلة…
“قالت أمّك إنّها لن تتزوّج مجدّدًا.”
في طريقه إلى المطبخ ليلاً، صادف خالاته اللّاتي خرجن من جلسة الشّرب.
أراد العودة، لكنّهنّ، وقد تأثرنّ بالكحول، أمسكْنَ به، وقالت إحداهنّ: “يجب أن تسمع هذا ولو مرّة.”
“رفضت كلّ من تقدّم لها، فقط لأنّها تريد رعاية طفلٍ صغير. كان بينهم رجالٌ طيّبون فعلًا.”
“لقد تخلّت عن سعادتها كأنثى. عليك أن تبرّ بأمّك، يا فيليون.”
أصغى فيليون لحديثهنّ بصمت.
لم يشعر بالرّغبة في الاعتراض. كان ممتنًّا دائمًا لأمّه، فاستمرّ يُومئ برأسه دون أن يترك فرصة.
ومنذ ذلك اليوم، صرنَ كلّما زُرْنَ القصر، يبحثنَ عنه ليُلقينَ عليه دروسًا مماثلة، دون خمرٍ هذه المرّة.
“قلتُ لها ألّا تتزوّج دوقًا، لكنّها لم تستمع.”
“لكن دوق إليفرت كان وسيمًا، على أيّ حال.”
“حتى زوجته الأولى تعلّقت به بشدّة قبل أن تموت. لو لم تمت، لما حصلت ديانا على فرصة. أو لعلّ ذلك كان خيرًا لديانا؟”
“لو لم يكن لديها طفل، لكان بإمكانها أن تتزوّج مجدّدًا… أحيانًا تقوم ديانا بخياراتٍ غبيّة رغم ذكائها.”
“سمعتُ أنّ أباك التقى فتاةٍ في حفلةٍ راقصة قبل أيّام، وكان هناك شيءٌ غريب بينهما… لما عبست؟ فقط أردنا إخبارك لأنّكَ يجب أن تعرف.”
قالوا إنّ والدته تعرف كلّ هذا، بل وافقت عليه.
في اليوم التّالي، راقبها فيليون بقلق، لكنّها بدت أكثر سعادةً من ذي قبل.
كانت تبحث بالسّحر بحماسة مع والدها، تستقبل صديقاتها، وتخرج كثيرًا. لم تعد تغضب عليه، وابتسامتها زادت.
فأراد ألّا يُصغي إلى تلك الأحاديث. حاول أن يُقنع نفسه بأنّ القادم سيكون أفضل.
لكن…
“لو لم يكن فيليون موجودًا، لكانت ديانا أكثر سعادة.”
كان ذلك السّهم، الذي انغرس في قلبه، ولا يُنتزع.
في الحديقة، صارح ابنَ عمّه.
“أنا أحاول دائمًا أن أُراعي الكبار… فلماذا لا يُراعي الكبار مشاعري؟”
ندم بعد أن قال ذلك، لكنّه كان بحاجةٍ لمن يُنصت إليه.
لكن، رغم أنّه تحدّث بسوءٍ عن أمّه، لم يغضب ابنُ عمّه، بل تفهّم كلامه، وسأله:
“أتعرف لِمَ؟”
“…لِمَ؟”
“لأنّك، بصراحة، شخصٌ ضعيف وسهل.”
“…..”
“الأطفال الصغار، حتى لو اعترضوا، ماذا سوف يحدث؟”
قبض على قبضته، وصرخ:
“تبًا، تظنّون إنّي سوف أصمت؟ حياتي لي، ولن أتنازل!”
لاحقًا، علم فيليون أنّ ابن عمّه كان على خلافٍ مع والدته أيضًا، بسبب أنّها بدّلت كلّ مفارش غرفته إلى ورود. أغضبه ذلك في البداية، ثمّ تعلّق بها لاحقًا.
وقتها لم يكن فيليون يعرف كلّ هذه التفاصيل، لكنّ كلماته أثّرت فيه بعمق.
حتّى في السير الذاتية للعظماء، وجد عباراتٍ مشابهة.
‘حياتي لي.’
إن كانت حياته له، فلديه الحقّ في رفض ما لا يريده.
وكانت هناك طرقٌ كثيرة.
أبسطها أن يذهب إلى أمّه وجدّه ويخبرهم بما قالته الخالات.
لكن…
‘لا أريد أن أسبّب لهما المتاعب.’
فقرّر أن يختار الطّريقة الثّانية.
لم يحتج إلى خططٍ كبيرة، فقط حين يبدأ حديثٌ غير مرغوب فيه، يردّ قائلًا:
“ماذا إذًا؟”
“لم أفاهم ما هو المطلوب مني بالتحديد.”
“أنا اتعامل مع أموري بنفسي.”
وقد نجح هذا الأسلوب، رغم أنَّ البعض وصفوه بالوقاحة.
لكنه شعر بالرّاحة لمجرّد أنّه لم يُستدعَ إلى مجالسهم بعد ذلك.
ثمّ، حين بدأ يهتمّ بأشقّائه الصّغار، اختفت الأحاديث السلبيّة تدريجيًّا.
فالأطفال كانوا أسهل. يُبادلون الحبّ بالحبّ، ولا يُرهقون العقل.
برفقتهم، كان يشعر وكأنَّ صدره انفتح من جديد.
لكن قبل عيد ميلاده الثّاني عشر بأيام…
قُتل ابن عمه الأصغر في غرفة فيليون. جاء ليلعب معه خلسة في الليل، فكان ذلك آخر ما فعل.
ولم يَطُل الأمر حتى ظهر الجاني.
“إنّه قاتل أرسلته عائلة فولكس.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"