كان ذلك بينما كنتُ ما أزال أفكّر بقلق في تلك الأفكار.
“على أيّ حال، الهدية؟”
“آه، صحيح. لقد نسيت.”
وضعت إيريون الحقيبة المربّعة التي كانت عند قدميها فوق الطاولة.
“إنّها حجرٌ سحري. من بين ما استطعتُ الحصول عليه، أعددتُ أندر واحد.”
“لا بدّ أنّه غالٍ.”
“أنا نفسي لا أعرف السعر. لقد اكتشفتُه بنفسي. احتفظتُ به في الخزنة معتقدةً أنّه سيُستعمل يومًا ما.”
“وهل يُمكن أن تُعطي شيئًا كهذا بكل بساطة؟”
ابتسمت إيريون.
“يجب أن أردّ لك هدية عيد الميلاد السابقة.”
كان عيد ميلاد إيريون السابق مباشرةً بعد القضاء على نيفن.
لكنّها لم تستطع أن تقضيه بسعادة، لأنّ عيد ميلادها تزامن مع موعد جنازات رفاقها.
لهذا لم تُقم أيّ حفلة عيد ميلاد. وكان جوّ النقابة مكفهرًّا باستمرار، وكانت هناك أمورٌ كثيرة تحتاج إلى إصلاح. ومع مرور الوقت نسيت عيد ميلادها، وقضت أيّامها في انشغالٍ لا يُطاق.
حتى حلول منتصف الليل، لم تكن تعرف أنّ ذلك اليوم عيد ميلادها.
وفجأة، سُمع صوت طرقٍ على الباب، ثم دخلت رايلي إلى مكتبها تحمل صندوقًا ضخمًا.
فتحته بدهشة، فكان بداخله سيف. ومن النظرة الأولى فقط كان واضحًا أنّه ذو قيمةٍ استثنائية. وعندما أمسكت به شعرت وكأنّها كانت تستعمله مِن قبل، إذ جاء على يدها بمثالية.
– “لقد طلبتُ من الحداد ألا يُبالغ في الزينة، لكنّه تحمّس وصنعه هكذا. إن كان يُضايقكِ في الاستعمال، فيُمكنكِ إزالة الزوائد. لقد كان براقًا لدرجة أنّني أنا نفسي ارتبكت.”
– “……”
– “أردتُ أن أفاجئكِ لذلك أبقيتُ الأمر سرًّا. لقد حدث أن هنّأني أحدهم بعيد ميلادي دون أن أتوقّع، وأوه… كان شعورًا رائعًا حقًّا.”
في اللحظة التالية، عانقت إيريون رايلي وبكت.
بكت طوال الفجر بين ذراعيها، شاعرةً بالذنب تجاه رفاقها الموتى، وممتنّةً لرايلي.
– ” عيدُ ميلادٍ سعيد، إيريون.”
ومنذ ذلك الحين عزمت على أن تُقدّم لها هي أيضًا التهنئة في عيد ميلادها.
“لكن مهما حسبتُ، لن أتمكّن من الوصول في وقت عيد ميلاد رايلي. حتى لو قضيتُ على الشيطان فور وصولي إلى الشمال، فالوقت لا يكفي.”
“وهل ستكونين بخير إن لم نذهب معكِ؟”
“سأكون بخير. لا يبدو أنّه خصمٌ قوي.”
لكن بما أنّ فرع الشمال قد دُمّر تمامًا على يد نيفن، كان على إيريون أن تتدخّل بنفسها. بالطبع كان يُمكنها أن تُقدّم التهنئة بعد عودتها، لكنّها قال:
“لا بُدّ أن تُعطيها لها عند منتصف الليل في يوم ميلادها. اتفقنا؟”
“ما المعنى في ذلك؟”
“أليس أكثر تأثيرًا؟ يُمكن للمرء أن يبدأ يومه بسعادة.”
أومأ فيليون بفتور وهو يفتح الحقيبة. لكن عينيه اتّسعتا بدهشة، إذ كان بداخلها صندوقان.
وأشارت إيريون إلى الصندوق الأصغر.
“هذا لكَ، يا مُعلّمي.”
“لي؟”
“أليس عيد ميلادك وشيكًا أيضًا؟”
كلمة “مُعلّمي” لم تكن في البداية مُحبّبةً إليه. فما معنى أن يكون مُعلّمه وهو يكبرها بعامٍ واحد فقط؟
لكنّ الكونت ديلاريك أصرّ أنّه لا يُمكن دخولها برج السحر إلّا بصفتها تلميذةً لفيليون. ومن ثمّ أدركت إيريون أنّ الكونت كان ينظر إليها كخطيبةٍ لفيليون. ومع ذلك، لم يكن أمامها خيارٌ آخر في ذلك الوقت.
كان البرج حينها مكانًا لا يُمكن دخوله دون نفوذٍ أو مال. وأرادت إيريون أن تُصبح أقوى من أجل والدها المريض. ولحماية أخيها الأصغر، الذي سيرث اللقب بعد وفاة الأب، من أطماع الأقارب، كانت بحاجةٍ إلى راعٍ مثل ديلاريك.
‘لذلك حاولتُ أن أصبح سيدة البرج… لكنّي صرتُ ملكة المرتزقة بدلًا من ذلك. حقًّا لا يُمكن التنبؤ بمجرى الحياة.’
ومع ذلك فقد استطاع حماية عائلته. وفكّر في ذلك بفخر، فارتسمت ابتسامة على وجهه.
“ذلك الصندوق مزيّف.”
“……ماذا؟”
“مزيّف. دعنا نقُل إنّه للاستهلاك العام. جدي لم يُرِد أن يُعرَف عيد ميلادي الحقيقي.”
‘ما الذي يجعله يلجأ إلى هذا؟’ تمتم فيليون متبرّمًا.
بينما كانت عينا إيريون ترتجفان كما لو أنّ زلزالًا أصابهما.
“إذًا، متى عيد ميلادكَ الحقيقي؟”
“بعد ثمانية أشهر.”
مهلًا، هذا يعني أنّه…
“في مسابقة السحر قبل تسع سنوات كنتَ في التاسعة عشرة؟!”
“أجل.”
قفزت إيريون من مكانها.
“عيد ميلادكِ يكاد يُصادف ميلادي!”
“حسنًا، كان جدي ينوي تزويجنا.”
“لقد كان عُمرانا متقاربًا!!”
“جدّتكِ أيضًا كانت في عُمر جدّي. لعلّه لهذا السبب.”
“ولماذا لم تقل؟!”
“لم أعطِ أهميّةً للأمر. كنتُ أتلقّى التهاني دائمًا في عيد ميلادي المزيّف، حتى نسيتُ الأمر. للتوّ فقط تذكّرت.”
“وماذا عن رايلي؟”
“هي أيضًا لا تعرف. قلتُ لك، لقد تذكّرتُ الآن فقط…”
لم يُبالِ كثيرًا بذلك. ولم يكن من المنطقي أن يستمرّ في الغضب تجاه من لا يهتمّ.
“لكنّني أشعر بالظلم.”
حتى مع تغيّر نبرتها القصيرة، بقي فيليون متماسكًا.
“هل تحتاجين لشيءٍ مني؟”
…لم تكن تحتاج. كانت إيريون تعرف دائمًا أنّ فيليون لا يُبدي اهتمامًا بها أكثر مِما يُبديه هو.
ومع ذلك، لم تُرِد أن تتراجع دون مقابل.
“إذن أخبرني ما هو السرّ الذي أخفيتَه.”
قطّب فيليون جبينه.
“لا أريد.”
“ألن تُقدّم هذا على الأقل لتلميذتك التي خُدعت قرابة عشر سنوات؟”
“لم أخدعكِ.”
“لكنّكَ مسؤولٌ على كلّ حال!”
آه، من غير قصد تحدّثت بلا أحترام.
لكنّها أقسمت ألّا تُكررها ثانية. نظرت إلى فيليون وحدّقت فيه قائلةً بوضوح:
“إن لم تُخبرني، فسأذهب حالًا إلى رايلي وأخبرها إنّكَ تُخفي شيئًا. وستعرف فورًا.”
عندها ازدادت حدة ما بين حاجبي فيليون.
راح يُفكّر بجدّيةٍ، متردّدًا بوضوح.
وبينما كانت أصابعه الطويلة تعبث بشعره، أطلق تنهيدة عميقة.
ثم وضع يده على جبهته، وأدار رأسه قليلًا نحو إيريون قائلًا:
“لكن لا يُمكنكِ أن تُخبري أيّ أحد.”
“مفهوم.”
“خصوصًا رايلي.”
“قولكَ هذا مريب. هل تخونها؟”
“هل جُننتِ؟”
نظر إليها بامتعاض، ثم أطلق تنهيدةً أخرى.
“أقول لكِ لا تُخبرها لأنّني لم أستعدّ بعد.”
“أيُّ استعداد؟”
“استعدادٌ نفسي. صراحة، هذا مجال ضعفي.”
“أنتَ الذي تقول دائمًا إن لا شيء يُعجزكَ… هذا غريب!”
“في الحياة يتبيّن أنّ هناك أشياءٌ كذلك فعلًا.”
ثم ابتسم فيليون ابتسامة مُرّة.
“وهذا بالذات هو الأمر الأكثر عرضةً لأن أفشل فيه من بين كلّ ما فعلت.”
“……”
“لأنّ خبرتي فيه شبه معدومة.”
تأمّلت إيريون مُعلّمها الذي بدا جادًّا على غير العادة، ثم سألته بحذر.
“عن أيِّ أمرٍ تتحدّث بالضبط؟”
***
مضى عامان منذ عودتي إلى القارّة الغربيّة.
والناس لا يزالون يُلحّون عليّ لأُصبح سيّد برج السحر.
…لم أظنّ أنّني سأمرّ بأمرٍ كهذا.
حتى عندما قضيتُ على الشيطان نيفن، لم أفكّر سوى بأنّني أخيرًا سأرتاح.
وعندما جهّزتُ بيتًا أعيش فيه مع فيليون قرب البرج، لم يكن في بالي شيءٌ مميّز.
كنا ننغمس في أبحاثنا حتى الفجر أحيانًا، فظننّا أنّه من الأفضل السكن بجوار الغابة حتى لا نُزعج أحدًا.
صحيح أنّني كنتُ أرتاد البرج، لكنّ ذلك كان في معظم الأحيان بدعوةٍ من رفاق تعرّفتُ عليهم أثناء معركة نيفن.
ومعظمهم من سحرة عائلة ديلاريك. لكن لم يكن بيننا ضغائن. أما السحرة الذين اعتادوا التحدّث عنّي بالسوء فقد غادروا البرج، ربّما خشية لقائي.
وهكذا شهدتُ مواجهةً بين تيود وبعض السحرة.
وحتى تلك اللحظة لم يخطر لي شيء.
كان تيود ساحرًا قويًّا. غالبًا ما كان ينتصر بتعويذةٍ واحدة فقط، ونادرًا ما تجاوزت معاركه عشر دقائق.
كنتُ أتساءل فقط لماذا لم يُشارك في القضاء على نيفن. ثم قلتُ في نفسي: لا بدّ أنّ لديه أسبابه الخاصة.
لكن عندما أعلن خصمه استسلامه، قال تيود:
“لا أحد يستطيعُ أن يُنزلني من هذا المكان… وأنا فعلًا أريدُ أن أترك منصب سيّد البرج…”
“……”
“آه آه، تيود قويٌّ جدًّا ومسكينٌ للغاية…”
وكان وجهه آنذاك… مُستفزًّا للغاية.
لقد كان نوعًا آخر من الوقاحة يختلف عن فيليون في الماضي. على الأقل فيليون لم يكن يقول “آه آه” ثم يضحك بسخرية.
وكانت هناك مشكلةٌ أخرى.
تيود لم يكن يفعل شيئًا قطّ بصفته سيّد البرج.
لم يُرمّم الحاجز الواقي، ولم يهتم بالمتدرّبين الجدد، ولم يُقم عزاءً للذين ماتوا بسبب نيفن.
وعندما كان ينتصر في مواجهة، كان يتّخذها ذريعة للهو أكثر، قائلًا: “على أيّ حال لا يُمكنكم عزلي، أليس كذلك؟” وقد سمعتُ ذلك بنفسي فضحكتُ بسخرية.
وكذلك كثيرٌ من السحرة شاهدوا ذلك، فراحوا يتحدّونه. لكن أحدٌ لم يهزمه. ومع مرور الوقت ازداد استهتاره.
“لماذا لا أحرق البرج مثلما احترق الكتاب المحرّم؟”
إلى أن جاء اليوم…
صار دوري أخيرًا.
“تيود لا يُجيد السحر العقلي.”
قال فيليون وهو يُصلح كمّي ويُراجع.
“لذلك عندما تحين الفرصة اقتربي منه واضربِه بلا رحمة. لا تدخلي في مواجهة قوّة سحرية مباشرةً. تذكّري أنّ مقدار طاقتهِ السحرية يفوقكِ.”
“فهمت.”
“قد يكون أخفى معه أداةً سحرية. أبقِ حواسكِ متيقظةً لآثار المانا.”
“لكنه لم يستخدم أيَّ أداةٍ حتى الآن. أظنّ أنّ الأمر بخير.”
“أنا قلق، هذا كل شيء.”
“ألا تثق بي؟”
“أثق.”
“…لكنّكَ لا تبدو مُطمئنًا.”
لم أعرف كم مرةً أصلح كمّي وفكّه من جديد.
تركته يفعل ما يشاء خشية أن يعتبره عائقًا. ومع ذلك بدا وكأنّه لن يتركني.
“إن بدا الأمر خطرًا، سأتدخل.”
“حتى لو قلتُ لا، فلن تسمع، صحيح؟”
“صحيح، لن أسمع.”
ومدّ يده ليُصلح كمّي مرةً أخرى، فأمسكتُ بيده.
نظر إليّ بعينين قلقتين. لا شكّ أنّه كان يتذكّر الساحر الذي فقد ذراعه في مواجهته مع تيود الأسبوع الماضي.
فنظرتُ إليه وقلتُ بحزم:
“لن أموت أبدًا.”
“……”
“سأعود منتصرةً.”
ثم عبثتُ بشعره بخفّةٍ قبل أن أستدير.
بالطبع كنتُ أخشى أن أُصاب. وكنتُ أعلم أنّني لستُ ساحرةً لا تُقهَر.
لكنّي لم أرغب أن يختفي البرج.
فلولا هذا المكان، ربما كنتُ لا أزال حبيس قبو قصر فولكس.
وأردتُ أن أنقل السحر الذي تعلّمتُه هنا إلى الأجيال القادمة.
راجعتُ طاقتي السحرية، ثم دخلتُ إلى الأرض القاحلة حيث كان تيود يقف.
“لنبدأ إذن، يا تيود.”
كان السيّد الصغير للبرج في ذلك اليوم عابسًا على غير العادة. لم يُلقِ تحيّة، ولم يرسم ابتسامةً كالعادة، بل هاجمني مباشرةً.
‘أوه.’
لكنّ هجمته لم تكُن عسيرة الصدّ.
‘لسببٍ ما، يبدو أنّه يُريد إنهاء الأمر سريعًا. أم أنّه يستخفّ بي؟’
فلم أتراجع، وأمطرتُه بهجماتي. وهو أيضًا لم يتراجع.
الأرض تشقّقت وكأنّ زلزالًا أصابها، والأشجار من حولنا اقتُلعت جميعها. أما المشاهدون، باستثناء فيليون، فقد اختفوا عن الأنظار منذ وقت.
وعند حلول منتصف الليل…
انتهت المعركة أخيرًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 123"