الفصل 39 :
في ردّي، بدا على فيليون الارتباك لسببٍ ما.
“إذا، كنتِ تظنّين أنّني قلتُ هذا لاني زميلكِ؟”
“أجل، أليس هذا ما قصدتِه؟”
“ألم تفكّري أنّه قد يكون له معنى آخر؟”
لم أستطع أن أُخمِّن ما يعنيه، فأملتُ رأسي قليلاً. عندها تنهد بعمق وقال:
“لا، لا شيء…”
شعرتُ بشيءٍ من الريبة، لكنّي قررتُ ألا أُشغل نفسي به. إن كان شيئًا مهمًّا، فسيخبرني به لاحقًا.
ولم يكن لديّ وقت للتفكير به على أيِّ حال. فقد توقّف المطر مع بزوغ الفجر، ووجب علينا الاستعداد للتحرّك.
فلا مزيد من القرى أمامنا بعد هذه النقطة. وسنُخيّم منذ الوصول إلى الآثار وحتى أنتهي من فكّ الحاجز.
‘بما أنَّ صاحب السمو بنفسه معنا، فلا بدّ أنَّ كلّ المعدات من أفخم الأنواع.’
وربّما لهذا السبب، كان الجميع منشغلين بشراء الإمدادات من المدينة، وأنا لم أستطع الوقوف دون فعل شيء، فلحقتُ بهم وساعدتُ.
وبذلك غادرنا المدينة الأخيرة، وواصلنا السير لأيام.
وفي أحد الأيّام، بينما كنّا على مقربةٍ من الآثار…
“إذا تجاوزنا ذلك التل، سنكون قد وصلنا إلى الغابة التي تُخفي الآثار، أليس كذلك؟”
“نعم، بحسب ما أعلمه.”
ضيّق فيليون عينيه ونظر نحو مقدّمة المجموعة.
“يبدو أنَّ هناك مشكلة ما.”
كما قال، كان الجوّ مشحونًا ومضطربًا بين وليّ العهد ورفاقه.
منذ أن عاد هاربر من الاستطلاع، وهم على هذا الحال. حتى وليّ العهد وإيان كانا يبدوان جادّين للغاية. لم تتوقّف شفاههم عن الحركة.
ثم فجأة، نظرا إليّ معًا، وترجّلا عن فرسيهما وتقدّما نحوي.
فنزلتُ بدوري عن فرسي لأقابلهما. وكان وليّ العهد أوّل من تكلّم.
“يبدو أنَّ علينا التخييم هنا.”
“هنا؟ أليست الآثار قريبةً جدًّا؟ ألا يكون من الأفضل أن نرتاح داخلها؟”
الطقس جيّد، ولا يزال الوقت نهارًا. فلماذا هنا تحديدًا؟ هل هو بسبب رغبته في تقليل الضرر على الآثار؟
“لسنا هنا للراحة، بل للتحضير للمعركة.”
“وحوش، أليس كذلك؟”
“صحيح. ويبدو أنَّ المعركة ستكون عنيفة. عدد الوحوش أكبر بكثير مِمّا توقعه إيان.”
“ألم يكونوا قد غادروا المنطقة؟”
“لا، لم يغادروا.”
تنهد وليّ العهد بعمق.
“توقّعاتي كانت خاطئةً تمامًا. أنا آسف.”
إيان لم ينبس ببنت شفة، بل ظلّ يُحدّق في الأرض.
لكنّي استطعتُ رؤية وجهه لأنّه أطول مني. كان شاحبًا جدًّا. هل يشعر بتوعّك؟ سيُغمى عليه بهذه الحالة.
“هل يمكنني التأكّد بنفسي؟”
تقدّمتُ مع فيليون خلف هاربر، ممتطين خيولنا.
وبعد قليل، وصلنا إلى حافّة جرفٍ، تحته غابةٌ كثيفة تمتدّ مثل البحر.
وبين الأشجار، ظهرت ظلال تتحرّك. وبعد استخدام سحر الاستشعار، تبيّن لي أنّها وحوشٌ دون شك.
وكان عددها هائلًا، كما لو أنَّ جميع وحوش المنطقة تجمّعت هنا.
‘كأنَّ كثرتها تجعل المشهد غير طبيعي.’
الوحوش الجديدة التي تحدّث عنها وليّ العهد كانت موجودةً أيضًا. والمشهد برمّته غريب.
فمن المفترض أن تكون هذه الوحوش قد غادرت المنطقة منذ زمن.
“الآثار هناك، بالقرب مِن ذلك التلّ.”
رفع هاربر يده وأشار إلى جبل منخفض، ثم حرّك إصبعه ببطء ليرسم مسارًا عبر الغابة.
كانت خطّته الالتفاف لتجنّب الوحوش، وهو اقتراحٌ منطقي وشرحٌ مُفصّل. حتى من منظوري، بدا المسار الأفضل.
لكن…
“لن يكون هناك تجنّبٌ تامّ للأضرار، أليس كذلك؟”
أجاب هاربر بصمته. فنحن لا نملك سوى ساحرٍ واحد في الفريق، وهو أنا. ولا أُجيد السحر الشفائي. ولم نُحضر معنا أيَّ كاهن.
سيكون هناك ضحايا إن سارت الأمور بشكلٍ خاطئ.
“هل يمكنكِ أن تُخبِرينا بأي نوع من السحر تُجيدين؟ أعلم أنّنا وعدناكِ بالحماية، لكن أظن أنَّ علينا التعاون جميعًا.”
ثم بدأ بسؤال فيليون أيضًا عن أنواع الوحوش التي واجهها، والدور الذي كان يلعبه في فرقة المرتزقة.
وبما أنّني التزمتُ الصمت، أجاب فيليون عوضًا عني. بدا أنّه قد عقد العزم على القتال، وربما إيان أيضًا سينضمّ إلينا. تبا، حقًّا…
‘كان لديّ شعورٌ سيّء لسببٍ ما!’
توقّعات وليّ العهد لم تكن خاطئة فحسب، بل كانت كارثيّة.
وتذكّرتُ كلامه عن كون هذه المرّة الأولى التي يُنفَّذ فيها خطّة هو من اختار أفرادها. هل كان الإمبراطور يمنعه من وضع الخطط لأنّه دائمًا ما يُخطئ؟
‘الآن أفهم لما بدا إيان مُحبطًا جدًا.’
فهو أيضًا شارك في هذه الخطة، وكان محرجًا أمام الآخرين بلا شك.
‘لكن… لا تزال هناك طريقة.’
رفعتُ رأسي إلى السماء واستنشقتُ عميقًا. لونها الأزرق الصافي ذكّرني بعيني بريدين.
نعم، كلّ هذا من أجل إنقاذها.
نظرتُ مباشرةً إلى هاربر وقلت:
“أستطيع حلّ الأمر.”
“شكرًا! ما نوع السحر الذي ستستخدمينه؟ يجب أن نُنسّق جيّدًا بيننا، لذا نحتاج تفاصيل دقيقة…”
“يمكنني إنهاء الأمر وحدي.”
اتسعت عينا هاربر بدهشة.
نظر إليّ وكأنّه يتساءل: هل سمعتُكِ خطأ؟
فدفعتُه برفق وقلت: “من فضلك، أحضر سموّ وليّ العهد.”
حتى هو، حين عاد، كانت على وجهه نفس الدهشة.
“هل قلتِ أنّك ستفعلينها وحدكِ؟”
“نعم. لن يُصاب أحدٌ بأذى. لكن سيكون الأمر صاخبًا قليلًا.”
“طالما يمكنكِ إنهاء الموقف، فلا بأس بأي شيء. وماذا عن الحاجز؟ لا نُريد أن تُرهقي نفسكِ وتُصبحين غير قادرةٍ على استخدام السحر داخل الآثار.”
“لا تقلق. لديّ طريقةٌ لن تُرهقني كثيرًا.”
فالطريقة التي في بالي لا تستهلك الكثير من السحر بالنسبة لي.
والمخاطرة هنا أنّهم قد يكتشفون أنّني رايلي فولكس. لكنّ احتماليّة ذلك ضعيفة. الكلّ يظنّ أنّني ميّتة.
بمعنى آخر، لا أخسر شيئًا.
راقبتُ وليّ العهد بتوتّر. وما إن تحرّكت شفتاه…
حتى ابتسم ابتسامةً لطيفة.
“سأدفع عشرة أضعاف المبلغ المُتّفق عليه. هل يمكنكِ فعلها؟”
طبعًا أستطيع!
عشرة أضعاف؟!
‘يمكنني تسديد كلّ ديوني!’
هززتُ رأسي بحماسة، ثم رفعتُ ثلاثة أصابع.
“لديّ شروطٌ إضافيّة.”
***
وافق وليّ العهد على الشروط الأخرى أيضًا.
―الأمر الثالث، أثناء استخدامي السحر، أريد الجميع أن يكونوا على بُعد.
―حتى لا يتأذّى أحدٌ من السحر؟
―نعم. لكن لا تحزنوا كثيرًا، فالسحر سيكون قويًا بما يكفي ليراه الجميع من بعيد.
―حسنًا، والآخر؟
―أرجو ألّا يُخبر أحدٌ خارج هذا الفريق عن نوع السحر الذي سأستخدمه. فلنبقِ الأمر بيننا فقط.
فقد كان هذا الشرط لحمايتي من انكشاف هويّتي الحقيقية.
صحيح أنَّ هذا السحر لا يخصّني وحدي، لكن يمكن أن يُثير الشك.
‘وأسوأ من قد يشكّ هو البطلة الأصليّة، فقد رأتني أستخدمه من قبل.’
لحسن الحظ، لم يسأل وليّ العهد عن السبب، وهكذا تمّ الاتّفاق.
وقفتُ على حافة الجرف أُطلّ على الغابة الممتلئة بالوحوش.
أيُّ مرتزقٍ محترف كان ليفرّ من هول المشهد.
لكنني لم أكن خائفة، بل متحمّسة!
‘يمكنني أخيرًا سداد ديوني!’
شعرتُ بالدموع تكاد تنهمر بينما عضضتُ على شفتي.
أخيرًا! أخيرًا تحرّرت!
قبضتُ على يديّ بحماسة، وفجأةً أحسستُ بشخصٍ يقترب من خلفي.
“…ريكس.”
لم أستطع رؤية وجهه، فقد كان ينظر للأسفل، لكن لم يكن هناك شكّ في أنّه فيليون.
هل جاء ليوبّخني لأنّي أبتسم وحدي بشكلٍ سخيف؟ لا بأس، فطالما أنا وحدي…
“لا بأس.”
ما هذا؟
“سأتحدّث إلى وليّ العهد مجددًا. سأقول له إنَّ السبب هو لعلاج لعنَتي، وإنَّ استخدامكِ للسحر سيؤثّر على حياتي.”
“…..”
“سيكون الأمر بخير. فهاربر، وبريستون، والرجل المسمّى إيان، جميعهم يبدو عليهم الكفاءة. إن اتّحدت جهودنا…”
فهمتُ الآن.
“ولِمَ لا أُشارك أنا؟”
رفعتُ جسدي ونظرتُ إليه.
“ولا تُخبر أحدًا عن لعنتك. سيظنّونك شخصًا شريرًا إذا علموا بها.”
“لكن…”
“ثمّ، لماذا أنت هنا؟ طلبتُ منك أن تبقى مع وليّ العهد.”
دفعته بلُطف، وكأنّي أقول له: اذهب.
لكن فيليون لم يتحرّك. وعيناه البنفسجيّتان بدتا مضطربتين.
هل يقلق من أنني لن أنجح؟ أم أنّه…
“همم، هل ترغب في رؤية سحري؟”
فكّرتُ قليلاً، لم أُرِه قط سحرًا حقيقيًا.
فهو يملك فقط ذكريات سنةٍ واحدة! كطفل صغير، من الطبيعي أن يكون فضوليًا!
ربّتُّ على ظهره وضحكتُ بشدّة.
“يا إلهي! حسنًا، لا بأس! فقط لا يُغمى عليك من الدهشة!”
ولم أُدرك أنّه لم يُجب عن سؤالي قط.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 39"