الفصل 24 :
مَن هَذا؟ مَن يكون بحقّ الجحيم؟ وأين يعيش؟
هل هو مَن برج السّحرة؟ تبًّا، هل كان هناك شخصٌ بهَذهِ العظمة في البرج؟
هل يجبُ أنْ أركض فورًا إلى البرج؟ لكن كيف سأعرف مَن الذي هزم فيليون هناك؟
كان الأمر يجرح كرامتي. كانت مشاعري تغلي لدرجة أنني لَمْ أستطع الكلام.
فكرةُ أنَّ هزيمة فيليون لَمْ تكُن مستحيلة تمامًا، فاجأتني، لكنّ الغضب كان أكبر.
‘كنتُ أريدُ أن أكون أنا مَن يُنجز ذَلك…!’
وشعرتُ بالخزي أيضًا. كنتُ أظنّ أنّني سأكون خليفة برج السّحرة في حال اختفاء فيليون، لكن تبيّن أنَّ هُناك مَن هو أعظم منّي. لقد كان أمرًا مُخزيًا بحقّ.
كنتُ أغبط مَن هزمه.
وفكّرتُ: لو كان هُناك شخصٌ كهَذا، لماذا لَمْ يُلمّح لي أحد بذلك؟
ندمتُ لأنّني لَمْ أدرس بجهد أكبر…
لا، حتّى لو كنتُ أنا مَن انتصر، لما زرعتُ شيئًا شبيهًا بلعنة، لكن مع ذَلك…
‘كنتُ أريد أنْ أُنجز ذَلك بنفسي…’
عضضتُ شفتَي السفلى بقوّة وأنا أحاول ابتلاع مشاعري التي تصاعدت فجأةً.
لقد كرّستُ حياتي للسّحر.
رغم أنّني لَمْ أشعر دائمًا بالرضا عن إنجازاتي، ورغم أنّني عانيتُ في مواقفٍ استعصت عليَّ فيها الإجابة، ورغم أنّني عرفتُ أنّني أُعاني في خدمة الكونت فولكس بسبب السّحر، إلّا أنّني لَمْ أُهمله.
لأنّني أحببتُ السّحر بصدق.
لذَلك، تحمّلتُ إهمال فيليون لي.
كنتُ أكره جدار التفوّق الساحق الذي لم أستطع تجاوزه،
لكنّني اتّخذتُه هدفًا لي، وواصلتُ أيّامي بإخلاص.
كنتُ أطمحُ إلى المتعة التي ستأتي بعد أنْ أتفوّق عليه، واستمتعتُ بالرحلة نحو ذَلك.
نعم، في النّهاية لَمْ أتمكّن مِن التغلّب عليه.
والهروب كان قراري.
لكن، مع ذَلك…
“أنا…”
“رـ، ريكس؟”
“هاه… لماذا؟ لماذا؟!”
وسط دوّامةٍ مِن المشاعر المُعقّدة، عضضتُ شفتي بقوّة.
كان هناك دفءٌ يلفّ كتفي، لكن لَمْ أكُن في حالةٍ تسمح لي بأن أولي ذَلك أيَّ اهتمام.
***
فيليون ابتلع أنفاسه وسط الحيرة.
‘هل… هل تبكي؟’
لَمْ يكُن يرى عينيها لأنّها كانت تُخفي وجهها بين خصلات شعرها، ويداها كانتا مغطاتين بقميصٍ ملوّث بالدم، فلا تظهران بوضوح.
لكنّ شهقاتها المتسرّبة مِن بين شفتيها المعضوضتين وارتعاش كتفيها الخفيف، كلّها كانت تدلّ على أنَّ مشاعرها مضطربةٌ بشدّة.
لماذا؟ تقول لماذا؟
أنا مَن أريد أن أسأل. لماذا؟
‘هل لأنّني تأذّيت؟’
لا، لا. هَذا بعيدٌ جدًّا. مجرد وهمٍ مِن وحيّ الخيال.
لكن، لا أجد تفسيرًا آخر غير هَذا. أفكاري كانت تنجرفُ نحو ذَلك باستمرار.
وجدتُ يدي تتحرّكان مِن تلقاء نفسي لتحتضنا كتفيها.
‘كيف أُواسيها؟’
تردّدتُ وسط الارتباك.
“فيليون.”
نظرتْ إليّ.
ولحُسن الحظ، لَمْ تكُن هناك دموع.
لَمْ أكُن أعير دموع الآخرين اهتمامًا يومًا، لكنّني شعرتُ أنَّ هَذا مُطمئن بطريقةٍ ما.
حين التقت أعيننا مجددًا، بدت ريكس غاضبة.
عيناها الخضراوان تومضان وكأنًّ نارًا اشتعلت فيهما.
“دعني أراه مرّةً أخرى.”
فجأةً، مدّت ريكس يدها نحوي بسرعة.
ولو كنتُ أبطأت في الإمساك بها قليلًا، لكانت يدها وصلت إلى صدري مباشرةً.
“لحظة! ماذا تقصدين بالرّؤية؟”
“بالطّبع اللعنة!”
“تُريدين رؤيتها مُجددًا؟! هل فقدتِ عقلكِ؟”
رغم ما قالته، ظلّ الصراع الجسديّ قائمًا.
“لا، عقلي حاضرٌ تمامًا! أنا في قمة التركيز! لذَلك أُريد أنْ أراها مِن جديد!”
ريكس استخدمت يدها اليسرى أيضًا وكأنّها على وشك الانقضاض عليّ.
ولو كان الفرق في القوّة أكبر قليلًا، لوقعتُ على ظهري بالفعل.
“مستحيل.”
“لِماذا؟!”
“ألا تعلمين السبب؟ ألا ترين هَذا الدم؟!”
“لَمْ أكُن أعرف بوجود هَذا مِن قبل! لكن يُمكنني أنْ أُمعن النّظر بحذر!”
“لا حاجة لذَلك! رغم وجود هَذا الشيء، كنتُ بخيرٍ طوال الوقت، ولا أشعر بشيءٍ الآن أيضًا. فلماذا…”
“لأنّني أُريد أنْ أعرف!”
صرخت ريكس وهي مُمسكةٌ بكلتا يديها.
“سأعرف مَن فعل هَذا، وكيف فعله! لا بدّ مِن ذَلك!”
كانت لا تزال تغلي مِن الغضب.
عيناها المائلتان للأعلى جعلتا ملامحها تبدو أكثر حدّة.
لكن لَمْ أكره ذَلك.
بل شعرتُ بالفضول.
هل سبب غضبها الآن هو…
“وإنْ عرفتِ؟ ما الذي ستفعلينه بعد ذَلك؟”
“إنْ عرفتُ؟”
في تلكَ اللحظة، خفّت قوّتها قليلًا.
رغم أنَّ ملامحها بدت وكأنّها قد شعرت بوخزةٍ في قلبها، إلّا أنّها مرّت بسرعةٍ كبيرة بحيث لَمْ يستطع فيليون ملاحظتها.
ريكس ظلّت صامتة، تنظر للأسفل شاردةً في أفكارها، ثمّ بعد لحظة، رفعت رأسها وقالت:
“أنتَ، تُريد إزالة اللعنة… صحيح؟”
يا له من…
‘إلى أيِّ حدٍّ كانت تُحبّني؟’
لقد تحوّلت كلّ الشكوك التي راودته لمدّةٍ طويلة إلى يقينٍ في تلكَ اللحظة. لَمْ يكُن وهمًا نابعًا مِن وحيّ الخيال.
لا يُوجد أحدٌ لا يحبّ شخصًا، ويُحاول رغم ذَلك أنٌ يعرف عن اللعنة التي في جسده وهو ينزف دمه في سبيل ذَلك.
بل انظر إليها الآن.
“بـ، بالطبع! أليس هَذا طبيعيًّا؟”
كانت مرتبكةً لدرجة أنّها بدأت تتلعثم.
“لهًذا فقط، دعني أراها مرّةً أخرى، أرجوك؟”
“مستحيل.”
“لِماذا!”
كانت كميّة الدم التي التصقت بالقميص كبيرةً جدًّا.
صحيح أنَّ فيليون كان هو الآخر يشعر بالفضولٍ بشأن طبيعة اللعنة، لكنّه لَمْ يُرد أنْ يراها تنزف أكثر مِن ذلك.
إنْ حصل ذَلك، فرُبّما لَن يستطيع حتّى التنفّس مِن شدّة الشعور بالذنب.
ففي الماضي، هو مَن اختار رايلي فولكس بدلًا مِن ريكس.
ورغم أنّه انتهى بهِ المطاف كمجرم حين حاول إحياء رايلي فولكس، لَمْ تتخلَّ عنه ريكس أبدًا.
لا يُهمّ ما يقوله الآخرون، المهمّ ألا يجعلها تتألّم أكثر. هَذا ما لا يمكنه السماح به.
“مستحيلٌ تمامًا. يجب أنْ ترتاحي اليوم.”
“اليوم؟ إذًا هل يُمكنني غدًا؟”
كان فيليون على وشك أنْ يرفض بحزم، لكنّه توقّف فجأةً.
لأنّ نظرات ريكس التي كانت تُحدّق به، كانت مليئةً بالتوقّع.
أين ذهبت تلكَ التي كانت تنزف قبل لحظات؟
وجهها كان متوهّجًا بالحيويّة والعزيمة، وكأنّها فنّانةٌ وجدت مادّةً جديدة لتُبدع بها.
عندها أدرك الأمر.
ريكس، أبدًا لَن تتراجع بهَذهِ السهولة.
وإذا أصرّ على الرفض بشدّة، فستفقد صبرها يومًا ما، وقد تستخدم السّحر لتقييده بنفسها.
بالطبع، إنْ فعلت ذَلك فستؤذي جسدها أكثر.
‘هي طيّبةٌ بهَذا الشكل… ماذا عساي أفعل معها؟’
تنفّس فيليون بعمق مجدّدًا.
“سأقرّر بناءً على حالتكِ غدًا.”
بالطبع كان ينوي المُماطلة ورفض الأمر بطريقةٍ ما غدًا أيضًا،
لكن ترك القليل مٍن الأمل بهَذهِ الطريقة، رُبّما يمنعها مِن الاندفاع بجنون نحوه.
“ولا تجرّبي مراقبتي خلسةً وأنا نائم. مفهوم؟”
“…..”
“لا تُنكرين حتّى؟”
شدّ فيليون قبضته أكثر.
واستغلّ لحظة ارتباكها ليشبك أصابع يده بأصابع يدها فجأة.
“يا… لماذا تفعل هَذا؟!”
“اعدِيني.”
أخيرًا بدأ يثق بها.
ولَمْ يُرد أنْ يشكّ بها أكثر.
عندما سمع في السابق عن أنَّ تغيير طبيعة الجسد السّحري يتطلّب المُخاطرةً بالحياة، شعر حينها بقلقٍ عميق، ولا يُريد أنْ يشعر بذَلك مُجددًا.
أراد أنْ يثق بها بالكامل.
“لَن أترككِ تذهبين قبل أنْ تُقسمي.”
لكنّه، مِن ناحيةٍ أخرى، كان يشعرُ بالضيق أيضًا.
فهو يُفكّر بسلامتها، فلماذا تُصرّ بهَذا العناد؟
ليس لأنّه يكرهها بالطبع.
“حسنًا. إنْ لَمْ أُزعجكَ أثناء نومكَ، فلا بأس، صحيح؟”
“كلّ شيء ممنوعٌ دوّن إذني.”
“يا لكَ مِن بخيل. ألِن يستهلكَ النظر شيئًا؟”
“ليس نظرًا، بل لمسًا. وأنتِ تعرف أنَّ لمس الآخرين دوّن موافقتهم يُعدّ تحرّشًا، أليس كذلك؟”
عيناها ارتجفتا فجأة.
يبدو أنّها لَمْ تُفكّر في الأمر بهَذهِ الطريقة قطّ، فقد احمرّ وجهُها بالكامل.
“… فهمتُ. لَن أفعل.”
رغم أنّها قالت ذَلك بصوتٍ منخفض وعينين خفيضتين،
إلّا أنّه شعر هَذهِ المرّة بأنّها كانت صادقةً بالفعل.
لكن، رغم أنّه حصل على الوعد الذي أراده، كان مِن الغريب أنَّ فيليون لَمْ يُرِد أنْ يُفلت يدها.
فقط ظلّ يُحدّق بوجهها الذي صار أحمر اللون.
وفجأةً، فتح فمه ليتكلّم.
“ريكس، هل مِن المُمكن أنّكِ…”
فُتح الباب فجأةً.
كان القادم هو هيميل.
ولأنّ الباب الأمامي وغرفة الجلوس لَمْ يكُن بينهما شيء،
فقد تمكّن مِن رؤية الاثنين دوّن أيِّ صعوبة.
وسط صمتٍ ثقيل، بدأت نظرات هيميل تتحرّك.
نظر أولًا إلى وجه ريكس المُحمرّ بالكامل، ثم إلى كتفيها المتجمّدين، ثم إلى يديهما المتشابكتين.
وحين وصلت نظرته إلى جسد فيليون العلوي الذي لَمْ يكُن مغطّى بأيِّ شيء…
“عدتُ لأنّني شعرتُ بالقلق…”
“…..”
“كان تصرّفًا بلا معنى، آسفٌ على الإزعاج.”
طَرق.
أغلق الباب الأماميّ بصوتٍ خافت.
استعادت ريكس وعيّها عندما أعاد هيميل فتح الباب وأطلّ برأسهِ مجددًا.
“في المرّة القادمة، هلّا أحكمتِ إغلاق الباب؟ بصراحة، لا يهمّني هَذا النوع مِن المواقف…”
“ليس كما تظنّ!!”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات