الفصل الثامن: الرجل المجهول، ديوكي (2)
على الرغم من تحذيره بأنها وجبتي الأخيرة، ظل ديوكي يبقيني على قيد الحياة.
لو أخبرني أنه لن يقتلني على الفور، لما كنتُ أرتجف من الخوف.
بفضل ذلك، تعلمتُ المزيد عن ديوكي خلال إقامتي في البرج.
بالطبع، كان ذلك يتطلب جهدًا، مثل التظاهر بالنوم حتى عندما لا أشعر بالنعاس، أو التظاهر باللامبالاة بينما أراقب تحركاته بحذر.
ما اكتشفته عنه أولاً هو أنه، رغم طول قامته، يتحرك بهدوء كالظل.
ينام أقل من الشخص العادي.
لا يكاد يفارق سيفه أبدًا.
وأخيرًا، لا يمتلك الكثير من الأغراض الشخصية.
الأشياء التي يملكها ديوكي لم تكن متعلقات شخصية، بل أدوات ضرورية لمهماته.
كانت موضوعة على رف مرتفع بعيدًا عن متناول يدي.
على سبيل المثال…
زجاجات مرقمة بعناية، تحتوي على بذور وسوائل بألوان تَبعَث على القلق.
نجوم رمي وخناجر صغيرة ذات شفرات مسننة، إلى جانب حبال وأدوات قطع غامضة الاستخدام.
كما هو متوقع من غرفة قاتل مأجور.
ظننتُ أنه يعتمد على السيف بشكل رئيسي، لكن الزجاجات المملوءة بالسوائل كانت تحتل مساحة أكبر بكثير من الأسلحة أو الأدوات المخفية.
ربما تكون تلك السوائل…
على الرغم من أنني كنتُ في منتصف الوجبة، لم أستطع كبح فضولي وسألته:
“يبدو أنك تعرف الكثير عن السموم، ديوكي.”
توقف ديوكي عن الأكل.
لم يدم الصمت طويلاً.
ضَربت رياح الشتاء النوافذ بقوة، مُصدرةً صوتًا مخيفًا كما لو كنتُ في وادي الأشباح.
لم يكن ذلك وحده هو ما جعلني أتكور على نفسي.
تحت شعره الأسود المستقيم، ظهرت عينان بيضاويتان خاليتان من الحياة.
عيناه العميقتان كالهاوية كانتا تبعثان برودة غريبة اليوم.
آه، ما هذا… مخيف جدًا! هل كان يجب أن أسأل؟
واصلتُ الحديث بنبرة هادئة متعمدة:
“لا، أعني… في المرة السابقة، سألتني إذا كنتُ قد تألمتُ بعد تناول السم. تحدثتَ وكأنك تعرف شيئًا…”
“آه، ذلك.”
عندما أبعد ديوكي نظرته عني، أخيرًا تمكنتُ من التنفس بشكل صحيح.
كان ينبعث منه أحيانًا هالة قاتلة، لذا كان عليّ الحذر من استفزازه أكثر من اللازم.
تنفستُ الصعداء داخليًا، فقال ديوكي وهو يقضم تفاحة بصوت مسموع:
“في الحقيقة، نادرًا ما أستخدمها بنفسي، لكنني أحيانًا أُقرضها للآخرين عندما يطلبون.”
“هل تقصد أنك تستطيع تحضير السموم؟”
“حسنًا، شيء من هذا القبيل.”
“ظننتُ أنك تتعامل فقط مع السيوف، لكن يبدو أنك خبير في السموم.”
“كان لديّ معلم علمني علم الصيدلة منذ زمن بعيد. كان لديه العديد من التلاميذ، بما فيهم أنا. ربما…”
“ربما؟”
“السم الذي تناولتيه كان من صنع أحد تلاميذه الآخرين.”
رفعتُ رأسي فجأة عند كلامه.
“من المحتمل أنه سم مصنوع من زهرة الخوذة والبيلادونا. إذا كانت الجرعة كافية، يسبب الموت الفوري، وإذا كانت قليلة، يُتلف الأعصاب.”
بصوت مرتجف، سألته:
“هل… هناك ترياق؟”
حاول الدوق جاهدًا إيجاد أي دواء لإعادة بصري، لكن للأسف، لم يكن أي منها فعالًا.
لذا، افترضتُ أنه لا يوجد ترياق، لكنني فجأة شعرتُ بالفضول.
عبس ديوكي، كما لو كان السؤال غير مرحب به، ثم أدار نظرته فوق كتفي.
“حسنًا، لا أعرف بالضبط، لأن طريقة تحضيري مختلفة.”
على الرغم من أنني أتظاهر بالعمى، إلا أن العيش بعين واحدة كان غير مريح بعدة طرق.
لم أكن أتوقع الكثير، لكن سماع إجابة سلبية من فمه جعل مزاجي يهبط إلى القاع.
رأى ديوكي كتفيّ المتهدلين وقال، كما لو كان يواسيني:
“لا تُعلّقي آمالاً زائفة. لقد مر وقت طويل، فلن يكون هناك معنى من البحث الآن.”
“……نعم، أعرف.”
لستُ متأكدة إن كانت تلك مواساة حقًا.
في الجو الثقيل، بدأ ديوكي بترتيب الأطباق وتنظيف المكان. ثم قال:
“على أي حال، نزلتُ إلى القرية هذا الصباح واخترتُ بعض الملابس التي يمكنكِ ارتداؤها…”
أخرج ديوكي ملابس مطوية بعناية من حقيبته.
عباءة بنفسجية وفستان مصنوع من فراء الأرنب.
جذب يدي لألمس الملابس.
شعرتُ بنعومة القماش تحت أصابعي.
على الرغم من أن جودتها أقل مقارنة بما كنتُ أرتديه في قصر الدوق، ابتهجتُ لفكرة ارتداء ملابس جديدة.
احتضنتُ الفستان وانتظرتُ بهدوء حتى يغادر ديوكي الغرفة.
لكنه ظل واقفًا في مكانه.
أخيرًا، سألته مترددة:
“ماذا تفعل؟”
“……ماذا؟”
“لماذا لا تخرج؟”
“لكن، هل يمكنكِ ارتداء الملابس بمفردكِ بدون خادمة؟”
على الرغم من أن الموقف محرج، بدا وجهه غير مبالٍ، بل وسألني بدوره.
لم أستطع تمييز إن كان يمزح أم يتحدث بجدية!
أخفض ديوكي عينيه وخدش مؤخرة عنقه.
“إذا كنتِ بحاجة إلى يدي…”
“لا، لا…! لقد فعلتُ ذلك من قبل، أعرف كيف.”
رفضتُ عرضه قبل أن يكمل جملته.
“حسنًا، سأنتظر بالخارج. عندما تنتهين، اطرقي الباب.”
أومأتُ برأسي.
عندما أغلق الباب ، اقتربتُ منه ووضعتُ أذني عليه.
سمعتُ صوت خطواته وهو يهبط الدرج بسرعة.
تأكدتُ من عدم وجود أي أصوات أُخرى من الخارج، ثم توجهتُ إلى الجدار المقابل للنافذة.
‘أنا متأكدة أنه كان في هذا الاتجاه…’
عندما سألتُ عن الترياق، نظر ديوكي إلى مكان ما فوق كتفي.
كانت هناك زجاجات بأحجام مختلفة مرتبة أبجديًا على الرف المثبت على الجدار.
فكرتُ قليلاً، ثم سحبتُ كرسيًا قريبًا لأتمكن من الوقوف عليه.
‘A.D’
قرأتُ الملصق على الزجاجة، وأمسكتُ واحدة بدت وكأنها ترياق، ووضعتها بحذر في جيب فستاني الداخلي.
‘الأخريات لونها غريب بعض الشيء…’
نظرتُ حولي لأرى إن كان هناك شيء آخر يستحق أخذه، ثم أعدتُ الكرسي إلى مكانه.
تنفستُ بعمق، ثم أحضرتُ الفستان الجديد ووضعته على جسدي.
كان تصميمه بسيطًا وكبيرًا بعض الشيء، لكنه دافئ ومناسب للطقس الحالي.
لكن بعد ارتدائه، شعرتُ بأن ظهري يبدو فارغًا لسبب ما.
كانت هناك أزرار على الجزء الخلفي من الفستان، لكن ذراعيّ لم تصلا لإغلاقها جميعًا.
في النهاية، اضطررتُ إلى إكمال مظهري بلف العباءة حول كتفيّ.
بعد الانتهاء من تبديل الملابس، جلستُ بهدوء على السرير، لكنني شعرتُ بالقلق فجأة:
‘هل بدا الأمر سهلاً للغاية؟’
بينما كنتُ أفكر في بديل، قررتُ ارتداء القميص مقلوبًا.
بدا الفستان فضفاضًا تحت رقبتي وغير مرتب، لكنني تمكنتُ من إغلاق الأزرار بمفردي.
عبثتُ بشعري وكرمشتُ الملابس لتبدو كما لو أن عمياء حاولت جاهدة.
أخيرًا، لففتُ العباءة مجددًا وتنفستُ الصعداء.
كان هناك عرق على جبهتي وظهري.
اشتقتُ بشدة لحياة قصر الدوق، حيث كانت الخادمات يعتنين بي بسهولة.
عبثتُ بالزجاجة في جيبي الداخلي وأنا أنتظر ديوكي بتوتر.
كان صوت دقات قلبي السريعة يتردد في أذني.
لم أكن متأكدة إن كانت هذه الزجاجة ترياقًا حقًا.
يجب أن أختبرها قبل استخدامها…
*طرق، طرق.*
في تلك اللحظة، سمعتُ صوت طرق الباب مع صوت الرجل المألوف:
“استغرق الأمر وقتًا طويلاً. هل انتهيتِ؟”
كما يقول المثل، السارق يشعر بالذنب، فانتفضتُ وأجبتُ بسرعة:
“……نعم! ادخل.”
فتح الباب على الفور.
نظر ديوكي إليّ وأنا جالسة على السرير بعيون متفاجئة.
كلما اقترب، بدا وجهه يتصلب أكثر.
هل لاحظ بالفعل أن إحدى الزجاجات مفقودة؟ مع حدس ديوكي الحاد، كان ذلك ممكنًا.
أخفضتُ رأسي وابتلعتُ ريقي.
بدأتُ أقضم أطراف أصابعي عادةً، ثم رأيتُ حذاءه الملطخ بالثلج يتوقف أمامي مباشرة.
التعليقات لهذا الفصل " 8"