كنتُ قد هرعتُ بالفعل خارج المكتب وخرجتُ إلى الرواق، لكن على أيِّ حال، لم يتعرَّض وليُّ العهد لمزيدٍ من الضرب.
وبدلًا من ذلك، أصبحتُ هدفًا لأنظار الجنود جميعًا. كنتُ أظنُّ أنّهم سيتهافتون عليَّ غاضبين لسؤالي عن من تجرؤ على لمس جسده، لكن على غير توقّعي، ظلّوا جميعًا هادئين.
مع ذلك، أخذتُ أراقب الوضع متردّدةً عمّا إذا كان يجدر بي أن أشرح.
“بخير، تقولين؟”
“……عفوًا؟”
“إنَّ بطلتنا صاحبةُ قلبٍ واسع جدًّا. شكرًا لكِ! حقًّا شكرًا!”
عندها فقط أدركتُ.
‘لقد كان ينتظر أن أقول إنَّني بخير.’
حسنًا، لا يعني هذا أنَّ حقيقةَ محاولةِ وليِّ العهد قتلي ستختفي، لكن يبدو أنّه كان يريد على الأقل سماع كلمة “أنا بخير” منّي مرّة واحدة.
أنظر إليه الآن، وجهه قد تغيّر لونه فجأة، ويبدو مرتاحًا تمامًا.
“لقد اندفعتُ أكثر من اللازم. هل نعود إلى الداخل؟”
ظلّ قويَّ العزيمة حتى وهو يجلس على المقعد الأعلى في المكتب.
يداه وقدماه قد اسودَّت تمامًا، ومع ذلك ما زال في قمّة النشاط. حتى أنا التي خطّطتُ لذلك اندهشتُ، وظللتُ أراقبه مليًّا وهو يعود إلى مقعده.
جلسَ فيليون في الجهة المقابلة لي.
“يجب أن تكون أكثر حذرًا.”
“فهمت. لن نُقيم بطولة الصيد السنويّة أبدًا…….”
“أنا لا أمزح.”
تابع فيليون بنبرةٍ هادئة.
“ذلك السحر ليس سحرًا عاديًا. وهو أيضًا أوَّل محاولةٍ في التاريخ.”
“…….”
“لذا عليك أن تحافظ على حالتك الحاليّة قدر الإمكان. حتى الجروح الصغيرة قد تخلُّ بتوازن المانا لديك، لذا كُن أكثر حذرًا من المعتاد. فحين تقع الحادثة سيكون الأوان قد فات.”
“…….”
“لأنّه لا أحد سيعرف طريقةً لعلاجك.”
كان صوته غارقًا في الجديّة لدرجة أنّ الجوَّ حولي صار باردًا. لم أكن أفهم لماذا يقدِّم نصيحته بهذه الصرامة، لكن ابتسامة الإمبراطور لم تفارقه.
ثم قال بهدوء، وقد اختفى كلُّ أثرٍ من حماسته السابقة.
“حينها، سأتقبّل الموت.”
كانت كلماتٍ جعلتني أرتجف دوّن وعي.
شدَّ الإمبراطور زاوية شفتيه أكثر وهو يرفع فنجان الشاي.
“في الحقيقة، لم أظنَّ أبدًا أنني سأعيش طويلًا. ليس لأن لديَّ مرضًا خاصًّا…… بل كان أشبه بحدس.”
“…….”
“سيكون كذبًا إن قلتُ إنّ الجسد الذي يتآكل ليس مؤلمًا، لكن بطريقةٍ ما كنتُ أتقبّل الأمر. كنتُ أفكّر: آه، النهاية تقترب. هذه المرّة تأخَّرت قليلًا. وقد أنهيتُ الاستعداد للموت منذ زمن طويل.”
ابتسم الإمبراطور بلطفٍ وهو ينظر إليَّ.
“لذا، لستُ قلقًا بشأن البحث عن الخلود.”
ثم، وهو يحتسي الشاي، بدت عليه ملامحُ وكأنّه أدرك شيئًا، فاتّسعت عيناه قليلًا ثم ابتسم مجددًا.
“أكنتَ تريد الحصول على ذلك الجواب منذ قليل؟”
قطّب فيليون حاجبيه قليلًا.
“……لا.”
“لطالما اعتقدتُ أنّكَ تريد أن تُصبح دوق ألفيرت. هذا مفاجئ جدًّا.”
“…….”
“كنتُ أظنّ أنّك تريد الانتقام من إخوتك. فلا أظنّ أنّك قد سامحتهم أبدًا بطبعك.”
لم أملك إلا أن أقطّب حاجبي أيضًا. ما هذا الكلام؟ نظرتُ بينهما حائرة.
وفجأةً، فهمت. واندهشت.
‘هذا الرجل قد اختار حمايتي على منصب الدوق؟’
قبل قليل، عرض الإمبراطور أن يساعد فيليون ليصبح دوق ألفيرت، وفيليون رفض.
ظننتُ أن السبب هو أنّه يريد من الإمبراطور أن يراقبني، لكن في الحقيقة كان له هدفٌ آخر.
‘أن يتوقف الإمبراطور عن البحث عن الخلود.’
ذلك هو الشرط الذي أراده فيليون.
‘حتى أكون في أمان.’
صحيح أنّ فيليون وريثٌ قويّ حتى دون هذه الصفقة، بما أنّ الدوق ألفيرت قد اختاره، لكن الطريق لم يكن ممهّدًا تمامًا.
ألم يحاول إخوته قتل فيليون وهو طفل؟ من يدري ما الذي دبّروه بعد.
لكن إذا دعم الإمبراطور فيليون، فلن يجرؤ إخوته على التحرّك علنًا، وستجري الأمور بسرعة، وسيتمكّن من توجيه ضربةٍ موجعة لهم.
― “سأفعل أيَّ شيء لإنقاذكِ.”
وبينما ألمس وجنتي التي سخنت، واصل الإمبراطور وفيليون حديثهما.
“لن أبحث عن الخلود. كما أنني سأعيد النظر في ولاية العهد للورانس. وكلتاهما نيّةٌ صادقة.”
“أشكرك.”
“لا داعي للشكر. كنتُ سأفعل هذا على أيّ حال.”
فإذا أصبح لورانس إمبراطورًا الآن، سيتعب الجميع. قال الإمبراطور ذلك وهو يتنهّد طويلًا.
ثم نظر إليَّ مبتسمًا مجددًا.
“والآن، حان دور آنسة بطلتنا.”
“عفوًا؟”
“لقد أنقذتِ حياتي، وأودُّ أن أردَّ لكِ الجميل. أرجوكِ لا ترفضي بدافع الأدب، فهذا سيكون أكثر وقاحة.”
تردّدتُ فيما أقول، ثم نظرتُ إلى فيليون، الذي أومأ لي قليلًا.
بعد لحظات، قلتُ للإمبراطور بوجهٍ حازمٍ.
“هل يمكن أن تساعدني على سداد دَينٍ ما؟”
في اليوم التالي، تلقيتُ حقيبةً كبيرة مملوءة بالجواهر كهدية.
***
ذكر لي الخادمُ، وهو يشرح قيمة كل جوهرة، في النهاية وهو يناولني رسالةً مطويّة بعناية.
“إن احتجتِ إلى المزيد، فابحثي عن هانس لويد في الأزقّة الخلفية لمدينة إسنفيل بشرق القارّة. إنَّه جاسوس للإمبراطوريّة.”
لم أرفض الرسالة وأخذتها. ليس لديَّ الآن نيّةٍ للتواصل مع الإمبراطوريّة، لكن من يدري.
‘يا للجنون، هذا يكفي لسداد الدين وزيادة.’
رغم كلّ ما حدث، فقد حقّقتُ هدفي أخيرًا.
‘المال هو أفضل علاج. أشعر بثراءٍ في قلبي.’
كما انتهى حديثي مع سحرة القصر بشكلٍ جيّد.
أعطيتهم ورقةً توضّح هيكل الأداة السحرية وطريقة إصلاحها، وشرحت لهم كيف يتصرفون إذا حصل أيُّ خلل.
ولأنّ السحر لم يكن من المانا خاصّتي بل من أحد سحرة القصر، فلن أزور هذا القصر مُجددًا، لذا أخذتُ كلَّ التفاصيل.
لم نحاول نقل السحر المقيّد إلى القصر الإمبراطوري، فهنا في هذا المكان تدفق المانا هو الأفضل في الإمبراطوريّة.
الإمبراطور لم يعترض.
“ليس لديّ أيُّ شكوى. أردتُ أن أقضي بقية حياتي في مكانٍ جميل كهذا. أنا راضٍ للغاية.”
تذمّر وليُّ العهد قليلًا، لكنّه صمت بعد أن تلقّى ضربة على ظهره من الإمبراطور.
وأثناء ذلك، همستُ لفيليون.
“……لماذا لم تخبرني منذ البداية؟”
“بماذا؟”
“الإمبراطور أراد صفقة، أليس كذلك؟”
فيليون التزم الصمت عندما عرض عليه الإمبراطور جعله دوقًا، ولم يذكر الخلود مباشرةً، فكان هذا ما أردتُ معرفته.
“إن ذكرتُ الشرط أولًا، فسيستغلّه الإمبراطور.”
“يستغلّه؟ كيف؟”
“لا أعلم تحديدًا، لذا لم أقل شيئًا. لقد رأيتُ كثيرين ينخدعون بابتسامةٍ ودودة فيقولون أشياء لم يكن عليهم قولها، حتى ينسوا هدفهم الأصلي.”
“…….”
“لذلك، من الأفضل أن نكون حذرين في حضرة الإمبراطور. والأفضل ألّا نتبادل معه الحديث أصلًا.”
حين فكّرتُ في الأمر، أدركتُ أنّه لو بدأنا بموضوع الخلود، لما قال الإمبراطور شيئًا عن تغيير وليّ العهد.
‘وكان سيسألني أيضًا إن كنّا نحن الاثنان على علاقة كما في الشائعات.’
كان يبدو أنّه ما زال فضوليًّا، لكن بما أنّ فيليون كان باردًا في ردوده، فقد امتنعت عن استفزازه.
عندها، اقتربت منّي إيريون.
“سأواصل مراقبة أوضاع القصر.”
“شكرًا لكِ.”
أمسكت يدي بوجهٍ كئيب.
“أأنتِ متأكدة من أنّكِ لستِ بحاجةٍ لمرافقتكِ إلى الميناء؟”
“أنتِ أيضًا تحتاجين إلى راحة. لقد أتعبتُكِ بمرافقتي طوال هذه الفترة.”
“هيه، لم أتعب أبدًا…….”
“الهالات السوداء تحت عينيكِ واضحةٌ جدًّا.”
“أوه! حقًّا؟”
“نعم، حقًّا.”
وضعت يدها على عينيها، ثم أمسكت بيدي من جديد.
“عندما تصلين إلى القارّة الشرقيّة …… تواصلي معي فورًا.”
أجل، كنتُ عازمة هذه المرّة على العودة إلى القارّة الشرقيّة.
لا أظنّ أنّ الإمبراطور سيتراجع عن كلامه، والسحر مستقرّ، ولا يبدو أن وليَّ العهد سيتغيّر فجأة.
لكن الحياة لا يمكن التنبؤ بها، ولم أرد البقاء في هنا.
هنا، سأبقى دائمًا في حالة حذر، ولن أعيش بارتياح.
لقد تمنّيت العودة إلى الشرق لوقتٍ طويل، كأنّها تعويذةٌ أكررها.
“حين اتواصل معكِ، أرجو أن ترفعي اللعنة عن الأمير الثاني.”
“اللعنة؟ آه، تقصدين لعنة الزكام. لا أظنّ أنّه يلاحظها أصلًا، فهو نشيطٌ للغاية.”
“لكنّه لا بد أن يشعر بضعفٍ طفيف. وكان اتفاقنا الأوّل أن أرفعها حين أصل إلى القارّة الشرقيّة.”
في الحقيقة، لو التزمتُ بالاتفاق من البداية، لفرضتُ لعنةً أقوى بكثير من مجرّد زكام.
‘لكن الأمير الثاني بدا شخصًا طيّبًا، فلم أستطع أن أكون قاسية.’
لقد جاءني بنفسه عبر تلك الغابة الفوضوية ليقول إنّه سيتحمّل اللعنة.
‘كما أنّه ارتعب قليلًا من سحر الرياح الذي أطلقه فيليون…….’
بينما كنتُ أفكّر في ذلك ورفعتُ رأسي بلا قصد، التقت عيناي مباشرة بعيني فيليون.
كان يقف بالوضعية نفسها كما حين تحدّثنا قبل قليل، متكئًا قليلًا على الحائط، ويداه في جيبي معطفه، وعيناه مثبتتان عليّ.
“ما الأمر؟”
“…….”
“لا تريد أن أرفع اللعنة؟”
“……لا.”
ثم حوّل نظره للأمام، وبعد قليل أدار ظهره تمامًا وغادر.
في الداخل، كان صوت الإمبراطور يصدح بزجره، بينما كان الأمير الثاني وسحرة القصر يحاولون تهدئته، وإيريون تتحدث مع أحد الخدم.
تركتهم خلفي وبدأت أسير.
كلّما تقدّمت، ابتعد الضجيج، وحلّ السكون من حولي.
لم أسمع سوى وقع خطوات فيليون. أسرعتُ للحاق به من خلفه.
“فيليون.”
أمسكتُ بطرف معطفه أخيرًا.
عادت عيناه البنفسجيتان الغائرتان لتنظر إليّ.
فتحتُ شفتيّ ببطء.
“سأغادر هذا المكان.”
“……حسنًا.”
ثم، بقلبٍ يرتجف، وبكل حذر.
“لذلك…….”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات