رغم أنَّ قلبي كان ينبض بجنون منِ الذعر، استطعتُ الحفاظ على رباطة جأشي لأنَّ حرارة جسده كانت مرتفعةً بشكلٍ غريب.
وكان صوت تنفّسهِ… كما لو أنَّ أحدًا يخنقه. شهقاتُه اللاهثة ملأت أذنيّ. حالته لَمْ تكُن طبيعيّة، فأردتُ أنْ أرى وجهه بوضوح.
“آه، ما هَذا الثقل!”
لَمْ أستطع التحمّل أكثر، فطلبتُ المساعدة مِن حولي، ولحُسن الحظ، ساعدني بعض الأشخاص اللّطفاء، وبذَلك نجوتُ مِن الموت سحقًا تحته.
رغم أنَّ ثلاثة رجالٍ أقوياء بالكاد استطاعوا إجلاسه على المقعد، فإنَّ فيليون لَمْ يستعد وعيه.
تنهّدتُ وأنا أنظر إلى عينيه المغمضتين تمامًا.
“حقًّا، لا يكفّ عن المشاكل…”
***
قال الطبيب بوجه جاد:
“إنّه نقصٌ في النوم.”
“لكن هل يُمكن لشخصٍ أنْ ينهار فجأةً في الشارع لهَذا السبب؟”
“الأمر ليس نادر الحدوث.”
“كانت حرارتُه مرتفعة، وكان يتنفّس بصعوبة.”
“عندما نظرتُ إليه قبل قليل، بدا بخير.”
“هَذا صحيح، لكن…”
“ألا تظنّين أنَّ هناك سببًا آخر؟ كأن يكون تعرّض لصدمةٍ نفسيّةٍ كبيرة مثلًا؟”
“في الواقع… لقد فقد ذاكرته.”
“هممم، رُبما تذكّر أمرًا قديمًا إذًا.”
نعم، كانت الأجواء توحي بذَلك فعلًا. حتى كلماته قبل أنْ ينهار.
ـ أنا، في ذَلك الوقت…
ليتَهُ أكمل الجملة، لكن مهما هززته، لَمْ يستفق.
لحُسن الحظ، الرجال الثلاثة الذين ساعدوني كانوا طيّبين جدًّا، حتى أنّهم اقترحوا نقله على نقالة مِن النماذج المُعدّة للفعاليات. لذَلك بدا أنْ نقله إلى المستشفى هو الخيار الأفضل. لا يُمكنني تركه هُناك وهو في تلك الحالة.
‘مِن المؤكّد أنَّ شيئًا ما عاد إلى ذاكرته.’
كنتُ متوتّرة. أخيرًا، لقد وصلنا إلى هَذهِ اللّحظة. أشعر بأنَّ يدي تتعرّقان.
لكنّني لَمْ أكُن أنوي الهرب، لذا حتى بعد أنْ تركتُ الطبيب، لَمْ أتوقّف عن المشي. تقدّمتُ في الممر بثبات، وفتحتُ باب غرفة فيليون في المستشفى.
كان وجهه على السرير يبدو عاديًّا، كما لو أنَّ شيئًا لَمْ يحدث.
“كم مرّ مِن الوقت؟”
“حوالي عشر دقائق؟ لَمْ تنم كثيرًا.”
جلستُ على الكرسي بجانب السرير وأنا أراقبه.
كنتُ أتوقّع أن ينهض ويصرخ في وجهي “رايلي فولكس!” وربّما يمسك بياقتي، لكن بما أنّه لَمْ يُدمّر المستشفى، فهَذا جيّد.
“هل تفعل شيئًا ما ليلًا؟”
“عفوا؟”
“قيل إنّكَ تُعاني مِن نقصٍ في النوم. ماذا تفعل طوال الليل؟”
في الواقع، لَمْ أكُن مهتمّة كثيرًا. فقط شعرتُ أنّه مِن الوقاحة أنْ أسأله مباشرة إنْ كانت الذكريات قد عادت إليه، لذَلك طرحتُ هَذا السؤال بدلًا منه.
لكنّ ملامحه تجمّدت فجأةً، وكأنّه تلقّى سؤالًا ثقيلًا، ثمّ استدار بعيدًا، وبعد تفكير طويل، قال:
“سمعتُ أنّني لَن أستطيع الفوز حتى لو متُّ وعدتُ إلى الحياة.”
“هل كنتَ ترتجف طوال الليل لأنّكَ خفتَ أنْ أهزمك، أنت، فيليون إلفيرت؟”
“تبدين مبالغةً في التّعبير.”
“لكنّ المعنى هو نفسه.”
ثمّ قال بصوتٍ منخفض:
“يُمكنني القلق، أليس كذلك…”
إنْ لم أكن قد سمعتُ خطأ، فقد كان صوته يحمل بعض العتاب. ورغم أنَّ وجهه لَمْ يكُن ظاهرًا، فإنَّ طرف أذنه بدا محمرًّا قليلًا. ردّة فعل لَمْ أرَها مِن قبل.
لكن هَذا ليس المهمّ الآن.
فيليون إلفيرت… يخافُ منّي.
‘هو يخاف مِن رايلي فولكس!’
لو تأخّرتُ لحظةً في تغطية فمي، لانفجرتُ ضاحكة.
صراحة، فكّرتُ للحظة في السّخرية منه بلا رحمة، لكنّي عضضتُ شفتي بقوّةٍ لأتراجع.
فأنا، بخلاف فيليون إلفيرت، إنسانةٌ تُراعي الآخرين. لا يجب أنْ أسخر مِن مريض.
كان يجب أنْ أكون ناضجةً وأتمالك نفسي، لكنّ زوايا فمي أبت أنْ تهدأ. كانت تصرافتُه مضحكةً للغاية. وأيضًا…
‘مختلفة.’
لو كان فيليون الذي أعرفه، لَما اعترف بذَلك حتى لو وُضِع سيفٌ على رقبته. كان سينكر كلّ شيء، حتّى نقص النوم. سيقول إنَّ الطبيب مجرّد محتال.
هل فقدان الذّاكرة يغيّر الإنسان إلى هَذا الحد؟ أم أنَّ شخصيّته تغيّرت بالكامل بعد أنْ طارت منه عشرون سنة مِن الذكريات؟
… لو كان هَكذا في الماضي، لَكان الأمر أفضل.
“فيليون. قلتُ هَذا مِن قبل، وسأكرّره الآن.”
نظرتُ إلى مؤخرة رأسه، التي ما زالت مُدارةً عنّي، وتحدّثتُ بألطف نبرةٍ ممكنة.
“أنا لَن أؤذيكَ أبدًا.”
لأنّك، حين تستعيد ذاكرتك، ستردّ لي الصاع ألف مرّة.
“أنا لا أُهاجم أحدًا فجأة. حتّى لو أردتُ القتال معك في المستقبل، فلَن أفعل ذَلك بهَذهِ الطريقة أبدًا.”
فكلّ معاركنا الـ 153 كانت رسميّة. وإنْ أردنا القتال لاحقًا، فلتكن معركةً رسميّةً أخرى. وإلّا قد لا يعترف بها لاحقًا.
“حتى اليوم، رأيتَ كيف جلبتُك بلُطفٍ إلى المستشفى.”
حينها، حرّك فيليون عينيه فقط لينظر إليّ. فابتسمتُ له.
“هل هَذا كلّ ما كنتَ تفعله ليلًا؟ تنتظر قدومي؟”
“كنتُ أفكّر فيما سيأتي أيضًا. وخطرت ببالي فكرة: كم كان الأمر أسهل عندما كانت السيّدة موجودة… لَمْ أكُن بحاجةٍ للتفكير، فقط أتّبع الأوامر.”
“هَذا لا يُشبه فيليون الذي أعرفه. في الماضي، كنتَ تتعمّد التوغّل في أصعب البحوث، وتقول إنّكَ أنهيتها في يومٍ واحد. كم كان ذَلك مزعجًا.”
“ربّما لَمْ تكُن صعبةً فعلًا.”
هَذا الوغد…
“أو أنَّ المشاكل الأخرى كانت أكثر تعقيدًا، فجعلتْ أبحاث السحر تبدو بسيطةً وممتعة.”
قد يكون ذَلك صحيحًا. على كلّ حال، كان وريثًا، لذا لا بدّ أنّه اضطرّ لدراسة أشياءٍ كثيرة. وكان على خلافٍ دائم مع إخوته أيضًا.
“أممم… قد يكون هَذا مجرّد وهم، لكن…”
“نعم؟”
“أنتَ، لَمْ تَعُد تنكر أنّكَ فيليون، أليس كذلك؟”
لَمْ يُجب فيليون. لكن العبوس الشديد في ملامحه لَمْ يكُن بحاجةٍ إلى كلمات.
“حين رأيتُ اسمها منقوشًا تحت التمثال قبل قليل، شعرتُ فجأةً بغضبٍ عارم. لَمْ يسبق لي أنْ غضبتُ إلى هَذا الحدّ في حياتي. رغم أنّي لا أملك ذكريات، كنتُ واثقًا تمامًا. على الأرجح…”
“….”
“على الأرجح… كنتُ أكرهها إلى درجةٍ أردتُ قتلها.”
“….”
“ولَمْ نكن حبيبين. أنا متأكّدٌ مِن ذَلك.”
صحيح، لَمْ نكُن كذلك. ولا حتى قريبين مِن ذَلك. لذا لا داعي للشعور بالصدمة.
لكن ما فاجأني الآن هو…
“وماذا عنّي؟ ألا تتذكّرني؟”
“….”
“ما زلتَ… لا تتذكّرني؟”
فكّر قليلًا، ثمّ هزّ رأسه.
“لا أعلم. لا أتذكّركِ. ولا اسم ‘ريكس إيميل’ أيضًا.”
راقبتُه بدقّة، متسائلةً إنْ كان يكذب ليسخر منّي. لكن لَمْ يكُن هناك ما يوحي بذَلك.
خفضتُ رأسي وأنا أحاول ترتيب أفكاري.
بمعنى آخر، فيليون لا يتذكّرني حقًّا.
وبشكلٍ أدقّ، لا يعرف وجه ‘رايلي فولكس’.
وبالنظر إلى ما قاله، فهَذا ربّما أفضل سيناريو ممكن. كيف يُمكنه التعاون مع شخصٍ يكرهه إلى درجة الموت؟
لو علم أنّني رايلي فولكس…
“ريكس؟”
“آه، نعم؟”
حين رفعتُ بصري، كان فيليون قد اقترب منّي كثيرًا.
“…هل شعرتِ بخيبة أمل؟”
هززتُ رأسي بسرعة.
“لا! أبدًا!”
“لكن…”
“لا بأس إنْ لَمْ تتذكّر! لا تهتمّ! أنا، أممم، أنا فقط…”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 14"