أعرف أنَّ إيان ليس فتىً سيئًا. وقد سامحتُه بالفعل على ما حصل في الطّفولة.
لكن بعيدًا عن الخير والشر، شعرتُ فقط بالضّيق. أعلم أنّه ليس أحمقًا ليناديني رايلي أمام النّاس، لكن ما زال هناك شعورٌ غير مريح… لا، ليس تمامًا.
‘عندما التقيتُه قبل قليل، بدا أنّه…’
لم يتعرّف عليّ، أليس كذلك؟
وذلك ليس مستغربًا. فمنذ أن كنتُ أعيش في القبو، كنتُ أصبغ شعري باللون الأحمر.
حتى بعد دخولي برج السّحر، واصلنا التّواصل عبر الرّسائل، وحتى في اللّقاءات القليلة التي جمعتنا، كنتُ دائمًا بشعرٍ مصبوغ ونظّارات.
وحتى تلك المرّات لم تتجاوز مرّتين…
“ما بكِ؟”
“هاه؟”
“كنتِ على وشك إخباري بطبيعة علاقتكما.”
“آه، إنّه… صديقي. كان صديقي الوحيد.”
وهذا صحيح. فكلّ من كنتُ أظنّهم أصدقائي في عائلة فولكس قطعوا علاقتهم بي.
لذلك، لم يكن بوسعي أن أسمح بأن يُضرب من قِبل فيليون، لمجرّد أنّه ظهر بعد غيابٍ طويل. رغم كلّ المشاعر المختلطة، إلا أنَّ هذا ليس عدلًا.
“لا أنوي التّصرّف وكأنّني أعرفه. لقد انتهى كلّ شيء بشكل سيّئ. لم أتشاجر معه، فقط… الظروف كانت سيّئة، وافترقنا دون حتى وداع.”
“إذًا ربّما يُحيّيكِ بنفسه.”
“لا أظنّ ذلك، لأنّه…”
عدتُ بذاكرتي إلى ما حصل قبل قليل.
نظرتان فقط تبادلناهما حين دخل الغرفة ثمّ حين ألقينا التّحيّة. وخلالهما، ردّ فعله كان…
“يبدو أنّه لم يتعرّف عليّ.”
***
قالت ريكس بنبرةٍ واثقة:
“إذًا، وجود إيان لن يكون مزعجًا. الأمور ستظلّ كما هي.”
كانت كلماتها هادئة وخفيفة، بل وتحمل نبرة ارتياحٍ خفيّة.
أمّا فيليون، فقد بدا عليه الارتباك. يا للسماء.
‘كيف لشخصٍ مثلها أن لا يكون لديه سوى صديقٍ واحد؟’
ثمّ تذكّر بريدين. آه، لا بدّ أنّها تقصد في الماضي. لكنّه ظلّ يجد صعوبة في الفهم.
فأين يجد شخصًا طيّبًا مثل ريكس؟
كانت مبادرة، وذات إحساسٍ بالمسؤوليّة، وتعرف أشياء كثيرة مقارنةً بسنّها.
كان هناك من يبخل بالمعلومات، لكنّها كانت دائمًا تجيب على أسئلته حول السّحر. وإن كانت هناك نقاط غير واضحة، كانت تعود لتدرسها ثمّ تشرحها مجدّدًا.
بدت وكأنّها تستمتع بالحديث عن السّحر، وهذا في حدّ ذاته يجعلها لطيفة. وكان شغفها بعملها من نقاط قوّتها. فقلّ من تجد مَن يُخلص لشيءٍ بهذا الشّكل.
رغم أنّها تعيش بتقشّف بسبب الدّيون، إلّا أنّها لم تكن تتذمّر. وعندما يُعدّ لها فيليون العشاء، كانت تسأله دومًا عن كلفة المكوّنات وتدفع حقها.
وعندما تحدّق في أطباق الغسيل تُظهر انزعاجًا، وهذا مضحكٌ بعض الشّيء…
‘…لكن أسلوبها في الكلام فظٌّ قليلاً.’
هل يكون هذا هو السّبب؟
“ثمّ أنتَ تعرف أنَّ وليّ العهد وإيان صديقان. إن تعرّض إيان للهجوم، فلن يتركه وليّ العهد يمرّ مرور الكرام. سيقلب المدينة رأسًا على عقب بحثًا عن الفاعل.”
“….”
“وإن تمّ كشفك في خضمّ ذلك…”
توقّف فيليون عن التّفكير وبدأ يُنصت لها بانتباه. فقد كان فضوليًّا تجاه ما ستقوله لاحقًا. وإن تمّ كشفه، فماذا كانت ستفعل؟
“سأضطرّ إلى إنقاذك، وهذا مُتعب.”
وهكذا، اكتشف فيليون جانبًا آخر من جوانبها الإيجابيّة.
فما الضّير في أسلوب كلامها إن كانت وفيّةً بهذا الشّكل؟
“بإمكانكِ تركي.”
“هل نسيت اتفاقنا؟ لا يُمكن التّخلّي عن الأقارب.”
“هذا يحصل، حتى بين الأشقّاء. حين تصبح الأمور خطرة، يُضحّي أحدهم بالآخر.”
“رغم أنّني لا أملك إخوة، لكن إن كان لديّ، ما كنتُ لأفعل ذلك أبدًا… لماذا تضحك؟”
“لا شيء.”
أضاقت ريكس ما بين حاجبيها من ردّه الغامض، بينما ارتسمت ابتسامةٌ أوسع على شفتي فيليون. لماذا؟ لم يكن يعلم، لكنّه شعر بسعادةٍ غامرة.
“شكرًا لأنّكِ لم تتركني.”
بدت عبارته وكأنّها تنتمي إلى موقفٍ حدث بالفعل، لكنّه لم يُدرِك ذلك.
كما أنَّ ريكس لم تُعلّق. إذ كان لديها أمرٌ آخر أكثر إلحاحًا.
“إذًا، إيان؟ لن تلمسه، صحيح؟”
“مفهوم، لن أكسر عظامه.”
“تعدني بذلك؟”
هزّ رأسه، لكن ريكس ظلّت تشكّ في نيّته.
نظر إلى عينيها الضيّقتين، ثمّ مدّ خنصره فجأة.
تذكّر الأطفال وهم يربطون وعودهم بهذه الطّريقة، ففعلها بدافع المزاح. لكن ريكس، وبشكلٍ غير متوقّع، بادلت إصبعه بخنصرها وهزّته بخفّة.
لم يكن سوى ذلك، لكنّ تعبيرها بدا أكثر رضا.
‘بريئةٌ فعلًا.’
بالطّبع، هو لن يكسر عظام إيان هذه الليلة. فحديث ريكس منطقيّ.
لكن إن دعت الحاجة، فإنَّ فيليون مستعدٌّ للتصرّف في أيِّ لحظة.
ولديه ثقةٌ أنَّ لا وليّ العهد ولا ريكس سيتمكّنان من كشفه.
‘…لكن حين أراها تثق بي هكذا، أفكّر في التّراجع.’
لكن منذ مغادرته منزله، لم يتركه ذلك الشّعور السّيّء. وكان يظنّ أنَّ سببه إيان. فهو عنصرٌ غير متوقّع.
‘إن لاحظتُ أمرًا مريبًا، سأتصرّف فورًا.’
لكن أن تُصدّق وعدًا بخنصر؟ هذا ساذج جدًّا.
كيف كانت تُدير عملها بهذا السّذاجة؟ هل ديونها نتيجة التّلاعب؟ وهل أصدقاؤها الذين أعاروها المال فعلاً أصدقاء أم مجرّد مرابين؟
عليَّ أن أبقى إلى جانبها دومًا…
‘ما هذه التّفاهات؟’
طرد فيليون أفكاره بينما هي أبعدت يدها.
“اذهب إلى غرفتك الآن. علينا التّحضير للمغادرة.”
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى سمعا ضوضاء النّاس في الأسفل.
وعندما أطلّ على الدّرج، رأى إيان سرفل جالسًا بين الحاضرين. يبدو أنَّ رجال وليّ العهد بدأوا بالتّحدّث معه، مستعرضين سحرهم الاجتماعي المعتاد.
ثبت فيليون نظره على إيان، وبدأ يسترجع ما قالته ريكس عنه.
صديقها الوحيد. وافترقا بطريقةٍ سيّئة. ثمّ…
‘قالت إنّه لم يتعرّف عليها.’
عندها فقط، أدرك فيليون القاسم المشترك بينه وبين إيان.
كلاهما لم يتعرّفا على الشّخص نفسه.
‘ربّما هذا ما أزعج ريكس قبل قليل…’
ولِمَ لا؟ من لا ينزعج حين لا يتعرّف عليه صديقه الوحيد؟
وكذلك هو، ما زال…
“هاه…”
أمسك الدرابزين بقوّةٍ. فكرة أنّه فقد كلّ ذكرياته لم تكن كافية لتُريحه.
شعر بثقلٍ يُطبِق على قلبه.
لماذا استغرق هذا الإدراك وقتًا طويلًا؟
‘…لا بدّ أنّها جُرحت.’
ولو سألها، ستنكر، كما تفعل دائمًا. ألم تطلب منه مرّة، وهي تنزف، أن يُريها ذلك السّحر مرّة أخرى؟
‘عليّ أن أسترجع ذاكرتي، مهما كلّف الأمر.’
نزل يده عن الدّرابزين واتّجه إلى غرفته، وهو يعزم أمره بشدّة.
ولم يُدرك أنَّ فكرة إحياء دايل قد اختفت من ذهنهِ تمامًا.
***
ما أحضره إيان كان خبرًا سيّئًا بالفعل.
“تقول إنَّ عدد الوحوش ازداد؟”
“نعم. لهذا اقترح إيان استئجار المزيد من المرتزقة.”
بما أنَّ المدن القادمة أصغر، فقد قرّر التّوجّه إلى هنا قبل الموعد، ليبحث عن أشخاصٍ مناسبين.
“لكنّكم رفضتم، أليس كذلك؟”
“بلى. مهمّتنا يجب أن تظلّ سريّة قدر الإمكان.”
“وكم ازداد عدد الوحوش؟”
عندها، ضحك هاربر بسخرية.
“لا تقلقي، سنُوصلكِ إلى الموقع بأمان. لسنا عبثًا من صفوة من اختارهم وليّ العهد.”
لكنّي كنتُ أسأل لأقرّر إن كان عليّ التصرّف.
‘يبدو أنَّ الأمر لا يستدعي تدخّلي؟’
نوعًا ما، ارتحتُ. فأنا لا أريد أن أكون في مرمى نظر إيان.
‘عليّ فقط الحذر بشأن فيليون.’
حسب معرفتي، لم يلتقِ فيليون بإيان من قبل. لكن ربّما تقاطع طريقهما مرّة.
‘أحسنتُ بصنع تلك النّظّارات.’
ظللتُ أُراقب إيان بعناية.
عندما جمعنا أمتعتنا أمام النُّزل، عندما ركب كلٌّ منّا خيله، أثناء الرّحيل من المدينة، وحين توقّفنا في غابةٍ هادئة للاستراحة… أبقيتُ مسافةً دائمًا.
وبقيتُ ملاصقةً لفيليون.
أجل، كان هناك هدف “التحقّق من ثبات نظّارته”، لكن… كنتُ أستخدمه درعًا، أختبئ خلفه حين يلتفت إيان.
“هيه، اقترب قليلًا أكثر.”
“لماذا؟”
“…لأنّي لا أريد أن أراه.”
لحسن الحظ، لم يمانع فيليون استخدامي له كعمود.
“كنتِ ستفتقدينني لو لم أكن هنا، أليس كذلك؟”
“ما هذا الكلام…”
“سأرحل إذًا.”
“لا! كنتُ سأفتقدك! فعلًا، كدتُ أُفضح!”
“أرأيتِ؟”
كلّما حصل هذا، شعرتُ أنَّ الطّباع تحدّدها الفطرة لا الذّاكرة. ومع ذلك، فإنَّ استخدامه كان مريحًا جدًّا.
وبفضل هذا، لم يقترب منّي إيان قط، ولم نُواجه أيَّ وحوش.
وفي المدينة الثّالثة، الّتي وصلناها دون مشاكل …
عبستُ عندما رأيتُ الشّوارع مكتظّة بالناس.
لم يكن هناك نُزلٌ لا يعجّ بالنّزلاء.
رغم أنَّ المطر يهطل، إلّا أنَّ الوضع بدا مبالغًا فيه. حينها، اقترب منّا فريق برستون، الّذين سبقونا إلى المدينة.
وبينما كانوا ينفضون الماء عن أكتافهم، قالوا:
“تمّ رصد تحرّكٍ واسع النّطاق للوحوش أمام هذه المدينة. حتى التّجّار حُوصروا هنا.”
“عدد الغرف المتاحة أقلّ من المعتاد. يبدو أنّنا سننام على الأرض.”
“آه، السّاحرة لكِ غرفةٌ وحدكِ. هي الأصغر، لكن لا بأس بها.”
حتّى لو نمنا معًا، يمكنني وضع حاجزٍ حولي.
لكن لا داعي لرفض هذه المجاملة. فأومأتُ برأسي.
حينها، رأيتُ إيان يتحدّث مع وليّ العهد.
وما إن شعرتُ بشيءٍ غريب يمرّ في عنقي، حتى أمسكتُ بهاربر وسألت:
“فيل؟ في أيِّ غرفةٍ سيكون؟”
“فيل؟ سيبيت في الغرفة الصّغيرة.”
“كم عددهم؟ مَن أيضًا فيها؟”
فردّ هاربر أصابعه الأربعة، وذكر أسماءهم واحدًا تلو الآخر.
فيل. ليون. داميَن. ثمّ…
“السّيّد إيان.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 32"