٠٠٢
[إنْ هَرَبْتُ من هنا، يا تِيو… سيستمرّ الناس في الموت حتى تظهر القدّيسة الجديدة.
إنْ لم أفعله الآن، فستُعاني القدّيسة التالية. لا أُريد ذلك. لذا لا بأس. لقد عَزَمتُ أمري. لا تَبْكِ. لا بأس.]
في الرواية الأصلية، كانت إستيل القدّيسة التي ستُطهّر أرض الموت، وبفضل طبعها الدافئ، نالت محبّة الكثير من أبناء الإمبراطورية.
(عندما أفكر في الأمر، كان ديميان باردًا على نحو غريب مع كلتا الاثنتين، ولم يُظهر لَطافة.)
إنْ كان كذلك في الرواية الأصلية، فربما يُمكن فهم سبب حذر ديميان من الاثنتين اللتين حازتا فجأة على ودّ شعب الإمبراطورية.
(لو أنّ الأمر كذلك، فلعلّني كنتُ لأتمكّن من حله في الرواية الأصلية.)
في الرواية، لم تكن روزالين سوى شخصية تشرح علاقة وليّ العهد وتِيو.
دَلَكتُ صدغيّ بلطف.
“هاه…”
كوني سقطتُ أمام أعين الجميع أمرٌ مُخجل بحدّ ذاته، لكنّ امتلاكي لهذه الذكريات الغريبة يزيد الوضع سوءًا. ربّما كان كلّ هذا مجرد أوهام منّي. لعلّي رأيتُ حُلمًا حيًّا جدًّا أثناء إغمائي.
سأرتاح إن نِمْتُ واستيقظتُ مجددًا. دَفَنْتُ جسدي في اللحاف.
لكن…
(ماذا لو كان هذا حقيقيًّا؟)
بمجرد التخيّل، سرت قشعريرة في كامل جسدي.
فهو ما زال إنسانًا قاسيًا مع تِيو حتى الآن.
وحين انتصبتُ جالسة، انزلق اللحاف عن جسدي.
نَزلتُ إلى الأرض دون أن أرتدي حذائي.
وبينما أترنّح، اتجهتُ نحو المكتب المُثبّت على الحائط، وفتحتُ الدرج الأول.
الدرج الأول دائمًا ما يحتوي على الورق والقلم.
يُفضَّل أن أكتب قبل أن أنسى. لا أعلم إن كانت هناك أي معلومات ذات فائدة.
لكن عندما جلستُ أمام المكتب، شعرتُ بشيء غريب.
(هل كان عدد أدراج هذا المكتب خمسة دائمًا؟)
مكتب غرفة النوم لم يكن يُستخدم كثيرًا إلا للردّ على رسائل ديميان، وكان فيه ورق وقلم ريشة فقط، لذلك لم أُكلّف نفسي يومًا عدّ عدد الأدراج.
لكنّ المكتب الذي في ذاكرتي كان مرتفع الساقين، بينما هذا الدرج مُلتصق بالأرض تمامًا.
بدَا كما لو أُضيف إليه درج جديد. مددتُ يدي للتحقّق منه وفتحتُ الأدراج واحدًا تلو الآخر من الأعلى.
الأول يحوي أوراقًا، والثاني والثالث والرابع كانت أدراجًا فارغة.
إن كانت ذاكرتي صحيحة، فحتى الدرج الخامس يجب أن يكون فارغًا.
لكن حين أمسكتُ المقبض، شعرتُ بثِقَل واضح.
سحبتُ المقبض بسرعة. وكان في الدرج المفتوح كتاب سميك بجلدٍ مُقوّى.
لم يكن على غلافه القرمزيّ الداكن أي كتابة.
تملّكني شعور غريب وفتحتُ الكتاب.
ثم…
(هذا…………..)
في الصفحة الأولى من هذا الكتاب الذي أراه لأول مرة، كُتِبَ “مذكرات روزالين مور” بخط يدي.
ما هذا؟ لا أذكر أنني كتبتُ شيئًا كهذا.
رفعتُ الكتاب بسرعة.
كان ثقيلًا إلى حدّ يصعب حمله بيد واحدة. وكان سميكًا كذلك.
وضعته على المكتب وبدأتُ بتقليب صفحاته، فظهر لي نفس الخط الذي أكتُبُ به.
المشكلة كانت أن التاريخ لم يكن للحاضر، بل للمستقبل. كما لو أنّ أحدهم كتب ملاحق للرواية من وجهة نظري.
بدأتْ أصابعي ترتجف وهي تُقلب الصفحات.
[السنة ٩٧٤ من تقويم لايرُس، ٢٩ سبتمبر
دخلت إستيل أخيرًا إلى منزلنا.]
كان تاريخ الصفحة الأولى بعد شهرٍ من الآن.
رغم أنني لا أذكر كتابة المذكرات، إلا أن الخطّ بلا شك هو خطّي.
العائلة، إستيل، الخدم، جميعهم سيُجمعون على أنّ هذا خطّي لو رأوه.
بعد شهر سيكون الخريف قد حلّ تمامًا.
حتى في الرواية الأصلية، دخول إستيل إلى منزلنا حدث في الخريف.
“ما هذا…………..”
كما ظهرت الذكريات فجأة، ظهرت هذه المذكرات فجأة.
هل كل هذا مجرد صدفة؟
مرت في ذهني صور تِيو وإستيل منذ صغرهما وحتى الآن.
تِيو ذو الخمس سنوات الذي بكى حتى احمرّت عيناه خوفًا من الرياح.
إستيل ذات السبع سنوات التي أمسكت بطرف تنورتي وقدّمت لي زهورًا برية بيدها المُتسخة بالتراب.
ضحكات الأطفال، أشعة الشمس، الدفء.
العقد البلاستيكي الرخيص والمنديل المطرّز بخياطة ملتوية اللذَين أهدَياني إيّاهما في إحدى سنوات مراهقتي.
أيام السلم التي وُجدَت بفضلهما.
حين كنتُ على وشك تقليب الصفحة التالية، سُمِع طَرقٌ على الباب من الخارج.
“آنسة روزالين؟ هل أنتِ نائمة؟”
من الصوت، بدا أنه مدير الخدم.
بما أن الطبيب الخاص أمر بأن أستريح جيدًا، فهذا يعني أنّ قدوم مدير الخدم يدلّ على أنّ شيئًا ما قد حصل.
هل هو أبي؟ وضعتُ الكتاب على الفور في الدرج الأخير.
“لا، ما الأمر؟”
كان يُمكنني التظاهر بالنوم، لكنّ سماع الأمر والتصرّف حياله كان أفضل ما لم يكُن شيئًا خطيرًا.
أما عن حالتي الصحية، فلم تَعُد نوبات الصداع الحادّة وكأنها وخز إبر، بل باتت أشبه بشعور الثقل فقط، كما لو أن الماء يهتزّ بداخلي.
حين رددتُ عليه، تابع مدير الخدم حديثه من خلف الباب.
“وصلَت رسالة مهمة.”
كما أنّه لا سبب يدفع مدير الخدم لطلبي، لا سبب كذلك لوصول رسالة مهمة لي.
جمعتُ الريشة والورق في الدرج أيضًا، ثم وقفتُ على قدميّ.
حين فتحتُ الباب، ظهر وجه مدير الخدم المتجمّد.
انحنى وأعطاني شيئًا وهو يمدّ يده إليّ.
“ها هي.”
رغم أن الضوء كان خلفه فألقى بظلالٍ كثيفة، إلا أنّ الظرفَ في يد كبير الخدم كان يلمع ببريقٍ واضح.
كان الختم المطبوع على الظرف بلونٍ بنفسجيٍّ غامق، يُشبه ثمرة نبتةٍ سامة.
انفلتت مني ضحكةٌ ساخرة.
وقعَ بصري على خطٍّ مائلٍ أنيق، مألوفٍ جدًّا بالنسبة لي.
[إلى روزالين العزيزة،
سمعتُ أنكِ تعرضتِ لحادث. هل أنتِ بخير؟
إن كان تحرّككِ صعبًا، أودّ زيارتكِ، لكني أخشى أن أكون عبئًا عليكِ.
رجاءً، أخبريني إنْ كان هناك وقتٌ مناسب، وسآتي لزيارتكِ.
خطيبكِ، داميان.]
“ما هذا………………؟”
كيف علم بأنني تدحرجتُ وسقطتُ عن الدرج بهذه السرعة؟
بل ويقول إنه سيأتي بنفسه إلى قصر الدوقية أيضًا؟
فتحتُ الدُرج وأمسكتُ بالقلم، لكنّ—
“لقد أُرسل من العاصمة، هل تأكدت من المرسل؟”
“نعم، إنه من صاحب السمو وليّ العهد.”
داميان؟
عقدتُ حاجبيّ، فأومأ كبير الخدم مرةً أخرى.
أمسكتُ بالظرف وسِرتُ إلى داخل الغرفة.
تلقّيتُ الرسالة مباشرةً بعد استرجاع الذكرى،
لذا بدا الأمرُ مشؤومًا.
جلستُ أمام المكتب لقراءة الرسالة، لكن كبير الخدم لم يُبدِ نيّةً للذهاب.
كان لا يزال واقفًا على عتبة الغرفة ولم يدخل.
مزّقتُ الشمع البنفسجيّ دون اكتراث.
“بإمكانك الذهاب الآن، يا كبير الخدم.”
“في الواقع… لقد أُمرتُ بإحضار الرد أيضًا…”
تشهّيتُ، ففتح كبير الخدم عينَيه دهشةً من التصرف الذي لا أُبديه عادةً.
فتحتُ الورقة التي بداخل الظرف.
وقعَ بصري على الخط المائل الأنيق، المألوف جدًّا بالنسبة لي.
[إلى روزالين العزيزة،
سمعتُ أنكِ تعرضتِ لحادث. هل أنتِ بخير؟
إن كان تحرّككِ صعبًا، أودّ زيارتكِ، لكني أخشى أن أكون عبئًا عليكِ.
رجاءً، أخبريني إنْ كان هناك وقتٌ مناسب، وسآتي لزيارتكِ.
خطيبكِ، داميان.]
“ما هذا………………؟”
كيف علم بسقوطي من الدرج بهذه السرعة؟
بل ويقول إنه سيزورني شخصيًا أيضًا؟
فتحتُ الدُرج وأمسكتُ بالقلم، لكن
ما إنْ غمستُ رأسه في الحبر حتى وجدتُ نفسي مترددةً بشأن ما سأكتبه.
“يا كبير الخدم.”
“نعم، آنستي؟”
“إن طلبتُ منه ألّا يأتي، هل سيستجيب؟”
“………………إنه رجلٌ قَلِقٌ عليكِ، لذا سيأتي على الفور على الأرجح.”
حقًا؟
لم أتحادث معه من قبل حديثًا حقيقيًا، لذا بدا احتمال امتناعه ضعيفًا.
لكن إن جاء، فلا بدّ أنه سيدخل هذه الغرفة.
(لأنني مريضة، فلن يُستقبل في غرفة الاستقبال بل في غرفتي.)
أن أُدخل داميان إلى غرفتي بهذا الشكل… أمرٌ يثير قلقي، خصوصًا بعد أن وجدتُ تلك اليوميات قبل قليل.
حتى كبير الخدم، الذي لا يزال واقفًا بلا حراك، يثير قلقي إن هو اهتمّ بتلك اليوميات.
فكيف بوجود داميان داخل الغرفة؟
بدا أن الأمر خيارٌ غير صائب إطلاقًا.
كتبتُ الردّ على عجل وسلّمته لكبير الخدم.
“سَلِّمه له.”
“نعم، حاضر.”
أخذ كبير الخدم الردّ بانحناءةٍ مؤدبة، وغادر الغرفة.
أسندتُ جسدي إلى ظهر الكرسي، ومددتُ ذراعيّ على جانبيه.
كان إطار الكرسي باردًا حين لامس جلدي.
(شكرًا على قلقك. لحسن الحظ، لم أُصب بجروحٍ كبيرة، لذا سأزورك بنفسي هذا المساء.)
أفضل وسيلةٍ لإثبات أنني بخير… أن أذهب بنفسي.
قيل لي أن أرتاح اليوم، لكن ما دمتُ تحرّكتُ، فلا يبدو أنني أُصبتُ بشيء.
ولزيارته سببٌ آخر أيضًا…
هل يُمكن أن يكون داميان حقًا من سيقتل عائلتي؟
كلما تذكّرتُ الجملة التي كتبتها في الردّ، لم أستطع طردَ شعورٍ بأن هناك خيارًا أفضل.
لكني أردتُ أن أتأكّد منه بنفسي.
هل حقًا سيُجبر داميان إيسـتيل وثيو على العمل في ذلك الجحيم حتى اللحظة الأخيرة، ثم يقتلهم بلا رحمة؟
في المشهد الأخير من الرواية، وصلَت إيسـتيل وثيو إلى القصر القديم الواقع في مركز أرض الموت.
في وسط القصر… كانت هناك تابوتٌ حجريّ.
الشيء الوحيد السليم في ذلك الخراب المنهار بالكامل.
كان ذلك، حسب إعداد الرواية، “الشقّ” الذي حوّل حوضَ الوادي إلى أرضِ موت.
وحين وضعت إيسـتيل يدها على التابوت ونقّت اللعنة القديمة،
سيوفُ الرفاق الذين عادوا معهم إلى القصر، ارتفعت نحوهم—
ثم…………….
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"