قيل إنَّ الأربع جميعهنّ ساحرات، لكنّي لم أرَ منهنّ سوى ثلاث فقط.
الشقيقة الثانية، التي لم أَرَها، قيل إنّها قطعت علاقتها بالعائلة تمامًا بعد شجارٍ كبير مع الكونت فولكس ودخولها الأكاديمية.
لكن، أثناء زواجها من أحد نبلاء العائلات الأخرى، اضطُرّت إلى إعادة الاتصال بعائلتها، ومع أنّها لم تزر منزل الكونت، إلّا أنّها كانت تتبادل أخبارها مع شقيقاتها.
وكان إيان سيرفيل هو الابن البكر لتلك الشقيقة الثانية.
التقيتُ به للمرّة الأولى عندما زار عائلة فولكس بدعوةٍ من الكونت.
― “لماذا أنتِ في القبو؟”
كان الصبي يسألني من خلال نافذةٍ صغيرة بالكاد تُظهر العشب، وهو منبطح على الأرض.
لم أجب.
ليس لأنّي كنتُ حذرة، بل لأنَّ أطفال القبو لم يُسمح لهم بالتحدّث مع الآخرين دوّن إذن الكونت.
لذلك تجاهلتُه، وابتعد إيان بسرعة.
لكنّه ظهر في اليوم التالي مرّةً أخرى.
― “أحضرتُ هذا لكِ. هل ستُجيبين الآن؟ لماذا أنتِ هناك؟”
لم يكن يُسمح لي بالتحدّث مع الآخرين دوّن إذن.
لكنّ قطع البسكويت التي ناولني إيّاها من خلال النافذة كانت مغريةً للغاية.
تردّدت، ثم أخذتها في النهاية. وتحدّثت معه.
― “أنا أدرس السحر هنا.”
― “هل يجب أن تكون في القبو لتدرس السحر؟”
― “ليس بالضّرورة. غرفتنا فقط موجودةٌ تحت الأرض.”
― “غرفتكم؟”
― “هناك أطفالٌ مثلي هنا. جميعنا ندرس السحر.”
― “ألا يمكنكِ الخروج؟ أنا أشعر بالملل…”
― “لا. الكونت قال ألّا نخرج.”
― “سأطلب من خالي أن يسمح لكِ!”
صرختُ طالبًا منه ألّا يفعل، لكنّه لم يتوقّف. وبعد قليل، عاد ومعه الكونت فولكس.
ارتعدت ساقاي حينها.
لكنّ الكونت لم يُعاقبني، بل أخرجني من القبو وطلب منّي اللعب مع إيان، بل وجهّز لنا غرفة ألعاب أيضًا.
وحين أدركتُ أنَّ تلك الغرفة كانت ممتلئةً فقط بكتب السحر، فهمتُ نيّته.
كان يريد أن يجعل إيان يطمع بالسحر من خلال لقائي.
أراد أن يُعلّمه أشياء أكثر من شقيقته، ثمّ إذا رآه مناسبًا لمعاييره، كان ينوي أخذه منها.
وفعلًا، أُعجب إيان كثيرًا بكتب السحر الموجودة في الغرفة. وحين علم بأنّي قرأتها، طلب منّي أن أشرحها له.
لكنّي رفضتُ بصرامة.
― “لا يجب أن تتعلّم السحر هنا.”
― “لماذا لا؟”
― “……اسأل والدتك. ستشرح لكَ جيّدًا.”
حينها كنتُ أظنّ أنَّ والدة إيان تعرف أنَّ الكونت يُجري تجارب غير شرعيّة، خاصّةً أنَّ علاقتهما لم تكن جيّدة.
فإذا سألته عن السحر، ربّما تلاحظ شيئًا. لذلك قلتُ له ذلك.
لكنّ إيان، بكلّ براءة، ذهب وسأل الكونت مباشرة.
……ربّما لم تكن لديه نيّةٌ سيّئة. مجرّد سؤالٍ طفل بريء.
لكنّ الكونت غضب بشدّة، واضطررتُ لقضاء قرابة شهرٍ أعيش على رغيفٍ يابس يوميًّا.
اشتدّ العقاب أكثر من ذي قبل، ولم أخرج من القبو حتى غادرتُ إلى برج السحر.
التقيتُ إيان مجدّدًا في سن السادسة عشرة.
كنا في مهمّةٍ ضمن برج السحر، فالتقينا صدفةً. كان فرحًا جدًّا بلقائنا، بينما كنتُ أنا محرجةً فقط.
وبعدها، صار يُرسل لي رسالةً واحدة كل شهر.
حتى بعدما قطعت عائلة فولكس كلّ دعمٍ لي، استمرّ في التواصل معي. وبعتُ بعض هداياه الفاخرة لأتمكّن من العيش.
وفي سن السابعة عشرة، جاء إليّ ذات ليلة.
قال إنَّ والديه لا يعلمان بمجيئه، وأمسك بيدي متوسّلًا.
― “راييل، تعالي معي.”
― “سأحميكِ. لن يحدث ما حدث من قبل مجدّدًا. أعدكِ.”
لكنّي هززتُ رأسي.
― “لا يمكنني الذهاب معك، إيان.”
لو فعلتُ، لكان الكونت فولكس قد قتله.
ثمّ سيُطاردني حتى يجدني ويقتلني أيضًا.
كان ذلك الرجل من النوع الذي يريد السيطرة على كلّ شيء، ولا يسمح لأيِّ أمرٍ أن يخرج عن خطّته. وإذا أفسدتَ تلك الخطّة، فلن يُسامحك، حتى لو كنتَ من دمه.
― “سأبقى في برج السحر. سأدرس السحر، وسأجعل الجميع يعترفون بي يومًا ما.”
― “لكن…”
― “أعلم أنّه لا يبدو أمرًا جيّدًا، لكنّه ليس سيّئًا بالكامل. يمكنني هنا أن أتعلّم أقوى أنواع السحر في العالم، أليس كذلك؟”
إذا كان هناك سحر يمكنه هزيمة الكونت فولكس، فهو في هذا المكان. وكان الكونت يعلم أنّه طالما أنتمي للبرج، فلن يستطيع تجاهل نظرات رئيس البرج.
وأيضًا…
― “أنا لستُ بلا حيلة……”
إذا وقف فيليون إلى جانبي.
إذا أخبرَ كونت ديلاريك، ورئيس البرج، والآخرين عنّي، وساعدني في القضاء على الكونت فولكس.
حينها، سأصبح حرّة.
سأتحرّر من ذلك الرجل المرعب.
لن أضطرّ بعد الآن للقلق على حياتي. سآكل ثلاث وجباتٍ كلّ يوم، وأعيش في دفء الشمس، حياةٌ هادئة وسعيدة.
حتّى بعد مرور قرابة عامين على سخرية فيليون منّي، كنتُ ما أزال أُؤمن بذلك الأمل.
― “لا تقلق كثيرًا. سأفعلها، حتمًا.”
هدّأتُ إيان الذي كان على وشك البكاء، وطلبتُ منه أن يرحل. ومنذ ذلك الحين، لم أعد أردّ على رسائله. رغم وحدتي، تحمّلتُ وصبرتُ وواسيتُ نفسي.
― “نعم، سأفعلها. حتمًا.”
يا لغبائي.
***
رمشتُ بسرعة.
رغم أنّني استغرقتُ وقتًا طويلًا في تذكّر تلكَ الأحداث، فإنَّ الزمن في الواقع لم يكن قد مضى كثيرًا.
كان وليّ العهد، وتابعه المربك، وفيليون، لا يزالون بجانبي.
وإيان سيرفيل…
كان يلقي التحية على رجال وليّ العهد، ينظر إلى كلّ واحد في عينيه وهو يُحيّيهم، بدءًا من قائدهم هاربر.
وحين جاء دوري.
لم يتغيّر شيءٌ في إيان منذ آخر مرّةٍ رأيتُه فيها. صوته المنخفض واللطيف، عيناه المائلتان قليلًا، وابتسامته الوديّة، كلّها كما هي.
“أنتِ ساحرة، صحيح؟”
أومأتُ له برأسي بتوتّر.
“……أنا ريكس إيميل.”
ثمّ تجمّدتُ في مكاني.
ماذا لو تعرّف عليّ؟ ماذا لو أخبر وليّ العهد بهويّتي الحقيقيّة؟ ماذا سأفعل حينها؟
لكن، ما أقلقني أكثر من ذلك هو شعور الانزعاج العميق في قلبي. لأنّني كنتُ أتذكر أول لقاءٍ بيننا.
حين كنتُ في القبو أُحدّق فيه من تحت.
‘……لماذا لم أستطع الخروج من هناك بعد؟’
وفي تلك اللحظة، شعرتُ بيدٍ حذرة تلمس كتفي.
“رحلوا.”
رفعتُ رأسي، فكان وليّ العهد وإيان قد اختفيا.
حتى أتباع وليّ العهد عادوا لتناول طعامهم.
لكنّي لم أشعر بالرغبة في الانضمام إليهم مجدّدًا.
“سأصعد أولًا.”
وحين استعدتُ وعيي، كنتُ قد وصلتُ غرفتي بالفعل.
جلستُ على الأرض مستندةً إلى الحائط.
بدأ التنفّس يصعب عليّ. شعرتُ باضطرابٍ في طاقتي السحريّة.
‘الكونت فولكس مات. أنا حرّةٌ الآن.’
كان من الجيّد أنني لم أرفع رأسي بعد التحيّة. لو نظرتُ مجدّدًا إلى شعره الأحمر، تلك السمة الخاصّة بعائلة فولكس، لا أعرف ما الذي كنتُ سأفعله.
كلّ ما عليّ فعله هو التنفّس بعمق وتصفية ذهني. تنفّستُ بعمق مرّة أخرى.
وفي اللحظة التالية، دخل فيليون الغرفة.
“ريكس؟”
رآني على الفور، وركع على ركبةٍ واحدة واقترب منّي.
“هل أنتِ مريضة؟”
حين رأيتُ وجهه، عاد ماضٍ كنتُ قد كبتُه للتوّ.
لماذا؟
لماذا لم تساعدني؟
لماذا لم تقف إلى جانبي؟
كان لديك أصدقاء كثيرون، وكنتَ تختلط بالجميع دون تمييز في المكانة.
لقد حاولتُ جهدًا أن أتقرّب منك. ألم يكن بإمكانك أن تتركني فقط أكون ضمنهم؟ لماذا؟
لماذا أنا وحدي؟
“……فيليون.”
“نعم.”
“فيليون.”
شدّدتُ قبضتي على يده التي كانت تمسك بركبتي. كنتُ أُكبت الغضب في صدري وأحدّق فيه بينما أعضّ شفتي بقوّة.
وبعد لحظة، تنفّستُ بعمق.
“أنا بخير.”
لم تكن مجرّد كلماتٍ فارغة، بل كانت حقيقيّة. لقد نسيتُ كلّ ذكرياتي القديمة، بفضل فيليون.
وجهه الذي لم يفهم ما يجري ساعدني على الهدوء. وكأنّه يقول لي إنَّ الحاضر ليس كالماضي.
نعم، لو كان هذا في الماضي، لما نظر إليّ بتلك النظرات القلقة.
“لا يوجد شيءٌ يؤلمني. حقًّا.”
لوّحتُ بذراعي بخفّةٍ لأُريه أنّني بخير.
ربّتُّ على كتفه كي يطمئن، ثمّ وقفتُ، لكنّ ملامحه ازدادت تعقيدًا.
قال فجأة:
“إيان سيرفيل.”
“هاه؟”
“هل تعرفانه من قبل؟”
“……نعم.”
لم أستطع إنكار ذلك، فقد كنتُ واضحة الانزعاج.
رغم فضوله، لم يُتابع طرح الأسئلة. بدلًا من ذلك، راح يُفكّر وهو يربّت على ذقنه.
“فهمت.”
وحين همّ بالمغادرة، أمسكتُ به.
“أين… إلى أين تذهب؟”
“ذلك الرجل… آه، لا، ليس الآن. سأهتمّ بالأمر مساءً. لا تقلقي.”
“أيُّ أمر؟ وماذا تقصد بـ ‘فهمت’؟”
“ذلك الرجل يُزعجكِ، أليس كذلك؟”
حين أومأتُ برأسي ببطء، قال ببساطة:
“سأكسر له بعض العظام فحسب، حتى لا يتمكّن من مرافقتنا إلى الآثار.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 31"