الفصل 108 :
ارتعش جسّد الخادم ارتعاشًا شديدًا.
لكن رغم هذا الصوت الصاخب، لم يفتح الإمبراطور عينيه.
نظر لورانس إلى قطع المزهرية المحطمة وهو يزمجر.
“من هولدن ……!”
في تلك اللحظة، فُتحت الباب مع صوت خفيف.
“كنتُ أتفقد الأمر وعدت للتو.”
ظهر هاربر مع الإجابة. وعندما أومأ برأسه باختصار، غادر الخادم المرتعش الغرفة مباشرةً دون أن يخفي سروره.
الآن، من تبقى في الغرفة كانوا الإمبراطور ولورانس وهاربر والخادم العجوز الذي خدم الإمبراطور طويلًا.
بعد أن انحنى هاربر تحيةً للخادم العجوز، واصل حديثه.
“تحققتُ بنفسي. لم تقتصر الأضرار على الأرض التي تشققت كما لو كان هناك زلازل، بل احترقت الغابات بأكملها أيضًا.”
“اللعنة…….”
“بالتأكيد هناك من يعارض أعمالنا.”
“لابد أن يكون هذا فعل ريكس إيميل!”
ركل لورانس قطع المزهرية وجلس على الكرسي بارتباك.
“يقال إن تلك المرأة متخصصةٌ في السحر العناصر! سواء النار أو الأرض، فهي من عناصر سحرها!”
“ستختبئ تلك المرأة في مكانٍّ ما. لا يمكنها أن تفعل هذا بسبب كونها مطلوبة.”
“هل لديها مساعد؟”
“نعم، وليس واحدًا أو اثنين فقط. هناك ساحرٌ قوي أيضًا. بما أن فيل لم يتمكن من استخدام السحر، يبدو أنها تلقت المساعدة مِن قوى خارجية.”
شعر هاربر بالتوتر من كلماته وخرخر بقلق.
القوى الخارجية تعني أشخاصًا خارج الإمبراطورية، مِمَن يرغبون في سقوط الإمبراطورية.
كان الآن الوقت المناسب لمراجعة كل شيء: من دعم ريكس إيميل، إن كان هناك خائنٌ بين الداخلين، وحركات قوات الدول الأخرى.
“لا يجب أن نبقى في هذه القرية، يجب العودة إلى القصر الإمبراطوري…….”
“اسرعوا بالبحث عن المكان التالي.”
“لقد جُند جميع الأتباع الذين كانوا يلاحقون ريكس إيميل. وسنرسل المزيد من القوات تحسبًا لأيّ طارئ هنا……”
“استخدموهم جميعًا للعثور على المكان التالي! لا يهم أيّ دولة، فقط اعثروا عليها!”
“……هل هذا يعني أن جلالتك سترسل الإمبراطور خارج الإمبراطورية؟”
“لابد من ذلك!”
صرخ لورانس بغضبٍ ووجهه أحمر.
“يقال إن السحرة سيستهلكون كل المانا في هذه المنطقة قريبًا. لا مجال لانتعاشها، كل المانا تُستنفد!”
“…….”
“علينا التحرك قبل ذلك. لابد أن نُنقذ الإمبراطور!”
حاول هاربر كتم تنهيدةٍ متصاعدة.
“حسنًا.”
مع صوت طَرق الباب، عاد الصمت إلى الغرفة.
اقترب لورانس بحذر من الإمبراطور الممدد وأمسك بيده.
ذراعه التي تحولت إلى اللون الأسود لم تعد تنقل أيّ دفء. كانت يابسة وخشنة كالفحم المحترق.
“كان يجب أن نتحرك أسرع……”
“جلالتك……”
“لو قبضنا عليها فور وصولنا مخبأ إلفيرت…… ربما كان لدينا فرصة……”
“……”
“كان لدينا الكثير من الفرص……”
اقترب الخادم العجوز من الجانب الآخر للسرير وداعب كتفه بلطف.
“إدوين، أخبرني، ماذا عليّ أن أفعل الآن؟”
“……سأجلب لك ماءً دافئًا على الأقل.”
غادر إدوين الغرفة، وترك لورانس وحيدًا.
الإمبراطور لم يفتح عينيه بعد.
لم يستطع لورانس كتم دموعه أكثر.
انكمش متكورًا على ظهره، وخرج أنينه الطويل، وارتجفت كتفه النحيلة بلا توقف.
ظل إدوين بعيدًا حتى هدأت مشاعر لورانس قليلًا.
مسح لورانس دموعه ولاحظ شيئًا غريبًا. هل هذه مجرد خيالات؟ كان القصر هادئًا بشكلٍّ غير طبيعي.
خرج لورانس بخطواتٍ ثقيلة، وفتش الممر.
لم يشعر بأيّ أثرٍ لأيّ شخص.
“إدوين؟”
حتى الحراس والفرسان، لم يكن أحدٌ موجودًا.
شعر وكأنه وحيدٌ في القصر، وغرق في شعورٍ غريب، ناسيًا أن الإمبراطور يجب ألا يُترك وحده.
وعندما وصل إلى درج اللوبي، قابل شخصًا أخيرًا.
“راول؟”
“أخي!!”
كان الأمير الثاني راول يفتح باب القصر ويركض للداخل، وبجانبه إيريون، وباقي من تبعهم……
“ريكس إيميل……؟”
نظر ولي العهد بغضبٍ حوله.
“هاربر! هاربر! أين ذهبت؟”
“أخي!”
“أمسكوا هذه المرأة فورًا!”
قفز راول الدرج ووصل أمام لورانس.
“اهدأ!!”
“راول! علينا القبض على هذه المرأة!”
“مستحيل!”
أمسك راول بكتف لورانس بقوة.
“أعرف ما تفكر فيه، لكن مستحيل!”
“لماذا…….”
“قتل شخصٍ لإنقاذ حياة آخر؟ الإمبراطور لا يريد ذلك!”
“لا يريد؟ إذن هل يريد أن يبقى على حاله، كجثةٍ تكاد تتنفس……!”
“جلالتك!”
نادت ريكس، فأدار راول نظره إليها.
لم يكن هناك أيُّ شعورٍ بالعداء أو محاولةٍ للقبض عليها. كانت نظراتهما ودية، وحتى قريبةً أحيانًا.
“ما هذا…….”
“أين الإمبراطور؟”
“راول، لماذا…….”
“هيا!”
لم يستطع لورانس التحدث أكثر بسبب ارتباكه.
صرامة راول أربكته تمامًا.
“أخي! أين الإمبراطور؟”
بحدة عينيه، لم يستطع لورانس إلا أن يتجه نحو الداخل.
أومأ راول بعد أن قرأ نظرة لورانس، وتسارعتا إيريون وريكس على الدرج متجاوزين لورانس.
لاحقهم لورانس، لكن سرعتهم كانت أعلى بكثير.
“انتظروا! ماذا تفعلون……!”
فتحت ريكس الباب دوّن تردد إلى غرفة الإمبراطور.
كان لورانس يريد الصراخ، يحذرها من أي أذى قد تسببه للإمبراطور، لكنه تجمد.
وقف شخصٌ غريب بجوار سرير الإمبراطور.
لكن الشكل المألوف لشعرهِ وجسمه، جعل الأمر ليس غريبًا تمامًا.
لكن عينيه البنفسجيتان المتلألئتان، جعلتا لورنس يتجمد.
تنهدت ريكس ونادت اسمه.
“فيليون.”
***
أظهرت ذكرياتُ فيل بوضوحٍ حقيقة واحدة.
فيليون يُحبني.
كان يُحبني لدرجة البكاء عند قبري، واستمر في التفكير بي بعد موتي.
حافظ على مختبري ليترك لي مكانًا أعود إليه، وحتى أضر برئيسه وحرق الكتاب المحرّم بسبب كلامي في حلمه.
‘لم نكن قريبين جدًا، لكن على أيّ حال……’
‘لا أصدق هذا بعد……’
حتى أن فيل الفاقد للذاكرة أحبني، لكن فيليون الأصلي كان يُحبني طوال الوقت.
‘يا لهذا المجنون، أحبني ثم قال لي كلامًا فظيعًا في الماضي!؟’
“نعم، رايلي.”
الآن، هذا ليس المهم.
أوقفت أفكاري، ونظرت إلى فيليون بصرامةٍ وقالت بحزم:
“لا.”
صوتي كان صارمًا، كما لو كنتُ أوبخ جروًا مشاغبًا.
“ابتعد عن الإمبراطور، وإلا……”
“هل ستهاجمني؟”
ابتسم بخفةٍ وقال:
“أن تستخدمي السحر فور لقائنا؟ هذا قاسٍ جدًا، أليس كذلك؟”
“أعرف ما تفكر فيه، لكن لا.”
“حسنًا، حتى لو جلبتكِ بالقوة من حفل الزفاف، لم يكن لدي خيار، لأن ولي العهد حاول تفتيش سفينة تالون.”
“لا أريد ذلك، ولا يجب أن يُستخدم ذلك، لذا أرجوك……”
“حتى لو لم تُريد، لا يهم.”
كنت على وشك الصراخ “ماذا يهم إذًا؟”، لكنه قال:
“لأنني أريد أن أفعل.”
صُدمت من جرأته.
وجهه الجاد خالٍ من أيّ ابتسامة، مصممٌ جدًا.
‘إنه جاد بشأن قتل الإمبراطور.’
السبب واضح: لإنقاذي.
إذا مات الإمبراطور، فلن يكون لدى ولي العهد سببٌ لملاحقتي.
لكن هذا خيانة.
‘سيعالج الأمر لاحقًا، ولن يسمح لعائلته بالوقوع في الخيانة معه. سيفعل أيّ شيء لجذب انتباه ولي العهد إلى نفسه فقط.’
إذا ابتعدتُ عن ولي العهد……
“أكرر، مستحيل.”
قلت بحزم أكبر، بدون أيّ لطف.
كنتُ هنا لمنعه.
وكذلك كان إيريون والأمير الثاني.
“أعرف ما تشعر به، لكن هناك طرقٌ أخرى……”
“رايلي.”
ناداني بلطف، فأمسكتُ بزمام ثوبي.
“رايلي؟” سمعتُ صوت ولي العهد مستغربًا، لكن لم أكترث.
صوته، كما في ذكريات فيل، ما زال في ذهني.
“سأفعل أيِّ شيءٍ لإنقاذكِ.”
“……حتى لو لم أرغب في ذلك؟”
“حتى لو قررتِ ألا تنظري الي طوال حياتكِ.”
تنهدت بصوتٍ خافت.
“لقد أطلقتَ سراحي عن قصد، أليس كذلك؟”
أثناء مشاهدة ذكريات فيل، كنتُ أتساءل لماذا كان باردًا معي عندما كنا وحدنا.
رأيتُ لمحاتٍ من عينيه الدافئتين، لكنه غالبًا كان باردًا.
وبعد سماع أن جميع القصور التي كان الإمبراطور ينوي زيارتها دُمرت من قبل أتباع الأمير الثاني، فهمت كل شيء.
لقد كان مجرد تمثيل.
حبسني ليثير استيائي، وتصرف ببرودٍ لإجبارني على المغادرة.
‘لأذهب إلى القارة الشرقية دون أن أنظر خلفي.’
تمتم فيليون بصوتٍ خافت ومستاء
“كنتُ أظن أن إيريون أرسلتكِ إلى السفينة المتجهة للقارة الشرقية الآن.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 108"