الفصل 15: البطل، كريستوفر باسيليون

كان نواه يتجوّل في غرفته وحده بتوتر. 

أطراف أصابعه الّتي عضّها لفترة طويلة أصبحت فوضويّة بالفعل. 

صوت الرّعد المتقطّع أحيانًا، والطّقس الغائم، كلّها أزعجت مزاجه.

أخيرًا، جاء خادم الأمير الثّاني بالأخبار. 

استمع نواه بهدوء، لكنّه في النّهاية صاح بغضب.

“قبل أسبوع، عندما أبلغتني، قلتَ إنّها ماتت بالتّأكيد……!”

“القاتل المكلّف مزاجيّ جدًّا. حتّى داخل نقابة الظّلام، تغيّر القاتل فجأة……”

“لا أصدّق. عهدتم بالأمر إلى شخص كهذا؟”

“ذلك…… لأنّ مهاراته الأفضل في المنطقة……”

لم يستطع الخادم إنهاء كلامه.

 لأنّ سيّده ضرب الطّاولة بقبضته بقوّة.

“كيف يعقل قطع الاتّصال في هذا الوضع!”

تمتم نواه بلعنات خشنة بعينين محمرّتين.

“كريس يضغط عليّ بالفعل بسبب حادثة السبع سنوات…… إن عُرف أنّني وراء الاغتيال هذه المرّة، سنُطرد من المملكة إلى الأبد.”

كريستوفر مبدئيّ يراهن بحياته على معتقداته.

 لو علم الحقيقة، لن يتغاضى حتّى لو كان أخًا.

عضّ أسنانه وقال لخادمه المخلص.

“قبل أن يشمّ ذلك الدّوق الصّغير اللعين أيّ رائحة، يجب أن ندفنها نحن أوّلًا. مفهوم؟”

“نعم، يا صاحب السّمو.”

أنحنى الخادم برأسه.

لو نجح التّسميم قبل سبع سنوات، لما حدث هذا.

نيكولاس ميرماجندي الماكر، بعد ذلك اليوم، يختبئ في عشّه كفرخ عند الخطر.

للأسف، السمكة الكبيرة الّتي فاتتهم مرّة لا تعود بسهولة.

* * *

أخذني فرسان الأمير جنوبًا تمامًا. 

عكس إقليم الدّوق.

بعد يوم أو يومين إضافيّين، ظهرت قرية مبنيّة على ضفّة نهر. 

لكنّنا تجاوزنا كلّ الأماكن المأهولة.

إن واصلنا جنوبًا، سنصل قريبًا إلى أرديل.

 أرديل حيث حارب البطل القبائل البربريّة، منطقة تطمع فيها الدّول المجاورة بسبب أرضها الخصبة.

‘هل يقصدون ساحة المعركة؟’

اليوم الثّالث بعد مغادرة دورن، في النّهار. 

قلّ الثّلج على الطّريق تدريجيًّا، وظهرت الأرض العارية.

أخذني الفرسان إلى كوخ في السهل.

 المنزل المبنيّ بجانب البحيرة في الحقل بدا مؤقّتًا.

 كانت هناك حصانان مربوطان أمام المنزل.

“وصلنا.”

أنزلني الفارس الأزرق من الحصان.

 ثمّ شدّ الحبل المربوط حول معصميّ.

“سأتقدّم أوّلًا، فاتبعيني ببطء.”

أومأتُ برأسي.

 قال الفارس ذو الشّعر البنّيّ الّذي يراقب بجانبي بضجر.

“لم لا نصنع عصا ونعطيها إيّاها. إنّها عمياء.”

أمسك الفارس البنّيّ غصن شجرة قريبة وركله في الجزء الرّقيق. انكسر الغصن بصوت كسر.

أعطاني الفارس ذو التّعبير القاسي الغصن، فأمسكته مذهولة.

“……”

كنتُ أنوي الشّكر، لكنّني تذكّرتُ فجأة أنّ فمي مسدود.

 قضم القماش ليومين كان عذابًا.

أنّنتُ بصعوبة، وصعدتُ درج المدخل ببطء خلف الفارس الأزرق.

عندما طرق الباب. جاء صوت رجل كالصّراخ من داخل المنزل.

“قلتُ سألوّث يدي بدلًا منك!”

ارتجفت كتفيّ مفزوعة، فنظر الفارس إليّ بصعوبة. 

وقفنا أمام المدخل ننتظر متبادلين النّظرات.

كبر صوت الخطوات، ثمّ انفتح الباب من الدّاخل.

“…… صاحب السّمو.”

هناك، وقف رجل ذو شعر أشقر لامع كالشمس بهالة عنيفة.

ما إن رأيتُ عينيه العنبريّتين، عرفتُ أنّه البطل.

 مرّ في ذهني مقطع من الرّواية يصف الأمير الأوّل.

[الأمير الأوّل ذو العيون الحزينة كان موهوبًا في العلوم والفنون. كان وسيمًا مشهورًا في المملكة، وموهوبًا في العزف والغناء.

النّقص الوحيد فيه كان شخصيّته المعوجّة وحبّه.]

البطل، كريستوفر، كان مهووسًا بنوع من الدّونيّة تجاه أصله. 

لذا يعجب بالدّم النّقيّ لعائلة باسيليون الملكيّة.

رغم نبله، يصرّ على آداب ولغة باسيليون، يرتدي الملابس البيضاء الّتي يفضّلونها.

 حتّى الشّاي يقلّدهم.

 لكن دم أمّه الأجنبيّة لا يختفي.

هذا التّناقض أدّى إلى شخصيّته المعوجّة.

الأمير ذو العيون الشبيهة بعيني كلبٍ ضائع؛ تلك الظلال التي تلتف تحت عينيه وتمتدّ بجانب خدّيه كانت تمنحه هالة غامضة لا تُقاوَم. جماله الذي وُصف بالرواية لم يكن مبالغا به أبدا.

فتح كريستوفر فمه.

“تأخّرت، فريدكين.”

قدّمني الفارس وقال.

“أحضرتُ آنسة ناتانيا من دورن.”

مسحتْ عيناه العنبريّتان جسدي ببطء.

‘يجب أن أشكر أنّه ليس الأمير الثّاني؟’

لكنّني قرأتُ الكراهية والاشمئزاز في عيني كريس، فأيقنتُ أنّ الطّريق لن يكون سهلًا.

“تعالي هنا قليلًا.”

قبل أن ينتهي كلام الفارس، أمسك كريس الحبل وسحب ذراعي. 

دخلتُ المنزل مسرعة خلفه، وكان هناك شخص آخر في الكوخ.

اقترب رجل ذو شعر أشقر داكن من الباب.

 يشبه كريس بشكل غريب، ولا يزال متحمّسًا. 

أشار كريس إليّ وقال له.

“ها، انظر بعينيك. نتيجة ما فعلته.”

فتح الرجل عينيه واسعتين عند رؤية وجهي من تحت الرّداء.

“…… آنسة ميرماجندي؟ لماذا هذه المرأة هنا……”

الأشقر القذر هو بالتّأكيد الأمير الثّاني، نواه باسيليون.

 اجتمعا معًا…… هل هناك وضع أسوأ؟

كأنّه رأى ميتًا استيقظ من القبر، لم يستطع نواه إخفاء ذهوله.

 بقي كريس يحدّق في أخيه بهدوء كأنّه يقول تكلّم إن أردت.

عضّ نواه شفتيه قليلًا ثمّ واصل.

“كلّ هذا من أجلك يا أخي. أنت الوحيد الّذي يجب أن يفهمني.”

أظلم تعبير كريس تدريجيًّا.

 راقبتُ بينهما بهدوء.

 لا أعرف ماذا يفعلان بوضعي بينهما.

أخيرًا، لم أتحمّل التّوتّر وصَفيتُ حلقي. 

بعد صمت قصير، لاحظ كريس حالتي متأخّرًا.

“آه.”

ببطء، فكّ القماش من فمي.

هوو.

ما إن تحرّرتُ، استنشقتُ بعمق.

 ثمّ شددتُ على بطني وصرختُ.

“ليس لديّ طمع في أن أصبح أميرة! أبدًا…… إطلاقًا!”

هبط جوّ ثقيل في الغرفة. 

حدّق الأميران فيّ بعيون مذهولة.