“كنتُ سابقًا عضوًا إلى فرقة مرتزقةٍ ضخمة نوعًا ما. كان ذَلك قبل حوالي ثلاث سنوات.”
“آه، نعم.”
“كان هناك مرتزقةٌ ذوو خبرةٍ طويلة مثلي، ولكن كان هناك أيضًا الكثير مِن الشبّان المليئين بالحيوية. وكان أبرزهم هو بايون. لم يكُن عمره يتجاوز الثالثة والعشرين، لكنّ مهارته كانت فائقةً. والأهمّ مِن ذَلك أنّه…”
لوّح بأصابعه بخفّة أمام وجهه. وعندما رأيتُ تلكَ الإشارة، قلتُ:
“كان وسيمًا، أليس كذَلك؟”
“أجل. كان الرجال يشعرون بالكثير مِن الغيرة منه. ومِن الطبيعي أنْ يجذب اهتمام النساء.”
“وهل تسبب في انهيار فرقة المرتزقة بسبب ذَلك الرجل؟”
“لا، أبدًا. لقد دخل في علاقةٍ مع ساحرة، لكن ذَلك لَمْ يُسبّب أيَّ مشاكل. بل إنّه كان ينحني للرّفاق القدامى ويطلب منهم أنْ يُخبروه فورًا إنْ كانت علاقتُه بحبيبته تُزعجهم أو تُسبّب لهم أيَّ إزعاج.”
“هل فعل ذَلك استباقًا للشكاوى؟”
“لقد كان صادقًا. ونحن تقبّلنا صدقه على هَذا الأساس.”
“إذًا، هو شابٌّ طيّبٌ عاديّ، لا أكثر.”
“لكن بعد ذَلك، بدأ بايون يُبالغ في ملاحظة ردود أفعالنا. أخذ يبتعد عن حبيبته تدريجيًّا، إلى أنْ باتت العلاقة بينهما متوتّرة. لذا، قام قائد الفرقة بمواساتهِ قائلاً: لا تفرط في الأهتمام بنا. إنْ فعلت، فقد تبدأ مشاكل لَمْ تكُن موجودةً في الأصل.”
وعندها فقط أدركتُ لماذا سرد هيميل هَذهِ القصة الطويلة.
لقد التفت إليَّ بوجهٍ جادّ للغاية وقال:
“لذا، لا داعي لأن تهتمّا بي. لَن أسأل عمّا حدث. دعوا الأمر بينكما فقط.”
بعبارةٍ أخرى، كان ذَلك تصرّف هيميل بالأمس، عندما قال ‘لستُ فضوليًّا’. كانت لفتةً منه على غرار النصيحة، ألا نفسد علاقتنا كما فعل ذَلك الذي يُدعى بايون، بأنَّ نُفرط في القلق حيال مَن حولنا.
لكنّي لَمْ أستطع الابتسام برقةٍ كما فعل هيميل. لأنّني قلتُ:
“كم مرّةً يجبُ أنْ أقول إنّه لَمْ يحدث شيء! ما جرى البارحة كان مجرّد فحص! فحصٌ طبيٌّ فقط!”
“أجل، سأفترض أنّكِ ترينه كذَلك.”
كنتُ أرغب في الصراخ: ليس ‘أفترض’، بل هَذهِ هي الحقيقة بالفعل!
لكن للأسف، كنّا نسير في وسط المدينة. حتى أثناء الفحص قبل قليل، شعرتُ بنظراتٍ مِن الناس. ولو رفعتُ صوتي أكثر الآن، فلا شكّ أنّني سأتلقّى نظراتٍ باردة ومزعجة.
“ذاك الذي يُدعى بايون، أظنّه انفصل عن الساحرة في النهاية، أليس كذلك؟”
“أوه؟ كيف عرفتِ؟”
كيف عرفت؟ الأمر واضح. ألستَ تذكره الآن لأنّكَ تقلق مِن أنْ يحدث الأمر نفسه معنا!
“لَمْ يكُن بيني وبينه أيُّ شيء! لَمْ تكُن هناك علاقةٌ من الأساس!”
“همم، زوجتي أيضًا صرخت هَكذا في وجه والدها.”
“… عندما ضُبطت وهي برفقة هيميل سرًّا؟”
“أنتِ ذكيّةٌ بشكلٍ خارق اليوم.”
في الحياة السابقة، كان يُطلق على هِذا الوضع اسم ‘سؤالٌ بإجابةٍ مفروضة’.
هيميل كان قد اقتنع تمامًا في رأسه بأنّني أنا وفيليون قد أصبحنا زوجين. يا للسّخافة.
‘الوضع لَمْ يكُن خاليًا مِن سوء الفهم… لكن.’
كلّ ما في الأمر أنني شعرتُ بفضولٍ علميّ بحت كباحثة لا أكثر.
نحن نتحدث عن تلكَ اللعنة التي تقيّد فيليون إلفيرت. مِن الطبيعي أنْ أرغب في فحصها.
بل حتى لو لَمْ أكُن أنا، لكان أيُّ ساحرٍ مِن برج السّحر تصرّف بالمثل.
لكن بعد ذَلك، ومنذُ أنْ أوقفني فيليون، لم تكُن الأمور تحت سيطرتي.
حتى لو كان يريد إجابةً واضحة، لم يكُن مضطرًّا للإمساك بيدي بذَلك الشكل.
‘بسبب ذَلك، سبّب فقط المزيد مِن سوء الفهم لدى هيميل.’
وأنا أيضًا، شعرتُ بشيءٍ غريب. حين أتذكّر ما حصل، كأنَّ كفّي يتعرّق تلقائيًّا.
جيّد. أشعر أنّ صدري بات أخفّ الآن. فتوجّهتُ مباشرة إلى منزل دايل بخطًى سريعة.
فتحتُ الباب بقوّة، وتقدّمتُ نحو فيليون الذي كان جالسًا على الأريكة بكلّ راحة، وحدّقتُ فيهِ بنظرةٍ شرسة. ثمّ صرختُ:
“أين هو؟”
“ما هو؟”
“البحث. أين وضعتَه؟”
عندها رفع فليون كتفيه بخفّة.
“لا أعلم شيئًا إطلاقًا.”
“ماذا؟”
“سأُعدّ الغداء. لَمْ تتناولا الطعام بعد، أليس كذلك؟”
كنتُ أنوي الاستمرار في الضغط عليه، لكنّه دخل إلى المطبخ بسرعة قبل أنْ أتمكّن مِن الإمساك به. يبدو أنّه قرّر الهروب عمدًا.
“ما به؟”
أوراق البحث تلكَ هي وسيلتي للّقاء مُجددًا بحبيبه دايل! لَمْ يبقَ سوى شهر واحد فقط!
“أظنّه يقلقُ لأجلكِ.”
“لَن أموت، وحتى إنْ لَمْ أمت، لا أشعر بالكثير مِن الألم طالما أنَّ البحث بيدي. صحيحٌ أنَّ هناك بعض التعاويذ التي لَن أستطيع استخدامها، لكن بدلًا منها صرتُ أجيد التعاويذ العلاجية أكثر. ليست هُناك سلبيّاتٌ فقط.”
“حقًّا؟ وهل يُمكنكِ الاستغناء عن تلك التعاويذ القليلة تمامًا؟”
“… لا بأس.”
“تأخّرتِ قليلًا في الرّدّ، أليس كذلك؟”
على أيِّ حال، لقد أجبت، قُلتها متذمّرةً بصوتٍ خافت، فابتسم هيميل.
“فلنُقرّ بذَلك. ما يفعله الكلب الأسود يفيد الجميع. قد تعود ذاكرته أيضًا لاحقًا. ثمّ إنّكِ لا تزالين قادرةً على استخدام السّحر، أليس كذلك؟”
“لكن طاقتي السّحرية ضئيلةٌ جدًا.”
“وماذا عن حجر المانا؟ ألا يحلّ المشكلة؟”
لا، لا يُمكنه حلها.
صحيح أنَّ حجر المانا يحتوي على طاقةٍ سحرية مخزّنة. وصحيح أنّه يُستخدم كوقودٍ للأدوات السحرية.
لكنّه لا يُساعد إطلاقًا في استخدام السّحر مِن قبل السّحرة أنفسهم.
‘هو فقط يُعيق تنفيذ السّحر بسلاسة.’
كما قلتُ سابقًا، هناك عاملان يؤثّران على الطاقة السحرية: إرادة الساحر، وسحر الآخرين.
والطاقة الموجودة داخل حجر المانا تُعتبر أيضًا مِن ‘طاقة الآخرين’. فصاحب تلكَ الطاقة في الحقيقة هو الوحش الذي كان يحتوي الحجر في داخله.
حسنًا، رغم ذَلك، حاول الكثيرون استخدام حجر المانا بشتّى الطرق، وظهرت دراساتٌ عديدة… لكن للأسف، لَمْ تُسجَّل حالة نجاحٍ واحدة حتى الآن.
بل كانت هناك حالاتٌ تغيّرت فيها الطاقة السحرية أثناء التجربة وأصبح الساحر عاجزًا عن استخدام السحر إلى الأبد.
وبعد أنْ أنهيتُ شرحي، قال هيميل:
“إذًا يجبُ الانتظار حتى تستعيدي طاقتكِ السحرية.”
“نعم، والمشكلة أنّه لا أحد يعرف متى ستتعافى بما يكفي ‘للاستخدام الكافي’.”
بحسب الرواية الأصلية، قدرة فيليون على استعادة الطاقة كانت خارقة، لكن اللعنة التي تُعيق طاقته الآن لا تقلّ عن كائنٍ غامض وخطير.
لَن يكون الأمر سهلًا أبدًا.
‘إذا أردتُ إنقاذ بريدين بأسرع ما يُمكن، فلا بدّ أنْ أكون أنا مَن يُنهي الأمر.’
ويجب أنْ أعود سريعًا إلى القارّة الشرقية وأسدد ديوني. قبل كل شيء، أنا في هَذهِ المدينة شخصٌ يُفترض أنهُ مات بالفعل!
‘أين خبّأه يا ترى؟’
ضيّقتُ عينيّ وأنا أتفقّد أرجاء المنزل. ثم وقعت عيناي مُجددًا على فيليون وهو يعمل في المطبخ. رؤية مؤخرة رأسهِ المرتّبة بدأت تُثير غضبي شيئًا فَشيئًا.
أأستخدم السحر للسيطرة عليه؟ أم أدمّر المنزل كلّه بالسحر…!
“فلنتناول الطعام.”
… حسنًا، سأُفكّر بعد تناول الغداء.
***
بعد عدّة أيّام، أنا وهيميل توجّهنا إلى منزل البارون.
بطبيعة الحال، كنتُ أشعر بانزعاج شديد.
‘لَمْ تعثر على البحث، أليس كذلك؟ هل يبدو هَذا استفزازيًّا؟ ماذا لو قلت “لا داعي لأن تواصلوا البحث”؟ قد يبدو كأنني استسلمت.’
فكّرتُ أيضًا في قول الحقيقة، بأنني أنا مَن سرق البحث، لكنّ الرجلين منعاني مِن ذَلك.
‘أتمنى فقط ألّا يشعر البارون بالذنب الشديد…’
وفي الحقيقة، كانت ملامح البارون كروديس تبدو سيّئةً للغاية عندما التقينا بهِ بعد غيابٍ طويل. وعندما أخبرنا أنّه لَمْ يعثر على البحث، تنهّد بعمق.
ما العمل…؟ عضضتُ شفتَي مِن شعور بالذنب، لكن حينها قال:
“ذَلك… ما حصل لأصدقائكم.”
ما ذا حصل؟ هل يقصد التّحجّر؟
“بالصدفة… تحدّثتُ عن ذَلك لبعض الأشخاص.”
“نعم؟”
“آه، أقصد، كنتُ أريدُ المساعدة بأيِّ شكل. لَمْ أستطع العثور على البحث طوال عطلة نهاية الأسبوع، فبدأتُ أفتّش بين معارفي، محاولًا أنْ أربطكم بساحرٍ رفيع المستوى…”
لقد حاول فعلًا جاهدًا. عادت مشاعر الذنب تأكلني مِن الداخل.
“لكن الأمر… وصل إلى شخصيّةٌ عاليةٌ جدًّا.”
لكن حين سمعتُ تلكَ الكلمات، لَمْ يكُن الذنب ما شعرتُ به، بل القلق.
“شخصيّةٌ عالية؟”
“وقد أخذ الأمر على محمل الجد. هاهاها، كم كان كريمًا في استماعه…”
“……وماذا بعد؟”
“قال إنّه يريد مقابلتكما. أنْ يلتقي بكما شخصيًّا ويطرح بعض الأسئلة ويساعدكما.”
“ما مدى ‘علوّ’ هَذهِ الشخصيّة؟”
ما إنْ سألتُه ذَلك، حتى ازدادت ملامح البارون سوءًا، وبدأت عيناه ترتجفان بقلق.
وبعد لحظاتٍ مِن التردّد، نطق أخيرًا:
“الـ… والـ…”
“نعم؟”
“وليّ… العهد، صاحب السموّ.”
“هلّا كرّرت؟ ماذا قلتَ؟”
“بارون كروديس.”
ظهر رجلٌ غريب بهندامٍ أنيق في تلكَ اللحظة.
“صاحب السموّ، وليّ العهد، في انتظاركم.”
كان ذَلك التصريح هو الضربة القاضية في هَذا الموقف الفوضوي. وليّ العهد؟ ما الذي أتى بهِ إلى هنا؟!
‘هل لاحظ وجود فيليون في الأمر؟’
حتى وأنا مصدومة، كانت ساقاي تتحرّكان دوّن تردّد.
ماذا أفعل؟ إذا هربت، سيبدو وكأنّني أخفي شيئًا فعلًا.
“مِن هِذا الطريق، مِن فضلكما.”
وهَكذا، كان لقاؤنا الإجباريّ مع وليّ العهد…
‘وسيمٌ فعلًا.’
وكأنّه مأخوذٌ مِن إحدى الروايات. رغم أنّه مِن الغريب بعض الشيء رؤيته، لأنَّ وليّ العهد لَمْ يظهر أبدًا في الرواية الأصلية.
صحيح أنّه ذُكر عدّة مرّات، قيل إنّه ذكيٌّ للغاية، وأنيق، ومهذّب، رجلٌ مثاليّ تمامًا. وكان أيضًا على علاقةٍ طيبة بالإمبراطور.
‘ولهِذا اعتاد الناس مقارنة فيليون به، مَن الأفضل؟’
وكان فيليون دائمًا الفائز. لماذا؟ لأنَّ أغلب الشخصيات في الرواية كانوا مِن برج السّحر.
حتى الكونت فولكس، لو سُئل عن رأيه، لاختار فيليون فورًا. فهو لا يُقدّر مِن لا يُجيد السّحر أصلًا.
ذَلك الفارق الذي كان يُسجّله ضد فيليون دوّن أنْ يدري، لا بدّ أنّه تراكم كما حصل معي. أوه، فجأةً أشعر بتعاطف معه.
“ريكس إيميل.”
حتى صوت وليّ العهد كان جميلًا.
عندما انحنيتُ له، رسمت عيناه الزرقاوان ابتسامةً هادئة تحت خصلاتٍ ذهبية ناعمة.
“هيميل راندولف… هَذا الاسم غير موجودٍ في القائمة. د أصدقائه؟”
“كنتُ أتساءل عن سبب انقطاع تواصلي معها. ظننتُ أنّها تهرّبت مِن المهمّة. ظللتُ أبحث عنها شهرًا كاملًا.”
“عفوًا؟”
“أوه، يبدو أنّها لَمْ تُخبركِ إذًا.”
رغم أنني لَمْ أتوقف عن قول ‘عفوًا؟’ كالأحمق، لَمْ يعبس وليّ العهد في وجهي، بل قال بنبرةٍ لطيفة وحنونة:
“كنا قد اتّفقتما أنتِ وبريدين سيفير على تنفيذ مهمةٍ الشهر المقبل، أليس كذلك؟”
“هَذا صحيح، لكن…”
“كانت المهمة تتعلّق باستكشاف إحدى مناطق الإمبراطورية.”
“نعم، هَذا صحيح أيضًا، ولكن…”
ثم أشار إلى نفسهٍ بابتسامةٍ مهذّبة.
“أنا هو صاحب تلكَ المهمّة.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 25"