الفصل 20 :
“لَمْ تكُنْ هناك حاجةٌ لأن تركضي.”
قال ميخائيل ذلك بابتسامة.
ثمّ التفت حوله، وسحب كمِّي بلطف، ثم أمسك يدي برفق.
“يوجد مقهًى لطيفٌ قريب مِن هنا. هل ترغبين بالذهاب إليه؟”
حدّقتُ به بدهشة.
كان ينظر إليّ وهو يبتسم، لكنّه ما لبث أن احمرّ وجهه وأفلت يدي.
“آه، أعتذر! لا يُفترض بي أن ألمسكِ هكذا من تلقاء نفسي.”
ثم ضمّ يديه معًا وبدأ يُحرّك أصابعه بتوتر دون أن يجرؤ على النظر إليّ. كان منظره لطيفًا.
“المقهى فقط… فقط فكّرتُ أنّه سيكون مكانًا مناسبًا للحديث عن الطلب، هذا كلّ ما في الأمر… إنها عادةٌ مهنية سيئةٌ لديّ…”
“… لا بأس.”
قالها وهو يتهرب من عيني، ويتمتم بخجل.
“القهوة هناك لذيذة حقًا. إنّه مكان ٌأذهب إليه كثيرًا، وأظنّ أنّكِ ستُعجبين به أيضًا…”
“حسنًا.”
لو تركتُه يُكمل، لما انتهى. قاطعتُه بحزم وهززتُ رأسي.
ثم اعتدلت في وقوفي بعد أن كنتُ منحنية لأنظّم أنفاسي.
“دلّني على الطريق.”
عندها التقت عيوننا مجددًا، وابتسم ميخائيل بخدّين ما زالا محمرّين.
المقهى الذي تحدّث عنه لم يكن بعيدًا فعلًا.
كان مبنًى مكوَّنًا من ثلاثة طوابق، الطابق الأول منه مفتوح وواسع، بينما الطوابق العليا تحوي غرفًا خاصّة.
صعدنا السّلالم ودخلنا إحدى الغرف الخاصّة.
“شاي بلاكفورست، وإيرل غراي، مع قطعة كعك الليمون، من فضلك.”
انحنى النادل بعد أن أخذ الطلب وغادر الغرفة.
وحين أُغلِق الباب، بقينا أنا وميخائيل وحدنا.
فتح ميخائيل فمه فورًا كأنه كان ينتظر هذه اللحظة.
“هل هو ذلك الكتاب الذي تحدثتِ عنه آخر مرة؟”
“نعم.”
هززتُ رأسي بالإيجاب، وأخرجتُ المذكرات من الحقيبة المربوطة حول خصري.
ما إن وضعتها على الطاولة حتى ثبتت عيناه عليها ولم تتحرّك.
“ما رأيك؟”
“هل يُمكنني لمسه قليلًا؟”
“طبعًا.”
بمجرّد أن سمحْتُ له، مدّ يده وراح يلمس الغلاف بحذر، يمرر أصابعه على الزخرفة وكأنّه يتحسسها.
ثم عبس قليلًا.
“الملمس… يُشبه فعلًا ناتج من إمبراطورية تاهيت السحرية.”
“تاهيت؟”
“إنّها الإمبراطورية السحرية التي أصبحت الآن أرض الموت.”
ثم ابتسم بخفّة.
“عذرًا، هل يمكنني تصفّح الداخل…؟”
أومأتُ برأسي. في الحقيقة، كنتُ قد عرضتُه على خادمتين أثق بهما بعد أن أريته لإستيل.
لأنّني مجرّد شخصيةٍ ثانوية في الرواية الأصلية، فكّرتُ أنّه ربما يمكنني رؤيته.
لكنّ الخادمتين لم تتمكنا من قراءة أيِّ شيء.
‘ربما سيكون الأمر نفسه مع ميخائيل.’
فتح الصفحة الأولى، ثم بسرعة قلب الصفحات حتى النهاية. لم يبدُ عليه أنّه يقرأ شيئًا، وجهه بقي هادئًا.
“كم أتمنى أن أستطيع تأكيد أنّه من إنتاج إمبراطورية تاهيت، ولكن…”
توقف قليلًا قبل أن يُتابع.
“أنا خرجتُ بسرعة دون أدواتي، لذا لا أستطيع فحصه الآن.”
ثم أغلقه وبدأ ينظر إليه من جميع الجهات، من الأعلى والأسفل، من الأمام والخلف.
ثم أعادها إلى الطاولة وهزّ رأسه.
“كما توقعت، الأمر صعب الآن. هل تُمانعين لو تركتِ الكتاب معي لأيامٍ قليلة فقط؟”
“لأيّام؟”
كرّرتُ السؤال، فأجاب وهو يومئ.
“أظنّ أنّني سأحتاج إلى ذلك الوقت لفحصه بدقّة. وأعدكِ أنّه لن يتعرّض لأيِّ خدش.”
كان في عينيه بريقٌ واضح، وكأنَّ فضوله قد استُفزّ.
“حالته ممتازة. في الحقيقة، أشعر أنّني أرغب في الاحتفاظ به بنفسي. هل من الممكن معرفة مكان المربية التي أعطتكِ إيّاه؟”
تظاهرتُ بعدم المعرفة.
“للأسف، انقطعتْ أخبارها بعد ذلك. لا أعرف كيف تعيش حاليًا.”
“فهمت.”
هزّ رأسه بقبول. وأنا بدأتُ أفكّر في المدة التي طلبها.
لقد حفظتُ بالفعل الأجزاء المهمة منه، ومرّ وقتٌ طويل ولم يظهر أيُّ جديد.
لكن فكرة تركها بيد أحدهم لعدّة أيام لم تخطر ببالي مِن قبل.
بينما كنتُ أفكّر بصمت، تحدّث ميخائيل من جديد.
“أتفهّم حيرتكِ. الحصول على شيءٍ كهذا أمرٌ نادرٌ للغاية.”
راح يُمرّر يده على الغلاف برفق، بحنان واضح.
“لكن إن سمحتِ لي باستعارته لأيام، فسأعطيكِ شيئًا ممتعًا بالمقابل.”
“شيء ممتع؟”
عندما التقتْ نظراتنا، أومأ وهو يبتسم.
“عنصرٌ من آثار إمبراطورية تاهيت.”
“ما هو هذا العنصر؟”
“لا أستطيع إخباركِ. إنّه شيءٌ ثمين جدًّا.”
أن أعطيه مذكراتي مقابل شيءٍ لا أعرفه؟ شعرتُ بالضيق، فعبستُ.
لكنّه سرعان ما قال بصوتٍ ناعم.
“سيكون مفيدًا، أعدكِ. كما تعلمين، الإمبراطورية كانت مشهورةٌ بالسحر، أليس كذلك؟”
“هل العنصر الذي ستُعطيني إيّاه يحتوي على سحر؟”
أجاب بدهاء:
“أنا لستُ ساحرًا، فلا أدري.”
ربّما يقصد أدواتٍ سحريّة.
المذكرات لم تعُد ذات فائدةٍ من ناحية المضمون، ما لم أعرف الرابط بين روزالين والسحر.
وإذا اكتشفتُ الرابط، كنتُ سأحرقها على الفور، لأنَّ وجودها بحدّ ذاته سرٌّ لا يجب أن يعرفه داميان.
لكن إن استطعتُ استغلال الأمر للحصول على أداةٍ سحرية…
‘بما أنّني سأنتقل للعيش في القصر الإمبراطوري بعد أيّام… إن ضمنتُ استعادتها، يُمكنني كسب الأداة وتجنّب أعين داميان.’
ضممتُ يديّ وتكلّمت بنبرةٍ حزينة:
“لكنها الذكرى الوحيدة التي تربطني بتلك المربية. كيف سأضمن أنك ستُعيدها لي؟”
“امممم… سؤالٌ وجيه.”
نقر ميخائيل خده بأطراف أصابعه، وأنا انتظرتُ جوابه بصمت.
“لو علمتْ السيدة شارلوت، سيصل ذَلك إلى زوجكِ أيضًا. لذا، الطريقة الوحيدة هي أن تأتي بنفسكِ لاستلامها…”
“لكنني لن أستطيع الخروج بعد أيّامٍ قليلة.”
قلتُها بنبرةٍ حزينة، لأجعله يفهم السبب دون أن أشرحه.
كأنّني زوجةٌ حُبِستْ لأنَّ زوجها يحبّها بشدّة. وهو ما كان يحمل بعضًا من الحقيقة.
“ألا توجد طريقةٌ أخرى؟”
عبس ميخائيل وهو يُفكّر.
“ماذا لو جئتُ أنا إليكِ؟”
“سيكتشف زوجي ذلك.”
كما أنّه لن يعرف طريق منزل ويجيس. تنهد ميخائيل.
“سيدة ويجيس…”
“نادِني فقط بـ ‘السيدة روز’. اسمي المستعار.”
أعطيتُه اسمي الحقيقي وكأنّه مستعار، ليظنّ أن أيًّ زلّةٍ مني لاحقًا هي فقط خطأ لفظي.
نطق اسمي كما لو كان يردّ التحية.
“السيدة روز.”
“ما الأمر، سيّد ميخائيل؟”
“أنا لستُ فارسًا في الواقع، لذا لا أُلقَّب بـ ‘سيد’. لكن هل قرّرتِ بالفعل أن تتركي هذا الكتاب لديّ؟”
“… أعتقد ذلك.”
هزّ كتفيه باستسلام.
“حسنًا، في هذه الحالة، سأريكِ كيف تستخدمين الشيء الذي سأعطيكِ إيّاه. في العادة لا أفعل هذا، لكنني سأجعلكِ ترينه الآن.”
فتح الحقيبة المعلّقة بجانبه وأخرج شيئًا يُشبه ظرف الرسائل.
كان فعلاً ظرفًا، فارغًا تمامًا.
“هل هذا ما ستعطيني إيّاه؟”
“نعم!”
قالها بفخرٍ، ثم فتح الظرف وقرّبه إليّ كي أراه جيدًا.
ثم قال:
“ألا تتساءلين كيف أتنقّل بين الحدود والعاصمة بسهولة؟”
طرح سؤالًا لا علاقة له بالموضوع.
“لا أعلم.”
“لإتمام التقييمات، أحتاج أدواتٍ عديدة، كالمجهر، والمحاليل، وغيرها. لكنني مجرد شخصٍ عادي، لا يمكنني توظيف تجّارٍ أو مرتزقة، ولا حتى حمّالين.”
“هذا منطقي.”
ابتسم ميخائيل وهو يرى موافقتي.
“لهذا السبب، أستخدم هذا الشيء.”
قرّب الظرف من المذكرات.
وما إن لامس الظرفُ الغلافَ، حتّى بدأت المذكرات ترتجف.
وفي اللحظة التي لمست فيها الظرف، اختفت وتحولت إلى ضوءٍ متلألئ.
“ما هذا…؟”
ثم انجذبت تلك الأضواء داخل الظرف، وأغلق تلقائيًا.
وقفتُ مذهولةً دون أنْ أنطق بكلمة.
لم أسمع عن شيءٍ مماثل، لا في القصص ولا في الأساطير.
رؤية فمي المفتوح جعلت ميخائيل يزداد فخرًا.
“سأعيدها لكِ بهذه الطريقة، في ظرف. أليست وسيلةً رائعة؟”
أخرج سكينًا صغيرة من جيبه.
كان نصلها الفضي مزخرفًا بوردة محفورة.
“لن تتمكّني من فتح الظرف ومعرفة محتواه إلا بهذه السكين. وسأعطيكِ إياها أيضًا. بما أن اسمكِ روز…”
عيناه الفاتحتان بدتا ساطعتين تحت ظلّ رأسه المُنحني.
ارتجف قلبي.
“وكيف سأستلم الرسالة؟”
وضعتُ يدي على صدري كي أمنع قلبي من القفز، وسمعتُ صوتي المرتجف بوضوح.
“اتركُها في المخبز. سأطلب من أحد أن يستلمها. فقط سأكتبُ اسمكِ على الظرف، وسيصل إليّكِ.”
سأطلب من إستيل أن تجلبه. سأخبرها فقط أنَّ لديّ عملًا مع الخبير، وستتقبّل الأمر.
“لكن، هل يَصِحّ أن تُعطيني شيئًا ثمينًا هكذا؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"