الفصل الثالث: عمياء بنصف عين (2)

هناك سبب لخلق الله العينين زوجًا. 

فالرؤية بعين واحدة تجعل تقدير المسافات صعبًا، وتضيق مجال الرؤية، مما يسبب إزعاجًا كبيرًا.  

بعد الحادث، كانت عيني اليمنى بالكاد ترى، مما جعل حسّ التوازن لديّ ضعيفًا. 

الركض في هذه الحالة كان خطيرًا لدرجة أنني قد أسقط في أي لحظة.  

لكن في موقف كهذا، حيث يطاردني قاتل مأجور، لم يكن لديّ ترف اختيار الظروف.  

ركضتُ بأقصى ما أستطيع منذ أن تلبّستُ جسد ناتانيا.

كانت أنفاسي تصل إلى حلقي، وكاد حذائي ينزلق من قدمي.  

“لو أصل فقط إلى…”  

إذا تمكنتُ من دق الجرس المتصل بغرفة الخدم، فقد يتخلى صاحب القناع الثعباني عن الاغتيال ويغادر.  

“ألا يوجد أحد؟ ساعدوني!”  

بينما كنتُ أتمنى أن يصل صوتي إلى الخارج، مررتُ بساعة جدارية كبيرة.  

اقتربت أصوات الخطوات من الخلف، ثم رأيتُ ظلًا أسود يندفع نحوي بسرعة كالمجنون. 

كان شكله يشبه وحشًا من كابوس.  

“آه!”  

في عجلتي، زادت سرعتي. 

عند نقطة الانعطاف، حاولتُ الالتفاف حول عمود بسرعة.  

لكن حذائي انزلق فجأة. 

لو انتهى الأمر عند هذا الحد، لكان…حسنا…..لكن الأرضية الرخامية التي نظفتها الخادمات بالأمس جعلت قدمي العارية تنزلق على الفور.  

*بوم!*  

سقطتُ بقوة على الأرض، لكنني نسيتُ ألم ركبتيّ وحاولتُ النهوض مجددًا. 

زحفتُ ببطء نحو ضوء الشموع المتسرب من شق الباب.  

في تلك اللحظة، اقترب الرجل مني فجأة وألقى عدة خناجر نحو الباب المفتوح.  

عبرت الخناجر الهواء واستقرت في الحائط جنبًا إلى جنب.

 الحبل المتصل بالجرس في مظلة السرير ثبت أيضًا في ورق الحائط.  

لقد أدرك نواياي تمامًا. 

عندما تبدد أملي الأخير كالثلج الذائب، توقفتُ في مكاني.  

اقترب القاتل ذو المهارة الخارقة مني بخطوات بطيئة.

 على الرغم من ركضه بسرعة قصوى، لم يبدُ عليه أي أثر للإرهاق.  

على النقيض، كنتُ أعاني من الدوار واضطررتُ إلى هز رأسي لاستعادة وعيي. 

عيني اليسرى السليمة بدأت ترتعش، وأظلمت رؤيتي تدريجيًا.  

نظر إليّ الرجل ذو الشعر الأسود وأنا أرتجف كحيوان تمسك به مفترس، وسأل بنبرة باردة:  

“أنتِ الدوقة العمياء، أليس كذلك؟”  

كان صوته مليئًا بالسخرية وأنا أزحف على الأرض بأربع بمحاولة يائسة للهروب. 

شعرتُ بوجوده على مقربة مني.  

ومع ذلك، لم أستطع رؤية ما يفعله بدقة. 

اجتاحني شعور باليأس كالسيل الجارف.  

فجأة، شعرتُ بنسيم خفيف. 

شيء ما مرّ بجانب وجهي، لكنني بقيتُ جالسة على الأرض دون حراك. 

سمعتُ صوت الرجل يتمتم بهدوء:  

“صحيح.”  

لم أجب. 

فمن الواضح أنني الوحيدة التي تبدو عمياء هنا.  

“……”  

كان صوت أنفاسنا يتردد في المكان.

 حتى في تلك اللحظة القصيرة، حاولتُ البحث عن مخرج.  

كيف أخدع هذا الرجل؟ بعد تفكير مكثف، تذكرتُ فجأة ما يميز عائلة ميرماجندي.  

“أرجوك، أنقذني. أنا غنية جدًا. لا أعرف من هو موكلك، لكنني أستطيع أن أدفع أكثر منه.”  

“حسنًا، لن يكفي.”  

كان رفضًا قصيرًا وواضحًا. 

بدأت الدموع تتدفق، ولحسن الحظ، بدأتُ أرى قليلًا.  

كان القاتل المجهول قد رفع قناعه فوق رأسه. 

ظهر وجه شاب يبدو كأنه خرج من قصة مصورة.  

الرجل ذو الشعر الأسود، الذي بدا وكأنه باع روحه للشيطان بلا أي مشاعر، لم يتزحزح عند كلامي، بل ظل ينظر إلى حلقي وأنا أبتلع ريقي بصمت.  

آه… إذن لديه المال بالفعل؟ شعرتُ أنني سأموت لا محالة، فبدأتُ أتفوه بأي شيء يخطر ببالي.  

“إذا لم تكن بحاجة إلى المال، أنا… أستطيع خدمتك جيدًا!”  

“خدمة ليلية؟”  

انتظرتُ كلامه التالي، لكن لم تظهر أي نبرة مازحة في صوته. ارتبكتُ وحاولتُ نفي ذلك.  

“……ماذا؟ لا، ليس هذا ما قصدته،”  

“لستُ مهتمًا بخدمة من عمياء.”  

رفع القاتل سيفه الطويل بنبرة هادئة. 

شعرتُ ببرودة النصل على رقبتي. 

أدركتُ أن الموت قريب، فعضضتُ على أسناني.  

‘آسفة، ناتانيا. لقد حاولتُ حماية عائلة الدوق!’  

كنتُ قلقة بشأن خططي التي لم أنفذها بعد، وتساءلتُ عما إذا كانت العائلة ستنجو بدوني. فجأة، خرج اسمي من فم الرجل بشكل غير متوقع.  

“لكن، أيتها الدوقة ناتانيا.”  

“……!”  

“هل يمكنكِ رؤيتي؟”  

كان القاتل، بحدسه الحاد كسلاحه، ينتظر إجابتي. 

شعرتُ أن أي كذبة ستُكشف أمامه.  

بينما كنتُ أتردد في الإجابة، ضربني شيء صلب في مؤخرة رقبتي. 

فقدتُ وعيي على الفور.  

* * *  

خرج ديفون كييل من مكتبه بعد سماع صوت نقاش حاد بين شخصين، وهو يشعر بالملل.  

كان أعضاء نقابته يتجادلون حول مهمة ما. 

عندما استمع إلى حديثهم، بدا أنهم يحاولون تمرير مهمة قتل إلى بعضهم البعض لسبب ما.  

على الرغم من أن المكافأة كانت مغرية بشكل غير معتاد.  

قال راينهارت، ذو الشعر الرمادي، بنظرة مملة:  

“من يضمن أن الأمير الثاني لن يتخلص منا مرة أخرى؟ الأولى دائمًا صعبة، لكن الثانية تصبح أسهل.”  

“حتى لو كان الأمر كذلك، ألم تقل إنك ستتولى المهمة؟ لماذا تغير رأيك فجأة؟”  

“سمعتُ أن نيكولاس ميرماجندي يبحث عن أي ذريعة للإيقاع بالأمراء. لا أريد الانجرار إلى نزاع سياسي. لا أستطيع تحمل هذا الخطر.”  

من خلفهم، اقترب ديفون بهدوء وانتزع ورقة حمراء من يد أحد أعضاء النقابة.  

لاحظ الرجلان حركته الشبيهة بالظل متأخرًا، وعندما تعرفا على رئيسهما، أطرقا رأسيهما بسرعة.  

قرأ ديفون كييل الأمر المكتوب بنبرة باردة:  

“……‘اقضوا على العمياء من عائلة الدوق’. راينهارت، جاي. هل هذا سبب الضجيج أمام غرفتي؟”  

تحدث جاي أولًا بعد تبادل النظرات:  

“آسف، سيدي رئيس النقابة. كنتُ أحاول إقناع راينهارت، لأنه رفض قبول هذه المهمة مهما حدث.”  

تجنب راينهارت نظرة ديفون. 

كان من الواضح أن رئيسه، مثل جاي، سيعتبره جبانًا، بل وقد يوبخه.  

لكن ديفون كييل، ممسكًا بالمخطوطة، غرق في أفكاره للحظة. ثم تمتم:  

“إذن، كنتما تحاولان تمرير الأمر إلى شخص آخر.”  

كان لدى راينهارت سبب آخر لعناده. 

قبل سبع سنوات، كُلّف أحد زملائه باغتيال أحد أبناء دوق ميرماجندي.  

لكنه فشل في المهمة لسبب سخيف: الدوقة الصغيرة شربت الكأس المسموم بدلًا منه.  

عندما بدأ المحققون في التحقيق، ألقى الأمير الثاني الدنيء باللوم كله على عضو النقابة، الذي تعرض للتعذيب ثم أُعدم بالمقصلة.

 كان راينهارت شاهدًا على كل ذلك من مكان قريب.  

بينما ظل ديفون صامتًا، قال جاي مترددًا:  

“لكن، بما أنها مهمة من الدرجة S وصلت إلى نقابتنا، إذا سمحتَ، سأتولاها بنفسي.”  

نظر راينهارت إلى جاي بدهشة، وكان على وشك شكره، لكن ديفون هز رأسه.  

“لا، لا حاجة لذلك.”  

عندما التفتت أنظار الاثنين إليه، رفع ديفون المخطوطة وقال:  

“سآخذ هذه المهمة. انشغلا بأمور أخرى.”  

“……ماذا؟”  

“حقًا… هل هذا مناسب؟”  

اتسعت أعين جاي وراينهارت كعيني أرنب.  

كان رئيس نقابة دورن الغامض شخصية محاطة بالسرية، يقتصر تدخله في الميدان على إصدار الأوامر أو تحضير السموم، وذلك تحت اسم مستعار “ديوكي”.  

لكن أن يتولى المهمة بنفسه، ووحده، كان أمرًا غير متوقع.  

تبادل أعضاء النقابة النظرات بدهشة. 

لقد رأوا تعبير رئيسهم الذي يظهر عندما يكتشف شيئًا مثيرًا للاهتمام.  

حمل ديفون كييل الأمر وعاد إلى مكتبه بهدوء، تاركًا وراءه صوت صفير خفيف.