الفصل السابع: الرجل المجهول، ديوكي (1)

 

في الجو البارد، تقلص جسدي عندما سقط شيء على ساقيّ.  

 

كان شيئًا ناعمًا وخفيفًا.  

 

“إذا شعرتِ بالملل وأنتِ بمفردكِ، العبي به.”  

 

عند سماع كلماته، لمستُ الشيء الناعم بحذر. كانت دمية قماشية خضراء بحجم كف يدي.  

 

عندما وضعتها على أنفي واستنشقت، شعرتُ برائحة طيبة. 

 

يبدو أن القماش مُلئ بالأعشاب.

 

تفوح منها رائحة اللافندر والريحان، وسرعان ما علقت الرائحة بيدي.  

 

“بما أنكِ لا ترين، ظننتُ أنكِ قد تشعرين بالإحباط. هذا لتحسين مزاجكِ.”  

 

لم أتوقع أبدًا أن أتلقى مثل هذه المراعاة من ديوكي. ألم يكن ينوي قتلي على الفور؟  

 

نظر إليّ، ورأى تعبيري المحير، فهز كتفيه.  

 

“كان هناك شخص في محيطي فقد بصره في سن صغيرة. حسنًا… كان صديقًا صغيرًا جدًا. لذا، أعرف تقريبًا مدى صعوبة الحياة بالنسبة له.”  

 

كان الرجل، الذي رفع شعره الأمامي بعناية، ينضح بجاذبية باردة كما لو كان لوحة فنية.  

 

كان وجهه الجانبي يبدو بعيدًا، كما لو كان يستعيد ذكريات الماضي. لم أسأله المزيد بسبب تعبيره المظلم.

  

“أيتها الدوقة.”  

 

بعد لحظة، عاد ديوكي من شروده وقال فجأة:  

 

“هل شربتِ الكأس المسموم بدلاً من ابن الدوق عن قصد؟”  

 

حاولتُ بجهد ألا أظهر تعبيرًا متفاجئًا من سؤاله الحاد. 

 

“اسمع، إذا كنتَ تنوي استجوابي، ألا يجب أن تكفل حياتي أولاً؟”  

 

“لستِ تنوين فتح فمكِ؟”  

 

“بالطبع. لماذا سأخبرك بأمور عائلتي؟ قد تكون تابعًا للأمراء.”  

 

ضحك ديوكي بسخرية على موقفي المتعجرف.  

 

“تبذلين جهدًا لحماية عائلة تتجاهلكِ. لماذا تعتقدين أنكِ لا تزالين على قيد الحياة حتى الآن؟”  

 

شعرتُ بيده تزيح خصلة شعر من خدي. 

 

سمعتُ صوته الساخر:  

 

“بفضل إخوتكِ العظماء؟”  

 

“توقف. لم يكن الأمر سيئًا لدرجة أن أسمع هذا منك.” 

 

حدقتُ عمدًا في الفراغ بجانب ديوكي. 

 

كان وجهه، الذي ينظر إليّ بتكبر وذقن مرفوعة، يظهر بشكل ضبابي في رؤيتي.  

 

جمعتُ ما تبقى من شجاعتي وتنفستُ بازدراء. كان قلبي يدق بعنف كقلب طائر صغير.  

 

“كنتُ في العاشرة فقط آنذاك. من في العالم سيشرب السم عن عمد وهو يعلم؟”  

 

أومأ ببطء، كما لو أنه يرى منطقًا في كلامي.  

 

“حسنًا، صحيح. من الصعب فعل ذلك إلا إذا كنتِ مجنونة.”  

 

لم أستطع القول إنني كنتُ تلك المجنونة.

 

مرة أخرى، لو كان لدي خيار آخر، لما شربتُ السم.  

 

بينما كان يفكر وهو يسند ذقنه، سأل فجأة:  

 

“هل كان مؤلمًا جدًا؟”  

 

“ماذا؟”  

 

“عينيكِ. سمعتُ أن السم كان قويًا لدرجةِ أنّ حتى رجلًا بالغ سيجد صعوبة في تحمله.”  

 

كان صوته عاديًا، كما لو كان يسأل عن حالي.  

 

لم أحاول تذكر لحظة الحادث قبل سبع سنوات. 

 

مجرد تذكر الألم الحاد الذي شعرتُ به آنذاك كان كافيًا ليجعلني أرتجف الآن.  

 

ضحكتُ بشكل محرج وحاولتُ تغيير الموضوع:  

 

“بدلاً من ذلك… أريد سماع قصتك. بما أنك قلتَ إنك ستقتلني، ألا يمكنك قول شيء؟”  

 

لكن ديوكي تجاهل كلامي وأحضر سيفه، الذي يشبه جزءًا منه، وبدأ يشحذ النصل كعادته.  

 

فكرتُ قليلاً ثم أضفتُ:  

 

“عندما أستمع إلى قصص الآخرين، يمر الوقت بسرعة. في تلك اللحظة، أستطيع نسيان محنتي.”  

 

ألقى ديوكي نظرة خاطفة عليّ. 

 

فجأة، غيّر رأيه، فانحنى وعدّل جلسته.  

 

“هذا الاسم مستعار.”  

 

بالتأكيد، كان لدى ديوكي جانب ناعم نسبيًا لشخص جاء ليقتلني.  

 

“كما توقعت.”  

 

“و… أنا لا أحب الأيام الغائمة، الطقس المثالي للصيد بهدوء.”  

 

شعرتُ بخيبة أمل من قصته العادية، ولم أستطع إخفاء ذلك.

 

 نظر إليّ ديوكي كما لو كان يجدني كـ جزء لتسليته.  

 

تذكرتُ كيف تغلب على فرسان عائلتنا بسهولة.

 

 في تلك اللحظة، كان يرتدي قناعًا وغطاء رأس، فلم أُلاحظ، لكنه كان يستمتع بالقتل دون تردد.  

 

كان ماهرًا بما يكفي لاختراق حراسة قصر الدوق وخطفي بمفرده.  

 

شخص مثله كان يجب أن يكون قد ظهر في القصة الأصلية… ربما لم أتعرف عليه فقط.  

 

“……”  

 

قاومتُ رغبتي في تفحصه ونظرتُ إلى السقف. 

 

عضضتُ شفتي السفلى من الإحباط، فتوقفت نظرته عند شفتيّ.  

 

لا يعلم ديوكي أنني أرى. 

 

وبالتالي، لا يعلم أنني أعرف كيف ينظر إليّ.  

 

كانت عيناه، المليئتان بالرغبة العميقة والكسل، تلمعان بهدوء كالأوبسيديان.  

 

***معلومة للقارئ:

 

الأوبسيديان (Obsidian) هو صخر بركاني زجاجي أسود يتكوّن عندما تبرد الحمم البركانية بسرعة شديدة فلا يتكوّن لها بلّورات. 🌋

 

لونه عادة أسود لامع أو مائل إلى الرمادي الداكن، وأحيانًا يظهر بظلال خضراء أو بنية أو بنفسجية.

يُستخدم كثيرًا في الزخرفة وصناعة المجوهرات أو حتى كرمز في الأدب لِـ القوة والغموض والعمق.

 

يعني لما تقولين “تلمع عيناه كالأوبسيديان” فالمعنى إن عيونه كانت لامعة بعمق غامق وساحر، كأنها قطع من الزجاج الأسود اللامع****

 

 

قلتُ مترددة:  

 

“منذ متى وأنتَ تعمل في هذا…؟”  

 

“حسنًا، ربما عشر سنوات.”  

 

“هذا تاريخ طويل. كم عمرك؟ من صوتك، لا يبدو أن هناك فارقًا كبيرًا بيننا.”  

 

“بينما كانت النبيلات مثلكِ يتعلمن العزف والقراءة، كنتُ أتدحرج في الوحل وأتعلم التخفي. وأنا أكبر منكِ.”  

 

نظر إليّ ديوكي كما لو كان يقول ‘هل أنتِ راضية الآن؟’، مع تعبير يظهر استهجانه بتخميناتي.  

 

التعامل مع شخص يعرف أكثر مني دائمًا أمر يتطلب الحذر، خاصة عندما لا أعلم متى سيستل هذا الشخص سكينه.  

 

بما أنه مهتم بالسموم، فمن المحتمل أن يكون ديوكي قاتلًا يعمل ضمن منظمة. 

 

مثل الشخص الذي أرسله الأمير الثاني لقتل نيكولاس.  

 

على حد علمي، تم إعدام ذلك الشخص منذ زمن طويل بعد محاكمته في المحكمة الملكية.  

 

سألته مجددًا:  

 

“لمن تعمل؟ هل أنتَ من مملكتنا؟”  

 

هذه المرة، لم يجب ديوكي على الفور. 

 

بدلاً من ذلك، نهض من الكرسي بنظرة مملة.

 

 سمعتُ صوته يختلط بالتثاؤب:  

 

“انتهى وقت الأسئلة، أيتها الدوقة.”  

 

“ماذا؟ لم أسأل الكثير، كيف يمكن أن يكون هذا عادلًا؟”  

 

“إذا شعرتِ بالظلم…”  

 

أطال ديوكي كلامه وانحنى. 

 

ثم همس في أذني بهدوء:  

 

“تعرفي عليّ شيئًا فشيئًا من الآن فصاعدًا.”  

 

امتلأت رؤيتي بشفتيه السميكتين، شعرت بدوار برأسي وارتجفت رموشي.  

 

غطت رائحة النعناع الباردة ورائحة الغابة رائحة الدمية القماشية. 

 

كان قريبًا لدرجة أن أُنوفنا كادت تلامس، ثم أمسك سيفه واستدار دون تردد.  

 

* * *  

 

كان رجال ميرماجندي يحمون الجناح المنفصل كقلعة منيعة.

 

 لم يعرفوا متى قد يحاول أعداؤهم قتل ناتانيا الساذجة.  

 

بالنسبة لهم، كانت ناتانيا الوسيلة الوحيدة تقريبًا لاسترضاء فصيل الملك.

 

 إذا زوّجوها للأمير الأول، فلن يتمكن فصيل الملك من التخلص منهم بسهولة حتى لو اكتُشفت مؤامرات عائلة الدوق في المستقبل.  

 

لكن كونها عمياء كان عيبًا قاتلاً في سوق الزواج.

 

 لذا، حاولوا فرض الزواج بالقوة، لكنها اختفت فجأة!  

كيف يمكن لفتاة كانت محمية جيدًا أن تختفي في غضون أيام؟  

 

بعد يومين من اختفاء ابنته، قَلَب الدوق القصر رأسًا على عقب، وأخيرًا عرف تفاصيل الحادث.  

 

تم استدعاء رئيسة الخادمات لتقف أمام الدوق.  

 

“في الحقيقة، لم نكتشف غياب الدوقة إلا متأخرًا. تقول الخادمة المخصصة إن الدوقة كانت تتسلل خارج غرفتها منذ فترة…”  

 

أغلقت رئيسة الخادمات عينيها، متوقعة توبيخًا قاسيًا من الدوق. 

 

حاولوا البحث عن الدوقة بأنفسهم قبل أن تتفاقم الأمور، لكنهم فشلوا.  

 

وقف الخادوم بجانبها يرتجف وأضاف:  

 

“سيدي، عندما وصلت، كان الحراس قد أُغمي عليهم جميعًا. ربما تناولوا دواءً أو شيئًا ما، فقد كانوا فاقدي الوعي. بما أنهم كانوا مقيدين في المخزن تحت الأرض، تأخر اكتشافهم…”  

 

ضغط الدوق على جبهته، وكأنه يعاني من صداع، وقال: 

 

“إذن، عذركم الوحيد هو أنكم تأخرتم في إبلاغي لأنكم حاولتم حل المشكلة بأنفسكم؟”  

 

“……”  

 

“يا لكم من أغبياء. كيف لا تعرفون أن الاختفاء يصبح أصعب في التتبع مع مرور الوقت؟” 

 

ارتجف الخدم من نبرة الدوق الغاضبة. 

 

رفع الدوق عصاه وكأنه سيضربهم.  

 

أوقفه نيكولاس، الذي كان متكئًا على الأريكة:  

 

“اهدأ، يا أبي.”  

 

“كيف تطلب مني الهدوء في موقف خطير كهذا؟”  

 

“الخطأ يقع عليّ لتجاهلي ضعف الحراسة. لم أتوقع أن يستهدف أحدهم نات بعد عزلتها الطويلة في القصر…”  

 

أطرق نيكولاس رأسه، كما لو كان يشعر بالذنب.  

 

من أين تسرب المعلومات؟ نظر نيكولاس إلى الدوق، وفمه مشدود بقوة.  

 

كان الدوق يكبح غضبه، وعيناه تعكسان مزيجًا من الشعور بالذنب والخسارة.  

 

قال الدوق:  

 

“كان يجب ألا نترك تلك الفتاة بمفردها. هل هي على قيد الحياة أصلاً…؟”  

 

سمع نيكولاس تمتمة والده المذهول وقال:  

 

“أبي، لا تقلق. كما كشفنا الشخص الذي حاول تسميمنا في الماضي، سأقبض على الجاني الذي اختطف الدوقة هذه المرة أيضًا.”  

 

نعم، بالتأكيد.  

 

أمسك نيكولاس الورقة في يده، كما لو كان سيمزقها.  

 

ترك الخاطف رسالة مجهولة في غرفة ناتانيا، يعلن فيها أنها ماتت.  

 

لم يستطع نيكولاس إخبار الدوق بهذا. 

 

كان الدوق، الذي أضعفته السنوات، يجلس على كرسي ويتنفس بصعوبة.  

 

كانت عائلتهم لا تزال قوية.

 

 طالما بقي نيكولاس على قيد الحياة، ستبقى كذلك إلى الأبد.  

 

‘إذا أصبحتُ الدوق القادم قريبًا…’  

 

فكر نيكولاس أنه يجب عليه استخدام الورقة التي ستفقد قيمتها مع الوقت بسرعة.