الفصل 11
يعني، كان سؤالًا بلا أيِّ معنى من الأساس.
أو ربّما، كان يفتخر منذ ذَلك الحين بأنّه سيتّخذ تلميذًا.
قد يكون أراد استفزازي بعدما تخلّى عنّي الكونت فولكس، ليثبت لي أنَّ جدّه مختلف.
المهمّ في الأمر أنَّ فيليون لَمٌ يكُن مهتمًّا أبدًا برأيي.
ومع ذَلك، أجبته بعد أيّام. ترى كم بدا مظهري سخيفًا وقتها؟
في اليوم الذي رأيتُ فيه إيريون لأوّل مرّة، تظاهرتُ بالهدوء، لكنّني ندمتُ بشدّةٍ بعد عودتي إلى الغرفة.
ذَلك بعدما كان يسخر منّي بتلكَ الطّريقة…
‘هل يُعقل أنّه كان يُحبّني؟’
إذًا، لماذا فعل كلّ ذَلك وقتها؟
ومنذ متى بدأ يُحبّني؟ رأسي امتلأ بالتّساؤلات.
طبعًا، إيريون شخصٌ رائع، وأنا سعيدةٌ بالتعرّف عليها.
لكن، هَذا لا يُلغي حقيقة أنَّ فيليون خدعني في الماضي.
‘هل عليَّ فقط أنْ أتركه وأرحل؟’
حتّى لو عاد إلى برج السّحر، فلَن يُقتل على الفور.
هو الوحيد الذي يعرف مكان الكتاب المحرّم.
حتّى لو عُذّب حتّى حافّة الموت… فيليون، على الأرجح، سيعرف كيف…
“ما الأمر؟”
كيف…
“لماذا توقّفتِ؟ قلتِ إنَّ هناك ذكرياتٍ جيّدة. وبعدها؟”
هل سيصمد؟
‘ربّما سيُقتل مباشرةً لأنّه وقحٌ جدًا.’
تنفّستُ بعمق ثمّ رفعتُ رأسي مجدّدًا.
“أنا لَن أُؤذيكَ أبدًا.”
ثمّ أضفتُ بصوت منخفض:
“طالما لَمْ تهاجمني أولًا.”
“……سمعتُ أنّكِ جئتِ إلى القارّة الغربيّة لأنّكِ بحاجةٍ إلى المال.”
“صحيح، أحتاج المال فعلًا. لكن، ليس لدرجة أنْ أكون محتالة. بريدين جلبت لي مهمّةً لا بأس بها.”
مهمّةٌ سهلة، لا تستغرق وقتًا طويلًا، لكنّها تُدرّ الكثير مِن المال.
“وليستُ مستعجلةً أيضًا. أصدقائي أشخاصٌ يُمكن الوثوق بهم، لذا أجّلوا موعد السّداد. يُمكنني إيقاظ بريدين، ثمّ تنفيذ المهمّة، بل حتّى إنجاز مُهمةٍ أخرى قبل العودة. والأهمّ مِن هذا…”
“……”
“حقيقة أنّني قد أصبح غنيّةً ببيعك، لَن تجعلني أنام براحة.”
إنها مشاعرٌ سيّئة، حقًا.
أنْ أحصل على حياةٍ جيّدة بفضل فيليون؟
“وإذا لَمْ تُصدّقني… فقط راقب.”
“……”
“لَن تخسر شيئًا. إنْ نجح الأمر، فذًلك جيّد. وإنْ لَمْ ينجح، يُمكنكَ الهرب فورًا. السّحر ليس معجزةً. لَمْ تُقاتل ساحرًا مِن قبل؟”
قد لا يملك الخبرة، لكنّه يعرف الطّريقة.
فقد أمضى وقتًا طويلًا مع دايل، والسّاحر كفؤ لا بدّ أنّه وضع خطةً بديلة.
“سأفعل ما أستطيع فعله. فكّر جيّدًا أنتَ أيضًا. ما هو أفضل ما يُمكنكَ فعله الآن، مِن أجل نفسك ومِن أجل دايل؟”
“……”
“……سأعود غدًا.”
استدرتُ فجأةً وتوجّهتُ نحو الباب.
هَذا يكفي. قلتُ كلّ ما لديّ.
تكلّمتُ بحماسٍ شديد حتّى جفّ حلقي.
‘وإنْ رفض بعد كلّ هَذا… فلا بأس.’
لا خيار سوى أخذ بريدين والعودة.
وفيليون؟ سيتدبّر أمرهُ بنفسه.
لو مات، فسيزعجني ذَلك، لكن ماذا عساي أفعل؟ هو مَن رفض المساعدة.
الغريب أنّني لا أتوقّع منهُ إلا الرّفض.
نحن لا ننسجم على الإطلاق.
تمتمتُ بذَلك وعدتُ إلى النّزل.
وفي اليوم التّالي.
“فيلي… لا، أيُّها الكلب الأسود؟ هل أنتَ في الداخل؟”
هل ذهب فعلًا للبحث عن ساحرٍ آخر؟
كنتُ أتساءل حين فُتح الباب ببطء.
فيليون الذي رأيتُه مُجدّدًا كان كما هو بالأمس.
لم يتغيّر شيءٌ سوى ملابسه.
وكأنّه قصّ شكل الأمس ولصقه في اليوم، وجهه الخالي مِن المشاعر كما هو.
لا أستطيع تخمين ما يُفكّر فيه.
لكن، رأيتُ حركة عينيه البنفسجيّتين الفاتحتين.
بدأ يتفحّص وجهي ببطء، وبعنايةٍ شديدة.
وبعد أنْ أنهى تفحّصه، تنفّس بهدوء.
“تفضّلي بالدّخول.”
فُتح الباب على مصراعيه.
لقد سمح لي بالدّخول.
***
لكن، ريكس لَمْ تدخل مباشرة.
كانت تُحدّق فيه، وكأنّها لا تُصدّق، ثمّ نظرت إلى داخل المنزل.
ثمّ عادت لتنظر إلى الكلب الأسود وسألته: “حقًّا؟”
“نعم.”
“حقًّا حقًّا؟”
“إنْ لَمْ ترغبي بالدّخول، فلا بأس.”
“لا، لا! سأدخل طبعًا! يا إلهي، هل أنا حقًّا مَن أقنعتُ فيليون؟”
تمتمتْ لنفسها بصوتٍ منخفض.
هل يُمكن اعتبار هَذا فوزًا؟ فوزٌ واحد؟
سألها الكلب الأسود، لكنّها لَمْ تُجب، فقط حرّكت رأسها نفيًا.
“انتظر قليلًا. سأعود بعد أنْ أُحضّر أغراضي.”
وعادت ريكس بعد ساعةٍ تقريبًا، وهي تحمل حقيبةً كبيرة.
وضعت على الطاولة كتبًا سميكة، وأدوات كتابة، وأوراقًا، وأنواعًا مختلفة مِن الأعشاب.
جلس الكلب الأسود على الأريكة يراقبها مِن بعيد.
كانت مرتّبةً ومُركّزة، تبدو وكأنّها بدأت تفكّر في التّجارب منذ الآن.
لَمْ تُلقِ نظرة على أرجاء المنزل، ولَمْ تُحدّق به بخلسة.
لكن، رغم ذَلك، لم يتمكّن مِن التخلّص مِن شعوره بعدم الارتياح.
في الليلة الماضية، لَمْ يبقَ في المنزل فقط.
ذهب إلى الأزقّة الخلفيّة حيث تُقال الأسرار، وهناك التقى بمزوّد معلوماتٍ يعرفه هو ودايل منذُ وقت طويل.
وسأله: مَن هو السّاحر القادر على فكّ التّحجّر؟
ضحك المزود ساخرًا وأجاب:
ـ أنت ودايل؟ لَن تنجحا حتّى لو مُتّما وعدتما مِن جديد.
ـ “……وماذا عن الهروب؟
ـ جرّب فقط. أنا نفسي فضوليٌّ لأعرف النّتيجة.
عاد الكلب الأسود إلى المنزل وهو يَعضّ على أسنانه.
ظنّ أنَّ تلكَ المرأة خدعته مجدّدًا.
ولذا قرّر أنْ يرفضها.
كان يدرك أنّه هو مًن يحتاج إليها، لكنّه لم يكُن يريد إدخال شخصٍ مشبوه إلى منزله.
كان هَذا قراره وهو يفتح الباب…
الغريب أنّه، ما إنْ رأى ريكس حتّى انعقد لسانه على الفور.
لم يستطع أنْ ينطق بكلمات الرّفض.
― تفضّلي بالدّخول.
لم يحدث معه هَذا مِن قبل، ولا يحدُث الآن أيضًا.
هو يعرف جيّدًا أنّه قادرٌ على طردها في أيِّ لحظة، لكنّ الكلمات لا تخرج مِن فمه.
ولهَذا، ها هو الآن في هَذا الوضع. يراقبها، بينما ريكس تراقب التّمثال الحجريّ.
وبعد مرور حوالي ساعتين، نهضت ريكس فجأةً مِن مكانها.
“إلى أين تذهبين؟”
“إلى متجر العقاقير. سأطلب الأعشاب الضّروريّة أوّلًا، وأشتري زجاجات، وبعض الكتب الجديدة المُتعلّقة باللّعنات…”
وقف الكلب الأسود من مكانه.
“سأذهب معكِ.”
نظرت إليه ريكس بعينين مُتفاجئتين.
“لتساعدني في حمل الأغراض؟”
لكنّ الحقيقة أنّه أراد مراقبتها.
“فيليون يعرض نفسه كحامل أمتعة؟…”
كانت تنظر إليه كما لو كانت ترى مخلوقًا نادرًا، لكنّها لَمْ ترفض، وخرجا معًا إلى المدينة.
الخروج لَمْ يكُن مزعجًا كما تخيّل.
ظنّ أنّها ستبدأ بالكلام بإفراط لتُحاول التّقرّب منه، لكن ريكس لَمْ تقل أكثر مِن الضّروريّ.
سألت عن الوجهة والهدف، وكان ذَلك كلّ شيء.
لكن إنْ توقّف الكلب الأسود عند شيءٍ محدّد، فإنّها تلاحظ وتشرح له دوّن أنْ يسأل.
وبينما تلقّى منها تلكً اللّفتات، لم يجد الكلب الأسود مانعًا مِن أنْ يحمل عنها الأغراض.
ولَمْ ترفض ريكس ذَلك.
وعندما عادا إلى المنزل، كانت الشّمس قد بدأت بالغروب.
“سأعود غدًا.”
قالت ريكس ذَلك بينما ترتّب أغراضها وتُجهّز معطفها. وكذلك فعل الكلب الأسود.
“سأوصلكِ.”
“أنتَ توصلني أيضًا؟!”
أراد أنْ يعرف مكان سكنها، فقد يضطر لمُباغتتها لاحقًا.
“هل أنتَ بخير؟ لم تُصب بضربةٍ في رأسك بالأمس؟!”
“……هل كان فيليون إلفيرت شخصًا حقيرًا؟”
“آه، لا، ليس إلى تلكَ الدّرجة…”
لكنّ نظرتها كانت تقول: ‘تقريبًا كذَلك’. وما تبعها مِن شرحٍ أكّد ذلك.
“الشّخص الذي أعرفه لَمْ يكُن يساعد الغرباء أبدًا. لَمْ يكُن يهتمّ بالآخرين مِن الأساس. كان يُقدّم المساعدة إنْ طُلبت منه، ولكن قبل ذَلك، بالكاد يشعر أنَّ هُناك أحدًا بجانبه.”
“معكِ أيضًا؟”
“لا، لقد ساعدني عدّة مرّات… لكن عندما أفكّر بالأمر الآن، أشعر أنّه كان يُمهّد لشيءٍ ما.”
كلماتها لم تكُن واضحة، لكنّ الكلب الأسود أدرك شيئًا واحدًا:
‘يبدو أنَّ علاقتنا لَمْ تكُن سيّئةً تمامًا.’
وشكّه ذَلك تحوّل إلى يقين حين أوصل ريكس إلى النّزل.
لا توجد امرأةٌ تُخبر رجلًا غريبًا عن مكان سكنها.
لكن، هَذا النّزل كان…
“المُفتاح الصّدئ؟ هل تقيمين هُنا؟”
“أتعرفه؟”
“هَذا المكان لا يُمكن وصفه بنزل. زبائنه الأساسيّون هم السّكارى الغارقون في الخمر. والغرف مُجرد ديكور لا أكثر.”
“الأجواء فعلًا كذَلك. لا بأس، طالما أنني وضعتُ حواجز سحريّةً مُتقنة، فلَن يكون هُناك خطر.”
“لا بدّ أنْ التنظيف رديءٌ أيضًا…”
قطّب الكلب الأسود حاجبيه.
“كيف تُنفقين أموالكِ؟”
“لماذا تسأل بهَذهِ النّبرة؟ ثمّ، حتى لو كنتُ أملك المال، فلا يُمكنني استخدامه. أحتاجه كلّه لتحضير الجرعات.”
“إنْ لَمْ تُرد المساعدة، فلا بأس.”
مدّت ريكس يدها وكأنّها تطلب حقيبتها.
تنفّس الكلب الأسود تنهيدةٌ طويلة.
“……أين هي الغرفة؟”
غرفتها في الطّابق الثّاني، في آخر الرواق، كانت فعلاً تليق بسمعة النّزل.
ضيّقة، قديمة. لا يوجد بها سوى سريرٌ لشخصٍ واحد وطاولةٌ جانبيّة.
ومع ذَلك، كانت الغرفة مكتظّة.
“حين أرى هَذا المكان، أظنّ أنّكِ حاولتِ إقناعي لأنّه لا يوجد مكانٌ للتمثالٍ هنا.”
“لـ، ليس هَذا السّبب فقط!”
إذاً، هو أحد الأسباب فعلًا.
“أتحبّ شرب الماء؟… آه، لًن تشرب، صحيح؟ سآخذ كأسًا لنفسي.”
بمهارة، صنعت ريكس ماءً بسحرها وملأت الكأس الموضوعة على الطاولة.
كان الكلب الأسود يُحدّق بها.
لا يزال لا يفهمها.
ولذا، قرّر أنْ يراقبها باستمرار.
فلو لاحظ أنَّ هناك أيِّ شيءٍ مُريب أو مُتناقض في كلامها…
“ما الأمر؟”
كان غارقًا في أفكاره حين التقت عيناه بعينيها.
أخذت رشفةً مِن الماء ثمّ ابتسمت قليلًا.
“مع أنّكَ نشأت مدلّلًا وتكره الأماكن القذرة، لكنّكَ أتيتَ معي. أشعر أنَّ هَذا غريب.”
“مجرد كلام، لا تُعِرْه اهتمامًا.”
أدارت وجهها، وكان كلامها صحيحًا.
في الحقيقة، هو يُريد المُغادرة فورًا.
لكنّه متأكّد أنَّ ملامحه لَمْ تُظهر ذلك.
‘ريكس إيميل.’
ما زال الاسم غريبًا على لسانه.
في كلّ فرصةٍ يُحاول أنْ يتأمّل وجهها، لكن لا شيء يخطر بباله.
ومع ذَلك، لَمْ يعد بإمكانه إنكار أنّها تعرف شيئًا عنه قبل أنْ يفقد ذاكرته.
فما نوع العلاقة التي كانت بينهما؟
اقتربت منه وتكلّمت معه رغم أنّه فقد ذاكرته.
وبدا عليها الارتباك حين لَمْ يتعرّف عليها.
قلِقت لأنّه تلقّى صفعة.
طلبتْ منه ألّا يتدخّل لأنّ الأمر خطير.
طلبت ثقته.
تعرف مكان جرحهِ السّريّ.
وقالت بنفسها إنّهما كانا كالأعداء.
لكنّها أضافت أنَّ هناك ذكرياتٍ جميلة أيضًا.
لو جمع كلّ هَذهِ الأمور…
“هل كُنّا متزوّجين ثمّ تطلّقنا؟”
“بووهاه!”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 11"