الحلقة 19: قرية سيينا

 

هززتُ كتفيّ وقُلتُ:

 

“إن أصبح الأمير كريس ملكًا، فستتّسع أراضينا بشكل استثنائيّ”

 

“لذلك تكثر الأقاويل في البلدان المجاورة حول صراع العرش هنا. أنا أؤمن أنّ صاحب السموّ سيصبح حاكمًا صالحًا”

 

بدت على ويلشر رهبة تجاه الأمير كريستوفر. 

 

وكان ذلك طبيعيًّا، فقلّما ولد في التاريخ الحديث شخص يصلح للمُلك مثله.

 

كان محبًّا للحرب إلى درجة خوض المعارك الصغيرة بنفسه دون خوف.

 

‘لو لم تُشرب الملكة المخلوعة السمّ… أو لو لم تكن آنا جاسوسة من عائلة الدوق، لكان قد أصبح حاكمًا صالحًا حقًّا’

 

تذكّرتُ أحداث الرواية الأصليّة وقلتُ لويلشر:

 

“سيّد ويلشر، هلّا أعطيتني من الآن فصاعدًا الطعام نفسه الذي يُقدَّم للجنود؟”

 

“ماذا…؟ إنّه لا يليق بآنسة”

 

“في خضمّ الازدحام، من العسير طلب إعداد وجبة منفصلة. ولا داعي للخدمة أيضًا”

 

عدتُ إلى الخيمة قبل أن يرفض ويلشر.

 

 وبعد يومين بالضبط، في صباح اليوم، سمعنا خبر انتصار حلفائنا في معركة ضفاف نهر أرديل، فانطلقنا شرقًا.

 

* * *

 

قرّر الفرسان الاستراحة قليلاً في قرية جبليّة. 

 

أفرغوا أمتعتهم في النزل ثمّ توجّهوا إلى الحانة.

 

كانت قرية «سيينا» الصغيرة هادئة وسلميّة، إذ لم تصلها بعد أهوال الحرب.

 

جلس فريدكين في زاوية الحانة لتناول وجبة متأخّرة.

 

 ألبس الدوقة رداءً لإخفاء شعرها البارز.

 

«لا حاجة للتأكّد من لقائها بأحد من ميرماجندي».

 

كان هدفهم إيصال ناتانيا إلى حدود إقليم الدوق. 

 

أراد فريدكين وجينجر إنهاء هذه المهمّة المزعجة بسرعة.

 

كانا، بخلاف نواه، يحملان استياءً خفيًّا من قرار كريس الرحيم بعائلة ميرماجندي.

 

قال فريدكين للدوقة الجالسة أمامه مغطّيًا وجهه بغطاء الرأس:

 

“عذرًا، سنخاطبكِ من الآن باسم مستعار. احرصي على إخفاء هويّتكِ حتّى نصل، فاستلام الرسالة من ميرماجندي يحتاج أسبوعًا آخر”

 

شربت الدوقة رشفة ماء وأجابت باختصار:

 

“نعم، سأفعل”

 

كانت بشرتها، التي لم ترَ الشمس منذ زمن، بيضاء كالثلج في صباح الشتاء، ومعصماها الناعمان بارزان تحت الرداء.

 

تجنّب فريدكين النظر إلى عينها اليمنى خوفًا من مواجهتها، كأنّها مسكونة.

 

بينما يتابعان الطعام، حدّق ويلشر الذي يمضغ خبز الشعير بعينين حادتين.

 

دخل رجال مسلّحون، فأصبحت الحانة فوضويّة في لحظة.

 

 أشار فريدكين بيده تحت الطاولة لرفاقه.

 

“فرسان عائلة الدوق”

 

تجمّع الذين يرتدون عباءات حمراء عند المدخل.

 

 أمر رجل تحدّث إلى صاحب الحانة الآخرين، فبدأوا يتجوّلون بين الطاولات يفحصون وجوه الزبائن.

 

همس فريدكين لرفاقه:

 

“لا تدعوا الدوقة تعرف بقدومهم. لو سلّمناها الآن، قد يتبعوننا إلى المعسكر”

 

أومأ جينجر وويلشر. 

 

خفض فريدكين صوته وقال:

 

“ناتي. نسيتُ شيئًا في النزل، يجب أن أذهب. قومي معي”

 

“الآن؟”

 

أمسك فريدكين يدها وقادها. 

 

في الوقت نفسه، نهض جينجر وويلشر وتقدّما نحو الفرسان الحمر.

 

تجوّلوا أمامهم عمدًا ليحجبوا ناتانيا عن أنظارهم.

 

“قف هناك!”

 

حاول قائد الفرسان استدعاء فريدكين، لكنّه خرج مسرعًا من الحانة.

 

بعد فوضى قصيرة، خرج جينجر متشابكًا معهم، ثمّ تبعه ويلشر.

 

كشّر جينجر عن أسنانه وقال بضجر:

 

“يقتحمون حتّى هذه القرية الجبليّة، يا لعنة ميرماجندي”.

 

“كاد أن يُقبض علينا. هيّا إلى النزل بسرعة”

 

عندما استداروا في زقاق، وقف أحدهم أمامهم بهدوء دون صوت.

 

كان رجلاً يرتدي قناع أفعى غريبًا. 

 

أمسك ويلشر جينجر الذي همّ بسحب سيفه.

 

“انتظر”

 

ضاقت عينا ويلشر.

 

لم تكن وقفته كفارس من عائلة الدوق، وكانت هالته مريبة. 

 

رغم عدم حمله سلاحًا ظاهرًا، كانت هيبته غريبة.

 

 انفتحت شفتاه تحت القناع المرخي شعره الأسود.

 

“إلى أين تأخذون الدوقة؟”

 

“دوقة؟ لا أفهم ما تقصد. ومن أنت أصلاً؟ بقناعك الغريب، تبدو كمتشرد يتظاهر بالبطولة”

 

كان طويل القامة نحيف البنية، لكنّ خبرة ويلشر الطويلة أخبرته أنّ هذا الجسد مدرّب. 

 

وكأنّه رآه مؤخّرًا. سأله:

 

“هل أنت مرسَل من الأمير الثاني؟”

 

ضحك الغريب ساخرًا.

 

 لم يخفِ اشمئزازه رغم القناع.

 

“الأمير الثاني؟ بصراحة، مللته قليلاً”

 

“ماذا؟”

 

“لا حاجة لك أن تعرف من أنا…”

 

أخرج الرجل الأسود الشعر ورقة مجعّدة من صدره.

 

 كانت صورة لامرأة شعرها بنيّ محمرّ، تغطّي عينًا واحدة. أشار إليها وقال:

 

“إعلان فقدان الدوقة المنشور في أنحاء المملكة، والمرأة التي كانت معكم تشبهها كثيرًا”

 

“… سوء فهم. تلك المرأة ليست دوقة، مجرّد رفيقة سفر”

 

“رفيقة من؟”

 

“ابنة طحّان الحيّ، تومسون”

 

تصبّب عرق بارد على جبهة ويلشر.

 

 نظر إليه جينجر بعينين مرتجفتين.

 

كان يخشى أسئلة إضافيّة عن الرفيقة.

 

 فكّر الرجل المراقب:

 

‘ظننتهم نخبة الأمير، لكنّ تمثيلهم رديء’

 

في تلك اللحظة، سُمع ضجيج في نهاية الزقاق.

 

 التفت الرجال جميعًا كأنّهم متّفقون.

 

كانوا فرسان عائلة الدوق يفتّشون القرية. 

 

هزّ الرجل الأسود الشعر الإعلان أمام جينجر وويلشر.

 

“اسمع. هل أبلّغ هؤلاء الفرسان؟”

 

“ماذا تريد؟”

 

“وُجهة رفيقتكم”

 

تصلّب وجه جينجر فورًا. 

 

حدّق في الغريب كأنّه سيغضب.

 

نظر ويلشر خلفه. 

 

قدّر الوقت حتّى يصل الفرسان، ثمّ أغمض عينيه.

 

“سنتّجه شرقًا”

 

سيوبّخه فريدكين إن علم بكشف سرّ، لكن لا خيار للهرب.

 

أعاد الرجل أسود الشعر الورقة إلى كمّه وأشار برأسه للمتابعة.

 

فتح ويلشر فمه وقبضته ترتجف:

 

“نحن مكلّفون بحماية الدوقة بأمر الأمير. لكنّنا نأخذها إلى غرينفيلد شرقًا، لا هنا”

 

“ويلشر، مجنون أنت؟ من هو هذا لتخبره؟”

 

غضب جينجر بشدّة.

 

 بينما يتجادلان، ابتعد ديفون كييل بهدوء. 

 

ردّ فعل الفارس الغاضب يؤكّد أنّ غرينفيلد وجهتهم.

 

كانت فرص بقاء الدوقة بعد مغادرة دورن ضئيلة… لابدّ أنّهم عقدوا صفقة ما.

 

 مستحيل أن يكون الأمير الثاني قد تركها بسلام.

 

حتى أنّ الدوقة ليست شخص مرحّب به عند الأمير كريس.

 

“ما الذي دار بينهما؟”

 

بعد انتهاء المهمّة، لا يحقّ للنقابة التدخّل في هدفها.

 

 لكنّ أفكار ناتانيا تتتالى. 

 

رغم أنّه ليس من النوع الذي يشعر بالذنب عادة.

 

كلّما رأى ناتانيا، تذكّر ديفون شخصًا لا إراديًّا.

 

رفيقه الذي فقد عينيه سابقًا. 

 

كان يراقب عائلة دوق ميرماجندي ويجلب معلومات قيّمة عن تحرّكاتهم المشبوهة للنقابة. 

 

سمع ديفون عن الدوقة منه.

 

ذات يوم، تحت ذريعة التدريب، أُرسل ديفون ورفيقه لاغتيال جلّاد في الإمبراطوريّة.

 

في طريق العودة، أمام الجدار، تنازل الفتى عن دوره لديفون، فطُعن في عينيه من إمبراطوريّ متخفٍّ.

 

رعى ديفون رفيقه المعاق في سنّ صغيرة. 

 

لكنّهما افترقا قريبًا.

 

فالقاتل المعاق يفقد قيمته ويُنقل إلى فرقة أدنى. 

 

وبعد أشهر، سمع ديفون خبر وفاته.

 

“… مرّة أخرى”

 

استيقظ ديفون من أفكاره عند مدخل قرية سيينا. 

 

أكّد، وهو يتبع مجموعة الدوقة، أنّ ناتانيا عمياء.

 

إن لم تكن انتحاريّة، فلماذا شربت ذلك السمّ؟

 

ولماذا هو…

 

“كان يمكن تركها تموت، لكنّني أنقذتها بسبب طلب الأمير الأوّل”

 

لم يعترف ديفون بفقدانه عقله في البرج.

 

 برّر تصرّفه بتغيّر العميل.

 

إن كانت وجهتهم غرينفيلد شرقًا، فهم في طريقهم إلى ميرماجندي بالتأكيد.

 

‘بما أنّني وصلتُ هنا، سأراقب عبورهم إلى إقليم الدوق فقط’

 

رفع ديفون غطاءه الأسود إلى تحت عينيه، ثمّ غاص في الظلام.