الفصل 38 :
بالرغم من أنَّ عقل فيليون كان مشوَّشًا بسبب السُّكر، فإنّه فهم كلامي فورًا.
المشكلة كانت أنّه كان يرتدي حذاءً ذا أربطة معقّدة.
ومع ذلك، لم يستسلم فيليون. فرغم أنّه بالكاد كان يستطيع فتح عينيه، انحنى وبدأ بفكّ الأربطة، ولم يستلقِ على السرير إلّا بعد أن نزع حذاءه.
‘أحسنت التصرف.’ شعرتُ بالإعجاب وهو يدير ظهره بهدوء ويستلقي، فابتسمتُ دون أن أشعر.
‘…أتُراه بخيرٍ فعلًا؟’
بالطبع، لم يسبق لي أن شربتُ الخمر مع فيليون.
لكنّنا تحدّثنا عنه ذات مرّة. كان ذلك بعد عودتي من إحدى المهام.
أحد معارفي الذين التقيتُهم هناك قدّم لي نبيذًا فاخرًا كهدية. لم أكن أُحبّ الشرب، ولم أرد إعطاءه لأحد آخر، فاحتفظتُ به.
ثم، صادفتُ فيليون عند المدخل، ولحق بي إلى المختبر وسأل:
“هل تنوي الشرب اليوم؟”
“ولِمَ أشربُ معك؟ أفضل أن أشرب وحدي.”
أجبته بحدة، ثم وضعتُ الزجاجة في أحد الزوايا المعتمة، وخلعتُ معطفي… حينها لاحظتُ أنَّ فيليون كان يحدّق بالزجاجة.
“أترغب في الشرب؟”
“لستُ من محبّي الخمر، لكنه ليس سيئًا.”
“أتُحبّ الخمر؟”
“لا أحبه ولا أكرهه… على أيِّ حال، قلتِ إنكِ لن تشربيه، أليس كذلك؟”
“افعل ما تشاء.”
لم أعِر الأمر اهتمامًا كبيرًا وأعطيتُه الزجاجة. وتناولنا الطعام سويًا حينها.
لكن، في اليوم التالي، ظللتُ أفكر في الأمر. هل شربه؟ ومع من؟ مع أقاربه؟ مع أولئك الذين يكرهونني؟
وفي أحد الأيام، وقبل أن أطرح عليه سؤالي بتحفّظ، قال فجأة:
“هذه هدية.”
وقدّم لي علبة كعكٍ فاخرة من متجرٍ شهير. حتى أنا، التي نادرًا ما أشارك في الحفلات، كنتُ أعرفه.
وكان طعم الكعك مذهلًا. سألته كيف حصل عليه رغم صعوبة الحجز، فقال:
“رئيس الطهاة هناك يعشق الخمر. شربته معه وأقنعته بإعداده.”
“ولماذا؟”
“ظننتُ أنكِ ستُحبّينه.”
‘آه، كان لذيذًا فعلًا.’
اهتزّ جسد فيليون قليلًا.
حينها فقط أدركتُ أنني كنتُ أعبث بأذنه كأنها لعبة. يبدو أنني أزعجتُه أثناء نومه، فسحبتُ يدي بسرعة.
ثم نظرتُ إليه.
‘لماذا يبدو وجهه شاحبًا هكذا؟’
عادة ما يحمرّ وجه الناس بعد الشرب، لكنّ فيليون بدا شاحبًا للغاية.
“فيليون، هل أنت بخير؟”
“..…”
“لستَ مريضًا، صحيح؟”
لكن فيليون لم يتحرّك. ظننتُ أنه نام، وكنتُ على وشك الاستدارة، حين سحبني فجأةً بقوة.
سقطتُ على السرير، وشعرتُ بيدٍ تضغط على كتفي. لم أتمكن من المقاومة، فكل شيءٍ حدث بسرعة.
حين فتحتُ عينيّ، كان فيليون يحدّق بي. بدا أكثر ارتباكًا مني، وتجمّد مكانه.
هززتُ يدي التي كان يُمسك بها.
“تؤلمني.”
“…آسف. هل تؤلمكِ كثيرًا؟”
خفّت قوة الضغط عن ساقي، وأطلق يدي. كانت تعابيره مليئةً بالندم.
“أنا… أتصرف هكذا لا إراديًا عندما يفاجئني أحد وأنا غير متيقظ.”
لكن لم يكن لدي وقتٌ للتفكير في ذلك. كنتُ مصدومة.
“هل قلتَ آسف الآن؟”
“…أهذه أول مرةٍ تسمعينها؟”
حين أومأت، ضحك ساخرًا.
“لا بد أنني كنتُ وغدًا كبيرًا.”
كِدتُ أومئ مجددًا.
لكن يبدو أنّه فهمني من نظرةٍ بسيطة، فابتسم بسخرية مرةً أخرى.
ثم انتهى كل شيء. لم يسألني أكثر، بل نزل عنّي بلطف، واستلقى في مكانه على السرير، ولفّ نفسه بالغطاء، وأدار ظهره لي.
قال بصوت خافت:
“اخرجي، أشعر بالنعاس.”
رفعتُ جسدي بحذر.
لكن، لسببٍ ما، لم أتمكن من المغادرة.
بدا ظهره الواسع مثيرًا للشفقة بشكلٍ غريب.
بدأ عقلي يبرر لي: ‘صحيح، أنا قد شتمتكَ كثيرًا في نفسي…’
“لم تكن… وغدًا بكل معنى الكلمة. أعني، أنتَ مميز… لكن بأسلوبٍ غير مهذبٍ قليلًا…”
“أعرف. ريكس تكرهني.”
قاطَعني فيليون فجأة. ثم تابع بحزن:
“آه، لا. إنّها تراني مثيرًا للشفقة.”
“…سمعتَ ذلك؟”
أوه، لقد سمع.
تنهدتُ طويلًا. لا أحد يحب أن يُنظر إليه بشفقة، خاصةً شخصًا فخورًا كفيليون إلفيرت.
ماذا أفعل؟ لا يمكنني أن أقول إنني قلتها فقط بسبب إصرار إيان…
بعد تفكيرٍ طويل، قررتُ قول الحقيقة.
“صحيح، شعرتُ بالشفقة… لكنني لا أكرهك. على الأقل، ليس كما أنت الآن.”
اهتزّ كتفه قليلًا.
ثم سأل دون أن يلتفت:
“…ماذا تعنين؟”
“فكّر بالأمر. شخصٌ تعرفه منذ زمن، ترى وجهه يتلقى صفعة… ألا تشعر بشفقة؟”
“ليس ذلك ما أقصده.”
استدار بالكامل هذه المرة. عينيه البنفسجيتين تطالبان بإجابة.
فتحتُ فمي بصعوبة.
“…لا أكرهك. لا أحب فيليون إلفيرت القديم، لكن النسخة الحالية… لا أكرهها.”
“..…”
“بل، أعتقد… أنني أُعجبُ بها قليلًا.”
كِدتُ أعضّ لساني.
أنا، أقول إنني أُعجب بفيليون إلفيرت؟ ما هذا الجنون؟
لكنها الحقيقة. هذا الشخص أمامي مختلفٌ عن مَن كان في الماضي.
“لكن، أنتِ تُخفين شيئًا عني.”
“…هاه؟”
“وذاك الرجل يعرفه.”
راقبتُ تعابيره، مترددة.
هل استعاد ذاكرته؟ لا، لا يبدو كذلك…
“أوه… اسمع، السر الذي يعرفه إيان ليس شيئًا جديدًا. لم أنشئ سرًّا جديدًا معه.”
“..…”
“هو شيءٌ كنتُ أعرفه قبل لقائنا به. لم أُخبر أحدًا به من قبل. فقط… اكتشفه صدفة.”
أشعر وكأنني أبرّر نفسي كشخصٍ متّهمٍ بالخيانة. لم يحدث شيءٌ بيني وبين إيان، صدقني!
“أعلم أنكَ تشعر بالخذلان، لكنني حقًا لا أستطيع إخبارك.”
ثم توقّفتُ لحظة.
“…ليس لأنني أكرهك.”
حينها، نظر فيليون إليّ مطولًا.
كما لو كان يقرأ وجهي بالكامل، وكأنّه يحاول التأكد من صدقي.
ثم، قال أخيرًا:
“هذا يكفي.”
لم يسألني أكثر، فقط اقترب مني قليلًا.
“هذا فقط… يكفيني.”
رائحة الخمر منه جعلتني أشعر وكأنني أنا أيضًا سكرى.
بدا كطفلٍ صغير. فمددتُ يدي وربّتُّ على رأسه.
فأغمض عينيه بهدوء. يا للعجب. إنه غريبٌ حقًا. لكنني لم أرد أن أسحب يدي.
“في المرة القادمة… لن أذكر اسمكَ لإيان. آسفة.”
“حسنًا، سأثق بكِ.”
“أوه، هل هناك شيءٌ آخر تريده؟ شيءٌ أخطأتُ فيه؟”
صمتٌ طويل.
ظننتُه نام، فسحبتُ يدي، لكنه تمتم:
“ذلك الرجل…”
قالها بصوتٍ ناعس.
“لا تبتسمي له كثيرًا.”
“…هاه؟”
سألته مجددًا:
“أيُّ رجل؟ إيان؟”
لكنه لم يُجب.
ترك كلماتٍ مُبهمة، ثم غرق في النوم.
“لا تبتسمي له…؟ ماذا يقصد؟”
***
في اليوم التالي، بدا فيليون بخيرٍ أكثر مما توقّعت.
حتى بريستون، الذي بدا عليه أثر السُّكر، كان وجهه شاحبًا قليلًا. أمّا فيليون، فبدا في منتهى الانضباط.
“فيليون، أنتَ أمس…!”
“…ماذا؟”
“كنتَ صامتًا تمامًا. هل أنت إنسانٌ حقًا؟”
حتى أثناء الشرب، يبدو أنه لم يرتكب أيَّ خطأ. يا له من صمود.
رفع فيليون طرف شفتيه بفخر.
لكن، حين ظهرتُ أنا، اختفى ذلك الفخر.
“هل يمكنني الجلوس؟”
جلستُ أمامه، وجاءت الوجبات فورًا.
وحين ذهب بريستون إلى المرحاض، بدأتُ الحديث.
“بخصوص ما قلته البارحة…”
توقف فيليون عن الشرب لوهلة، وخفض نظره بحرج.
“في الواقع…”
“لو قلتَ إنكَ لا تتذكر، سأضربك.”
“…أتذكر.”
كان يبدو متوترًا.
“قلتَ لا أبتسم لإيان كثيرًا، أليس كذلك؟”
بدت عليه الدهشة.
‘أحقًا تقولين هذا أمامي؟’ كانت تلك نظراته.
تابعتُ بابتسامة:
“فكّرتُ بالأمر. كان ذلك… نصيحةً جيدة.”
سألني بدهشة:
“أحقًا ستفعلين؟”
“ليس تمامًا. لا يمكنني أن أغيّر تصرّفاتي فجأةً. لكن لن أكون كما كنت.”
“..…”
“لِمَ لمْ تُخبرني بذلك من قبل؟”
“…كيف لي أن أقول ذلك؟”
قالها بخجلٍ واضح.
“ولِمَ لا؟”
رفعتُ قطعة خبزٍ وتحدثتُ بهدوء:
“حتى لو كنّا أصدقاء قدامى… فإنني جئتُ للعمل، ويجب أن أكون أكثر جدية.”
تذكّرتُ حديثي مع إيان. ضحكتُ كثيرًا معه.
لكنني هنا بصفتي مستأجَرة.
“شكرًا على النصيحة.”
ثم ابتسمتُ ورفعتُ إبهامي.
“وفي المستقبل، لا تتردد في إخباري. نحن زملاء، أليس كذلك؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 38"