ثمّ ارتدّ مجددًا بصوتٍ مكتوم. وبعدها راح يخفق بعنف، وكأنّه على وشك القفز من صدري.
‘ماذا أفعل الآن؟’
كان أمامي خياران لا ثالث لهما.
إمّا أن أهرب من هذا المكان، أو أن أنكر كوني رايلي.
رغم أنَّ الأفكار كانت تدور في رأسي، فإنَّ شفتيّ لم تتحرّكا إطلاقًا. وكأنَّ يدًا ضخمة أمسكت بجسدي كلّه ومنعتني من الحركة.
على عكسي، كان إيان يتحرّك بهدوءٍ وثبات. بدأ يقترب منّي شيئًا فَشيئًا.
“لقد كنتِ على قيد الحياة…”
خطوة.
خطوتان.
ثلاث.
أربع.
وفي الخطوة الخامسة…!
عانقني بقوّة.
“كنتِ على قيد الحياة…”
“إ… إيان؟”
“أنا… أنا حقًّا كنتُ أظنّ أنّكِ متِّ…”
حينها دقّ جرس إنذارٍ ثانٍ في رأسي.
لا أحد في المكان الآن، لكن من المؤكّد أنَّ أحدهم قد يمرّ قريبًا. والأسوأ أنَّ هذا المكان يمكن رؤيته من نافذة الطابق الثاني.
لا يمكنني البقاء هنا أكثر.
دفعته بقوّة وتشبّثت بذراعه، سحبته نحو مكانٍ خالٍ من البشر. ولم نتوقّف حتّى وصلنا إلى مخزنٍ قديم.
وحين نظرتُ إليه مجددًا، كان إيان يبكي.
حين وصلت دموعه إلى طرف شفتيه، ابتسم.
“إنّكِ حقًّا رايلي.”
كان يبدو سعيدًا من أعماقه تحت ضوء القمر الباهت.
رغم أنَّ التعرّض للّوم أو أن يُمسك بياقيتي ويسألني إن كنتُ قد تظاهرتُ بالموت كان سيكون أسوأ، فإنّي لم أعرف كيف عليّ أن أتصرف.
وبعد طول تفكير، فتحتُ فمي أخيرًا.
“هل… كنتَ بخير؟”
سؤالٌ جريء نوعًا ما من شخص تظاهر بالموت ثمّ عاد. ومع ذلك، ظلّ إيان يبتسم. وهزّ رأسه بلطف وهو ينظر إليّ بعينين مملوءتين بالمودّة.
“نعم.”
“لم أكن أعلم أنّك مقرّبٌ من صاحب السّموّ وليّ العهد.”
تبا، ليس هذا الوقت المناسب لطرح هذا السؤال أيضًا.
“لم نصبح مقرّبين إلّا منذ بضع سنوات.”
ومع ذلك، أجابني إيان بصدق.
“حين تركتُ الجيش، ساعدني وليّ العهد.”
“حين غادرت؟”
“حدثت أمورٌ سيئة بعض الشيء.”
كان رمشُ عينه المتدلّي مبلّلًا بالدموع. مسح عينيه.
“بسبب الكونت فولكس.”
“لا تخبرني أنّكَ… كنتَ من بين من تمّ القبض عليهم؟”
“نعم، لكن تمّ إطلاق سراحي بسرعة بفضل وليّ العهد…”
(لم أتمكّن من العودة إلى الجيش بعد ذلك) ـــ استطعتُ أن أتخيّل بقيّة الحديث بسهولة، لذا لم أتابع السّؤال.
فقط لأنِّ شعره أحمر، تعرّض للتمييز. فما بالك بإيان، ابن أخت الكونت فولكس؟ لا شكّ أنّه عانى أكثر.
“وأنتِ؟ أين كنتِ طوال هذا الوقت؟”
“أنا… كنتُ في القارّة الشرقيّة… طوال الوقت…”
هل سيلومني لعدم تواصلي معه وأنا لا أزال على قيد الحياة؟ نظرت إليه خلسةً، لكنّ إيان كان لا يزال يبتسم.
كما لو أنَّ كونِي على قيد الحياة هو كلّ ما يهمّه. بدا عليه الفرح الصادق.
فتحتُ فمي بحذر.
“إيان، أريد أن أطلب منك شيئًا.”
“قولي ما تشائين.”
“لا تخبر أحدًا عن هويّتي الحقيقيّة.”
كنتُ قد أنهيتُ الأمر مع وليّ العهد بخصوص هذه المسألة. لا أريد التورّط معه أكثر من ذلك. رجلٌ يحاول السّيطرة على برج السّحرة باستخدام الكتب المحرّمة… لا يمكن التّنبؤ بما قد يفعله بضعفي.
لا أزال أرغب في إخفاء الأمر عن فيليون أيضًا.
صحيحٌ أنّني لا أنوي منع فيليون من استعادة ذكرياته، بل أعلم أنّه سيعرفني عاجلًا أو آجلًا…! لكنّني فقط لا أريد أن يحدث ذلك الآن. لا أعرف السبب بالضبط، لكنني أشعر أنَّ الوقت لم يحن بعد.
آه، ما هذه المشاعر المعقّدة؟
“حسنًا.”
“……شكرًا لك، إيان.”
“لا بأس. الأمر ليس صعبًا.”
مسح إيان دموعه مجددًا.
“هل يمكنني أن أطلب منكِ شيئًا بالمقابل؟”
ابتلعتُ ريقي وأومأت.
طلب؟ بالطبع. سيطلب منّي أن أشرح له لماذا تظاهرتُ بالموت، أليس كذلك؟
لقد حان وقت رواية قصّة هروبي العظيمة.
دائمًا ما كنتُ أراجعها في ذهني، لكنّها ستكون المرّة الأولى التي أرويها لشخصٍ آخر، لذا كنتُ متوترة.
من الأفضل أن أبدأ من البداية، أليس كذلك؟
حين بدأت الأحداث قبل عشر سنوات، عندما دخل ذاك المجنون، فيليون إلفيرت، إلى برج السّحرة…
“هل يمكنني معانقتكِ مرّةً أخرى فقط؟”
رفعتُ رأسي متفاجئةً من طلبه غير المتوقّع، فقال إيان بصوتٍ منخفض.
“أشعر وكأنّني لا أزال لا أصدّق أنّكِ على قيد الحياة.”
كان كتفاه العريضان يرتجفان قليلًا، وعيناه الخضراوان تمتلئان بالدّموع مجددًا.
شعرتُ أنّه سيبكي إن رفضت، لذا أومأت.
ما الضّير في عناقٍ واحدٍ إضافي؟ لن يؤثّر ذلك عليّ.
لكن رغم أنّني وافقت، ظلّ إيان ينظر إليّ وكأنّه سيبكي في أيِّ لحظة. عضّ شفته بقلقٍ واقترب منّي ببطء.
وحين مدّ يده إليّ…
“ما الذي تفعله؟”
ظهر فيليون فجأة بيننا.
بمعنى الكلمة، ظهر في غمضة عين. لدرجة أنّني فكّرت، هل خرج من تحت الأرض؟ حتّى إيان بدا مصدومًا تمامًا.
رمقه فيليون بنظرةٍ غاضبة، ثمّ استدار ناحيتي.
“هل أنتِ بخير؟”
“آه، أ… أجل، أنا بخير.”
“والآن، من يكون هذا؟”
كان السّؤال من إيان.
أزاح رأسه قليلًا لينظر إليّ، حيث كنتُ أقف خلف ظهر فيليون. كانت ابتسامته لطيفة، لكن الجوّ كان غريبًا. مشحونًا.
ثمّ التفت إلى فيليون، وبدا أكثر حدّةً من قبل.
“من هو؟ لو كان فردًا مِن عائلتكِ، فلا يمكن أن لا أعرفه.”
وهكذا، حُصرتُ في الزّاوية.
أعرف أنّه من الأفضل قول الحقيقة الآن بعد أن كُشِف أمري.
لكن…
‘كيف أخبره أنّه فيليون إلفيرت؟’
سوف يغضب منّي، حتمًا.
سيتّهمني بالجنون إن كنتُ أرافق ذلك الـ’فيليون’.
فقط لأوضّح، لم أكتب عنه أيَّ رسائل، ولا اغتبتُه. لكن بما أنَّ الكونت فولكس كان يكرهه حدّ الموت، فلا عجب أن يكون إيان على علم به.
‘وفوق هذا، حياتي انقلبت رأسًا على عقب بسببه.’
لكن تلك المسألة انتهيتُ من ترتيبها، وقد قرّرت التّفريق بين فيليون الماضي وفيليون الحاضر.
لذا، فيليون الآن هو شخصٌ يمكنني اعتباره في صفي.
خرجتُ من خلف فيليون وتقدّمتُ بين الاثنين.
“لا تحدّق به كثيرًا. هو شخصٌ بمثابة عائلةٍ لي.”
فاجأ هذا التّصريح كليهما.
إيان بدا مصدومًا، وفيليون كان أكثر دهشة.
كنتُ قد بالغتُ قليلًا لأهدّئ من روع إيان، لكنّ ردّة فعلهما جعلتني أشعر بالإحراج. بدأتُ أندم على ما قلته.
“إيان سيرفيل.”
مدّ إيان يده نحو فيليون فجأةً.
وسرعان ما صافحه فيليون.
“أنا عائلتها.”
لا، ليس هذا ما أعنيه…
“قل له اسمك.”
“……فيل إيميل.”
نظرتُ إلى إيان بقلق، لكن لحسن الحظ، لم يبدُ عليه أنّه قد اكتشف أنّه فيليون.
‘يبدو أنّهما لم يلتقيا من قبل.’
إيان لم يكن قد تعلّم ما يكفي من السّحر لتمييز قوى الآخرين (أمّه أجبرته على التّوقف)، كما أنَّ طاقة فيليون الآن متركّزة كلّها في اللّعنة، لذا من الطّبيعي ألّا يلاحظ شيئًا.
ابتسم إيان بلطف وقال:
“إن كان من عائلة ريكس، فهو كعائلتي أيضًا. يبدو أنّنا نتعرّف إلى بعضنا البعض لأوّل مرّة. أرجو أن ننسجم.”
“……وأنا كذلك، أرجو ذلك.”
وقبل أن يسوء الجوّ أكثر، فرّقتُ بين الاثنين قسرًا.
“إيان، هل يمكننا الدّخول أوّلًا؟”
“بالطّبع، سنتحدّث لاحقًا، ريكس.”
هل يقصد أنّه سيسألني لاحقًا لماذا تظاهرتُ بالموت؟ لا مفرّ إذًا.
أومأت برأسي وسحبتُ فيليون مبتعدة.
بعد مسافة قصيرة، توقّفنا في أحد المتنزّهات.
لم نعد نرى المخزن الذي كنّا فيه مع إيان، والظّلام غطّى المكان فلم يكن هناك أحد.
تنفّست الصّعداء، وشعرتُ أخيرًا بزوال كلّ التوتّر.
رغم أنّني أفشيتُ سرًّا خطيرًا، يبدو أنّني نجوت منه بسلام، أليس كذلك؟
‘رغم أنَّ القلق لا يزال يساورني من أن يخبر إيان وليّ العهد… لكنّه وعدني وهو يبكي، فلن يفعل ذلك الآن.’
لكن فيليون بدا حائرًا.
ظلّ يحدّق إلى يده التي صافح بها إيان، ثمّ تنهّد طويلًا.
“هاه…”
ثمّ ضمّ يده إلى جبينه وراح يضغط عليها.
“منذ متى وأنتِ مع ذلك الرّجل؟”
“……ليس منذ فترةٍ طويلة. كيف عرفتَ أنّني هنا؟ لم تنظر إليّ حتّى عندما قلتُ إنّني سأخرج في نزهة؟”
“تبعتُك لاحقًا…”
يبدو أنّه فقدني أثناء المتابعة.
رأيتُ بعض العرق على جبينه، يبدو أنّه بحث عنّي بجهد.
“هل زال عنك الضّيق الآن؟”
“……لا أعلم.”
“إن لم تكن تعرف شعورك، فمن يعرفه إذًا؟”
“لا أعلم. فقط…”
“هل فعلتُ شيئًا أزعجك؟”
“لا…”
إذًا لماذا تصرّفت هكذا؟
‘هل يمرّ بفترة مراهقة؟’
لا أتذكّر من مراهقتي شيئًا، فهل أمرّ بها مرّة أخرى؟
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"