“بفضل تضحية تلكَ السيدة، نحيا الآن حياة هادئة. في البداية، كنا ننوي إحياء ذكراها في يوم وفاتها… لكن لم يُعلَن عن تاريخ وفاتها بدقّة.”
“…….”
“لذَلك قررنا أن نُحيي يوم ميلادها بدلًا مِن ذَلك. وبما أنّه عيد ميلاد، تغيّر الشكل مِن جنازةٍ إلى حفلة. أصبح لدينا سببٌ للشرب والمرح، لذا الناس يحبّونه.”
لَمْ يَخلُ الأمر مِن حفلات عيد الميلاد في حياتي.
منذ أنْ حصلتُ على المركز الأول في تدريب البرج السحري، أيِّ في السنة التي التحقتُ بها بالبرج. كان الكونت فولكس يحتفل بعيد ميلادي كلّ عامٍ بلا انقطاع. كانت الهدايا التي يرسلها أفراد العائلة تملأ الغرفة.
ثمّ انقطع كلّ شيء عندما بلغتُ السابعة عشرة. كان ذَلك تقريبًا عندما سجلتُ الهزيمة الخامسة والخمسين أمام فيليون.
بعدها، بدأتُ أتعمد نسيانه. حتى بعد انتقالي إلى القارة الشرقية، لَمْ أحتفل به.
لكن، في مكان مثل هَذا…
“كان هناك مَن تذكّر عيد ميلادي، إذًا.”
“نعم؟”
“آه، لا. فقط، كنتُ أتساءل كيف عُرِف الأمر.”
عندها، نظرت المرأة مِن حولها، ثم اقتربت منّي وهمست بصوتٍ منخفض:
“يبدو أنًّ فيليون إلفيرت هو مَن أخبرهم.”
كان صوتها حذرًا، وكأنها تخشى أنْ يسمع أحدهم ما قالت. يبدو أنَّ حتى مجرّد ذكر فيليون أصبح أمرًا حساسًا. لحظة جعلتني أعيّ ذَلك مِن جديد.
لكن ما كان يزعجني أكثر…
“فيليون هو مَن أخبرهم؟”
“في الحقيقة، الناس سألوا، والبرج هو مَن أجاب.”
“وليس أفراد عائلة الكونت فولكس؟”
“سحرة عائلة الكونت فولكس سُجنوا جميعًا تقريبًا بعد إعدام الكونت. يبدو أنّهم وجدوا صعوبةً في تمييز مَن شارك في مؤامرته ومَن لَمْ يُشارك.”
“…….”
“أما السحرة الذين لَمْ يُسجنوا، فلَمْ تكُن لهم علاقةٌ وثيقة مع الآنسة رايلي…”
بمعنى آخر، السحرة الذين كنتُ أعرفهم مِن عائلة فولكس، جميعهم قد اعتُقِلوا.
في الواقع، علاقتهم بي كانت على الأرجح بأمرٍ مِن الكونت فولكس. أولئكَ المخلصون له لا بدّ أنّهم ساعدوه في استدعاء ملك الشياطين.
“لذا، الشخص الوحيد الذي كان يعرف عيد ميلادها هو فيليون إلفيرت.”
كان يعرف… عيد ميلادي.
‘أنا لا أعرف حتى تاريخ ميلاده.’
نظرتُ إليه خلسة، فوجدته قد أدار رأسه ينظر إلى جهةٍ أخرى. لا بدّ أنّه سمع حديثنا، ومع ذَلك كان وجهه خاليًا مِن أيِّ اهتمام.
كأنّه يستمع إلى حديثٍ عن شخصٍ لا يعرفه.
“هل تودّين المشاركة؟”
“هاه؟”
“يقولون إنّكِ إذا تمنّيتِ أمنيةً أمام هًذا التمثال، فإنّها ستتحقّق. خصوصًا ما يتعلّق بالحُب. لقد ساعدني ذَلك عدّة مرات!”
ابتسمت المرأة وهي تسحب زهرةً مِن باقةٍ كانت تحملها، وأعطتنا واحدةً لي ولي فيليون.
“أنتم مِن خارج المدينة، أليس كذَلك؟ سكان العاصمة جميعهم يعرفون عيد ميلاد رايلي فولكس.”
هل هناك شائعةٌ تقول إنَّ مَن يُظهر لطفًا في عيد ميلاد رايلي فولكس، يُجزى بالحظّ؟ كانت طيبتها المفرطة تجعل رأسي يدور.
عندها تكلّم فيليون.
“فلنذهب.”
“هاه؟”
“ألا يثير فضولكِ؟”
“حسنًا… رُبّما. لكن، هل كنتَ تعلم؟ عن اليوم؟”
“نعم. رأيتُه سابقًا. حتى حينها، لم يخطر ببالي أيُّ شيء.”
سألتُه بحذر:
“لا شيء؟ فعلًا؟”
تحرّك نظر فيليون، فلففتُ رأسي في الاتجاه نفسه.
أمام التمثال، كان الناس يضمّون أيديهم ويصلّون حول أكوامٍ مِن الزهور الموضوعة هناك.
لكن، لَن يُجدي كلّ هَذا نفعًا.
شعرتُ بالحرج، بل بالخجل، وكنتُ على وشك أنْ أشيح بوجهي، حين قال فجأة:
“هل تعرفين لماذا أُقيم هَذا التمثال؟”
“أُقيم لتكريم رايلي فولكس مِن قِبل السيد سيريوس، رئيس البرج السابق.”
“ذَلك هو السبب المُعلَن. لكن الهدف الحقيقي… كان إزالة التحيّز ضد سحرة عائلة فولكس الباقين في البرج.”
تحيّز؟
“بعد أنْ كُشف أنَّ الكونت فولكس حاول استدعاء ملك الشياطين، وتبيّن أنَّ العديد مِن سحرته شاركوا في الأمر، أصبح سحرة فولكس يعانون داخل البرج.”
“…….”
“كانوا يُسألون: هل أنتم حقًا لَمْ تتبعوا الكونت؟ أم أنّكم فقط حالفكم الحظّ وتمّت تبرئتكم؟”
لَمْ أكُن أعلم أنَّ شيئًا كهَذا قد حصل.
“بعضهم غادر البرج، لكنّ نظرة التمييز استمرّت حتى خارج البرج. قيل إنَّ أصحاب الشعر الأحمر كانوا يُنبذون، لأنّهم قد يكونون مِن أقرباء فولكس.”
“فأنشؤوا التمثال كحلّ لتلكَ المشكلة؟”
“بمعنى: ‘هناك أيضًا سحرةٌ طيّبون مِن فولكس’. ويبدو أنّه أثبت فاعليّته. ثمّ، السبب الذي جعل شعبيّتها تبلغ الذروة هو…”
“سرقة فيليون لكتاب السحر المحرّم.”
هزّ فيليون كتفيه بخفّة.
“تلكَ المرأة التي ضحّى فيليون إلفيرت بحياته لأجلها، أليس كذَلك؟ حتى أولئكَ الذين لَمْ يهتمّوا بها، جاؤوا ليروها مرّةً على الأقل.”
لهَذا السبب بدأت تنتشر تلكَ الإشاعة حول أمنيات الحبّ.
الحرج ازداد أكثر فأكثر.
“حتى بعد سماعي لكلّ هَذا… لا يزال لا يخطر ببالي شيء. ومع ذَلك، أنا متأكّد مِن أنّكِ ستواصلين الادّعاء بأنّني فيليون إلفيرت.”
ادّعاء؟ لكنّها الحقيقة. وجهه مطابقٌ تمامًا لوجهه.
لكن، مهما حاولتُ، لَن يُصدّق.
“كيف عرفتَ الغاية الحقيقية عن التمثال؟ هل أجريتَ بحثًا خاصًا؟”
“لقد سمعتُ مِن السيّد. قال إنّه بفضل ذَلك التمثال، استطاع أنْ يعيش كـساحر دوّن أنْ يصبغ شعره. لا يعلم إنْ كانت امرأةً عظيمةً فعلًا، لكنه قال إنّه يُقدّر هَذا الشيء فقط.”
“حتى دايل تعرّض للتمييز، إذًا.”
“إذًا، هل ستشاهدينه؟”
بعد تفكيرٍ قصير، أومأتُ برأسي، فتقدّمنا نحو التمثال.
لَمْ تكُن الزهور وحدها هناك، بل أنواعٌ مختلفة مِن الأشياء. أوراقٌ جافّة يُفترض أنّها تحمل أمنياتٍ مكتوبة، وزجاجات مشروباتٍ مزينة بشرائط، وقطع حلوى جلبها أطفال، تراكمت بكثرة.
يبدو أنَّ كلّ شخص يُحيي الذكرى بطريقته الخاصّة. وضعتُ زهرتي وسطها. وعندما رفعتُ رأسي إلى وجه التمثال، لَمْ أشعر بأيِّ شبهٍ معه، حتى ضحكتُ مِن ذَلك.
ثم، عندما جمعتُ يديّ دوّن وعي…
فجأة، خيّم عليّ شعورٌ غريب.
لَمْ يكُن ضيقًا أو غضبًا، بل هدوءٌ غير معتاد.
لَمْ أكُن أملك أمنيةً لأتمنّاها. بدا لي سخيفًا أنْ أطلب شيئًا من نفسي أصلاً.
لكن إنْ كان هناك ما أودّ قوله…
‘عيد ميلاد سعيد، يا رايلي.’
فقط فكّرتُ بها، ومع ذَلك شعرتُ أنّها غريبةٌ للغاية بعد كلّ هَذا الوقت. ورغم ذَلك، ابتسمتُ.
‘أحسنتِ. فعلًا.’
لَمْ تكُن الحياة سهلة قط. ما إنْ استيقظت قواي السحريّة، حتى بِيعَت إلى الكونت فولكس على يد والديها الحقيقيين، وهناك، أجبرها على تعلّم السحر بجنون دوّن أنْ ترتاح يومًا واحدًا.
حتى أثناء محافظتها على المركز الأوّل في تدريب البرج، لَمْ تكُن تجرؤ على التهاون يومًا.
لأنّها كانت تعلم، إنْ أصبحت عديمة الفائدة، فسيقتلها الكونت فولكس. ثم يجد بديلًا لها مُباشرة.
لَمْ يكُن ليدعها تعيش أبدًا. كان رجلاً وحشيًا، قتل كثيرين تحت ذريعة: “قد يُشكّلون خطرًا لاحقًا”.
‘تحمّلتِ كثيرًا. ونجوتِ بشجاعة.’
كنتُ أعرف ذَلك، لذا أظهرتُ ولاءً للكونت فولكس في الظاهر.
أخفيتُ نواياي، وكنتُ أُطأطئ رأسي، وأتحمّل إهانات العائلة، مُقنِعةً نفسي أنّه يكفيني أنّه لَمْ يُجبرني على تجارب أكثر وحشيّة.
ولهَذا استطعتُ الهرب بنجاح، دوّن أنْ يُكتشف أمري.
‘انظري إلى نفسكِ الآن، تعيشين بشكلٍ لا بأس به.’
أشعرُ بالذنب حقًا تجاه فيليون، الذي تشوّهت حياته بسبب كذبي، لكنّني لا أندم على هروبي. لقد كان الخيار الأفضل في تلكَ اللحظة.
بعد أنْ عشتُ، اكتشفتُ أنَّ هناك أيامًا جيّدة، وأناسًا طيّبين.
صحيحٌ أنّني الآن فقيرة قليلًا، لكنّها حياةٌ أفضل بكثير مِن تلك التي قضيتُها تحت يد الكونت فولكس.
‘ستكون الحياة أفضل مِن الآن فصاعدًا.’
أشعرُ وكأنني سأبكي. أنفي أيضًا بدأ يَلسَع قليلاً. ربّما غصتُ كثيرًا في المشاعر. أحسنتِ، أحسنتِ. حتى أنّني ربّتُّ على كتفي عدّة مرّات بلا سبب.
‘يجبُ أنْ أُوقظ بريدين في أسرع وقت. أجني المال، وأعود إلى القارة الشرقيّة.’
مسحتُ طرف عيني، وأشعلتُ في داخلي عزيمة جديدة، ثم ابتعدتُ عن التمثال.
وفي اللحظة التي استدرتُ فيها…
“بووم―!”
انفجرتْ الألعاب النارية في السماء بصوتٍ عالٍ. لَمْ يكُن الوقت قد أصبح مظلمًا بالكامل بعد، ومع ذَلك، ارتفعت الأضواء بشكلٍ مبهر.
يبدو أنَّ عيد ميلادي لَمْ يكُن سوى ذريعة، والهدف الحقيقي كان المرح والاحتفال.
‘حسنًا، لا بأس.’
أخذتُ أتمعّن في وجوه الناس، واحدًا تلو الآخر، ثم حيّيتهم في داخلي: شكرًا لكم. لَمْ أُحظَ يومًا بمثل هَذا الاحتفال المهيب. وابتسمتُ لا إراديًّا.
ثمّ نظرتُ مُجدّدًا إلى فيليون.
“ألَن تفعل؟”
***
كان الكلب الأسود يُحدّق في السماء، ويفكّر:
‘تفجيراتٌ صاخبة بحق.’
الألعاب الناريّة تتفجّر بكرمٍ كبير، في سماءٍ مائلة للزرقة.
رغم وجود الأبيض والأصفر بينها، فإنَّ الأحمر يطغى على الألوان. ربّما كانت محاولة لجعل أصحاب الشعر الأحمر أكثر قبولًا لدى الآخرين.
‘لكن، ما علاقتي أنا بهَذا؟’
مع أنَّ تلكَ المرأة أمامه تناديه بـ فيليون كلّ يوم، فإنَّ الكلب الأسود لا يزال يجد صعوبةً في تصديق أنّه هو ذَلك الرجل الشهير.
ذَلك الرجل، كان مليئًا بما لا يُمكن فهمه.
أوّلًا، لا يُعجبني كيف ضحّت رايلي فولكس بنفسها وحدها. ألَمْ يكُن يُحبّها؟ إذًا لماذا تركها في موقفٍ خطرٍ كهَذا؟
لو كنتُ مكانه، لما تجرّأتُ حتى على الوقوف أمام هَذا التمثال. لكنّ ذَلك الرجل انتهك المحرّمات محاولًا إعادتها إلى الحياة. وماذا كان سيقول لها حين يلتقيها مِن جديد؟
‘سيكون محظوظًا إنْ لَمْ تواجهه باللوم والغضب.’
‘لماذا لَمْ تُساعدني في وقتٍ أبكر؟’ أو…
‘أين كنتَ حين كنتُ أموت؟’ أو…
‘أتعيدني للحياة وتظنّ أنّي سأغفر لكَ؟’ أو…
في تلكَ اللحظة…
‘لماذا فعلتَ بي هَذا؟’
…هاه؟
‘ما هذا؟’
بسبب الإحساس الغريب الذي باغته فجأةً، أمسك الكلب الأسود جبينه.
كان الأمر غريبًا. فهو لَمْ يُبدِ أيَّ اهتمامٍ باستدعاء ملك الشياطين، أو الكتب المحرّمة، أو البرج، أو حتى بقصة حبهما. لَمْ يُفكّر فيها بعمق مِن قبل. كانت هَذهِ المرّة الأولى.
ومع ذَلك، لماذا كان تدفّق أفكاره سلسًا بهَذا الشكل؟ وقبل قليل…
كان هناك شيءٌ ما…
“فيليون؟”
حين رفع رأسه، رأى ريكس.
الفتاة التي التقى بها مصادفةً قبل أيام. عيناها الخضراوان تُشبهان الغابة، وطرفا عينيها مائلان للأعلى. وجهها أبيض، وشعرها كان ذهبيًّا.
لكنّه الآن أصبح أحمر.
مع كلّ انفجارٍ للألعاب الناريّة، يتحوّل شعرها إلى الأحمر. وكذَلك اليد التي مدّتها نحوه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات