استخدمت مختبر رايلي، ساحرةٌ شابّة جاءت من بلاد الجنوب البعيدة.
وفي اليوم الذي استلمت فيه المختبر لأوّل مرة، التقت بفيليون الذي كان في الداخل. وسرعان ما انتشر خبر لقائهما بين السحرة، حتى أنّ البعض قال إنّها وقعت في حبّه من النظرة الأولى، رغم نظراته الفارغة.
لكنّ فيليون تجاهل كلّ محاولاتها الحثيثة، ثمّ انقطع تمامًا عن زيارة برج السحرة.
وبفضل ذلك، لم يعد السحرة مضطرّين لمراعاة مشاعره، فأخذوا يتحدّثون على راحتهم.
“يبدو أنَّ فيليون كان يحبّ رايلي.”
“يا إلهي، لم يدرك ذلك طوال حياتها.”
“ذلك لأنّها نادرًا ما كانت تظهر، أليس كذلك؟ بل إنَّ فيليون نفسه غاب لفترة، ومِن المؤكّد أنَّ شيئًا ما جرى بينهما حينها.”
وهكذا بدأت الشائعات، حتى تجاوزت برج السحرة ووصلت إلى العاصمة الإمبراطوريّة.
ورغم أنّ عائلة ديلاريك كانوا ينفون الأمر في كلّ مأدبة، فإنّ الرأي العام لم يتغيّر، بل كان الناس يجدونه أكثر إثارةً بهذا الشكل.
أن يحبّ فيليون إلفيرت، رايلي فولكس!
“لا عجب أنّ الخدم يتهامسون بأنّه قد جُنّ.”
لكن فيليون لم يُعر أيَّ اهتمامٍ لتلك الأحاديث.
غادر البرج، واتّجه إلى مكان ناءٍ لا يعرفُه حتى أفراد عائلته.
في مقاطعة دوقية إيفيرين، حيث تغطّي الغابات الشاسعة مساحاتٍ كبيرة، وهي بلا حوادث أو أحداث، ولا يزورها أحد، حتى إنّها مذكورةٌ في الخرائط بكلمة ‘غابة’ فقط.
اختار فيليون أحد كهوف تلك الغابة، ووسّعه بالسحر، ثمّ أحاطه بحاجزٍ وهمي يمنعُ أيِّ أحدٍ من اكتشافه.
وفي داخله أعاد بناء مختبر رايلي.
لم يكن وراء ذلك هدفٌ واضح.
فقط رغب في ذلك، وكان يملك القدرة، ولم يكن الأمر صعبًا. وانتهى العمل أسرع مِمّا أراد.
ومنذ ذلك الحين عاش وحيدًا هناك.
لم يتوقّف عن البحث عن رايلي.
فإذا وصلته أخبارٌ عن امرأةٍ تشبهها، قصد أيِّ مكان في القارّة بنفسه، لكنّه في كلّ مرة كان يعود بخيبة أمل، ويعود لينغلق داخل مختبرها.
كان يقرأ كتبها، ويبحث ويعيد تركيب الأدوات السحريّة التي تركتها غير مكتملة.
وحين يملّ ذلك، كان يفتح دفاتر ملاحظاتها أيّام التدريب.
وبينما يقرأ خطّها المرتّب، كان يتذكّر اللحظات التي حضر فيها الدروس معها، إذ كانت تعليقاتها الحيّة في الصفحات كافيةً لاستحضار صورتها في ذهنه.
[صوتُه منخفضٌ ورتيب، حتى أنّني أكاد أنام في كلّ درس.]
[كدتُ أنام اليوم أيضًا. إنّه مثل منوّمٍ متحرّك.]
كان فيليون يبتسم كلّما رأى تلك الحروف الصغيرة المستديرة، وكأنَّ صوتها يتردّد قربه.
وكانت هناك تعليقاتٌ عن الدروس أيضًا.
[يجب أن أقرأ مع المراجع الإضافيّة لأفهم!]
[هذا فهمته فورًا! ممتع!]
[أنا أوّل من أجاب على هذا السؤال! فخورةٌ جدًّا!]
[يبدو أنّني الوحيدة التي فهمت. مُخيف… موهبتي رائعة.]
وصفحاتٌ مليئة بعلامات الاستفهام.
[؟؟؟؟ ما هذا الهراء؟ لا أفهم شيئًا.]
وكان صوتها في تلك التعليقات حيًّا في أذنه.
ابتسم، وأمسك قلمه ليكتب أسفلها: “صدقتِ، لقد شرحتُه بطريقةٍ معقّدةٍ بلا داعٍ.”
[حين تعودين، سأشرحه لكِ بطريقةٍ أفضل.]
كان هذا كلّ ما في حياته.
وكان أحيانًا يرسل عبر الحمام الزاجل أخبارًا مقتضبة لعائلته تطمئنهم أنّه حيّ، لا أكثر.
ومع مرور الوقت، قلّت تقارير أتباعه عن البحث عنها، وحتى إن وصلت، لم تكن سوى: [آسفون، لم نجدها هذه المرّة أيضًا].
مرّ الوقت بهدوءٍ شديد وببطء شديد.
وفي يومٍ ما، وصله من إيريون دعوةٌ لحضور حفل بمناسبةٍ ترقيتها إلى منصب رفيع في نقابة المرتزقة.
غادر فيليون المكان بعد زمن طويل، واتّجه إلى العاصمة الإمبراطوريّة.
وأثناء الحفل، فكّر في نفسه: “سأخبر رايلي بهذا لاحقًا.”
وكان هذا أيضًا سبب حديثه مع إيريون.
“مُعلمي، تعالَ وانتقم معي.”
“انتقام؟”
“نعم، سأطرد جميع الشياطين من هذه الأرض. لن أسمح بوجود ضحيّةٍ أخرى مثل السيّدة رايلي.”
حدّق فيها فيليون بدهشة. انتقام؟
“رايلي ما زالت حيّة.”
لكن إيرين عضّت شفتها بحزن.
“السيّدة رايلي… رحلت.”
“…….”
“رجاءً… لا تبحث عنها بعد الآن. عُد إلى حياتك الطبيعيّة. السيّدة رايلي ما كانت لتقبل أن تراك بهذا الحال…”
لم ينتظر إيريون أن تُكمل، إذ وقف فجأة، وألقى عليها نظرةً باردة، وغادر القاعة إلى عربته.
ومنذ تلك اللحظة قرّر ألّا يلتقي بها ثانيةً… حتى تعود رايلي.
ولكن… متى؟
رفع رأسه، ورأى انعكاسه في نافذة العربة: وجه هزيل، وشعر طال حتى غطّى عنقه.
وعلى أسطح البيوت تراكم الثلج… كان الشتاء قد حلّ.
ومرّ عامٌ آخر دون أيِّ أثرٍ لرايلي.
“هل كنتُ مخطئًا؟”
مسح وجهه ببطء، والشعور بالإرهاق يغمره. لم يتذكّر آخر مرة نامّ فيها بعمق.
“لا… رايلي ما زالت حيّة.”
سنتان ونصف… مدّةٌ قصيرة إلى حدّ السخرية.
لم يستطع التخلّي عنها بعد هذه الفترة القليلة، ولم يفتّش بعد في كلّ أرجاء القارّة الشرقيّة.
وحتى أنّ غياب الوحوش في مكان مقتل الشيطان ما زال يثير شكّه… لم تقتل ولو واحدًا منهم؟ هذا مستحيل.
“رايلي…”
وفجأة توقّفت العربة.
اقترب الخادم، وأخبره أنّ حادثًا وقع أمامهم، وأنّ الطريق الخلفي مسدود، ويجب الانتظار.
أومأ فيليون، وهمّ أن يقول إنّه سيصبر، لكن عينيه وقعتا على مقبرةٍ بعيدة.
هناك يوجد قبر رايلي.
نزل من العربة وكأنّه مسحور.
“سيدي؟”
“سأمرّ بمكانٍ قريب، قابلني لاحقًا عند الطريق العام.”
وخلال سيره، تذكّر جنازتها التي أصرت إيريون على إقامتها، رغم غياب الجسد. وضعوا بعض أغراضها في التابوت ودفنوها.
جنازةٌ لحيّة! لقد أغضبه ذلك أكثر من رؤيته لشعرها المقطوع. وحينها أقسم ألّا يطأ هذا المكان أبدًا… لكنه الآن عاد.
وبسهولة وجد شاهد القبر، إذ تكدّست الأزهار عليه أكثر من أيِّ قبرٍ آخر.
[رايلي فولكس]
اليوم، بدا الاسم محفورًا في قلبه أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
“رايلي… هل أنتِ حقًّا رحلتِ؟”
لم يكن هناك جواب.
حتى لو وُجدت روح، فلن تبقى هنا… ربما هي حيث ماتت.
“رحلتِ…” تذوّق الكلمة بمرارة.
أنكر ذلك طويلًا، والآن يتقبّله لمجرّد جملة قالتها إيريون؟
-“ما كنت لترضى أن تعيش هكذا…”
“لا، بل كنتِ سترغبين أن أتألم أكثر… لأنّكِ تكرهينني.”
لم يحرّك ساكنًا رغم مرور الوقت، حتى بدأت الثلوج تتساقط على رأسه.
وفي ذلك الصمت المجمّد…
“رايلي.”
همس: “أحبُّكِ.”
لم تنشقّ السماء، ولم يضرب البرق.
لكنه أدرك أنّه كان أمرًا سهلًا جدًّا… كلّ ما منعه هو كبرياؤه السخيف.
“أحبُّكِ، رايلي.”
كان عليه أن يشكرها حين اقتربت منه أوّل مرّة، أن يمسك يدها، أن يترك الحذر من أن يُنظر إليه باستخفاف، أن يكون صادقًا معها… على الأقل حين ذهبا لذلك الأثر الأخير.
“كنتُ أحبُّكِ منذ زمن.”
كلّ لحظةٍ معها أصبحت ذكرى يندم عليها. كلّ كلمةٍ قالها لها أثقلت أنفاسه.
“رايلي…”
ولم يتمالك دموعه.
ظلّ طويلًا في مكانه، والثلج يكسوه، يكرّر اعترافه الذي لم يقله في حياتها.
لم يخطر بباله أنّ أحدًا في المستقبل قد يراه عبر سحرٍ ما.
***
وبعد ذلك، استمرّت حياته كما هي تقريبًا.
يمكث في مُختبرها، يخرج أحيانًا حين تصله تقارير، ويعود بحنين لينبش أغراضها.
يحزن أحيانًا، ويكتئب أحيانًا، ويطول نومه الخامل.
حتى جاء العام الجديد، وعاد إليه الحمام الزاجل حاملاً رسالةً من عائلته وأخرى من إيريون تدعوه لحفل تتويجها ‘ملكة المرتزقة’.
تذكّر أنّ ملك المرتزقة السابق قُتل في معركة مع الشياطين مؤخرًا، وأنَّ معظم المرتزقة ذوي الخبرة ماتوا أو اعتزلوا.
وكانوا المرتزقة بحاجةٍ إلى قائدٍ جديد يمنحهم الأمل، فاختيرت إيريون، خاصة لكونها شاركت في إيقاف الكونت فولكس مع فيليون.
كما تلقّى رسالةً من والدته ترجوه أن يزورها في بداية العام، فقرّر الذهاب للعاصمة بعد أشهرٍ من العزلة.
ابتهجت إيريون كثيرًا برؤيته، لكن الحديث بينهما كان قصيرًا.
“أين تقيم هذه الأيام؟”
“… سأزوركِ مُجددًا في نهاية العام.”
وفي طريق العودة، زار قبر رايلي مجددًا.
لم يُطق رؤية تمثالها، لكنّ هذا المكان لم يستطع الابتعاد عنه.
“كيف لا تزورينني ولو في الحلم؟ ألهذا الحدّ تكرهينني؟”
وكالمعتاد، لم يأتهِ ردّ.
وبينما كان يلمس شاهد القبر، سمع صوتًا خلفه.
“أتريد أن تلتقي رايلي فولكس مجددًا؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 100"