الفصل 16: أمراء باسيليون

كان الأمراء يرتدون ملابس رثّة، لكنّ شعرهم الأشقر الفاتح المميّز للعائلة المالكة ووقفتهم المستقيمة لم يتمكّنا من إخفائهما.

الأمير الثاني، نواه، بدا غير مصدّق لما سمعه للتوّ. 

كريس أظهر ردّ فعل مشابهًا.

عندما نظر إليّ محاولًا استطلاع ما إذا كانت كلماتي صادقة، شعرتُ بوجهي يحترق.

‘بالتأكيد هو بطل الرواية.’ 

لو بالغتُ قليلاً في الوصف، لقلتُ إنّ عينيّ كادتا تُعميان من جمال ملامحه.

“هل تعرفين نحن من، أيتها الدوقة؟”

توجّهت نظرته نحو عينيّ.

“سمعتُ أنّ بصركِ ليس سليمًا تمامًا…”

“كنتُ أخمّن إلى حدّ ما. فالأشخاص الذين سيستفيدون أكثر من اختفائي هم أصحاب السموّ الأمراء.”

عبس نواه. 

بدا أنّ رأسه ممتلئ بالعداء تجاهي.

تلقّيتُ منه نظرة لاذعة وأنا أفكّر.

‘نوا باسيليون… الشخص الذي حاول اغتيال نيكولاس، والذي أفسد عينيّ.’

بعد الحادث، عاشت ناتانيا في جناح منفصل وأجّلت دخولها المجتمع، لذا كانت هذه أوّل مرّة أواجه فيها الأمراء بعد بلوغي سنّ الرشد.

كلّ ما أعرفه عنهم يقتصر على أحداث الرواية الأصليّة، لذا كنتُ حذرة في التعامل معهم.

رفعتُ يديّ المقيّدتين وسحبتُ الغطاء عن رأسي.

 تدفّق شعري البنيّ المائل إلى الحمرة، وكشفتُ عينيّ المخفيّة سابقًا في الضوء الساطع.

عمّ صمت غير مريح بيننا.

 أدار نواه رأسه تمامًا بعيدًا.

قال كريس، رافعًا حاجبيه.

“إذن، سنتخطّى التعارف. من المؤكّد أنّ الدوقة قد استنتجت بالفعل أنّ الأمير الثاني هو من دبّر محاولة اغتيالها.”

“أخي!”

ابتلعتُ ريقي.

 لو أكّدتُ كلامه هنا، فقد يحاول الأمراء التخلّص منّي في هذا المكان.

لم أكن أعرف كيف سيردّون، لكنّني شددتُ عزيمتي وقرّرتُ اتّخاذ خطوة جريئة.

“نعم، أعرف. لكنّني مستعدّة لإغلاق فمي طواعية إذا كان ذلك من أجل سلام المملكة. لقد عشتُ السنوات القليلة الماضية دون أن أرى شيئًا. الصمت مألوف بالنسبة لي.”

أصدرت أرضيّة الكوخ صوت احتكاك.

 كريس، مرتديًا حذاءه العسكريّ، أوقفني ثمّ تجوّل حولي لفترة.

بدت عليه علامات التفكير في كيفيّة حلّ هذا الوضع.

بناءً على حديث الأميرين، يبدو أنّ نواه تصرّف من تلقاء نفسه مرّة أخرى، وأنّ كريس علم بذلك ومنعه.

 بمعنى آخر، الأمير الذي دفع المال لديفون ليحضرني هو كريس.

سمعتُ أصوات الفرسان يتحدّثون بهمس خارج النافذة.

 كانوا يفرغون أمتعتهم ويعتنون بالخيول المنهكة من الرحلة.

 قال نواه لكريس بصوت يحمل شيئًا من الإلحاح.

“أنت لا تصدّق هذا الكلام، أليس كذلك؟ صحيح؟”

كانت تحت عيني نواه حلقات سوداء كمن لم ينم، وبشرته شاحبة. 

مسح وجهه بيده الجافّة ثمّ صاح بصوت عالٍ.

“ما الذي تتردّد فيه بالضبط؟ لقد قال المعلّم إنّه يجب القضاء على كلّ المعارضين! خاصّة أنّها من آل ميرماجندي. ابنة العائلة التي أطاحت بأمّنا!”

بدت على نواه نية قطعي فورًا لو كان هناك سلاح قريب.

 كنتُ أتمنّى بشدّة ألا يتركنا كريس وحدنا.

كما وُصف في الرواية، كان الأمير الثاني مندفعًا وسريع الغضب. 

أمّا كريس، الذي سيصبح طاغية في المستقبل، فكان هادئًا ولا يكشف عن مشاعره بسهولة.

التفت إلى أخيه وقال.

“اخرس.”

سيطر كريس على الوضع بنظرة حادّة، ثمّ نظر إليّ.

“الدوقة ناتانيا. ألم تكوني قد قلتِ سابقًا إنّكِ لا تريدين أن تصبحي زوجة أمير؟”

أجبتُ فورًا.

“نعم، صاحب السموّ. ليس لديّ أدنى رغبة في ذلك.”

“ماذا لو أصرّ دوق ميرماجندي على الزواج؟”

“سأطلب منه البحث عن عريس آخر، وإن لم يكن ذلك ممكنًا، فسأهرب ببساطة. أنا مستعدّة للتضحية بجسدي من أجل العائلة، لكنّني أعرف جيّدًا أنّ منصب زوجة الأمير يفوق مقدرتي.”

في تلك اللحظة، اقترب نواه منّي مهدّدًا.

 “توقّفي عن الحيل يا ناتانيا دوبوسي ميرماندي. أتظنّين أننا نجهل ما يخطّط له نيكولاس؟ منذ تلك اللحظة التي تقدّم فيها بطلب فتح حديقة القصر بذريعتكِ… كنتُ قد أدركتُ كل شيء.”

بدا على نواه عدم رغبة في تصديق أيّ كلمة أقولها.

لم يكن غريبًا أن يغضب نواه حتّى منّي، الفتاة غير المؤثّرة في عائلة الدوق.

 كانت أسباب كره الأمراء لعائلتنا تفوق الحصر.

كانت والدتهم ذات يوم الزوجة الشرعيّة للملك.

 لكنّها اتُّهمت بالخيانة مع رجل آخر والإسراف، فتمّ عزلها.

 وفقًا للرواية الأصليّة، كانت هذه مؤامرة مشتركة بين الملكة أوليفيا ووالدي.

كما قيل إنّ فارس عائلة ساكسن، معلّم كريس، خسر حياته في مبارزة جواديّة بسبب مؤامرة الدوق، وكانت هذه الشائعة منتشرة علنًا في المملكة.

بل إنّ نيكولاس زاد الطين بلّة بمضايقة كريس بإصرار أثناء دراستهما في الأكاديميّة الوطنيّة.

<في بلدة الميناء، هناك حاجب أعرفه، هل أقدّمه لك؟ أليس والدة صاحب السموّ تنتظره بفارغ الصبر هناك؟>

كان الأمير الرابع ونيكولاس يشكّلان مجموعة من النبلاء المتعصّبين لنقاء الدم، ويستفزّان كريس كلّما سنحت الفرصة.

كأمير في مملكة ضعيفة السلطة الملكيّة، لم يكن أمام كريس سوى الصبر.

وقد شهد نواه ذلك صدفة، فكلّف نقابة الظلام بحادث تسميم.

‘في الواقع، لن يكون غريبًا لو قتلوني الآن.’

ربّما كانت فرص بقائي أعلى لو بقيتُ مع ديفون.

ومضت شرارة في عيني نوا الممتلئتين غضبًا.

 أمسك كريس بكتفه وأبعده إلى الخلف.

 كنتُ أحاول الحفاظ على الهدوء، لكنّ أطراف أصابعي كانت ترتجف باستمرار.

“بالمناسبة، كيف نجوتِ من البرج؟”

فتحتُ عينيّ على وسعهما.

“ماذا؟ ألم يكن صاحب السموّ هو من أنقذني…؟”

“صحيح أنّني اعترضتُ الطلب في منتصف الطريق، لكنّها نقابة الظلام في دورن. أومبرا يعرف بهذا الأمر أيضًا. بصراحة، كنتُ أتوقّع أن يأتي فرساني برأس الدوقة.”

كان ‘أومبرا’ يعني رئيس نقابة الظلام. 

شخص قاسٍ إلى درجة تجعل الجميع يهزّون رؤوسهم، لا يبدي أيّ رحمة في التعامل مع الخونة الداخليّين.

بسبب سمعته السيّئة التي لا تقلّ عن حارس بوّابة الجحيم، لم تجرؤ الدوقيّات المجاورة التي توسّع أراضيها على مسّ دورن.

 كما أنّ الطبقة الحاكمة كانت تستخدم النقابة بانتظام لمصلحتها.

لكنّ رئيس النقابة كان يعرف بحادث خطفي.

 هل سمح بتصرّفات ديفون الغريبة؟ شعرتُ بدوار مفاجئ.

ردّ نوا ببرود واضح.

“لعلّها اشترت حياتها بثروة عائلة الدوق الوفيرة. سأرى إن عدتُ للتعامل مع أوغاد دورن مرّة أخرى!”

بدأ يشتم دورن أمامنا.

“نقابة عليا في المملكة؟ أيّ عليا وهي تتعامل بهذه الطريقة؟ حتّى لو أوكلتُ المهمّة إلى مرتزق في مدينة صغيرة، لكان أفضل منهم.”

لماذا غيّر ديفون العميل الآن؟

لماذا؟ من المؤكّد أنّ سمعةَ أفضل نقابة في المملكة ستتضرّر.

أم أنّه اضطرّ لقبول ذلك بأمر رئيس النقابة؟

وضع كريس يده على جبهته وقال.

“على أيّ حال، من الجيّد أنّكِ عُدتِ سالمة على عكس توقّعاتي. لو مِتّ أيتها الدوقة، لوقعت البلاد في فوضى داخليّة وخارجيّة كبيرة.”

بالطبع، السبب الأكبر هو أنّ ذلك قد يعيق تولّيه منصب وليّ العهد، لكنّني كنتُ ممتنّة لكريس الذي أنقذني على أيّ حال.