الفصل 116 :
“لقد تحقق منه سيد البرج بنفسه. هل هذا صحيح تمامًا؟”
توجّهت نظرات دران نحو مقعدٍ ليس بعيدًا عن الكونت ديلاريك.
“هاه…… هاهك…….”
“سيدي تيود؟”
“أعتذر. لقد صُدم سيد البرج صدمةً شديدة……. لكنه حتى لحظة دخوله إلى هنا تأكّد مراتٍ عدة. لا شك أن هذا…… الكتاب المحرم.”
“لا أستطيع الاعتراف بهذا!”
صرخ الشاب ذو الشعر الأخضر ووجهه مبللٌ بالدموع.
“لا يمكن أن يكون كتابي المحرم قد أصبح هكذا!”
عند كلماته تقلصت حواجب معظم الحاضرين.
كتابي المحرم؟
‘آه، هل هو مَن تلك الحالات؟ جاء إلى برج السحر لمجرد رؤية كتاب محرم؟’
نادرة، لكنها ليست معدومة.
فالكتاب المحرم وإن كان قد اكتمل بالاستعانة بقوة الشياطين، إلا أنه يحتوي أيضًا على تعاويذ قوية.
بعض السحرة يدخلون البرج فقط ليتمكنوا من قراءة ولو سطرٍ منه.
لكن أن يصرّح أحدهم بمثل هذا أثناء الحديث عن أن سيد البرج السابق استعمل الكتب المحرمة، فهذا…
‘يُقال إنه في التاسعة عشرة فقط. كيف أصبح سيد البرج يا ترى…….’
لم يكن بوسعي سوى التنهد. وكما هو متوقع، بدأ التنهد يتردد من هنا وهناك.
“أطالب المتهم بإظهار انعكاس الذاكرة! اجعل كل شيء واضحًا أمامي!”
لكن صوته المدوي جعل البعض يرفعون رؤوسهم فضولًا. يبدو أن الأمر أثار اهتمامهم.
والقضاة أيضًا. تبادل الثلاثة نظراتٍ سريعة قبل أن يومئوا برؤوسهم.
“أيُّها المتهم. هل يمكنك أن ترينا حوارك مع سيريوس من خلال انعكاس الذاكرة؟”
“بالطبع.”
رفع فيليون معصمه.
“إن فككتم هذا فقط.”
كان هناك قيدٌ سحري مكبّل لمعصمه.
ليس الذي وضعتُه أنا. فقد أزلته قبل دخولنا البرج، وما إن دخلناه حتى قُيّد مباشرةً بآخر جديد.
“أيُّها المنفذ. فكّ قيود المتهم السحرية.”
اقترب منه رجلٌ ضخم فورًا وفكّ القيد.
في تلك اللحظة امتلأت أجواء قاعة المحكمة بالتوتر من جديد.
كان الخوف يلوح في عيون الحاضرين: “ألن يستخدم السحر فجأةً ليثير الفوضى؟”
مدّ فيليون ذراعه إلى الأمام وأشار ببطء.
وفي اللحظة التالية، بدأ وجه شخصٍ ما يطفو فوق أرضيةٍ الرخام.
كان ذلك وجه سيد البرج السابق، سيريوس.
***
ظهر أولًا مشهد غرفة سيريوس. يبدو أنه كان بعد لقائهم عند القبر مباشرةً.
انتهى حديثه الطويل حين بدأ يذكر ‘الحاجز’. أيّ قبل لحظة قوله إنه يظن أنني روحٌ تسللت من عالمٍ آخر عبر صدع في الحاجز المنهار.
ثم ظهر المشهد الثاني، حيث كان يعد معًا طقوسًا سحرية.
بعده المشهد الثالث، وهو خطة سرقة الكتاب المحرم.
ثم جاء ذكر محاولاته الـ21 للعودة بالزمن.
وأخيرًا……
“لااا!”
تيود، حين شاهد الكتاب المحرم يحترق، أجهش بالبكاء.
وعندما قال فيليون: “حتى لا يتمكن مُعلمي من استخدام سحر العودة بالزمن مرةً أخرى”، بدا تيود وكأنه هو نفسه سيريوس، يائسًا محطمًا.
“آهك، يا لك من إنسانٍ شرير……. الكتاب المسكين.”
حسنًا، ربما هو مسكينٌ قليلًا……
“كتابي المحرم……. مئة مليار…….”
أوه، إذًا كان المال غايته أيضًا.
‘صحيح، سمعت أنه كان يبحث عن فيليون بجنون.’
لحُسن الحظ، لم ينفجر أحدٌ آخر بالبكاء. الكل حزن قليلًا، لكن ضجة تيود وبكاؤه الصاخب أربكت الجميع أكثر.
حين انتهى انعكاس الذاكرة، لم يطق تيود الاحتمال فركض خارجًا.
بدا وكأنه بطلةٌ في رواية مأساوية.
“سنأخذ استراحةً قصيرة.”
وغادر القضاة أيضًا. سرعان ما عادت القاعة إلى الفوضى.
الكل تحرك بحرية، لكن لم يقترب أحدٌ مني.
ولا أحد من فيليون أيضًا.
سحرة ديلاريك ترددوا قليلًا، لكن بعدما قال لهم الكونت شيئًا، أغلقوا أعينهم وخرجوا. أما الكونت نفسه فقد اختفى دون أن يلحظه أحد.
من بقي ساكنان فقط وسط الصخب: أنا وهو.
نظرتُ إليه.
لكني لم أخاطبه بصوتٍ خافت، وهو أيضًا ظل صامتًا.
كنت متوترةً لا أدري ماذا أقول.
‘أتمنى أن يمر الأمر بسلام.’
فيليون بدا هادئًا جدًا. وحين عاد القضاة ابتسم لي…… وكأنه يحاول طمأنتي.
“رجاءً عودوا إلى مقاعدكم.”
امتلأت مقاعد الحضور مجددًا. بل حتى عند الباب وقف المتأخرون أكثر من ذي قبل.
لم يتكلم دران حتى خيّم السكون التام.
“انعكاس الذاكرة سحر يمكن للساحر العقلي أن يزيفه. لذلك لا يُقبل كدليل في محاكم البرج.”
“…….”
“وأرى أن المتهم يملك من القوة ما يكفي لفعل ذلك. لذا سنبني حكمنا فقط على الشهادات والأدلة الملموسة والظروف الحالية.”
أيّ أن كلمات سيريوس في الانعكاس لن تُؤخذ إلا كمرجع. ثم نظر دران إلى فيليون.
“قلت إنكَ لم تستخدم الكتاب المحرم.”
“نعم، هذا صحيح.”
“وهذا بالفعل صحيح. كوننا نتذكر كل ما جرى حتى اليوم هو الدليل.”
حينها، اضطرب مناصرو سيريوس بشدة.
“لن أقبل ادعاء أن فيليون إلفيرت قد عبث بذاكرتنا جميعًا.”
“ولماذا لا!”
“أتظن……”
رمقهم دران بنظرةٍ شرسة.
“هل أني ضعيفٌ لدرجة أن أقع في تلاعب الذاكرة؟”
كان صوته أشبه بالزئير.
ارتبك الواقفون وجلسوا سريعًا، فقال دران:
“اتفق كل الشيوخ الآخرين أيضًا. فيليون لم يستخدم الكتاب للعودة بالزمن، ولم يُحيِ رايلي فولكس.”
“…….”
“لذلك لا يمكن تطبيق جريمة استخدام الكتاب المحرم.”
‘هذا جيد، إذًا انتهى الأمر…….’
“لكن، بغض النظر عن الدافع، فإن إخراج الكتاب من المخزن جريمة، وكذلك إتلافه.”
‘إذن، ما الذي سيحدث الآن؟’
“سننطق بالحكم.”
رفع دران الورقة أمامه وقرأ.
“يُشطب اسم فيليون إلفيرت من سجل دييلا.”
في تلك اللحظة، وقف الكونت ديلاريك بغضب.
“سجل دييلا” هو كتاب يُسجّل فيه كل اسمٍ لساحر ينتمي إلى البرج. منذ مديري الكتب المحرمة الأوائل وحتى المبتدئين الذين عاهدوا بالأمس. حتى اسمي موجودٌ فيه.
والشطب منه يعني أنه لم يعد منتمٍ إلى البرج.
ولا يمكن إعادة اسمه إليه أبدًا.
“لن يحظى بعد الآن بحماية البرج، كما أن كل التعاويذ والأدوات المسجلة باسمه ستؤول ملكيتها للبرج.”
قرارٌ مذهل. فعدد ما سجله فيليون هائل.
كان الكونت ديلاريك يكاد يقتحم القضاة غضبًا، فالحكم مختلفٌ تمامًا عما طلبه منهم.
وأيُّ شخصٍ يُعامَل هكذا لا بد أن يغضب. حتى السحرة صُدموا لدرجة لم ينطقوا بكلمة.
‘لكن بهذا……’
ألن يُسجن فيليون؟
“هل يقبل المتهم بالحكم؟”
“أقبل.”
ابتسم فيليون.
“أشكرك على رحمتك.”
هل كان ذلك وهمًا؟ بدا كأنه مرتاح حقًا.
***
ما إن انتهت المحاكمة حتى توجهتُ إلى غرفة انتظار المتهمين.
لكن الباب كان مغلقًا.
“الكونت ديلاريك يزوره ويتحدث معه الآن.”
قال خادمه أيضًا إن فيليون لم يعد يرتدي القيد السحري.
حين سمعت ذلك فقط ارتحت. أجل، قد خسر بعض الأشياء، لكن لا بأس.
‘فيليون حر. آه، يا لها من راحة.’
بعدها خرجت وجلست على مقعد في الحديقة بانتظاره. لم أرد أن ألتقي الكونت ديلاريك.
حينها تذكرت حديثنا في قصر الإمبراطور.
في ذلك اليوم، حين أمسكت به قبل أن يغادر الممر وقلت له إنني ذاهبةٌ إلى القارة الشرقية.
-“إذن…… هل تريد أن تأتي معي إلى القارة الشرقية؟”
فتح فيليون عينيه دهشةً ونظر إليّ. ردُ فعلٍّ نادرٍ منه.
-“إ-إن لم ترد فلا بأس…….”
-“سآتي.”
قاطعني بسرعة.
-“سآتي. أريدُ أن آتي.”
-“……لكن قبل أن أذهب، أريد إنهاء كل شيءٍ بوضوح. خصوصًا أن الناس يرونني بطلةً. وأريد، إن أمكن، أن أريهم ما حدث للكتاب المحرم…….”
-“سأفعل.”
-“حقًا؟”
-“نعم، سأحضر المحاكمة.”
وقبل أن أقول: “لا داعي إلى هذا……”، كان قد شرح بالتفصيل ما سيفعله في المحاكمة.
كأن كلماتي جعلته متحمسًا فجأة.
‘هل فرح…… لأني دعوته ليأتي معي؟’
لشدة صدقه، فككتُ قيده مباشرة.
لكنه بدا متفاجئًا ثم سأل وهو يحرك معصمه:
-“وماذا عن المئة مليار؟”
-“لديّ مالٌ كثير الآن!”
قلت غاضبةً.
-“لا أنوي تسليمك للبرج وأخذ المكافأة!”
-“يمكنكِ أخذها.”
-“لن آخذها! بماذا تظنني…….”
ومن هناك سارت الأمور بسرعة.
ذهبنا معًا إلى البرج، ودخل فيليون من تلقاء نفسه ليُعلن وصوله.
ثم سُجن بقيودٍ جديدة، لكن بفضل الكونت لم يتعرض للتعذيب، بل بدأت المحاكمة فورًا.
والآن……
“رايلي.”
رفعت رأسي مع اقتراب خطوات، فظهر فيليون.
“انتهى الأمر؟”
“نعم، انتهى بخير.”
“إذن…… أنرحل؟”
أومأ فيليون، فركبنا العربة معًا متجهين شرقًا، تمامًا كما جئنا.
حين وصلنا إلى الميناء الشرقي، سارت الأمور بسرعةٍ أيضًا.
وجدنا سفينةً متجهة للقارة الشرقية واشترينا التذاكر. تجولنا قليلًا في المدينة للتسوق، ثم صعدنا على متنها.
كل شيءٍ جرى بسلاسة.
لم يبقَ ما يثقل صدري.
ولذلك……
‘عن ماذا سنتحدث الآن……؟’
كان فيليون بجانبي، مستندًا إلى الدرابزين يحدق بالبحر.
صوت الموج الهادئ يملأ الأذن، والسماء صافية. سطح السفينة مسالم أكثر من اللازم.
لكن لا كلام لدي.
‘لقد كنا دومًا نتحدث عن مشاكل يجب حلها.’
كنت أستجوبه بعناد، وهو كان يماطل بردوده الغريب، فاستمر الحديث هكذا.
‘والآن أدرك أنني لم أقضِ يومًا دون مشاجرةٍ معه تقريبًا.’
ربما لهذا لا أعرف ماذا أقول.
لو كان معي هاتفٌ ذكي، لنشرت منشورًا في مجتمعٍ ما.
<يا رفاق، ماذا أفعل؟>
<أنا الآن في موقفٍ محرجٍ قاتل.>
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 116"