بينما كنت أنظر إلى ذراع تيود المرتجفة وهو يسند نفسه على الأرض، ابتسمت.
“صحيح، قد يكون ما قلته صحيحًا.”
كان البرج السحري يواجه أزمةً غير مسبوقة.
ثلث السحرة قُتلوا على يد نيفن، وثلث آخر فرّ إلى القارة الشرقية زاعمًا أن القارة الغربية ستهلك.
أما البقية، فإما جُرحوا، أو لم يتمكنوا من المغادرة بسبب عائلاتهم، أو كانوا صغارًا وضعفاء فلم يقدروا على اتخاذ قرار.
في مثل هذا الوقت، أن يصبح المرء سيد البرج؟ إنه أمرٌ غريب أن يجرؤ البعض على منافسة تيود أصلًا، إذ كان المنصب في غاية الصعوبة. حتى الكتاب المحرّم، أساس البرج، اختفى.
من الطبيعي أن تنتظرني أوقاتٌ عصيبة، وربما حتى نهاياتٌ مؤسفة. قد يُسجّل اسمي في التاريخ بصفتي آخر سيد للبرج.
“لكن، ذلك الأمر الأخير، لن يحدث أبدًا.”
نظر إليّ تيود بعينين حائرتين. كان وكأنه يتساءل عن معنى كلامي، رغم أن الكلمات نفسها كانت من فمه قبل قليل.
“انظر هناك.”
وحين أشرت إلى الغابة، قطّب حاجبيه.
ابتسمتُ ولوّحت بحرارةٍ نحو فيليون القادم نحونا.
***
لقد أصبحتُ سيد البرج.
“مبروك يا رايلي!”
“ذلك الحقير… لا، ذلك المجنون… آه، أعني. أشكرك كثيرًا لأنكِ خلّصتنا من تيود!”
بعد معركتي معه في الفجر واعترافه رسميًا بالتنحي، صار المنصب لي. كنت اليوم سيد البرج بالفعل.
مع ذلك، لم أشعر بأيِّ واقعيةٍ للأمر.
“سيكون أمامكِ مهامٌ كثيرة! يجب أن نقيم حفل التنصيب… آه، وقبل ذلك ربما علينا إصلاح المختبر أولًا! تيود ترك الكثير من الأشياء متراكمة، سيستغرق ترتيبه بعض الوقت.”
“صحيح. لنبدأ من هناك! سأستدعي الخدم.”
لكن كان عليّ أن أقول ما في نفسي. أمسكتُ بالساحر الذي كان يهمّ بالرحيل.
“بخصوص ذلك… هل يمكن أن أستخدم مختبرًا أخر؟ مختبر سيد البرج ليس مناسبًا لي.”
“آه، صحيح، بما أن سريوس استخدمها أيضًا فلا بد أن الأمر يزعجكِ.”
“حسنًا، أيُّ مختبرٍ تريدين أن نجهّزه إذن؟”
لم أكن أعرف بعد. عليّ أن أتشاور مع فيليون.
فكرة عدم استخدام مختبر سريوس كانت مرتبطةً به، فقد كان بينهما عِداء، ولا بد أن الأمر سيثير انزعاجه.
إن لم يرغب، فيمكنني السكن خارج البرج، لا بأس في ذلك.
أما إن قال إنه لا يمانع، فسأبقى في البرج. فحتى لو طُرد، هذا لا يعني منعي من الدخول أصلًا.
“سأفكر في ذلك وأخبركم.”
بعد أن أنهيت بعض التعليمات، غادرتُ قاعة الاجتماعات وصعدتُ إلى المصعد.
لكنني لم أجد فيليون في أيّ مكان من البهو. كان قد وعد أن ينتظرني هنا.
“إلى أين ذهب؟”
لم أحتج وقتًا طويلًا للتفكير. أول ما خطر في بالي بدا الأرجح.
وبالفعل، حين ذهبت إلى هناك بخطواتٍ واسعة، رأيت ظهر فيليون.
اقتربتُ بصمت ووقفتُ بجانبه، فالتفت إليّ.
“رايلي.”
“هنا… هذا كان مختبري، صحيح؟”
“نعم.”
كانت الغرفة فارغةً تمامًا.
يبدو أن صاحبها السابق هرب إلى القارة الشرقية هربًا من نيفن. وما زالت ممتلكات القتلى لم تُجمع بعد.
لكن هذا المكان الخالي أثار مشاعر غريبةً في فيليون.
أمسك يدي بإحكام، فنظرت إليه مازحة.
“يمكنكَ أن تبكي، لا بأس.”
“…لن أبكي.”
ثم رفع يدي إلى شفتيه وقبّلها.
“لديّ أنتِ الآن.”
كان ينظر إليّ بعينين تفيض بالحنان. عينان جعلتني أبتسم، حتى وإن كانت أطرافهما محمرةً قليلًا، فمددتُ يدي أُمسدها.
لم نلتقِ بأحدٍ في الطريق. والغرفة فارغةٌ تمامًا. لهذا توقعت أن يقترب مني أكثر… لكنه قال فجأة:
“بالمناسبة، متى سيكون حفل التنصيب؟”
“حفل التنصيب؟ الآن؟”
“نعم.”
“أممم… بأسرع وقتٍ ممكن أظن. هناك الكثير من المهام.”
“بأسرع وقت؟ متى بالضبط؟”
“لا أعلم بعد، عليّ أن أناقش الأمر مع الشيوخ المتبقين.”
“ومتى ستناقشينه؟”
“هذا المساء؟ أو غدًا؟ لست متأكدة.”
“لن يستغرق وقتًا طويلًا، فهما اثنان فقط.”
ثم عقد حاجبيه، وكأن شيئًا يزعجه.
“لماذا؟ هل لديكَ ما تقوله لهم على انفراد؟”
“لا، لا شيء.”
قبل أن أطرح المزيد من الأسئلة، جذب يدي.
“هيا. ألستِ جائعة؟”
كانت ردة فعله غريبة، لم أرَ مثلها طوال السنوات الأربع الماضية.
—
في الآونة الأخيرة، بدا فيليون غريبًا.
في البداية ظننت أنني أتخيل، أو أنني أنا نفسي متوترةٌ بسبب انشغالي كـ سيّدة للبرج.
لم أشكّ حين قال إنه يملك مواعيد مع آخرين. على عكسي، لديه أقارب وأصدقاء كُثر.
لكن هذا الصباح كان الحاسم.
“ستبقين في البرج حتى المساء، صحيح؟”
“نعم. أوه، إن أردتَ يمكننا أن نعيش معًا…”
“إذن سأذهب إلى العاصمة لبعض الوقت. سأعود عند العشاء لنعود معًا إلى المنزل.”
شعرتُ بانزعاجٍ طفيف.
“مرةً أخرى؟”
“…إيريون طلبت مني المساعدة في بعض أعمال النقابة.”
“أأنتَ متجهٌ فعلًا إلى العاصمة؟”
“لماذا أكذب عليكِ؟”
لكنّك كذبت للتو.
فإيريون كانت قد اتفقت معي أن تزور البرج اليوم لنتناول الغداء سويًا.
“صحيح… لماذا قد تكذب عليّ أصلًا.”
“ه-ههذا صحيح…”
ارتجف صوته قليلًا، على غير عادته، لكنني لم أجادله.
بل ابتسمت وودعته.
“سأعود لاحقًا. نلتقي على العشاء.”
قبّل وجنتي وصعد عربته. لوّحت له بهدوء وأنا أتابعها وهو يغادر.
وحين وصلت عربتي بعد قليل…
“سيدة رايلي! صباح الخير…”
“العربة التي أمامنا.”
ركبت سريعًا وأمرت السائق:
“اتبع تلك العربة. حافظ على مسافة، لا تدعهم ينتبهون.”
***
لم يكن للبرج في هذه الأيام نظامٌ ثابت.
حتى النقل والعربات كان يتم عبر وسطاء عند الحاجة.
لذا فالعربة التي أقلّتني اليوم كانت مختلفةً عن تلك التي أخذتني بالأمس. وزيادةً على ذلك، أبقينا مسافة بعيدة، فلن يشك فيليون.
“إذن هو متجهٌ حقًا للعاصمة.”
وصل إلى أمام نقابة المرتزقة. لكن بدل أن يدخل، انعطف باتجاهٍ آخر.
طلبت من السائق أن ينتظرني وتبعتُه.
كان من السهل تتبعه، لكونه طويل القامة. لم يلاحظني، فقد بدا غارقًا في أفكاره.
خطواته أوصلته إلى حيٍّ فقير بعيد عن مركز العاصمة. مكان لا يرتاده النبلاء، ولا يقيم فيه سوى الفقراء.
“لماذا هنا؟”
ولم تكن هذه زيارته الأولى، إذ مشى بخطواتٍ واثقة. لكنه توقف أمام بيتٍ قديم، وأصلح ثيابه بتوترٍ قبل أن يطرق الباب.
فتحت امرأةٌ ما الباب، لكن الباب فتح للداخل فلم أرَ وجهها.
دخل فيليون، وأنا بدوري انحرفتُ نحو الزقاق المجاور، وبحثتُ عن نافذةٍ أطلّ منها.
كان المنزل متواضعًا، قديم الأثاث، لكن مرتبًا. مفرش المائدة الأبيض نظيف.
جلس فيليون متوترًا أكثر من لحظة دخوله.
ثم جاءت صاحبة المنزل، امرأةٌ شقراء في منتصف العمر، وقدمت له كوبًا من الشاي.
“مَن تكون؟”
لم أرها من قبل. لا تُشبه عائلة ديلاريك على الإطلاق.
لكن فيليون كان يتعامل معها بكل حرصٍ واحترام، يتحدث بخفض صوته على غير عادته.
رفعت نفسي أكثر لأرى وجهها جيدًا…
وكانت جميلةً بشكلٍّ مذهل، أنيقة، ذات عينين خضراوين لامعتين.
شقراء… وذات عيون خضراء؟
حينها التفت فيليون فجأةً ونظر إليّ من النافذة.
“رايلي؟”
سمعت اسمي بوضوح. فهربت إلى داخل الزقاق. لا أعرف لماذا أهرب، لكنني ركضت.
إلا أنه أدركني سريعًا وأمسك بمعصمي.
“رايلي.”
حين أمسك يدي الأخرى، شعرتُ بقشعريرةٍ باردة تجتاحني. قلبي، جسدي كله، ارتجف.
خفضتُ رأسي بصعوبةٍ وهمست:
“مَن هذه؟”
“…..”
“هل هي… مًن أظنها؟”
كان صمته بمثابة اعتراف. عضضتُ على شفتي.
“لماذا؟ لماذا بحثت عنها؟”
“منذ يوم قضائنا على نيفن.”
“…..”
“حين كنتِ تراقبين إيريون وهي تلتقي أسرتها من جديد. كنتِ تبتسمين، سعيدة.”
صحيح. كنتُ أشعر بالراحة حينها، وكأنَّ كل شيءٍ انتهى بسلام. لم أفكر أبعد من ذلك.
“… ومنذ ذلك اليوم بدأت تبحث؟”
“نعم.”
“وكيف وجدتها؟”
“إيان سيرفيل بحث في سجلاتٍ تركها الكونت فولكس. تطابقت مع ما تذكره هي.”
“…..”
“وتحدثت معها شهرًا كاملًا.”
ماذا؟ شهر كامل؟
“أخفيتَ الأمر عني شهرًا كاملاً؟!”
“أنا آسف.”
“لماذا؟”
أمسكت بذراعه ورفعت رأسي إليه.
“هل رفضت لقائي؟ هل حاولتَ إقناعها؟”
“ليس الأمر كذلك.”
ثم جذبني إلى حضنه. ظل يكرر: خطأي… آسف. ويمسّد كتفي برفق.
لم أقل شيئًا. مشاعري كانت متداخلة، غريبة، مؤلمة، ومع ذلك لم أرغب بالابتعاد.
“… أريد أن أراها.”
“أأنتِ بخير مع ذلك؟”
“أجل. الآن. أيمكنني؟”
عدنا إلى البيت العتيق.
دخل فيليون أولًا ليستأذنها، ثم سمح لي بالدخول. وخرج هو ليتركنا وحدنا.
بقيتُ أنا… والمرأة ذات العينين الخضراوين.
“مرحبًا، رايلي.”
ابتسمت بتوتر وقالت:
“اسمي نيريسا.”
كان لقاءً لم يخطر ببالي يومًا.
“أنا… مَن أنجبتكِ.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 125"