قامته كانت بطول قامته تقريبًا، لكن جسده كان نحيلاً. شعره الفضي الطويل انسدل حتى تجاوز كتفيه.
وكانت له هالةٌ تجعله يبدو أكبر سنًّا من عمره الحقيقي.
“……مُعلمي.”
ابتسم له سيريوس، سيد برج السحر.
“لقد مرَّ وقتٌ طويل يا فيليون.”
“لم أتوقَّع أن ألتقي بك هنا أبدًا.”
“كنت أمرُّ صدفةً بالقرب من المكان، ورأيتك فقررتُ القدوم. فأنت لم تعد تأتي إلى برج السحر هذه الأيام.”
قال ذلك وهو يبتسم ابتسامةً مُرّة، وكأنه يرى أنّه لا ينبغي تفويت هذه الفرصة.
“……هل ترغب في لقاء رايلي مجددًا؟”
“حتى لو التقينا مجددًا، فلن تكون سعيدةً برؤيتي.”
مسح فيليون شاهد القبر برفق من جديد.
“حتى في أحلامي، لم أرها ولو لمرةٍ واحدة.”
“…….”
“أعتقد أنّها لم تعد تطيق حتى النظر إلي.”
عند التفكير جيّدًا، منذ كان عمرها سبعة عشر عامًا، نادرًا ما كانت تبادر هي بلقائه. كان دائمًا هو من يطاردها.
كان يُبرّر ذلك بأنّه مجرّد تجسّس لمعرفة نواياها، بينما في داخله كان يذهب إليها مفعمًا بالتطلّع لما سيتحدّثان عنه في ذلك اليوم، إذ إنّ أبسط الأمور وأصغرها كانت ممتعةً إذا شاركها معها.
‘لكن الآن، حتى في الأحلام، سيكون الأمر مستحيلاً.’
حتى لو كانت حيّة، فلن يكون ذلك ممكنًا. رايلي تكرهني.
‘……يبدو أنّني الوحيد الذي يرغب بلقائنا.’
هل عليه إذن أن يأمر أتباعه بإيقاف البحث عنها؟ ابتسم فيليون بمرارة.
“ماذا لو كانت هناك طريقةٌ للقاء مجددًا؟”
أعاد سيريوس طرح السؤال ذاته.
“هل ستفتحُ باب السماء مثلًا؟”
“غريب… لم أتوقّع أن أسمع كلمة ‘السماء’ تخرج من فمك.”
“……كانت رايلي تحبُّ مثل هذه الأمور.”
“حتى من دون فتح باب السماء، ماذا لو كانت هناك طريقةٌ للقاء الأموات؟”
صار سيريوس في نظر فيليون أشبه ببائعٍ متجوّل مشبوه في الشارع، أو حتى أحد الدجّالين.
“حقًا؟ هناك طريقةٌ كهذه في العالم؟”
“هناك.”
“رائع، مدهش.”
أجاب بلا مبالاة، فلم يكن في مزاجٍ يسمح له بسماع المزيد من هذا الحديث.
ولذلك أبعد يده عن شاهد القبر، وهمّ بالمغادرة متجاوزًا سيريوس.
“الكتاب المحرَّم في برج السحر.”
توقف فيليون فجأةً.
“باستخدامه، يمكن إعادة الزمن إلى الوراء.”
ابتسم سيريوس وكأنه يستمتع برؤية دهشته.
“ما رأيك، هل هذا يُثير اهتمامك؟”
***
الكتاب المحرَّم هو أثمن ما يُحتفظ به في برج السحر.
حتى القيّمون عليه، الذين يخضعون لاختيارٍ صارم، لا يُسمح لهم بقراءته. أما سادة الأبراج، فأقصى ما يمكنهم هو دخول مخزنه.
يُقال إنّ ما يمكن رؤيته هو الغلاف فقط.
“أتقصد أنّك فتحته وقرأته؟”
“نعم. وأنا أعرف مضمونه بالكامل.”
“وكيف؟”
“في الماضي، لم تكن حراسته مشدّدة إلى هذا الحد. كنتُ محظوظًا وتمكّنت من النفاذ من الثغرة.”
قال ذلك بهدوء وهو يرفع إبريق الشاي.
غرفة سيد البرج كانت كما رآها قبل بضع سنوات.
لا يوجد فيها سوى الأثاث الأساسي للمعيشة، وجدران وأرضيات رمادية. ليس الأمر أنّه لا يملك المال، لكن الغرفة موحشة للغاية. وكان فيليون دائمًا يظن.
“ظننتُ أنك بلا أيّ طموحٍ شخصي…”
“أنا أيضًا بشرٌ يا فيليون. لا بد أن يكون لدي ما أريدُه وأتمناه.”
“وما السحر الذي كنتَ تطمح إليه؟”
ملأ سيريوس كأسه ثم وضع الإبريق وجلس.
“العودة بالزمن.”
“…….”
“كان هناك شخصٌ أحببته. أعدتُ الزمن إلى الوراء لأُنقذها.”
“مُعلمي كان له حبيبة؟ مَن هي؟”
“لا تعرفها. فلا تُتعب نفسك بالتخمين.”
توقّف فيليون عن التفكير كما نصحه، لكنه تابع استنتاجاته.
إذا كان سيريوس قد أعاد الزمن بالفعل وأنقذها، فذكره الآن للكتاب المحرَّم يعني…
“هل ماتت مجددًا؟”
“……نعم.”
في تلك اللحظة، تبخّرت البقية القليلة من احترامه لمُعلمه. لم يتمكّن من إنقاذها حتى في المرة الثانية.
“سحر إعادة الزمن يعمل بهذه الطريقة.”
بدأ سيريوس يرسم تعويذة العودة بالزمن على الورق.
كانت صيغةً غريبة ومعقدة، مليئة بلغات وتعويذات لم يسبق أن رآها، لكن بعضها كان لا يزال مستخدمًا في الحاضر، ومع شرحه المفصّل، لم يجد صعوبة في فهم الفكرة والمبدأ.
“……لكن حتى لو أعددنا كل هذا، من دون الكتاب المحرَّم، لن تُفعَّل التعويذة. لقد جرّبت ذلك عدة مرات.”
“إذًا، يجب سرقته لا محالة.”
“سأخبركَ بكيفية حراسته.”
تابع الحديث بانسيابية. شرح مكان حفظه، والتعويذات التي تحرسه، وأنواع السحر التي يستخدمها القائمون عليه. بدا أنّه يعرف كل ما يلزم.
إذًا لقد سرقه فعلًا من قبل. شعر فيليون بالدهشة مجددًا في داخله.
ربما لو قيل له إنّ رجل دين مرموقًا لديه عشرة أبناء غير شرعيين، لما كان الأمر بهذه الصدمة.
“هل لديك أيُّ أسئلةٍ أخرى؟”
وعلى الرغم من كشفه لهذه الحقيقة المروعة، ظل سيريوس هادئ الملامح.
حدّق به فيليون قليلًا ثم سأله:
“هل هناك ثمنٌ لإعادة الزمن؟”
“…….”
“إنه أمرٌ بالغ الضخامة، فلا بد أن هناك مخاطرة.”
ابتسم سيريوس بخفة.
“أنت محق. هناك ثمن.”
غمّس قلمه في الحبر مجددًا وأخرج ورقة بيضاء.
“إعادة الزمن تُضعف الحدود بين العوالم.”
“الحدود؟”
“أدقّ تعبيرٍ أنّ التعويذات المسجّلة في الكتاب تؤثر على الحدود.”
رسم خطوطًا أفقية ثم عمودية على مسافاتٍ متساوية، مكوّنًا شبكة مربّعات.
“أنت تعرف فرضية وجود عوالم متعدّدة في هذا الكون، أليس كذلك؟”
“نعم، أعرف.”
“هذا المربع هو عالم، وهذه الخطوط المحيطة به هي الحدود التي تحافظ على استقراره وتمنع اختلاطه بغيره.”
أشار إلى أحد المربعات وكتب عليه ‘عالمنا’. رفع فيليون نظره كأنه يسأله: وماذا بعد؟
“التعويذات في الكتاب المحرَّم تؤثر على هذه الحدود. ومع كل استخدام، يُفتح ثقبٌ كهذا.”
رسم نقطة سوداء على الخط الفاصل بجوار ‘عالمنا’.
“عالمنا به بالفعل شقوق. كما تعلم، قبل ألف عام كانت هناك حروبٌ كثيرة بسبب الكتاب، وربما هذا أثر من تلك الأحداث.”
ثم أكمل:
“أظن أن رايلي فولكس في حياتها الحالية روحٌ جاءت من عالمٍ آخر عبر هذا الشق.”
“ماذا؟”
لم يستطع فيليون إلا أن يعبس بشدّة.
فجأة، ما هذا الكلام…؟
“في حياتكما السابقة، كانت علاقتكما سيئةً جدًا.”
“……أعتقد أنّها بالفعل سيئةً في هذه الحياة أيضًا.”
“لكن لو عرفتَ ما كان في الحياة السابقة، لقلت إنّ الوضع مختلف.”
نظر سيريوس في عينيه مباشرة.
“في المرة السابقة، كانت رايلي تريد قتلكَ بصدق، وأنت كذلك. لا أعرف التفاصيل، لكن أظن أنكَ قتلتها بيدك. فقد خرجتما في مهمةٍ معًا ولم تعودا.”
“…….”
“أنت لم تتغيّر، لكن هي التي تغيّرت.”
لم يستطع فيليون الرد. كان عقله يتابع ما يسمع، لكن قلبه يرفض تصديقه.
أنا… بيدي… قتلتُ رايلي…؟
“ولأنها لا تنتمي في الأصل لهذا العالم، فإذا أعدنا الزمن مرةً أخرى، ستتمكّن بسهولة من مغادرة هذا العالم. لكن…”
طرق سيريوس الطاولة بخفة، موقظًا انتباهه.
وعندما التقت عيناهما، قال بهدوء:
“إذا دخلت أنتَ مركز تعويذة العودة بالزمن، وأطلقتها وأنت تتمنى من أعماقك أن تراها مجددًا…”
“…….”
“ستلتقي بالرايلي نفسها التي تعرفها الآن، وبذكرياتكَ الحالية.”
“…….”
“السحر سيساعدُكما على اللقاء من جديد.”
غطّى فيليون وجهه بيديه وأطلق تنهيدة عميقة.
“……ولهذا أخبرتني بكل شيء.”
لقد سرق سيريوس الكتاب المحرَّم بالفعل وأعاد الزمن سابقًا.
ومادام قد جرّبه مرة، فلن يكون صعبًا عليه فعلها ثانية. لكنه لم يحاول ذلك بمفرده هذه المرة.
‘لو فعلها وحده، لاختفت رايلي الحالية.’
ولكان فيليون قد فقد ذكرياته، وحتى شوقه لها سيمّحي.
وفي تلك الحالة، حتى لو تغيّرت رايلي، فلن يكون هناك لومٌ عليه.
ومع ذلك، مدّ يده إليه الآن.
“……يبدو أنّك ترى أنّني مثيرٌ للشفقة.”
“لا داعي لأن تتأذى كبرياؤك. فالحزن على فقدان شخصٍ عزيز أمرٌ يصعب احتماله.”
لم يشعر بإهانة، فقط فكّر: ‘لو رأت رايلي هذا، لفرحت.’
“أنا أنوي إعادة الزمن في هذه الحياة أيضًا.”
“…….”
“ربما أحدثت عودتي السابقة مزيدًا من الشقوق، لكن انهيار الحدود ما زال بعيدًا، والعالم مستقر. أرى أنّه لا بأس بالمحاولة مجددًا.”
سأل سيريوس بلطف:
“ما رأيك يا فيليون؟”
تذكّر نفسه مؤخرًا، وهو يقضي أيامه في غرفةٍ بلا أيِّ حراك أو صحبة، لا شيء جديد فيها سوى الكتب التي طلبتها رايلي قبل رحيلها.
لم يكن يفكّر كثيرًا، لأنّ أيّ فكرةٍ كانت ستقوده في النهاية إلى ذكريات الماضي، وإلى ألم إدراك أنّه لن يراها ثانية.
لكن لو كان بإمكانه…
‘أن يبدأ من جديد منذ البداية…’
بعد برهة، رفع فيليون رأسه.
“ماذا عليّ أن أفعل؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 101"