8
71ⵌ
“يا لها من أساليب تقليديّة.”
“تبعث على التثاؤب.”
“أشعر أنّني على وشك البكاء.”
في الطريق القصير المؤدّي إلى المحكمة الإمبراطوريّة، نتعرّض بالفعل لهجومنا الثاني. وبينما يتعامل الفرسان في الخارج بسرعة مع الموقف، أضغط لساني غاضبةً من أولئك القتلة الذين باتوا يهاجموننا علنًا.
“ومع ذلك، من حسن الحظ أنّ معظم هذا كان ضمن توقّعاتنا. لدينا متّسع من الوقت، ونحن على وشك الوصول إلى الطريق المؤدّي للقصر. لن نتأخّر.”
بعد أن نطحْتُ ذقن كاسيون – الشخص نفسه الذي ضغطني إلى صدره أثناء نومه رغم أنّه قال إنّه لن يتمكّن من النوم – اكتشفنا أنّ عجلة العربة قد تعطّلت حين انتهينا من الاستعدادات وخرجنا.
لكن بما أنّ طريقة التعطيل كانت تقليدية إلى حدّ السخف، فقد أخرجنا عربة أخرى كنّا قد اشتريناها وخبّأناها سرًّا في مكان آخر قبل بضعة أيّام.
“لوران، استرخِ وانظر إلى الخارج. مرّ وقت طويل منذ أن رأيت شوارع العاصمة، أليس كذلك؟ انظر، يمكنك أن ترى القصر الآن.”
“ماذا لو طار سهم نحوي وأنا أُخرج رأسي…! ب-بالمناسبة، الجميع يُحدّق!”
“وما المشكلة في ذلك؟ لسنا ننقل مجرمًا. لماذا تختبئ؟ يجب أن تُظهر ثقةً في نفسك.”
ارتبك الناس في الشوارع للحظة عندما رأوا فرسان الدوق يحيطون بعربتنا كالسحاب، لكن بعد أن سمعوا شائعات المحاكمة الإمبراطوريّة، تنحّوا عن الطريق وهم يُلقون علينا نظرات خاطفة.
ومع دخول العربة شارع التجّار المؤدّي إلى القصر وتباطؤها تدريجيًا، بدأنا نسمع همسات الناس في الخارج.
‘كم مضى من الوقت على آخر محكمة إمبراطورية؟ أليست الأخيرة كانت… عندما كان جلالة الإمبراطور لا يزال وليًّا للعهد؟’
‘كانت تتعلّق بأحد النبلاء الكبار الذين حاولوا تسميم ولي العهد. وماذا عن هذه؟’
‘ألم تسمع بعد؟ إنّها عن…!’
خفَتت أصوات الناس فجأة عندما تعلّق الأمر بالإمبراطورة، وكأنّهم متردّدون في الحديث عنها في الشارع.
لكن من الواضح أنّ أخبار هذه المحاكمة قد وصلت حتّى إلى العامّة، رغم أنّ العائلة الإمبراطوريّة لم تُصدر أيّ بيان رسمي.
مع أنّ ذلك، في الحقيقة، كان من تدبيري، إذ نشرتُ الشائعات عن طريق خَدَم الدوق.
“تحيّاتي، سيّدي الدوق، سيّدتي الدوقة. …وهذا هو…”
كنت على وشك أن أُطلق لحنًا خفيفًا من الرضا على هذا الافتتاح الواعد، حين توقّفت العربة عند مدخل القصر. جاء أحد الحرّاس لتفقّد العربة بشكلٍ احتفاليّ، ضاغطًا علينا بلُطف رغم معرفته بكلّ شيء.
من الواضح أنّه يُريد منّا أن نُقرّ بالأمر بأنفسنا. حسنًا، لا بأس.
“هذا هو لوران. سيشارك في المحاكمة الإمبراطورية.”
“…أفهم! إنّه يشبه… آه، لا. تفضّلوا بالمرور.”
لم أستطع كبح ابتسامتي وأنا أرى الحارس يُغطي فمه بسرعة ويُلوّح لنا بالمرور.
نعم، إنّه يُشبهه تمامًا.
“آمل أن تكون المعلومات من صاحب السمو الأمير الثاني صحيحة.”
“طالما لم يكتشفوا هويّة من نُخفيه في الوسط، فالأمر مؤكّد، أسيليا. يُقال إنّه يُحضّر ملابسه لليوم التالي منذ الليلة السابقة.”
“يا له من شخص دقيق. عادة مفيدة فعلًا.”
“بفضل ذلك، سيتمكّن الجميع من رؤية كيف سيبدو الأمير الأول بعد عشرين عامًا.”
ابتسمتُ لكاسيون وأنا أردّ على مزاحه الواثق. وبينما كنا نضحك بشرّ، كان لوران – الذي يرتدي ملابس تكاد تكون مطابقة لما سيرتديه الأمير الأول اليوم – يبدو تعيسًا للغاية.
إنّ الشبه بينهما واضح للعيان، فكيف سيكون حاله وهو يرتدي نفس الملابس والتصفيفة؟ رغم ذلك، من الممتع جدًّا مشاهدته في هذه الحال.
“ألن يكون من الأفضل أن تُصفّف شعرك بالطريقة المزعجة نفسها أيضًا؟”
“إذًا كنتَ تعتقد دائمًا أنّ الأمير الأول مزعج.”
“لن أنكر ذلك. إنّه أرستقراطي متطرّف لدرجة أنّه قد يقطع رأس خادمة إن سقطت شعرة من مكانها.”
“ماذا؟! الأمير الأول عنيف إلى هذا الحدّ؟”
عندما قاطعنا لوران بصوته الحادّ فجأة ونحن نتحدّث عن الأمير الأول، رمقناه بنظرات كأنّها أشعّة ليزر. فالمحاكمة على وشك أن تبدأ، ومع ذلك لم يتعلّم بعد كيف يتحكّم بانفعالاته. وليس الأمر أنّ القصّة مختلقة.
“آه، لا. أقصد… ولدي…”
على الأقل، التقط لوران بسرعة معنى نظراتنا وعدّل عبارته.
رغم أنّ كلامه من الناحية الفنيّة صحيح، لكنّه قد يُشكّل صدمة لو سمعه الآخرون.
“بدلًا من كونه عنيفًا، إنّه أشبه بشخص بارد عديم المشاعر. فكّر بالإمبراطورة مثلًا.”
أرخى كاسيون عينيه ونزل من العربة التي توقّفت أخيرًا. وبينما كان يراقب أيّ محاولة اغتيال أخيرة محتملة، مدّ يده نحوي، لكنّني هززتُ رأسي.
من الأفضل أن نُخرج لوران أولًا.
“اخرج أوّلًا. قِف باستقامة. لا بأس أن يُظهر وجهك بعض الخوف، لكن عليك أن تبدو واثقًا.”
“ن-نعم، نعم.”
وكأنّ روحه ستغادر جسده، نزل لوران من العربة بساقين مرتجفتين. ولولا أن كاد يقع، لولا تدخّل كاسيون الذي أمسك به مع مراعاة نظرات الناس، ثم سلّمه إلى أحد الفرسان قبل أن يمدّ يده لي مجدّدًا.
“شكرًا لك.”
“سررتُ بخدمتك.”
كان إصرار كاسيون على أن يكون مرافقًا لي، رغم أنّه يوم المحاكمة، واضحًا للعيان. كتمتُ ابتسامةً وأنا أخرج من العربة.
شعرتُ بالأنظار تلاحقني من كلّ الجهات. لكنّني لستُ من النوع الذي يهاب مثل هذه الأمور. لقد خُلقتُ لأعتلي المسرح.
“أرأيت؟ لهذا السبب أبقيتُ تسريحة شعره كما هي.”
“همم؟”
“يجب أن يُشبه صاحب السمو الأمير الأول، لكن دون أن تكون له تلك الهالة المرعبة أو السلطويّة. نحن بحاجة إلى إبراز الحزن الكامن فيه لإثارة التعاطف.”
همستُ بهدوء، فراح كاسيون يُلقي نظرةً أخرى حوله.
نظرات حاشية القصر تجاهنا – أو بشكل أدق تجاه لوران – أثناء اقتيادنا إلى المحكمة الإمبراطوريّة على يد أحد الخدم، كانت مشوبة بالفضول أكثر من التوتّر.
للوهلة الأولى، لا يبدو لوران شخصًا قد يُشكّل تهديدًا لهم. ولا حاجة لإثارة العداء بلا داعٍ.
“تفضّلوا بالدخول من هنا. وإن كانت لديكم حاجة قبل بدء المحاكمة في الوقت المحدّد، يمكنكم مناداتنا أو الخروج قليلًا.”
أخيرًا، نحن في المحكمة الإمبراطوريّة. الأمر لم يكن واقعيًا بعد.
في نهاية القاعة الواسعة الخالية من النوافذ، كان هناك منصّة عالية سيجلس عليها الإمبراطور. وتحتها مباشرةً، مقاعد موزّعة على الجانبين.
وخلفها، مساحة صغيرة للنبلاء المصرّح لهم بالكلام.
لم يكن المشهد مختلفًا كثيرًا عن قاعات المحاكم في الدرامات من حياتي السابقة. باستثناء أنّ الحُكم سيصدره الإمبراطور، لا قاضٍ.
“لا بأس. لكن، هل يمكنكم إزالة المشروبات من الطاولة؟”
“نعم، سيّدتي الدوقة.”
يبدو أنّ الأميرَين الأول والثاني لم يصلا بعد. وعندما عبستُ لرؤية الشاي الموضوع على جانبنا، أسرع أحد الخدم في إزالته.
كيف لي أن أشرب شيئًا قد يكون مسمومًا بعد محاولات الاغتيال الأخيرة؟ لا أريد تجربة ذلك مرّة أخرى.
“سيّدي الدوق، سيّدتي الدوقة. لقد مرّ وقت طويل.”
نظرًا لأنّ خصمنا في هذه القضيّة هو الأمير الأول والإمبراطورة، يبدو أنّ المقاعد المقابلة ستُملأ فقط قبيل بدء المحاكمة.
وحين كنّا على وشك الجلوس، نهض زوجان من النبلاء كانا جالسَين في الخلف واقتربا منّا.
إنّهما البارون ماير وزوجته.
“بالفعل. آخر مرّة التقينا كانت عند صائغ المجوهرات.”
“هاها، ما زلتِ تتذكرين! لقد استمتعنا أيضًا ببعض الحلويّات اللذيذة حينها!”
ربّما لأنّنا توافقنا في الرأي حول المجوهرات وقتها، بدا البارون أكثر سعادة برؤيتي من رؤيته لكاسيون. وتحدّث بصوت أعلى قليلًا، ناظرًا إلى الخلف وكأنّه يُريد التفاخر بعلاقته بنا أمام النبلاء الآخرين.
“لقد ازددتِ جمالًا منذ لقائنا الأخير… لكنّكِ تبدين شاحبة. هل أنتِ بخير؟”
“أشكركم على اهتمامكم. أنا فقط متوتّرة بسبب طبيعة القضيّة…”
توتر؟ هراء. على الأرجح لأنّني وضعتُ بعض المكياج لإخفاء آثار الكدمات الخفيفة، ممّا جعلني أبدو باهتة. كما أنّني خسرتُ بعض الوزن.
لكن من الأفضل أن أبدو حزينة مثل لوران بدلًا من أن أظهر عدوانيّة في توجيه الاتّهامات.
أحتاج لأن أُظهر لهم أنّ ‘هذا الوضع مؤسف، لكن كان عليّ أن أتحرّك من أجل العدالة. رغم خوفي، أفعل ذلك لأجل جلالة الإمبراطور، ولسلطته، وفي النهاية لأجل الإمبراطوريّة.’
“آه… إذًا هذا هو…”
لم يكن الصوت مرتفعًا كثيرًا هذه المرّة، لكن في تلك اللحظة، بدا أنّ الجميع في قاعة المحكمة حبسوا أنفاسهم.
ركل كاسيون كعب لوران بخفّة، فخطا لوران إلى الأمام تلقائيًا وفتح فمه كما دُرّب.
“أنا لوران.”
“آه…!!”
كان مجرّد اسم، لكنّه كان كافيًا. فمن دُعوا لحضور هذه المحاكمة لا بدّ أن تكون لديهم فكرة عن اسم الشخص الذي يُفترض أنّه “والد الأمير الأول”.
وصوت لوران المرتجف سيبدو لهم كصوت رجل صمّم أمره وتهيّأ.
“صاحب السمو الأمير الأول وصاحب السمو الأمير الثاني قد وصلا.”
وفي تلك اللحظة، دخل الأميرَان القاعة.
“…أوه، يا إلهي.”
لم يستطع أحد الحضور كبتَ دهشته، وأطلق تنهيدة صغيرة. تبادلتُ وكاسيون نظراتٍ تحمل ابتسامة خفيّة، بعدما شعرنا بنجاح خطّتنا.
كما توقّعنا، ظهر الأمير الأول مرتديًا ملابس شبيهة جدًّا بملابس لوران، وحتّى تعابير وجهه الجامدة كانت مطابقة تقريبًا.
“عُدوا إلى مقاعدكم.”
همستُ برفق إلى زوجَي البارون ماير المصدومَين، فانحنوا أمام الأميرَين وسارعوا بالعودة إلى أماكنهم.
الآن وقد بدأت المعركة، لم يتبقَّ على الحاضرين سوى المشاهدة… ثمّ نشر القصّة على أوسع نطاق.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
72ⵌ
“نحن بحضور صاحب السمو، الأمير الأول، وصاحب السمو، الأمير الثاني.”
عندما حيّيتُ الأميرين اللذين دخلا معًا رغم علاقتهما السيئة، أظهرا ردود فعل متباينة. على عكس الأمير الثاني، الذي اقترب منا بابتسامة خفيفة وهو يراقب ملبس لوران، ظلّ الأمير الأول متجمّدًا بلا حراك.
“……”
“……”
حدّق لوران والأمير الأول، اللذان يبدوان متطابقين بشكل لافت، في بعضهما البعض بأعين مرتجفة.
كنتُ قد أخبرتُ لوران ألّا يشعر بالخوف أمام الأمير الأول، لكن ما لم أتوقّعه هو أنّ ما شعر به لم يكن رهبة، بل مشاعر معقّدة حين واجه ابنه وجهًا لوجه.
نظرًا لطبيعته المترددة، كنتُ قلقة من أن يتعامل مع ابنه بصفته أميرًا فقط.
“…يا له من مقلب رخيص، يا دوق.”
كان الأمير الأول هو من صرف نظره أولًا.
نظر إلى كاسيون بغضب، وأغمض عينيه بقوة قبل أن يعيد فتحهما. كان يشير إلى الملابس.
في الواقع، كان من المفترض أن يُعلّق أولًا على تطابق ملامحهما، لكن يبدو أنه لم يستطع التفوّه بذلك.
“لا أفهم ما تعنيه.”
“…هاه. لا أراك جديرًا بالحوار أصلًا.”
أزاح كاسيون كتفه ببرود بعدما ربّت عليه الأمير الثاني، في إشارة إلى نجاح الخطة. بدا أنّ غضب الأمير الأول قد ازداد من تصرّف كاسيون، لكن ذلك لم يكن من شأننا. ثم، وكأنه يحاول تجنّب النظر إلى لوران مجددًا، وجّه بصره إليّ.
“إذًا نلتقي مجددًا بهذا الشكل. ألم أخبركِ أنكِ ستندمين على زواجكِ من الدوق، يا دوقة؟”
“ماذا تقصد…”
هذه المرة، انفجر كاسيون غضبًا.
أفهم أنّه قد يشعر بعدم الأمان بسبب غموض علاقتنا، لكن لا ينبغي له أن يقع ضحية لاستفزازات بهذا المستوى.
اعترضتُ طريق كاسيون، ونظرتُ ببرود إلى الأمير الأول، ممحيةً ابتسامتي المعتادة.
“حقًا؟ ذاكرتي تختلف قليلًا، يا صاحب السمو.”
“لقد حذّرتكِ بنفسي، ومن المؤسف إن كنتِ قد نسيتي ذلك.”
“ما ناقشناه كان مكان كلّ شخص المناسب.”
تحرّكتُ ببطء، ببطء شديد، واقتربتُ من الأمير الأول وهمستُ له:
“بعد مرور هذه الساعة، سيتّضح من الذي تجاوز حدوده، ومن الذي يجلس على عرش السقوط.”
“…!”
كيف لي أن أنسى؟ كانت كلماته آنذاك تأمرني بعدم تخطّي مقامي والزواج من رجل مسنّ لأخدمه.
تلك النظرة في عينيه… وكأنني لا أساوي شيئًا.
إن كان هناك شيء واحد أندم عليه في هذه اللحظة، فهو أنّني لا أستطيع النظر إليه من علٍ، وهو يرمقني الآن بغضب لا يمكن كبحه. ربّما كان عليّ ارتداء كعبٍ أعلى.
“هاه… هل ترغبين في فقدان رأسك؟ تعلمين أنّ بإمكاني قطع رأسكِ هنا بتهمة إهانة العائلة الملكيّة، ولن تملكي دفاعًا يُنقذكِ.”
“لو حدث ذلك الآن، فزوجي الواقف خلفي سيحميني، أما لاحقًا… فأتساءل، هل ستُعتبر أفعالي فعلًا إهانة للعائلة الملكية؟”
[اوبااا]
حتى النظر مباشرة في عيني أمير يُعتبر وقاحة، لكن إن كانت الحقائق التي قدّمتها ومحاكمة الإمبراطور ستمنحنا الأفضلية، فلن يبقى أميرًا، ولن يُعدّ سلوكي الآن غير محترم.
فهم الأمير الأول ما ألمحتُ إليه، ولم يعد قادرًا على كبح غضبه، فمدّ يده نحوي. وعندما تراجعتُ غريزيًا، تقدّم كاسيون ليعترضه.
“صاحب الجلالة الإمبراطور… وصاحبة الجلالة الإمبراطورة قد وصلا!”
لكن الأهم من كلّ ذلك كان وصول أبرز شخصيّتين في هذه المحاكمة.
رغم التوتّر، تجمّد الجميع والتفتوا إلى الخلف، حتى أنّ الحاجب الذي أعلن عن وصولهم تعثّر قليلًا في كلماته.
ومن المفهوم ذلك، فقد كان مترددًا: هل عليه أن يُناديها بالمجرمة المتّهمة أم بصاحبة الجلالة الإمبراطورة؟ ويبدو أنه اختار الخيار الآمن وناداها بصاحبة الجلالة الإمبراطورة.
لكن، بغضّ النظر عن اللقب، كان موضعها مختلفًا.
“هذه أول محاكمة إمبراطورية منذ اعتلائي العرش.”
“……”
“عندما دخلتُ إلى قاعة المحكمة، كنتُ أتوقّع أن تكوني جالسة في موضع مختلف عن هذا. كم هو مؤسف.”
وقف الجميع في القاعة لتحيّة الإمبراطور، الذي جلس في المقعد المركزي ووجّه كلامه مباشرة إلى الإمبراطورة.
كان من المفترض أن تجلس الإمبراطورة على المقعد الذي يقع خلف الإمبراطور وعلى بُعد خطوات قليلة منه خلال المحاكمات، لكنها سارت بصمت إلى مقعد المتّهمة أسفل المنصّة.
“هذا فقط لليوم، يا جلالة الإمبراطور. سأنتقل قريبًا إلى ذلك المقعد، فلا تكن محبطًا.”
رغم أنّها كانت ترتدي ملابس أكثر تواضعًا وقتامة من المعتاد، لم تبدُ عليها علامات ارتجاف أو غضب. وبينما لم يستطع لوران أن يشيح بنظره عنها منذ دخولها، لم تنظر هي سوى إلى الإمبراطور، مرفوعة الرأس بكلّ وقار.
لكنّ كلمات الإمبراطور الشخصيّة تجاهها اقتصرت على تلك الملاحظة الافتتاحيّة.
نظر حوله في القاعة، التي ما زالت تعاني بعض الفوضى، وفرض النظام بجاذبيّته المعتادة.
“كنتُ آمل أن أنهي هذه القضيّة المربكة قبل أن تتآكل سلطة العرش أكثر، لكن هل لم تكتمل التحضيرات بعد؟ يبدو أنّ المقاعد غير منظّمة. رغم أنّها محاكمتي الأولى، لا أذكر أن ترتيب المقاعد كان هكذا.”
“……”
“كلاوس. هل هذا موضعك؟”
“…أعتذر! سأعود إلى مقعدي فورًا.”
على عكسنا، نحن الذين انسحبنا فور دخول الإمبراطور إلى مقاعدنا، كان الأمير الأول لا يزال واقفًا، ويده ممدودة نحوي، يعضّ شفتيه في دهشة.
بدا مصدومًا من دخول الإمبراطورة بصفتها متّهمة، كما بدا مذهولًا من سرعة انسحابنا من الموقف.
لكن، ماذا بوسعه أن يفعل؟ السلطة العليا في هذا المكان للإمبراطور، وإرضاؤه هو طريق النصر.
“همم. حسنًا.”
ومع جلوس الكاتب، الذي بدا متوتّرًا هو الآخر، وقلمه بيده، اكتملت استعدادات المحاكمة.
وقبل أن يُعلن عن بدايتها، حدّق الإمبراطور مطولًا في لوران.
ومن زاوية عيني، رأيتُ الأمير الأول يَشدّ قبضته، ربّما خوفًا من أن يقارنه والده بلوران. لكن الإمبراطور لم يُحوّل نظره عن لوران حتى النهاية، ثم دقّ الجرس الصغير، مُعلنًا بداية المحاكمة.
“لتبدأ المحاكمة الإمبراطوريّة.”
“……”
“صاحب السمو الأمير الثاني، شودين لوبيستاين، مَن طلب هذه المحاكمة. تفضّل وتحدّث.”
“أمرُك، يا صاحب الجلالة.”
تقدّم الأمير الثاني، الذي أعدّ كلّ شيء بإتقان، بهدوء إلى المنصّة حيث يجلس الإمبراطور. هو الآخر لم يلتفت إلى الأمير الأول أو الإمبراطورة، بل وجّه بصره فقط نحو الإمبراطور.
“أدرك قلقك، يا صاحب الجلالة، من أنّ هذه المحاكمة قد تُضعف سلطة الإمبراطورية، لكنّي أؤمن أنّ تجاهل الحقيقة هو ما يُعدّ إهانة حقيقيّة للعائلة الملكيّة، ولهذا تقدّمتُ بهذا الطلب.”
ساد الصمت بين الحضور، فقد حان الوقت لتأكيد ما سمعوه كإشاعة.
وبينما كنا نتوقّع أن يُشير إلينا الأمير الثاني لاحقًا، نحن الذين تدرّبنا على كلّ حركة، حافظنا أنا وكاسيون على تعابيرنا الجادّة.
“كما يعلم الجميع، فقد كان الدوق والدوقة مؤخرًا في رحلة شهر عسل. وخلال رحلتهما عبر أقاليم صغيرة بعيدة عن العاصمة، التقيا برجل يحمل ملامح مألوفة، وسمعا منه قصة صادمة. وستنقل الدوقة بقيّة القصة.”
“أُجيز للدوقة أن تتكلّم.”
رغم أن العديد من الأنظار كانت موجّهة إليّ، لم أشعر بالتوتّر. بل بدا الأمر غير واقعيّ قليلًا. هل نحن فعلًا في محاكمة؟ هل سأدلي فعلًا بشهادتي ضدّ الإمبراطورة؟
وبينما تظاهرتُ بتحيّة خفيفة للإمبراطور، نظرتُ نحوها، والتقت أعيننا، لكننا صرفنا نظرنا في اللحظة نفسها. لا نحمل ضغينة شخصيّة تجاه بعضنا، لكننا خصمان.
“كما ذكر صاحب السمو الأمير، كنّا أنا وزوجي نتجوّل في أقاليم صغيرة بعيدًا عن العاصمة. ورغبةً في تخليد لحظة من شهر العسل، استعنا بفنّان شوارع، ومن الرجل الذي التقيناه آنذاك…”
توقّفت لوهلة، وابتلعت ريقي، كما لو أن كشف هذه الحقيقة أمر لا يليق. حتى ارتجاف رموشي كان محسوبًا.
“إن سُمح لي بالتصريح، فقد اكتشفنا أنّ ملامحه تُشبه صاحب السمو الأمير الأول.”
رغم أنّ هذا التصريح ألمح مباشرة إلى هدف المحاكمة، لم يحدث اضطراب كبير. فأي شخص له عينان كان سيلحظ ذلك منذ دخوله، لذا لم يكن بالأمر المفاجئ.
“اعتبرناها مصادفة في البداية، لكن أثناء رسمه لنا، وبعد أن علم بأنّنا من العاصمة، بدأ يحدّثنا عن أيّام شبابه فيها. بدأت القصة قبل 27 عامًا، في شتاء عامه السادس عشر. وسيُكمل لوران، رسّام البورتريه من إقليم ليرينتو، بقيّة القصة.”
“أُجيز للوران أن يتكلّم.”
وأخيرًا، جاء دور لوران. وحين كاد أن يفوّت توقيت التحيّة، ركلتُ قدمه برفق.
فترنّح قليلًا، ثم انحنى سريعًا واستقام، ناطقًا القنبلة بصوتٍ مرتجف:
“صاحب السمو الأمير الأول… هو ابني.”
عمّت الفوضى القاعة فورًا، وتفجّرت الهمسات من كلّ اتجاه.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
73ⵌ
“أوه، يا إلهي…!”
“كنت أظنّ أن الشبه كبير، وها قد تأكّدت…”
لقد أولينا اهتمامًا كبيرًا لتصريح لوران الأوّل. لكن أليس من الأوقع أن نبدأ بذروة الحدث بدلًا من شرح كلّ شيء بالتفصيل كما تفعل الروايات أو الأفلام؟
استغللنا كونه من عامّة الشعب، لا علم له ببروتوكولات البلاط الإمبراطوري، فاستبدلنا المقدّمة باللبّ مباشرة.
كما خُطّط، سادت القاعة ضجّة، ونسِيَ النبلاء أنهم أمام الإمبراطور، فأخذوا يتهامسون فيما بينهم. أما الأمير الأول، فراح يرمق لوران بنظرة حادّة، يعضّ على شفتيه بقوّة حتى سال الدم منها.
“صمتًا.”
لكن كلّ هذا هدأ بكلمة واحدة من الإمبراطور. وحين عبس الإمبراطور قليلًا بإزعاج وضرب الجرس، ساد الصمت مجددًا.
“اشرح بالتفصيل. من شتاء عامك السادس عشر، كما رويتَ للدوق والدوقة. وبالطبع، لا بد أن تكون كلّ كلمة صادقة، وإلا ستُقطع رأسك فورًا بتهمة إهانة العائلة الإمبراطورية.”
“ن-نعم. أُقسم أنني لن أقول سوى الحقيقة، يا جلالة الإمبراطور.”
رغم أن صوته كان يرتجف، إلا أن لوران تصرّف بثبات، تمامًا كما فعل في المحاكمة التجريبية.
“نشأت يتيم الأب، وفي عامي السادس عشر فقدتُ والدتي، عائلتي الوحيدة. اضطررتُ للخروج لأكسب رزقي، لكن كوني ما زلتُ في سنّ الأحلام، خرجتُ إلى الشوارع الباردة حاملًا الفحم والورق فقط.”
حوّل بصره من الإمبراطور نحو الإمبراطورة، لكنها لم تبادله النظر. فاكتسب صوته قوّة أكبر قليلًا.
“كان اليوم الثالث منذ خروجي إلى الشوارع، وقد بدأتُ أنهك من الجوع والبرد. جلستْ أمامي امرأة جميلة… تلك المرأة كانت صاحبة الجلالة الإمبراطورة الجالسة هناك. لكنّني في ذلك الحين، ظننتها فقط سيدة نبيلة من الطبقة الرفيعة.”
“مهلًا. إن كان ذلك قبل سبعة وعشرين عامًا، في الشتاء، فهذا يعني أنه كان بعد اعتلاء جلالة الإمبراطورة العرش مباشرة؟! والدتي أجرت طقوسها في الخريف، وكانت الاحتفالات تعمّ الإمبراطورية بأسرها. من الصعب تصديق أنك لم تتعرف عليها حتى بعد رؤيتها عن قرب.”
اعترض الأمير الأول قبل أن تفعل الإمبراطورة. بدا مصمّمًا على ألا يفوّت أيّ ثغرة، لكننا كنّا قد توقّعنا هذا تمامًا.
“كما ذكرت سابقًا، توفيت والدتي في ذلك العام، وتحديدًا في الخريف. كنتُ منشغلًا برعايتها حتى الرمق الأخير، وبعد رحيلها انشغلت بجنازتها، فلم أكن في وضع يسمح لي بمتابعة أخبار البلاد. إن كانت تلك غلطة تُحسب عليّ، فإني أقرّ بذنبي.”
بدأ صوت لوران يثبت تدريجيًّا، وأصبح يجيب بسلاسة كما لو كان يراجع أجوبة امتحان تمّ تدريبه عليه مسبقًا. يبدو أن التدريب طوال الليل قد آتى ثماره.
“تابع.”
“نعم، يا جلالة الإمبراطور. هي…”
“بل قُل جلالة الإمبراطورة! استخدم اللقب الصحيح!”
“الأمير الأول. لا تُقاطع بلا داعٍ. لقد أذنتُ له، فليتحدث بارتياح في هذه القاعة. ليدعُها كما كان يفعل سابقًا.”
“…!”
حين أشار لوران إلى إمبراطورة الإمبراطورية بـ”هي”، تدخّل الأمير الأول مرة أخرى، غاضبًا، لكنّ الإمبراطور أوقفه هذه المرة.
الإمبراطور يعرف كذلك. إن تبيّن أنّ ما قُدِّم في هذه المحاكمة صحيح، فلن تقوم أصلاً تهمة إهانة العائلة الإمبراطورية لا على الإمبراطورة ولا على الأمير الأول.
وعلى العكس، إن خسرنا، فسنُعدَم على كلّ حال، حتى قبل أن تُناقش تهمة الإهانة.
“هِي… جاءت بمفردها، دون وصيفات أو خدم، لكنها كانت ذات حضور وهيبة استثنائيّين. وبما أنها كانت أوّل زبون لي، بذلتُ جهدي لرسم صورتها، وفي المقابل، منحتني مبلغًا لا يتناسب مع وضعي. كيسًا مملوءًا بقطع ذهبية داخل كيس من الحرير الأحمر… وما زلتُ أحتفظ بذلك الكيس إلى الآن.”
لكي لا يُقاطع لوران أثناء حديثه، تقدّم كاسيون وقدّم كيس الحرير الأحمر الذي سيكون دليلًا. ولم يواصل لوران حديثه إلا بعد أن أشار الإمبراطور صامتًا بتسلّمه وتفحّصه.
“كنتُ أعرف مكاني، فحاولتُ الرفض، قائلًا إنّ المبلغ كبير جدًا، لكنها قالت إنه أجر اللوحة، ورعاية لمستقبلي كذلك.”
“آه…”
انطلقت شهقات من أرجاء القاعة.
فالنبلاء وأفراد العائلة المالكة غالبًا لا يرعون شخصيًا، بل يكلّفون من ينوب عنهم بذلك. وحالات مثل لوران، أو أنا وجينين، كانت نادرة.
لكن الإمبراطورة التقت لوران بنفسها ووعدته بالدّعم. والمبلغ الضخم الذي ذكره، مع الوعد بمواصلة الرعاية، أوحى لعديد من الحضور أنّ ذلك لم يكن دعمًا للفنّ فحسب، بل للمتعة كذلك.
“نعم. كنتُ على وشك أن أبلغ السابعة عشرة، ولم أكن غافلًا عن ما تعنيه الرعاية في تلك الظروف. لكنني كنتُ جائعًا وبردانًا ومرهقًا. والمرأة التي سلّمتني الكيس بيدَيها الناعمتين كانت جميلة… فقبلتُ الرعاية.”
“كن دقيقًا. هل كانت رعاية لفنك فقط؟ أم أجرًا مقابل جسدك؟”
بسؤال الإمبراطور البارد، الذي جعل لوران يبدو كأنه مومس ذكر من الشوارع، احمرّ وجهه فورًا. وبما أنه بطبعه كثير البكاء، امتلأت عيناه بالدموع، ربّما خجلًا من الأضواء المسلّطة عليه، لكنّ هذا جعله يبدو أكثر براءة.
“لقد… لقد كان أجرًا مقابل جسدي، يا جلالة الإمبراطور.”
“هل كان ليومٍ واحد فقط؟”
“لا. بفضل رعايتها، قضيتُ الشتاء دافئًا، واستقبلتُ عامي السابع عشر. طوال تلك الفترة، كنتُ ألتقي بها كلّ عشرة أيام تقريبًا.”
“ولم تعرف هويتها في تلك الفترة؟”
“لا. كلّما قضيتُ وقتًا أطول معها، لم أقدّم جسدي فقط، بل قلبي أيضًا. وقعتُ أعمق فأعمق، لكنها لم تخبرني يومًا عن مكانتها أو اسمها. ظننتُ فقط أنها شابة من رتبة نائب كونت تمضي وقتًا للتسلية، فتعلّقتُ بها. فليس غريبًا أن تحتفظ السيدات النبيلات بعشّاقٍ سرّيّين…”
“أوه، لا! لا أستطيع قبول هذا. هذا إهانة للنبلاء جميعًا!”
“أ-أنا آسف. سأُصحّح كلامي.”
للمرة الأولى، صدر احتجاج من الجمهور. سيدة كانت تستمع باهتمام وقفت غاضبة كأنّ النار تحت قدميها، ثم احمرّ وجهها وجلست ببطء تحت أنظار الجميع المرتابة.
ورغم أنّ لوران اعتذر بدافع الغريزة، متأثرًا بالأجواء، إلا أنّ كلماته كانت صحيحة. فالعالم النبيل كان مليئًا بالزواجات السياسية، ولم تكن الرغبة المتبادلة شرطًا، فاحتفظ الكثير منهم بعشّاقٍ في السرّ، ذكورًا كانوا أو إناثًا. ناهيك عن أنّ لوران كان جميلًا في نظر أيّ أحدٍ ينظر إليه.
حتى الآن، يسهل تخيّل كم كان جميلًا حين كان في السابعة عشرة من عمره.
“ذاك… اممم. رغم أنّ اللقاءات أصبحت متباعدة، لكننا واصلنا التلاقي حتى أوائل شتاء عامي السابع عشر. كانت في العادة بلا تعابير، لكنها أحيانًا تدخل مكان لقائنا بوجهٍ شاحبٍ ومُنهك، كأنّ العالم بأسره فوق كتفيها، وفي تلك الأيّام… في تلك الأيام…”
“تابع الحديث.”
“في… في تلك الأيام… لم نستخدم أيّ وسيلة للحماية.”
صدرت شهقة خافتة من أحدهم، وتحول وجه الأمير الأول إلى لون لا يُعرف إن كان أزرقًا أم أحمر.
علاقة استمرّت من دون حماية معظم أيام سنته السابعة عشرة.
والأمير الأول، ذو الخمسة وعشرين عامًا، وُلِدَ في السنة التالية، حين أتمّ لوران الثامنة عشرة.
التوقيت تطابق تمامًا.
وفيما سادت القاعة موجة من الصدمة، لم يبدُ على الإمبراطور والإمبراطورة أيّ تغيير في ملامحهما.
“ثم أتى الشتاء التالي. وقد مضى عام، فظننت أنّ الوقت قد حان لأعرف من تكون. ظننت أنّ مشاعري ليست من طرف واحد، حتى لو كان شفقة فقط، فلا بد أن لها مشاعر نحوي، فطلبتُ منها اسمها، وتمنّيتُ أن تجعلني حبيبًا لها… لكن ما نلته كان كلمات وداع.”
خفض لوران رأسه. ورغم أننا لم نطلب منه ذلك، بدا أنه انغمس في تذكّر تلك الأيام. موهوب في الارتجال بشكل غير متوقّع.
ولحسن الحظ، فقد أبلَى بلاءً حسنًا دون حاجة لتدخّل منّي أو من كاسيون أو حتى الأمير الثاني.
“لا… لم يكن حتى وداعًا. لقد تُركتُ. فور سماعها طلبي، أظهرتْ تعبيرًا لم أرَه طيلة عام كامل. كان الاحتقار. المكان الذي كنّا نلتقي فيه أُغلق، ولم تأتِ مجددًا. ولم ترسل في طلبي. فقط رسالة واحدة وصلت.”
وكأنّه جمع شجاعته، رفع لوران رأسه ونظر نحو الأمير الأول، لكنّه خفَضه بسرعة حين التقت عيناهما. يبدو أنّه ما زال غير قادر على مواجهة تلك النظرة. كم هو مؤسف.
“الرسالة جاءت مع مبلغٍ مالي، وأمرتني بمغادرة العاصمة. قالت إن حياتي لن تكون بأمان إن بقيت.”
“وهل غادرت طواعية بعد تلك الرسالة؟”
“في البداية، لم أتقبل الأمر. ربّما لأنني كنتُ أكثر طيشًا حينها. لكن حين اندفعتُ إلى الشوارع، غضبًا وارتباكًا… رأيتُ الاحتفالات تملأ المكان. كانت احتفالات بُشِّر فيها بولادة وريثٍ للإمبراطورية من الإمبراطورة. وفي زحمة الحشود، رأيتُها واقفة على القلعة، من بعيد. كانت المسافة كبيرة، وقد بدت مختلفة تمامًا عن المرأة التي عرفتُها، لكن… كيف لي ألّا أميّز حبيبةً قضيتُ معها عامًا كاملًا؟”
“……”
“حينها فقط أدركتُ الحقيقة، وفررت. حزمتُ أدوات رسمي على عجل وغادرتُ العاصمة. هكذا استقرّ بي الحال في ليرينتو… هذا كلّ ما لديّ لأقوله.”
حلّ الصمت. أنهى لوران حديثه، واستدار نحونا لا يدري ماذا يفعل، فأشرتُ له بهزّة رأس أن يبقى مكانه. فوقف قليلًا، ثم وبعد إيماءة ثقيلة من الإمبراطور، انسحب من المنصّة.
‘هل… هل قمت بعمل جيدًا؟’
‘هشش.’
رغم أنه فعل أفضل من المتوقع، إلا أنني دسستُ قدمي في قدمه ونظرت إليه بنظرة تحذيرية، فالمكان لا يزال قاعة المحكمة.
…والآن جاء دور الإمبراطورة في الحديث. صعدت إلى المنصة بهدوء وصمت، كما دخلت تمامًا.
“…أُقرّ بلقائي مع لوران.”
فانفجرت القاعة بضجّة أكبر من تلك التي حدثت عندما ادّعى لوران أنه الابن. حتى أنا، لم أستطع منع عيني من التوسّع ذهولًا.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
74ⵌ
“أنتِ تعترفين بلقاءاتكما؟ هل يعني هذا أنكِ تقرّين بأنّ الأمير الأول ليس من دمٍ إمبراطوري، أيتها الإمبراطورة؟”
“كلا. أنا أقرّ بلقائي بلوران، لكن التوقيت الذي يزعمه يختلف عمّا أتذكّره.”
استخدمت الإمبراطورة صيغة الاحترام، ربّما لأنها تمثل أمام الإمبراطور بصفتها مدعى عليها.
كان من غير المتوقّع أن تعترف بلقائها بلوران، لكن بعد إعادة التفكير ببطء، بدت تلك إستراتيجية أفضل من الإنكار العنيد لكلّ شيء.
“كنتُ قد بدأت علاقة معه منذ شتاء ما قبل زواجي بجلالة الإمبراطور، واستمرّت، لكنني لم ألتقِ به قط بعد الزواج. التواصل الوحيد كان من خلال رسالة أرسلتها إليه. وقد أحضرتُ كشاهدةٍ الخادمة التي كانت ترافقني في الشارع ذلك الشتاء الأوّل الذي التقيته فيه.”
“ماذا؟! لكنكِ كنتِ وحدكِ في ذلك الوقت بوضوح…!”
“اصمت. الإمبراطورة تتحدّث.”
انفجر لوران بالكلام حين أشارت الإمبراطورة إلى الخادمة التي يُفترض أنها رافقتها في أيام فَتَواتها. وقبل أن يتمكّن أحد من منعه، نهض فجأة، لكن الإمبراطور أشار له ببرود ليجلس مجددًا.
“لقد خرجتِ بالفعل معي إلى الشوارع. لم يكن ذلك قبل 27 عامًا، بل قبل 28 عامًا في الشتاء.”
“هل أنت متأكد أنها كانت قبل 28 عامًا؟ هل تراهن بحياتك على ذلك؟”
“أ… أنا متأكد! أتذكّر لأنني تزوّجتُ في ذلك العام أيضًا.”
لكن مناورات الإمبراطورة لم تتوقّف عند هذا الحدّ. وبينما كان الإمبراطور يومئ بإدراكٍ، وانسحبت الخادمة، دخل شاهد جديد. كان رجلاً مسنًا عاديًا.
“في ذلك الوقت، كان فنانو الشوارع يتجمّعون في مكانٍ واحد للرسم. وأودّ استدعاء الفنان الذي كان يرسم البورتريهات قرب لوران آنذاك كشاهدٍ إضافي.”
“هاه…؟ عمّي، هل من الممكن أن تكون…؟”
عضضتُ شفتي عندما رأيت لوران يخاطب الرجل بصفة “عمّ”، ما يعني أن العلاقة بينهما حقيقية ولا حاجة للتأكّد من ذلك.
“أتذكّر أيضًا، قبل 28 عامًا في الشتاء، أنّ لوران كان يرسم صورة لجلالة الإمبراطورة. رغم أنها لم تكشف عن هويّتها، إلا أنني تذكّرتها لأن لها هيبة مختلفة عن أيّ امرأة عاديّة تسير في الشارع. ولم أكن وحدي؛ بل يتذكّرها فنانون آخرون أيضًا، لكنهم خافوا من المثول في المحكمة… لذا جاء هذا العجوز ممثلًا عنهم.”
“هل أنتَ أيضًا مستعدّ للمراهنة بحياتك على هذا؟”
“نعم…! كم تبقّى لعجوزٍ مثلي من الوقت ليكذب؟ أنا متأكّد. كان ذلك قبل 28 عامًا في الشتاء، وكانت تلك الخادمة تقف خلف جلالة الإمبراطورة بينما كان لوران يرسمها.”
أن تصل بها الحيلة إلى رشوة شهودٍ مزيّفين! كان من الواضح أنّ أيّ اعتراضٍ نُبديه هنا سيجعلها تستدعي شهودًا آخرين تباعًا، لذا انتظرتُ اللحظة المناسبة وأنا أراقب لوران الغاضب.
“جلالتك. أقسم بشرف الإمبراطورية أنّني لم أخنك قط. لقد أخبرتك بوضوح قبل زواجنا أنني لستُ عذراء، ولم تقل وقتها إنك تمانع ما دمتُ سأُنجب وريثًا من دمٍ إمبراطوري، أليس كذلك؟”
ساد المحكمة صمتٌ غير طبيعي إثر تصريح الإمبراطورة الصادم. لم يستطع أحد أن يبلع ريقه بسهولة، وبدلًا من النظر نحو الإمبراطورة الجالسة في مقعد المُتهمة، حدّقوا في الهواء أو في بعضهم البعض.
“بالفعل. هكذا تكون الزيجات السياسية. إن كان الأمير الأول من نسلي فعلًا، فلن تكون علاقتكِ بذلك الرجل قبل زواجنا جريمة عظيمة.”
عضضتُ شفتي. بعبارة أخرى، الإمبراطور لن يتّهم الإمبراطورة بالخيانة أو بإهانة العائلة الإمبراطورية، حتى وإن كان الأمر لأسباب سياسية. ما يهمّه فقط هو ما إن كان الأميران ينحدران من دمه أم لا.
في مثل هذا الموقف، نحتاج لإثبات ليس فقط خيانة الإمبراطورة، بل أيضًا أن الأمير الأول ليس من الدم الإمبراطوري.
“إن كانت العقوبة لكوني لم أكن عذراء حين دخلتُ القصر، فسأتقبّلها برضا، لكن أودّ السؤال عن إهانتهم للعائلة الإمبراطورية. أليس من الطبيعي أن يبدو الشبه كبيرًا عندما يتزيّن المرء هكذا؟ قد يكون مظهره ناتجًا عن مساحيق التجميل أو التنكّر.”
“هل ملامحه تختلف عن ما تتذكّرينه؟”
“كان وسيمًا للغاية، لكن… لقد مرّ وقتٌ طويل، وذاكرتي ضبابية. ومع ذلك، إن كانت هذه هيئة مزيّفة، فذلك بحدّ ذاته خداعٌ للعائلة الإمبراطورية.”
“لا…!”
ربّما من شدّة الصدمة، نهض لوران مجدّدًا بشكل مفاجئ. لكن هذه المرّة، لم يمنعه الإمبراطور، بل اكتفى بالتحديق به. ولأول مرة، توجّهت نظرات الإمبراطورة الباردة نحوه أيضًا. وكأنّ الجميع اقتدى بها، فتركّزت أنظار الحضور كلّها على لوران، الذي بدا مشوّشًا وتلعثم.
“ه-هذا كذب! لا يمكن ألّا تتذكّريني، لا، أنا…”
وكأنّ طلاقته في البداية كانت مجرّد تمثيل، إذ بدأ يتعثّر في كلماته. يبدو أنّ رباطة جأشه كانت مشروطة بمرور الأمور وفق ما خطّطنا له.
عندما تنفّس الإمبراطور تنهيدة خفيفة، أغلق لوران فمه، وبدأ يتململ وهو يوجّه نظره نحوي.
حسنًا، من حسن الحظ أنّه لم يبكِ.
“جلالتك، هل لي بالخروج قليلًا؟”
“مسموح.”
أخرجتُ القارورة التي جلبتُها معي. في الحقيقة، لم أجلبها لهذا السبب، بل لأننا لا نستطيع شرب المشروبات المقدّمة في المحكمة خشية التسميم، فأحضرتها معي تحسّبًا للعطش.
“ش-شكرًا ل… بوهوف!”
“أوه!”
ظنّ أنّني أقدّم له الماء ليهدأ، فانحنى شاكرًا، لكن الماء انسكب على تاجه الذهبي المستدير. فسمعت شهقةً أخرى من الحضور.
لابدّ أن الحضور يستمتعون حقًّا. فهذه المحاكمة أشبه بعرضٍ ترفيهيّ مشحونٍ بالدوبامين يمكنهم مشاهدته بلا أدنى قلق. همستُ وأنا أخرج منديلًا من صدري.
“ارفع رأسك.”
“أوف، بوه. س-سيّدتي. فقط…!”
“أغلق فمك.”
لا ينبغي أن أبدو وكأنني أُعذّب لوران، وبينما كنتُ أُمسك عنقه، بدأتُ أفرك وجهه بشدّة. ملامحه، التي بدت بريئة أكثر بعد بللها، أعطته مظهرًا وكأنّه قد غُسل للتو.
وطبعًا، لم يزل شيء من وجهه.
بل إنّ المنديل الأبيض جعل المشهد أكثر دراميّة.
“كما ترون، هذا ليس تنكّرًا. هذه هي ملامحه الحقيقية، بلا مكياج أو إضافات.”
“ه-هذا صحيح! هذا شكلي الطبيعي!”
وقبل أن أُطلق عنقه، ضغطتُ عليه قليلًا مرّة أخيرة، فاندفعت الكلمات من فمه كدميةٍ تُصدر صوتًا عند الضّغط.
“الناس الذين يرونني نادرًا ما ينسونني!”
كانت عبارةً تلامس الغرور، لكنها تمامًا ما درّبنا لوران على قوله. تأثيرها أقوى عندما يقولها بنفسه بثقة. وبالطبع، كنّا نتوقّع أن تقول الإمبراطورة إنها لا تتذكّره.
“أمّا عن ملامحه…”
“صحيح. وجه مثل هذا…”
أبدى الحضور موافقتهم. بدا لوران، بملامحه الرطبة وببراءته، كجنيّ صغير، رغم أنّ عمره تجاوز الأربعين.
من الصعب نسيان رجلٍ قضيتِ معه أكثر من عامٍ في ذروة شبابه، مهما طال الزمان. بل إنّ ذلك النوع من الذكريات يبقى راسخًا.
لكن الإمبراطورة لم تكن شخصًا يُستهان به.
“حين تحرّيتُ سجلاّته من فترة إقامته في ليرينتو، تبيّن أنه لم يعش حياة بنّاءة تُذكر. لرجلٍ في مثل عمره وأطرافه سليمة، بدا أنه عاش ببؤس. بدلًا من صقل مهاراته الفنيّة، اختار إغواء دوقة بريئة.”
“…!”
احمرّ وجه لوران كالجمر عند ذكر حياته في ليرينتو. والاحمرار الواضح على بشرته الشاحبة جعل كلمات الإمبراطورة تبدو وكأنها صحيحة، رغم أنها لم تكن كذلك، مما جعلني أضغط لساني بأسناني بضيق.
“أشعر بالخزي لأنني شاركتك شعورًا ولو للحظة. وأعتذر للدوق والدوقة. لا يمكننا التغاضي عن مخطّطك لتحقيق ثروة عبر استغلال مودّتهما تجاه العائلة الإمبراطورية.”
بكلمات أخرى، كانت تعرض المصالحة، وتُلمّح أنّه إن تراجع الآن، فسنصفح عنه، أو على الأقلّ أنا وحدي.
هل ينوون إنهاء هذه القضيّة بإلصاق التهمة بلوران وحده على أنها مخطّطٌ للثراء السريع؟
لكن حين تبدأ المرأة شيئًا، لا يمكننا التراجع عنه بهذا الشكل الهزيل.
“ألستِ… ألستِ تعرفينني؟ لقد قضينا عامًا معًا… ألا تتذكّرينني؟”
“كنتُ صغيرة وساذجة. النساء في ذلك السنّ عرضة للخداع بسحر المظاهر.”
وبينما تجاهلت الإمبراطورة نظرات لوران اليائسة، كانت كلماتها موجّهة نحوي أيضًا، وكأنها تقول إنني أنا الأخرى انخدعتُ بالمظاهر في سنٍّ صغيرة.
ومع تغيّر مجرى المحاكمة وتذبذب تيارها، دقّ الإمبراطور الجرس أخيرًا.
“يبدو أن الأمر لن ينتهي بسرعة، فلنأخذ استراحة. يمكن للمشاركين مغادرة القاعة مؤقتًا، لكن لا يُسمح بمغادرة المبنى. من لا يعود سيُعاقب، فكونوا على علم.”
وبعد إعلان الاستراحة القصيرة، جمع الإمبراطور بعض الوثائق التي تسلّمها من الطرفين، وغادر مقعده بسرعة.
فقط الخدم الذين يرافقونه تبعوه، بينما بدأت القاعة، التي ارتاحت أخيرًا، تهمس بأصواتٍ متداخلة.
“لوران.”
“….”
“لنخرج ونعود لاحقًا. من الجيّد أن نهدّئ رؤوسنا قليلًا.”
“…نعم.”
بدأ الناس يحدّقون علنًا في لوران الذي كان يرتجف من مشاعر يصعب وصفها، يتهامسون فيما بينهم. وفي خضمّ ذلك، غادرنا مقاعدنا: كاسيون، أنا، الأمير الثاني، ولوران.
رأيت الإمبراطورة والأمير الأول يغادران من الجهة المقابلة أيضًا.
“….”
“لوران.”
اضطررتُ أن أنادي اسمه مرّتين قبل أن يتحرّك، إذ كان يحدّق دون تردّد في ظهر الإمبراطورة وهي تبتعد. وعلى وجهه، الذي شحب قليلًا بعد بلّ وجهه بالماء، لم يتبقَّ سوى شفتين مضغوطتين بلونٍ أحمر.
كان تعبيرًا حافلًا بالغضب… لم أتوقّع يومًا أن أراه مرسومًا على وجه لوران.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
ⵌ75
“فلنبدأ المحاكمة. يجب أن تنتهي قبل غروب الشمس.”
ظلّ الإمبراطور محتفظًا بتعبير غير مبالٍ. بدا وكأنه يوشك على التخلّص من مهمّة مزعجة، لكن تعابير أولئك الذين عادوا بعد الاستراحة كانت مختلفة تمامًا عمّا كانت عليه في بداية المحاكمة.
بينما لم يُظهر كلٌّ من كاسيون وأنا أيّ تغيير يُذكر، كون الأحداث كانت تسير إلى حدٍّ كبير كما توقّعنا، كان وجه لوران ممتلئًا بالغضب بسبب الإهانات الشخصيّة التي تلقّاها من شخصٍ كان على علاقةٍ به ذات يوم.
طوال فترة الاستراحة، اكتفى بالاستماع إلى ما نقوله، محافظًا على صمتٍ غير معتاد، لكن ما إن استُؤنفت المحاكمة، كان أوّل من اقترب من المنصّة.
“لن أُضيّع وقت جلالتك الثمين. لديّ دليل على أنّني بدأتُ بمقابلة جلالة الإمبراطورة عندما كنت في السابعة عشرة من عمري، أي قبل سبعةٍ وعشرين عامًا. هل يُمكنني تقديمه؟”
رفع الإمبراطور حاجبًا متعجّبًا من تغيّر سلوك لوران. وبإيماءةٍ من يده، سلّمه لوران المحفظة التي كان يُمسك بها بإحكام، ثم عاد إلى مقعده.
“حين بدأتُ أُكنّ مشاعر لجلالة الإمبراطورة… شرعتُ في رسم لوحاتٍ أكثر سرّيّة. وكوني ما زلتُ شابًّا، كنتُ أرسم ما أراه تمامًا، دون أيّ مبالغة أو خيال، مع الحفاظ على ملامح جلالتها وهيئتها كما كانت في ذلك الوقت.”
تغيّر تعبير الإمبراطور ببطء بينما كان يتصفّح دفتر الرسومات متابعًا كلمات لوران. أمّا الإمبراطورة… فبقي وجهها بلا أيّ تغيّر.
“في الصورة الثالثة، هل تتعرّفون على العقد الأخضر المرصّع بالجواهر حول عنق جلالتها؟ إنّه من المجوهرات الإمبراطوريّة. شيءٌ لم تكن تملكه قبل الزواج.”
“قد تكون قد رسمته لاحقًا كجزءٍ من هذه المؤامرة.”
رغم أنّ تعبيرها لم يتغيّر، بدا صوت الإمبراطورة أكثر حِدّة قليلًا. وكتمتُ ضحكتي وأنا أنظر إلى لوران.
“ليست مجرّد لوحات زيتيّة أو رسومات بالفحم! هناك الكثير منها مرسومة بتقنيات الفريسكو أو التمبرا، وهي ليست سهلة التعديل!”
بادرنا أنا وكاسيون بإحضار لوحات الإثبات التي نقلناها خلال الاستراحة. وبما أنّ الإمبراطور لم يكن خبيرًا في الرسم، استدعى أحد الخدم الواقفين عند الباب وسلّمه اللوحات.
كما أننا وضعنا فرسان الدوق خارج القاعة تحسّبًا لأيّ محاولة اعتراض، واحتفظنا بقطعتين أو ثلاث كخطةٍ بديلة.
“مسألة إمكانية تعديلها من عدمه سيحكم عليها رسّامو القصر خلال المحاكمة. كما سيُتحقّق من زمن الملابس والجواهر الظاهرة في الرسوم.”
نقر الإمبراطور بإصبعه على ذراع كرسيّه. وكأنّه يضغط على أحدهم. وكُنّا متأكّدين أنّه لا يقصدنا.
“من العار أن أُقرّ بأنّني أحببتُها ولو للحظة! هل يتبع الشعور بالعار المكانة الاجتماعيّة؟ لا أنكر أنّني نشأتُ في الشوارع وعشتُ حياةً بائسة، لكنّني أُقسم أنّني لم أسعَ يومًا إلى خداع الإمبراطوريّة أو العائلة الحاكمة عمدًا!”
أحسنت! تابع على نفس الوتيرة! مرّةً أخرى!
وكأنّه سمع صراخي الداخلي، استدار لوران ببطء بعد أن كان يصرخ موجّهًا كلامه إلى الإمبراطورة، ثم واجه الأمير الأوّل، الذي بدا مصدومًا تمامًا.
وحين التقت أعينهما وارتبك الأمير الأوّل تلقائيًّا، قال لوران بتوقيتٍ مثاليّ:
“إنّه حقًّا ابني. وإن كان الجهل جريمة، فسأتقبّل العقاب.”
يا للمفاجأة! لوران، الذي أتمّ كلّ شيءٍ على نحوٍ مثاليّ، أغلق فمه بإحكام ووقف خلفي. لم أكن أتوقّع منه كلّ هذا الإتقان!
“أنت… أنت لن تعاقبني فعلًا، صحيح؟”
…ها هو ذاك الشعور الطبيعيّ الذي كنتُ أفتقده.
“فقط تابع كما كنت. سأحرص على ألّا يُصيبك أيّ ضرر.”
رغم أنّ كلمات لوران الهمسيّة لي كانت مخيّبة قليلًا، وكأنّه خائف بعدما قال كلّ شيء، إلا أنّني اعتبرته أفضل من لا شيء.
“لقد أعددتم الكثير. إن كان لدى أيٍّ من الطرفين شيءٌ آخر لتقديمه، فليتحدّث الآن.”
توقّفت أصابع الإمبراطور التي كانت تنقر على مسند الكرسي. جسده، الذي كان مائلًا قليلًا بعيدًا عن المسند، بدا وكأنّه على وشك إنهاء المحاكمة وإصدار الحكم، لذا دفعتُ لوران مجدّدًا ليستجمع وعيه ويتقدّم.
“كـ… كان مكان اللقاء دائمًا نفسه، لذا أتذكّره جيدًا. لقد أُغلق في وقتٍ لاحق، لكن بمساعدة دوق البلاد نظرتُ داخله و…”
“…آه.”
“في زاوية الجدار الخشبيّ، حفرتُ…”
“أغلق فمك هذا!”
“سـ… سيّدتي!”
بشكلٍ مفاجئ، لم يعُد الأمير الأوّل قادرًا على كبح نفسه، فاندفع من مقعده. وفي لحظة، كاد أن يُمسك بياقة لوران، لكنّ هذا الأخير اختبأ خلفي بسرعة.
ولماذا خلفي أنا، وليس خلف كاسيون أو أحد الفرسان؟
“سلّميني هذا الرجل، أتها الدوقة! لم أعد أتحمّل سماع هذا الهراء!”
“سموّ الأمير، أرجوك، اهدأ. نحن في حضرة جلالة الإمبراطور.”
تقدّمتُ إلى الأمام بسرعة، وأوقفتُ كاسيون الذي كان يحاول حمايتي، ونظرتُ إليه برجاء.
“…وفي حضرة والدك الحقيقيّ أيضًا.”
“ه… هذا…!”
بطبيعة الحال، كان ذلك خدعة أخرى لإثارة غضب الأمير الأوّل الذي فقد أعصابه.
وحين استلّ الأمير سيفه من خصره، انطلقت صرخات ذهول من عدّة جهات. لكن يبدو أنّ نصفها تقريبًا كان بدافع الفضول من فظاعة المشهد.
– طنّ!
“أسيل. لا تستفزّيه أكثر، وابقَي مكانك.”
“مهلًا، من أين جاء هذا؟”
فجأة، أمسك أحدهم بخصري واستدار بي سريعًا، مترافقًا مع صوت حدّة معدنيّة. اتّسعت عيناي وأنا أنظر إلى قطعةٍ صغيرة من المعدن سقطت عند قدمي، فضحك كاسيون.
“من الخلف.”
فهمتُ سبب ضحكة كاسيون، لكنّنا ما زلنا أمام الإمبراطور. ورغم أنّ سير الأمور كان مُرضيًا، إلا أنّه بدا مبالغًا فيه إظهار السرور بهذا الشكل. لذا، تظاهرتُ بالخوف وغطّيتُ فمه بكُمّي.
“رجاءً، اضبط تعابيرك.”
– طنّ!
“أعتذر. لم أكن أتوقّع أن تصل الأمور إلى هذا الحد.”
وبينما استمرّ التوتّر بين الأمير الأوّل الهائج والحرس الذين حاولوا إيقافه، انطلقت عدّة أصواتٍ معدنيّة صغيرة أخرى. لكنّها لم تأتِ من الأمام، حيث يجلس الأمير أو الإمبراطورة، بل من الخلف—من مقاعد الجمهور.
لقد كانوا يحاولون اغتيال لوران حتى في حضرة الإمبراطور! هل هم فعلًا مستعدّون للموت؟
“إنّها المسرحيّة الأكثر إثارةً رأيتها مؤخرًا.”
“أبي!”
“يا لها من مهزلة.”
صرخ الأمير الأوّل، الذي كان قد أُمسك من ذراعيه بواسطة الفرسان، لكنّ الإمبراطور ظلّ على حاله، غير مبالٍ. أما الأمير الثاني، فقد التقط بعض الخناجر الطائرة بمنديل، وهي تلك التي تصدّى لها كاسيون ببراعة، ثم تقدّم بخطى غاضبة متجاوزًا أخاه غير الشقيق.
“أليست محاولة الاغتيال هذه دليلًا على صدق شهادة لوران، يا صاحب الجلالة؟”
“همم.”
“لا يزال لديه ما يُدلي به، لكن بما أنّ القاعة أصبحت في فوضى، أعتذر عن نقلها بدلًا منه. يقول لوران إنّه التقى بجلالة الإمبراطورة آخر مرة في السابع والعشرين من أكتوبر، من العام التاسع والثلاثين بعد المئة من عمر الإمبراطوريّة، وإنّهما كانا حميمين في ذلك اليوم أيضًا.”
“أيّها الأمير الثاني! هذا إهانة!”
“إنّه لكشف الحقيقة.”
“تُطلق مثل هذه الادّعاءات دون أدلّة ملموسة…!”
صرخت الإمبراطورة، التي كانت صامتة طوال ثورة الأمير الأوّل، لأوّل مرّة.
والسبب في كشف هذه المعلومات المحرجة بالتفصيل هو أنّ هذا التاريخ يُقدّر أنّه يوم الحمل بالأمير الأوّل.
صرخت الإمبراطورة، وقد انكشف كلّ شيء عنها أمام الجميع، بوجهٍ شاحب، حتّى أنّ الخادمات اللواتي كنّ يُراقبنها من الجانب غطّين أفواههنّ وابتعدن عنها خطوة أو اثنتين.
“هذه إهانة لا تُحتمل! أنا قطعًا لم…!”
“يكفي.”
“يا جلالة الإمبراطور! كلماتي…”
“آمل ألّا تجبريني على إصدار أمر بإسكاتك.”
– طنّ!
“أوه، بحقّ السماء، كفى.”
ينبغي أن أركّز على الإمبراطور الذي قاطع كلام الإمبراطورة، لكنّ الوضع يوشك أن يُفقدني صوابي. ألم يفهموا بعد أنّ الأمر قد انتهى؟! والآن ها هي الخناجر تأتي من قرب السقف!
ورغم أنّ الاستعدادات داخل المحكمة كانت ناقصة، لا يمكن إنكار عدد الجنود التابعين للإمبراطورة.
“ألم أقل إنّ علينا إنهاء المحاكمة قبل غروب الشمس؟”
دينغ. ومع دقّة الجرس الثالثة، فُتحت أبواب المحكمة التي كانت مغلقة بإحكام، واندفع الفرسان إلى الداخل مُحكمين الطوق. إنّهم فرسان الإمبراطور.
“لا حاجة لسماع المزيد.”
وبإيماءة من الإمبراطور، الذي بدا عليه الملل، بدأ فرسانه الذين دخلوا بالبحث عن جنود الإمبراطورة بين مقاعد الجمهور، والسقف، وأماكن غير متوقّعة.
…لكنّ المفاجأة أنّهم لم يكونوا يفتّشون، بل يُخرجون الوجوه المألوفة لديهم فحسب.
“آه— أيّها القائد، مضى وقتٌ طويل.”
“اغرب عن وجهي وابدأ عملك.”
“ظننتُ أنّني سأحمي الدوقة قليلًا من باب الذكرى القديمة.”
وسط هذا المشهد، حتّى بعض فرسان الإمبراطوريّة الذين كانوا في ما مضى تحت إمرة كاسيون خلال الحرب، تقدّموا لتحيّته. رؤيتهم يعتقلون جنود الإمبراطورة بابتسامة لا تبدو واقعيّة.
“…كيف…؟”
لحسن الحظ، طرح لوران هذا السؤال المُربك بدلًا منّي. نعم، كان سيكون محرجًا لو سألتُ أنا.
“أظنّ أنّ جلالة الإمبراطور كان يعلم كلّ شيء، وأراد فقط مشاهدة المحاكمة تجري أمامه.”
…هذا غير متوقّع بالفعل.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
ⵌ76
“نظرًا لطبيعة موضوع المحاكمة، أجريتُ أيضًا بعض التّحقيقات بعد أن تحدّث الأمير الثاني.”
جنود الإمبراطورة الخاصّون، الذين كانوا مختبئين في كلّ مكان ويرمون الخناجر، تمّت السيطرة عليهم على الفور. كانوا راكعين أسفل المكان الذي تقف فيه الإمبراطورة، وأفواههم مكمّمة لمنعهم من الانتحار، ويتجنبون النظر في الأعين.
بينما كنتُ أبتلع ريقي وأتساءل إن كانوا ينوون الكشف عن أسياد هؤلاء الأشخاص داخل قاعة المحكمة هذه، نهض الإمبراطور الذي ظلّ غير مبالٍ من مقعده.
“لابد أن الأمر مرهقٌ للأعصاب، كونها أول محاكمة إمبراطورية منذ تولّيت العرش.”
لم يضحك أحد على محاولة الإمبراطور إلقاء نكتة. نقر بلسانه، وكأنّه مهتمّ أكثر بفشل نكتته من وجه الإمبراطورة الشاحب أو ملامح الأمير الأول اليائسة، ثم ارتسمت على وجهه ملامح ضجر.
“نظرًا لأن القضيّة مرتبطة بي بشكل مباشر، أمرتُ بفتح تحقيق حول ذلك الشخص. ولكن في طريقهم، صادف فرساني وجوهًا مألوفة، أتفهمون؟”
أشار الإمبراطور بذقنه نحو لوران، ثمّ نظر إلى الجنود الراكعين التابعين للإمبراطورة.
يبدو أنّ جنود الإمبراطورة، الذين ظنّوا أنّنا وحدنا من سيحقّق في خلفيّة لوران، هاجموا أيضًا فرسان الإمبراطور.
لقد كان ذلك خطأ فادحًا لا مخرج منه.
“كلّ ما فعلناه هو محاولة التحقيق بشأن رجل يعيش في قرية ريفيّة، لكنّنا تعرّضنا لهجمات لا تُحصى.”
“…لم أتحمّل الإهانة، يا جلالة الإمبراطور.”
“ومع ذلك، يا إمبراطورة.”
تنهد الإمبراطور وهو يناديها، وكان تنهدًا موجّهًا لشخصٍ أحمق، مما جعل وجهها يحمرّ بشكل ملحوظ.
“أليس الشّبه قويّ للغاية بينهم؟ لديّ عينان أيضًا، كما تعلمين.”
“محض صدفة. كلّ شيء مختلق.”
أنكرت الإمبراطورة حتى النّهاية، لكن لم يصدّقها أحد داخل هذه القاعة. واصل الإمبراطور حديثه، دون أن يبتسم.
كانت نظرته نحو المرأة التي كانت زوجته قاسية ومليئة بالازدراء.
“حتى الدوقة نفسها ساعدته على غسل وجهه. شعرتُ بذلك منذ اللحظة التي دخل فيها قاعة المحكمة. لا بد أن الجميع شعر بالأمر نفسه.”
“……”
“بعد ذلك… كنت أراقب تصرّفات إمبراطورتي فحسب.”
“…جلالة الإمبراطور.”
“رأيتُ ما يكفي. هل أجرؤ على إصدار الحكم الآن؟”
“جلالة الإمبراطور! كيف يمكنك…”
“بما أنّكِ تبدين فوقي شأنًا، فربّما ينبغي عليّ طلب الإذن، أليس كذلك؟ سأُعدّ لكِ مكانًا عاليًا يليق بمكانتك السّامية. فمقام الملك بطبيعته وحيد.”
خيم الصمت التامّ على القاعة. الجميع فكّر في الشيء ذاته، رغم أنّهم لم يصدقوه. مكان عالٍ ووحيد.
“ستُحتجز الإمبراطورة في البرج.”
“أبي!!”
“مدى الحياة، على ما أعتقد.”
أعلن الإمبراطور حكمه بهدوء، متجاهلًا صدمة الأمير الأول.
احتجاز الإمبراطورة في البرج يعني الاعتراف بأنّ لوران هو ابن الإمبراطورة حقًا، كما كنا نأمل.
“أبي، لا! دمي نقيّ! أرجوك، أعد النّظر!”
على عكس الإمبراطورة التي استسلمت بصمت، اندفع الأمير الأول نحو عرش الإمبراطور، وجهه شاحب، يصرخ بطريقة لا تليق بمكانته.
كونه اقترب إلى هذه الدرجة من الإمبراطور دون أن يوقفه أحد كان أمرًا مقلقًا جدًا. بدا أنّ الجميع في حالة صدمة. في تلك اللحظة، ربما كنّا أنا وكاسيون والأمير الثاني… والإمبراطور، الأشدّ تماسكًا.
“لديّ طفل واحد فقط، ومع ذلك تجرؤ على مناداتي بأبي، يا من تدّعي أنك أمير.”
“أبي…!”
“لن أقولها مرّتين. في المرّة القادمة، سأتّهمك بإهانة العائلة الإمبراطورية.”
“…!”
حتى أنا لم أتمالك نفسي من الذهول. كم هو قاسٍ هذا التبدّل السّريع في الموقف. ألم تكن هناك ذرّة من المودّة؟
نظر الأمير الأول من حوله، عاجزًا عن الكلام، شفتُه السفلى ترتجف، وكأنّه يأمل أن يصرخ أحدهم قائلاً إنّ ذلك مجرّد افتراء، أو كذبة.
لكن الجميع سرعان ما صرفوا نظرهم عنه، ولسوء الحظ، التقت عيناي بعينيه.
“أنتِ…”
وفي لحظة، اشتعلت عيناه اللتان كانتا ميتتين ومظلمتين بالغضب. بمجرّد أن التقت أعيننا، تغيّرت ملامحه، وانقضّ نحوي.
“أسيليا!”
“…هَه.”
شهقتُ متأخرة لحظة واحدة، بينما امتدّت يده نحو وجهي. اندفع الأمير الأول كوحش، وبحلول الوقت الذي أدركتُ فيه تغيّر عينيه، كانت قبضته أمامي مباشرة.
كاسيون، الذي تدخّل بسرعة، استلّ سيفه وهو يحميني، في الوقت الذي تراجعتُ فيه غريزيًا بخوف.
“كيف تجرؤ على سحب سيفك؟ أنا الأمير! توجيه السّيف إليّ خيانة!”
“……”
لم يكلّف كاسيون نفسه عناء الردّ على صراخه.
فمنذ أن أعلن الإمبراطور أنّه ليس ابنه، لم يعد ليهمّ العائلة الإمبراطورية إن قُطع رأسه بدلًا من مجرّد تهديده بالسّيف.
لو كان هناك ما يدعو للقلق، لكان احتمال بقاء بعض الشّفقة في قلب الإمبراطور تجاه الأمير الأول، وتسامحه معه…
“هممم.”
ظلّ الإمبراطور واقفًا في مكانه، يراقب هذا المشهد السّخيف دون أن يبدي نيّةً في ردع كاسيون.
“قيّدوه.”
لوّح الإمبراطور بيده باستهانة، كما لو أنّه رأى ما يكفي من هذه المهزلة، وأمر الفرسان الذين كانوا يقيدون جنود الإمبراطورة. ورغم أنّه لم يُسمّ الفاعل، إلا أنّ المعنيّ كان واضحًا: الأمير الأول.
“اتركوني! أطلقوا سراحي! أنتم مجرّد فرسان…!”
قيّد الفرسان الأمير الأول، الذي راح يتخبّط غاضبًا، يبدو وكأن لديه الكثير ليقوله. كان الإمبراطور يعيّن أشخاصًا أكفّاء بغض النظر عن أصولهم، وإن لم يكن بقدر ما يفعل الأمير الثاني، لذا ربّما كان بين الفرسان من وُلدوا من عامة الناس وكان الأمير يحتقرهم.
“دعوني أسألك شيئًا أخيرًا. كلاوس، هل كنت تعلم بشأن نسبك الحقيقي؟”
“دمي من سلالة الإمبراطوريّة!”
“أرى… إذن لم تكن تعلم.”
برزت عروق رقبة الأمير الأول. ما نوع المبادئ والمعتقدات التي يؤمن بها ليكون مهووسًا إلى هذا الحدّ بالنّسب والمقام؟
“في هذه الحالة، احبسوه مؤقّتًا في السجن السفلي. وسنفكّر لاحقًا في مقرّ إقامته.”
“أبي!!”
“فلن تعيش في القصر بعد الآن على أيّ حال.”
نظر الإمبراطور إلى الأمير الأول اليائس، ثمّ إلى الإمبراطورة المقيدة بوجه شاحب، فالنبلاء المصدومين، وأخيرًا قرع الجرس. كان صوته الذي أعلن نهاية المحاكمة واضحًا وقاسيًا.
“دعونا نُنهي هذه المحاكمة الإمبراطوريّة الآن.”
بانغ—
وغادر الإمبراطور على الفور، بينما اقتاد الفرسان الإمبراطورة والأمير الأول إلى أماكنهم كما أمر.
لكنّ من بقوا داخل القاعة، تردّدوا في المغادرة.
“هل… هل انتهى الأمر؟”
“…أه…”
“هل انتهت المحاكمة؟ هل فزنا؟”
“يبدو كذلك.”
أخيرًا، وبعد أن لم يتحمّل الحيرة، جذب لوران كمّي وسألني. لكنّني كنت مذهولة مثله تمامًا.
المحاكمة التي أمضينا فيها أيامًا وليالي في الاستعداد، انتهت بسهولةٍ سخيفة.
إنّها انتصارنا.
“جلالتكِ، الدوقة…!”
“أوه، صحيح.”
لكنّ الوقت ليس مناسبًا للتشتّت. نحن لسنا وحدنا هنا. بدأ النبلاء الآخرون الذين أرادوا مناقشة الموقف في استعادة وعيهم، وراحوا يحدّقون فينا كقطيع من الذّئاب.
“لنذهب! بسرعة، بسرعة!”
“سأسلك طريقًا آخر، فاحرصي على سلامتك في العودة.”
همس لنا الأمير الثاني بينما كنّا نسرع في مغادرة قاعة المحكمة. رمقته بنظرة جانبيّة، أُعبّر بها أنّ مزحته ليست مضحكة. ويبدو أنّه كان منتشيًا قليلًا بانتصار المحاكمة حتى نطق بهذه المزحة.
“ستجدون عربة في المكان ذاته الذي نزلتم فيه. اعتنوا بأنفسكم.”
هرب الأمير الثاني من بين النبلاء الذين اقتربوا منه. أمسكتُ بذراعي لوران وكاسيون وقُدتُهما بعيدًا.
تردّد النبلاء الذين حاولوا اللحاق بنا عندما اعتذرتُ بنظرة كئيبة، واغتنمتُ تلك اللحظة لنُغادر القاعة ونسير بسرعة في الرواق. ثمّ رأينا عربة مشابهة لتلك التي أتينا بها.
“اصعد بسرعة! علينا المغادرة قبل أن تنتشر الشائعات!”
لماذا أشعر أنّني الوحيدة المستعجلة؟ دفعتُ لوران المذهول إلى الداخل، وسحبتُ كاسيون الذي بدا شاردًا، وبمجرّد أن جلستُ وأغلقت الباب، انطلقت العربة فورًا.
“فيوه…”
“أسيليا.”
الفرح، النّصر، أو أيًّا يكن، كلّ هذا كثير عليّ. خلعتُ زرّين من فستاني الضيّق المربوط حتى عنقي، وتنهدتُ، فناداني كاسيون بصوتٍ خفيض.
صوته بدا غريبًا… هل هو متحمّس؟ هل هو الآخر منتشٍ بانتصار المحاكمة؟ لكنّ الأمور لم تنتهِ بعد.
“لا ينبغي أن نُفرط في التراخي بعد…”
“بما أنّ المحاكمة انتهت، هل يمكنني أن أسمع إجابتك على اعترافي؟”
“…أوه.”
قاطعني كاسيون، وطرح سؤالًا غير متوقّع.
…والآن وقد فكّرتُ بالأمر، لقد نسيتُ ذلك تمامًا بسبب فوضى المحاكمة.
“همم؟ أسيليا.”
إن وجدتُ كاسيون لطيفًا قليلًا لأنّه يُلحّ على الحصول على إجابة مباشرة بعد صعودنا العربة، متجاهلًا كلّ ما جرى… فهل هذا يعني أنّني مصابةٌ بخللٍ ما أيضًا؟
لكن، لو كنت أعلم أنّه لن يطلب إجابتي اليوم فقط، بل لأيامٍ قادمة، ربّما لم أكن لأراه لطيفًا إلى ذلك الحدّ.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
77ⵌ
“أسيليا، ما هو جوابك؟”
“……”
بدأ الأمر يُصبح مريبًا بعض الشيء. لم أتوقّع منه أن يُلحّ بهذا الشكل في طلب الإجابة. هل يتغيّر الناس بين دخول الحمّام والخروج منه؟ أو هل هذا التشبيه مناسب أصلًا؟
على أيّ حال، قبل المحاكمة، بدا كلّ شيء وكأنّه عقبة تحول بيني وبين كاسيون، وكنت أظنّ أنّ عليّ أن أجيبه على اعترافه بعد أن تُحلّ تلك الأمور. ولكن الآن، وقد انتهى كلّ شيء فعلًا… أجد نفسي غارقةً في الكثير من الأفكار.
“الرجل الذي يُلحّ أكثر من اللازم لا يحظى بشعبيّة، كما تعلم.”
“لا أحتاج إلى شعبيّة. كلّ ما أريده هو سماع رأي شخصٍ واحد فقط.”
“……”
“إذًا، ما هو جوابك؟”
“قلتُ لك سابقًا إنني عمليًّا أجبتُ فعلًا. ألم تكن تعلم من دون أن تسمعه مباشرة؟”
“كلا، لا أعلم. أحتاج إلى سماعه.”
أصرّ كاسيون كما لو أنّ لا شيء يهمّ سوى إجابتي. كان ذلك مزعجًا، لكنّ حقيقة أنّ هذا التصرّف بات يبدو لطيفًا لي على الأرجح تعني أنّني أرتدي نظّارة ورديّة سميكة.
“نحن الآن في منعطف مهمّ. الشوارع في حالة فوضى، وهناك أيضًا مسألة تنصيب سموّ الأمير الثاني…”
“وهذا يعني أنّ عقدنا شارف على الانتهاء.”
“…همم.”
“أنتِ لا تُخطّطين للهرب بعد حفل التنصيب عند انتهاء العقد، أليس كذلك، أسيليا؟ أودّ أن أُصدّق أنّ علاقتنا ليست بهذه السطحيّة.”
لم أكن قد خطّطتُ لذلك فعلًا، لكنّ فكرةً كهذه راودتني مرّة، فقلّبتُ عينيّ بتوتّر وشيء من الذنب. عندها اقترب كاسيون منّي، وومضت عيناه الحمراوان.
تراجعتُ دون وعي، لكن سرعان ما التصق ظهري بالجدار. ثمّ مدّ كاسيون ذراعيه إلى جانبي وجهي، محاصرًا إيّاي. هل قام بما يُسمّى “كابيدون” عليّ؟
[مصطلح ياباني يشير إلى حركة يضع فيها شخص يده على الحائط بجانب رأس شخص آخر، مما يخلق شعورًا بالترهيب أو الإعجاب]
“حقًا، من أين تعلّمت شيئًا كهذا لا يُشبهك… أوف.”
لا بأس عندي في أن آخذ زمام المبادرة، لكنّني أفضل تجنّب المواقف المحرجة كهذه. حين حاولت أن أُميل جسدي وأتسلّل من مكاني، هبط ذراع كاسيون بسرعة وأمسك خصري كما لو كانت فخًا.
“أنتِ تعلمين أنّني سأذهب إلى تلك الفارسة إن هربتِ. أينما تذهبين، سألاحقكِ وأُعيدكِ، فلمَ تُضيّعين جهدك؟”
“…إنّها جينين. على الأقلّ احفظ اسم تلميذتك. لقد ساعدتنا أيضًا. والآن بعد أن فكّرت بالأمر، أتساءل إن كانت نتائج المحاكمة قد وصلت هناك بالفعل؛ تلقّينا رسالة هذا الصباح…”
“تغيير الموضوع لن ينفع، أسيليا.”
“تشه.”
“هذا لطيف، لكن أُفضّل أن تتوقّفي عن ممازحتي الآن.”
“ماذا تقصد بالممازحة؟ لا يوجد طفل هنا لأمازحه.”
“……”
“…هيّا، لقد زلّ لساني، كان بإمكانكِ مجاراتي قليلًا. لقد قلتِ إنّكِ تُحبّينني.”
كنت أعلم أنّها نكتة سخيفة، لكن لم يكن لديّ ما أقوله سوى ذلك. لكن إن كنت ستأخذ الأمر بجدّيّة هكذا، ألا أكون أنا من سيتألّم في النهاية؟
“لا أظنّ أنّ مشاعري تجاهكِ كبيرة لدرجة أن أضحك على نكات كهذه بعد.”
“ماذا قلت؟”
في تلك اللحظة، شعرتُ بالغضب حقًا. ودون أن أدري، استدرتُ بجسدي الذي كان يحاول الإفلات منه، وأمسكتُ بطوق قميصه وشددتُه بقوّة.
وحين أصبحنا متقابلَين على بُعد أنفَين متلاصقَين، اتّسعت عينا كاسيون بابتسامة منحنيّة. وعلى عكس كلماته عن قلّة المشاعر، بدا أنّ مشاعره تجري على أطراف عينيه كالسيل.
تشوو—
“هاه؟”
“إن أجبتِني، يُمكنني الضحك بصوت عالٍ حتّى على نكات أسوأ من هذه.”
نقرتُ لساني بضيق بسبب تصرّفه الوقح بتقبيل جبيني بكلّ بساطة هكذا. عندما أبرمنا العقد، كان ساذجًا في راحة يدي، لكن متى كبر وأصبح هكذا؟ رفعتُ يدي وقرصتُ أنفه الوقح برفق، فتظاهر كاسيون بأنّه تألّم، وقطّب حاجبَيه وأطلق سراحي.
“ارتدي ملابسك.”
“أنا أرتدي ملابسي. هل كنتِ تقصدين أن أخلعها؟”
“…أنت لست كاسيون، أليس كذلك؟”
“أنا فقط أحاول المزاح أيضًا، أسيليا.”
يا له من واثق بنفسه، لا يفكّر لحظة أنّه قد يُرفَض.
“كنتُ أقصد أن تُغيّر ملابسك إلى ملابس الخروج. دعنا نخرج في موعد، لقد مضى وقت طويل.”
بالطبع، لن أرفضه. لكن لا يمكنني إعطاؤه الجواب فورًا، فقط عنادًا.
“يقولون إنّ شائعات المحاكمة قد انتشرت بالفعل بين العامة، لكنّني أريد التأكّد بنفسي… سأُعطيك جوابي أثناء موعدنا.”
مهما كانت أفكاري معقّدة أو رغبتي في تأجيل الإجابة كبيرة، فقد حان وقت تحديد مصير هذا العقد.
إنّ تنصيب الأمير الثاني كوليٍّ للعهد بات شبه محسوم، وسيكون من الأفضل لكلينا أن نُوضّح علاقتنا قبل أن تتشابك قلوبنا أكثر في علاقة مبنيّة على عقد.
—
“لوران، برأيك، أيّهما يبدو أجمل؟ أعلم أنّ أيّ شيء سيكون جميلًا، لكنّني بحاجة إلى رأي رجل أيضًا.”
“سُمُوّكِ مُشْرقةٌ الآن كزهرةٍ متفتّحة، لذا كلا الفستانين يُناسبانكِ.”
“هل في كلامك غمزة ما؟ هل وجهك يوحي وكأنّك أكلت خبزًا عتيقًا منذ عشرة أيّام؟”
“لا… فقط قلبتِ كياني رأسًا على عقب، والآن تتحضّرين للذهاب في موعد… لا بأس. الفستان الذي على اليمين أجمل.”
رغم أنّ لوران غبي بعض الشيء، إلّا أنّ لديه ذوقًا فنّيًا لا بأس به بصفته رسّام بورتريهات.
عادة، لم أكن لأطلب رأيه أو آخذ به أصلًا. لكن لسببٍ ما، أشعر الآن بتوتّر غريب حيال هذا الموعد، حتّى أنّني أوقفت لوران، الذي مرّ صدفة، لأطلب رأيه.
“لقد قلتَ إنّ الأمير الأوّل ابنك منذ أن التقينا. ألم يَفُت الأوان على قلب كيانك الآن؟ بيا، أريني شيئًا آخر غير هذا.”
“ما رأيك بهذا؟ كما هو متوقّع، آنستي، كلّ شيء يليق بكِ. وأنا سعيدة أنّ الكدمات والجروح على وجهك اختفت تمامًا.”
مع ذلك، هذا الفستان متكلّف جدًّا لموعدٍ في الشارع وليس حفلًا راقصًا. ملامحي قويّة بما فيه الكفاية، وتكفيها لمسات بسيطة من الإكسسوارات، لكنّي أجد نفسي أُجرّب العديد من الفساتين، ولا أرضى عن أيٍّ منها.
بيا متحمّسة بسبب مزاجي، في حين أنّ لوران، الجالس منكمشًا على الأريكة خلفي، يزداد وجهه كآبة.
“لكن رؤيتها شخصيًّا كانت مختلفة. الشبه في ملامحهما قويّ جدًّا…”
“ألم ترَ صور الإمبراطورة التي وُزّعت على كامل البلاد حين التقيتها وانخدعت بها؟ ألم ترَ حتّى صورة الأمير الأوّل؟ أنت في قلب الأحداث الإمبراطوريّة، ألا يجدر بك أن تُتابع قليلًا؟”
“هل ظننتُ يومًا أنني سأقابل أحد أفراد العائلة الإمبراطوريّة؟”
بيا وأنا رمقناه بنظرة مذهولة في آنٍ معًا. فشائعة كونه والد الأمير الأوّل قد عمّت الإمبراطوريّة بأسرها، ومع ذلك ما زال يفكّر بهذا الشكل.
“على أيّ حال، كما وعدت، إن بقيت في العاصمة، سأوفّر لك دعمًا كافيًا، لكن بحسب طبعك، ربّما سيكون من الأفضل أن تعيش في الأطراف.”
“لماذا؟ أريد أن أرسم في العاصمة!”
“ولماذا تظنّ؟”
فزنا في المحاكمة لأنّ تحضيراتنا وأدلّتنا كانت قويّة جدًّا. ورغم أنّ أداء لوران كان أفضل من المتوقّع، فإنّ توقّعاتنا منه كانت منخفضة جدًّا في الأصل.
وبشخصيّته الساذجة هذه، لن أُفاجأ إن تعرّض للخداع مجدّدًا وهو يعيش في العاصمة.
“أمانك مضمون للسنوات القليلة القادمة، لكن كسب المال والنجاح أمرٌ يعود لك. إن تعرّضت للاحتيال في مكانٍ ما، فلن يكون لذلك علاقة بأسرة الدوق، لذا آمل أن تكون قد أدركت الواقع قليلًا من خلال هذه القضيّة والمحاكمة.”
“سُمُوّكِ، لقد تغيّرتُ كثيرًا بسبب هذه الحادثة. كيف يُمكنك قول ذلك؟”
“من المُفاجئ أنّ هناك تقدّمًا لا يمكن إنكاره، ومع ذلك… هذه هي النتيجة.”
وقعت نظرة بيا عليه بصدمة حين أدركت أنّ ما نراه الآن هو تقدّمه الملحوظ. لكنّي صرفتُ نظري عن لوران، الذي راح يتكوّر كئيبًا، وأتممتُ استعدادي.
أنا لست من النوع الذي يُماطل فقط من أجل اللعب.
وبالطبع، حتّى لو لم أتأخّر، فمن المؤكّد أنّ كاسيون سيكون ينتظر في الخارج أوّلًا.
“حسنًا، سأذهب!”
“اعتني بنفسكِ، آنستي~.”
بيا، التي ودّعتني، استدارت وهزّت كتفَي لوران الما يزال مكتئبًا طالبةً منه أن يرسم صورتي. غادرتُ الغرفة، تاركة إيّاهما خلفي.
قبل أن أخرج، راجعتُ مظهري في المرآة مرّة أخيرة، لكن لمزيدٍ من الاطمئنان، تفقّدتُ ذيل الفستان مجدّدًا حين سمعتُ خطواتٍ قريبة.
“أسيليا.”
“أوه، لمَ أتيتَ حتّى هنا؟”
كنت أعلم أنّ كاسيون سيخرج باكرًا، لكنّي ظننتُ أنّه سينتظرني في غرفة الاستقبال أو أسفل الدرج. لم أتوقّع أن يقف أمام غرفتي مباشرة. شعرتُ بالحرج، وكأنّه أمسك بي متلبّسة وأنا أتأنّق، فاقتربتُ منه مع عتابٍ خفيف، فأشاح بوجهه.
“…أنا لا أُسرِعكِ. قدماي قادتاي إلى هنا فحسب.”
ما هذا الجواب اللطيف؟
لشخصٍ بدا مصمّمًا على سماع إجابتي اليوم، أليس هذا تصرّفًا دافئًا أكثر من اللزوم؟ هل يُحاول جذبي إليه الآن؟
“أنت حقًا مصمّم اليوم، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“لا بأس، تابع. سأقع في غرامك.”
على أيّ حال، من الجميل أن أراه وأسمعه على هذا النحو، فلنستمتع بهذا. لقد أنهينا جميع مهامّنا، بما فيها المحاكمة، وما زلنا زوجَين رسميًّا، أليس من المسموح أن نستمتع بهذه اللحظات؟
فورًا شبكتُ ذراعيّ بذراعه وتعلّقتُ به، وقُدته خارج قصر الدوق. وكما هي العادة، فإنّ قامته الضخمة تُقاد برفق وخفّةٍ من قِبلي.
“لا أعرف ما هو، لكن بما أنّكِ قلتِ إنّكِ ستقعين في حبّي، سأبذل جهدي.”
ومع ارتخاء تعابيره بشكل طبيعي، سمعتُ ضحكات موظّفي القصر وهم يودّعوننا.
هذا الشعور الذي يجمع بين الخجل والبهجة… ليس سيئًا أبدًا.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
78ⵌ
“……”
“…آهِم.”
“……”
“…آه! هناك محل أسلحة! لنذهب إليه!”
يا إلهي، لقد نُجِيتُ.
“لماذا محل أسلحة؟”
“لطالما فكرت أن أشتري خنجرًا واحدًا على الأقل، لكني أنسى دائمًا. يمكنك أن تختار لي واحدًا جيدًا. سنشتري سيفًا ثم نذهب لأكل الكعك.”
كان خطأً أن أقترح أن نتجوّل ونتمشّى لبعض الوقت.
بالطبع، توقعت أن نحظى بالكثير من الانتباه باعتبارنا الشخصيات الرئيسية التي أدّت إلى إدانة الإمبراطورة في المحاكمة الإمبراطورية الأخيرة.
لكن ما لم أتوقعه هو… توترنا المختلف.
دينغ-آ-لينغ-
“…أه… شكرًا.”
“…لا شيء.”
دون أن أشعر، تجنّبتُ كاسيون الذي مدّ ذراعه من الخلف ليفتح الباب، ودخلتُ.
وبسبب ذلك، انتهى بي الأمر أدخل بطريقة سخيفة، أتقلّص جسدي بشكل مفرط، وتشدّ قبضتيّ دون إرادة من الخجل.
لماذا أتصرف هكذا بسبب أمر بسيط مثل فتح باب محل؟
كم مرة خرجتُ في مواعيد-ليست-مواعيد مع كاسيون في شوارع العاصمة، والآن فجأة أشعر بهذا الشعور!
“يا للروعة، مرحبًا! كيف يمكنني مساعدتكما؟”
“نود رؤية بعض الخناجر المناسبة لحمل امرأة. هل يمكنك أن توصي ببعضها؟”
“بالطبع! تفضلا بالجلوس، وسأحضرها لكم!”
ربما لأن الوقت ما زال مبكرًا، تعرف علينا صاحب المحل الذي كان يلمع الأسلحة بتكاسل، وقفز مسرعًا.
حاولتُ كسر الجو المحرج مع كاسيون وأجبتُ بنبرة أكثر حيوية، لكن البائع العصبي سارَع إلى إخلاء طاولة وجلسنا أمامها.
في النهاية، وجدت نفسي جالسة كتفًا إلى كتف مع كاسيون مرة أخرى.
لامست أقمشة أكتافنا بعضها البعض قليلاً، وبينما أزعجني هذا الاتصال الصغير، شعرت أن تغيير وضعيتي سيُظهِر أنني واعية له، فتمتمتُ ونفَسَتُ برأسي قليلاً. ثم التقت عيناي بعيني كاسيون.
“لماذا تواصل النظر إليّ؟ هل هناك شيء غريب فيَّ اليوم؟”
“لا. أنتِ جميلة.”
“……”
“يبدو أنك تنظرين إليّ بقدر ما أنظر إليك.”
“آه، كيف لا ألاحظ ذلك وأنت تحدق هكذا بوضوح؟”
“هل تنظرين لأن نظرتي تزعجك؟ أم لأنك تجدينني جميلًا أيضًا؟”
لو كنتَ تريد المغازلة، على الأقل احتفظ بسلاستك حتى النهاية. الكلمات جميلة، لكن شحمة أذنيه حمراء، وأرى أصابعه تتحرك على الطاولة، مما زاد من خجلي. هل كانت المواعيد دائمًا بهذا القدر من التوتر؟
“هاه! لقد أحضرتها! تفضلا بالنظر!”
بينما كنت أتمتم، غير متأكدة كيف أجيب، خرج البائع في توقيت مثالي. بعدما فرش قطعة قماش سميكة على الطاولة، رصّ الخناجر المزينة بالجواهر بشكل جميل، وكلها بدت رائعة للوهلة الأولى.
“هناك قطع كثيرة جميلة. هي أشبه بمأدبة للعيون أكثر من تصفح محل مجوهرات عادي.”
“ههه. لديكِ عين ثاقبة، سيدتي. هي ليست ثقيلة جدًا وعملية إلى حد بعيد. لا تترددي في الإمساك بها وفحصها.”
“همم…”
تظاهرت بأنني أُمعن النظر في السيوف بينما أبعد جسدي قليلاً لخلق مسافة بيني وبين كاسيون. آملة ألا يلحظ ذلك، مددت يدي إلى الخنجر عند الطرف البعيد، فالتقطه كاسيون بسهولة وسلمه إليّ. لامست أطراف أصابعنا.
“واو، سمعت إشاعات عن قرب الدوق والدوقة، لكن رؤيتها شخصيًا حقًا تؤكدها! الياقوتة في المنتصف تناسب عيني حضرتك تمامًا. أليس رائعًا؟”
“…لا، اخترته لأن صناعة الغمد دقيقة. لكنه ثقيل قليلاً.”
في الحقيقة، هو على حق. حين رأيته، ذكرتني الجوهرة الحمراء في الوسط بعينيه، لهذا أمسكت به، لكن أن يقول ذلك أمامنا! هل لم يستطع التظاهر بعدم الملاحظة؟
تصرفت باستهتار، أدخلت الخنجر الذي كنت أُمعنه النظر فيه قليلاً ثم وضعته، وتظاهرت بأنني أنظر إلى خناجر أخرى.
“هممم~.”
“ماذا عن هذا؟ الصنعة لا تقل روعة. وهو الأخف وزناً بينهم جميعًا.”
“لا، هذا خفيف جدًا.”
لكن بسبب الخنجر المرصع بالياقوت الذي خطف انتباهي من النظرة الأولى، لم أستطع التركيز على الشفرات الأخرى. حتى بدون الجوهرة التي تناسب عيني كاسيون، بدا هذا الأنسب. ليس من منطلق تحيّز شخصي، بل بشكل موضوعي هو الأفضل.
“حسنًا… هل لا يوجد غيره؟”
“هذا هو الخنجر الوحيد ذو الجوهرة الحمراء، سيدتي.”
“أنا لستُ بالضرورة أبحث عن جوهرة حمراء! …آحممم. دعني أرى هذا مرة أخرى.”
لأنني لم أجد أي خنجر آخر يرضيني، ألقيت نظرة حولي، وتحدث البائع بحاجبيه مقطبين. يا له من رجل فطن. لو يظل صامتًا مثلما يقرأ الجو!
“عملية النصل أهم شيء… الآن وأنا أحمله مجددًا، يبدو أن وزنه مناسب للضربة الجيدة. حجمه مثالي أيضًا.”
شعرت بأنني حمقاء. بدل الثرثرة بلا داعٍ، كان بإمكاني أن أقول ببساطة إنه يناسب عينيه وأشتريه كما كنت أفعل سابقًا، لكن لماذا يستمر فمي في التلعثم؟
“موضوعيًا، أليس هذا هو الأفضل يا كاسيون؟”
كاسيون كان لا يزال ينظر إليّ، لم يتحرك قيد أنملة من وضعه الأول. شعرت بحب واضح في نظرته، فعضضت شفتاي بلا وعي.
“دعني أراه.”
“يا للعجب، يبدو أن حضرتك لم ترَ عينيها إلا للدوقة. هاهاها!”
“لم أستطع أن أنظر إليها لأقارنها بمجرد شفرات.”
ضحك البائع بحرارة، رغم أنه استُبعدت بضاعته كأنها ‘مجرد شفرات’ لا تستحق النظر.
كاسيون، بلا خجل، فحص الخنجر من كل الزوايا كما لو يراه لأول مرة، حتى وهو يسمع ذلك الضحك. هل كان فعلاً ينظر إليّ فقط طوال الوقت؟
“الوزن مناسب، والنصل حاد. ليس سيئًا. الجواهر والصنعة ليست مفرطة أيضًا. اخترتِ جيدًا، أسيليا. كما توقعتُ من عينك الثاقبة.”
“…أليس كذلك؟ قلت لك إنه الأفضل موضوعيًا. سنأخذ هذا.”
“نعم! سأغلفه بشكل جميل لكِ.”
“لا، سنأخذه كما هو.”
استعددت نفسي تحسبًا لأن يمازحني كاسيون لاختياره بسبب الجوهرة التي تناسب عيني، كما فعل سابقًا بسلاسته، لكن لم يحدث شيء من هذا القبيل. شعرت ببعض الإحراج وأدخلت الخنجر بسرعة في صدري بينما سلّم كاسيون كيس المال للبائع.
“يا إلهي، لست بحاجة لإعطاء هذا القدر…”
“زوجتي تبدو سعيدة، لذا الأمر يستحق. سنعود مرة أخرى.”
“ش-شكرًا. رجاءً احترسوا في طريق العودة! يا سمو الدوقة!”
بدى كاسيون في مزاج جيد وهو يقول ذلك. وضع يده على ظهري ليُرافقني وفتح الباب.
“أليس ثقيلًا؟ هل أحمله لكِ؟”
“اشتريته لحماية نفسي، لذا يجب أن أعتاد على حمله. لو كنتَ تظن أنه ثقيل، كان عليك أن توصي بخنجر مختلف.”
“بينما جودة النصل مهمة، فإن التعلق الشخصي هو الأهم. بدا أنكِ لم ترين إلا ذلك الخنجر.”
“…كما لو كنتَ أنت أيضًا تنظر إلى الخناجر.”
“بل كنتُ أنظر إلى عينيكِ.”
حقًا.
كن خجولًا أو غازل، لكن اختر! الأمر مرهق للغاية! لا يمكننا أن نستمر في مواعيد أُجبرتُ على مجاراتها هكذا!
“هيا لنذهب لنشرب شيئًا الآن! ونأكل بعض الكعك الحلو أيضًا!”
“أوه، هل يمكننا الانضمام إليكما؟”
بعد أن قبضتُ يدي مرة واحدة وكأنها أصبحت متعرقة، أمسكتُ يد كاسيون بشكل عادي. وقادتُه دون أن أقرر إلى أين نذهب، واقترب منا زوجان نزلوا للتو من عربة قريبة.
“شرفٌ لنا أن نراكم كثيرًا، يا دوقة. يا سموك.”
“أوه… بالفعل. من اللطيف رؤيتكم.”
وجوه مألوفة، إنه زوجا البارون ماير مرة أخرى. يبدو أن هذا الزوج يخرج بقدر ما نفعل.
نقابلهم كثيرًا لدرجة أنني بدأت أشك أنهم جواسيس الإمبراطورة أو الأمير الأول، يقتربون منا عمدًا. أقترب من كاسيون بحذر. لكن السيدة ماير، غير متأثرة بردي البارد، تضحك وتقرّب زوجها.
“أنظروا إلى ذلك. أليس ذلك جميلًا؟ سمعت أن الدوق والدوقة ذهبا في شهر عسل، ويبدو أن علاقتكما ازدادت عمقًا.”
“ها؟ آه، نعم. أه-ها. أه-هاها.”
“عيناك تبدوان مختلفتين. يا إلهي، لا أذكر متى كانت آخر مرة تلقيتُ فيها مثل هذه النظرة المليئة بالعسل من هذا الرجل. أنا حقًا أغار، يا دوقة.”
“ماذا تعنين أن الدوق فقط هو من يرسل النظرات العسلية؟ الدوقة أيضًا ترسل نظرات حب بعينيها الجميلتين! زوجتي تنظر إليّ دائمًا كما لو كنت طفلًا مدللاً!”
“الأطفال أفضل. يا للعجب.”
أمام زوجي ماير، الذين بدأوا فجأة بالتشاجر، نظرنا كاسيون وأنا إلى بعضنا البعض بشفاه مغلقة ووجوه محمرة.
هل يبدو هذا واضحًا للآخرين؟ غير قادرة على كبح الضحك الذي كان على وشك الانفجار، تشبثت به أكثر وضحكت.
“دعنا نوقف هذا، وسأعرّفك على مكان أعرفه هذه المرة.”
فكرتُ، لو ذهبنا إلى مكان آخر مليء بالحلاوة المرضية وغير المقبولة التي أوصى بها زوجا ماير، قد تخدر ألسنتنا، فتقدمتُ.
لقد حصلنا على حصتنا القاتلة من الحلاوة بالفعل.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
79ⵌ
“كنت أظنّ أن شهر العسل مجرّد إجراء شكلي، لكن رؤيتكما معًا تجعلني أرغب في القيام برحلة إلى مكان هادئ بأنفسنا.”
“هذا ما يفعله المتزوجون حديثًا.
كم سنة مرّت على زواجنا…؟”
“هذا هو طبيعته. قبل الزواج، كنت أحلم بحياة زوجية حلوة، كما تعلمين.”
بدت عائلة البارون ماير وكأنّها قد تعرّفت علينا تمامًا في هذه المرحلة.
فقد خفّف الزوجان قليلاً من حذرهما وانخرطا في حديث عادي، وكانا يبدوان غير مؤذيين بحيث لو كنا أنا وكاسيون زوجين حقيقيين، لكنت فكرت أنه من الجميل بناء صداقة معهم.
“تبدوان جيدين معًا أيضًا.
رغم ما تقولانه، أشعر بالثقة والمودة التي تجمعكما.”
“ليست مودة، إنّها ألفة نابعة من الكراهية.
أعيش معها، غير قادر على تجاوز ذلك النوع من التعلّق.”
“لكنّك لا تنكر الثقة، صحيح؟”
“حسنًا، هذا… في النهاية، ألسنا عائلة؟ عندما يشير العالم كله إليّ بأصابعه، هو من أستطيع الاعتماد عليه.”
“عزيزي…”
“لا تتحوّلي إلى عاطفية الآن، عزيزتي. هذا مزعج.”
“ومثل هذا، تختفي كلّ مشاعر كنت على وشك أن أشعر بها.”
رغم تنازعهم، بدا زوجا البارون ماير ودودين حقًا وهما يدفعان بحماس حلويات كلّ منهما المفضلة نحو الآخر خلال الحديث.
لو كنا نمثّل حبًا مشتعلًا، فهم على الأرجح يملكون علاقة ودّية طويلة الأمد ومألوفة. علاقة وثيقة لا تخفي شيئًا بينهما.
“….”
“هم؟ هل ترغبان بالمزيد؟”
ماذا عنا؟ بصراحة، كنت أفكّر في قبول اعترافه في نهاية هذا الموعد.
وماذا بعد؟ هل سنلغي العقد ونبدأ المواعدة من البداية؟ أم نحتفظ بعلاقتنا الزوجية؟
هل سننتقل بسلاسة من زوجين مزيفين إلى حقيقيين هكذا؟
“لا، لا أرغب.”
“لماذا تغيّرت فجأة…؟”
“آه.”
“أسيليا؟”
لو أصبحنا زوجين حقيقيين بهذا الشكل، هل يمكننا أن نصبح يومًا ما مقربين مثل عائلة ماير؟ يومًا ما، حقًا يومًا ما، حتى نتحدث عن ذكريات حياتي الماضية. علاقة ودية لا تخفي شيئًا.
…قد يكون هذا أكثر من اللازم.
يقولون إنّ البشر مخلوقات رغبة، وأنا هنا، لا أكتفي بمجرد اعتراف كاسيون وتواصلنا العاطفي، بل أنظر لما هو أبعد من ذلك.
تنهدت، مدركة أنني أُسرعت كثيرًا بلا داعٍ. هذا ليس من طبعي أن أغوص في مثل هذه الأحلام.
“على أيّة حال… كان يجب أن يكون شهر العسل ممتعًا فقط، لكن لابد أنكما شعرتما بخيبة أمل من الأحداث غير المتوقعة.”
“ماذا تقول؟ لقد قدّما مساهمة كبيرة للإمبراطورية.”
“لا، بالطبع، من الرائع أن تتحول إلى مساهمة كبيرة للإمبراطورية، لكنّه ‘شهر عسل’، أليس كذلك؟ ليست رحلة عادية، بل لها رومانسية خاصة.”
بينما أطلقت تنهيدة صغيرة وكاسيون تلعثم، غير فاهم المعنى، واصل الزوجان ماير الحديث ظانين أنه قد يكون مرتبطًا بالمحاكمة الأخيرة.
كم هو محظوظ ألا توجد قدرة قراءة أفكار في مثل هذه اللحظات.
لو عرفوا أنني أفكّر في الرومانسية بكل هدوء بعد أن أوقعت الإمبراطورة والأمير الأول في مأزق، لتغيرت تعبيرات وجوه الجميع.
“هذا صحيح. لكنّه كان حدثًا صادمًا جدًا بحيث طغى على أي ندم. بعد لقائي ذلك الشخص، كان ذهني مشتتًا بشأن الرحلة وكل شيء…”
“يا إلهي، لكنّ الدوقة ذكية جدًا لدرجة لاحظت ذلك على الفور. لو كنت مكاني، لكنت فقط قلت: ‘أوه، يشبهون بعضهم’، ومررت.”
“لا بد أن حدس الدوق الحاد لعب دورًا أيضًا. الإحساس بساحة المعركة يظهر بقوة حتى في الحياة اليومية… لابد أنك شعرت بشيء مثل كرامة الملوك، صحيح؟”
“…همم.”
من المذهل والسخيف أن يعتقدوا أنهم شعروا بكرامة ملكية من لوران. لم نستطع أنا وكاسيون سوى التمتمة بشكل غامض، غير قادرين على الموافقة.
كانت آخر صورة رأيتها له هي لوران يتجنب نكد بيا وصفعها، وهي تخبره بأن يتأكد من شراء الهدايا.
“من كان يظن؟ يا له من وقح. لقد خدع جلالة الإمبراطور وكل الأمة لسنوات طويلة…”
“أشعر بالأسى أكثر على صاحب السمو الأمير الثاني، الذي تربّى مضطهدًا دون معرفة الحقيقة.”
حسنًا. لا أظن أنه تعرّض للاضطهاد بهذه الدرجة؟ لم يكن ليبرز كثيرًا فقط.
في الحقيقة، أنا أكثر قلقًا بشأن وضع الأمير الأول، الذي سينحدر بعد أن لم يعرف شيئًا… بدلاً من الأمير الثاني الذي سيتولى منصب ولي العهد.
“يبدو أن الأمير الأول لم يكن يعرف الحقيقة أيضًا. أتساءل هل سبّبنا له صدمة كبيرة جدًا…”
“يا إلهي، ماذا تقول! لقد فعلتم الصواب تمامًا. الأمير الأول… حسنًا. لست متأكدًا إن كان يجب أن نواصل استخدام هذا اللقب. على أي حال، استمتع بالامتيازات حتى بلغ سن الرشد، فحتى وإن لم يكن يعرف، فسيظل ذلك جريمة.”
“هذا صحيح. إنها قضية كبيرة جدًا لا يمكن التستر عليها بالجهل فقط. سمعت أن جلالة الإمبراطور كان رحيمًا وحبس الإمبراطورة في البرج، بينما عزل الأمير في غرفته لفترة. صاحبة السمو، هل سمعتِ أي شيء عن مستقبله…؟”
“لم يُقرر شيء بعد. يبدو أن جلالته سيجمع الناس قريبًا لإجراء بعض الإعلانات.”
“أفهم. لابد أن جلالته أيضًا في حيرة.”
هذا صحيح.
بعد المحاكمة، عُزلت الإمبراطورة في قمة برج ناءٍ دون خدم ليعتنوا بها. من الصعب معرفة إن كان عدم إعدامها في الحال رحمة أم قسوة.
أما الأمير الأول، فحُبس مؤقتًا في غرفة بالقصر لتسببه في شغب في قاعة المحكمة.
ومع ذلك، لم يُصدر أي عقاب بسبب كونه ليس من دم الإمبراطور بل ابن رجل عادي.
وبالتالي، تركّز اهتمام الناس على مدى سقوط الأمير الأول، مثلما كان الأمر مع حفل تنصيب الأمير الثاني وليًا للعهد.
“أن يُصر على دمائه الزرقاء طوال هذا الوقت وهو طفل غير شرعي. النظر إلى الوراء الآن يجعلني غاضبًا.”
“لو كان لديه شخصية كريمة مثل صاحب السمو الأمير الثاني، لما شعر الجميع بالخيانة هكذا.”
رؤية الزوجين ماير وهما يتحدثان معًا بتناغم تام تجعلني أشعر بعدم الارتياح بعض الشيء. يميل الناس عادة إلى التحدث عن سقوط الآخرين.
خصوصًا إذا كان ذلك الشخص في الأصل نبيلًا ومتغطرسًا.
وكان الجميع في الشوارع يسخرون علنًا من تصرفات الأمير الأول المتعجرف الذي كان ينظر إلى العامة كأنهم ديدان.
“…مع ذلك، أنا قلقة بعض الشيء.”
“يا إلهي، يا دوقة، يبدو أن قلبك رقيق للغاية.”
قلب رقيق. هذا هو نتيجة ما بدأته ونفذته. ومع ذلك، جعلني شعوري بعدم الارتياح أتساءل إن كان ذلك ليس رقة بل جبنًا.
بعد كل شيء، الأمير الأول لم يطرد الأمير الثاني ليأخذ منصب ولي العهد. كان فقط متعجرفًا ومتكبرًا بشكل مفرط.
من الطبيعي ألا يحتفظ بمنصب الأمير، لكن هل من الصحيح أن يكون موضوع سخرية الجميع هكذا… لست متأكدة.
“لا تلومي نفسك كثيرًا، أسيليا. كان ذلك من أجلي.”
كاسيون، ملحوظًا قلقي، يحاول مواساتي كما لو أنه متطوع ليكون شرير القصة كلها.
“أنا لا أشعر بالندم أو شيء من هذا القبيل. فكرت في الأمر أكثر، وما زلت أعتقد أنه كان القرار الصحيح. لا تقلقي.”
كيف يمكن للإنسان ألا يكون أنانيًا؟
لكل شخص أولوياته. كانت أولويتي الحفاظ على حياتي، ثم حياة كاسيون وجينين، ثم اعتلاء الأمير الثاني العرش.
هذه الحالة جاءت لأنني واصلت دفع تلك الأولويات قدمًا. فكرت أنه يجب أن أشدّ قلبي أكثر، فقط من أجل من حولي.
لو كانت مسألة حياة أو موت، لما فكرت حتى في مثل هذا الترف أو الرحمة…
“يا ترى؟ لماذا أصبح الأمر فجأة صاخبًا هكذا؟”
“بالفعل. أتساءل ما الذي يحدث في الخارج.”
تمامًا بينما كنت أشدّ عزيمتي من جديد، وصل صخب من الخارج إلى محل الحلويات الهادئ الذي دخلناه. عندما أدرت رأسي، حتى العاملون عند الباب فتحوا أعينهم على وسعها وبدأوا بالهمس، ناسين مواقفهم. ما الأمر؟ ما سبب كل هذه الضجة؟
“أمم… صاحبة السمو. لقد جاء فرسان القصر يبحثون عنكم في الخارج. يقولون أن هناك رسالة عاجلة…”
نقل موظف غير معتاد على هذه المواقف الرسالة بتردد إلى كاسيون. ولكن كما لو أن ذلك لم يكن كافيًا، لوّح كاسيون بيده وقام.
“اعذروني لحظة.”
“بالطبع! لا تهتمي بنا، يا دوقة.”
بفضولي لما يحدث، قمت طبيعيًا معه وطلبت من زوجي عائلة البارون الجلوس معنا أن يتفهموا الأمر. أخذني كاسيون معه كما لو كان أمرًا طبيعيًا وخرج من المحل لمقابلة فرسان القصر. ارتجف الفرسان عندما رأوني لكنهم لم يستطعوا قول شيء وهم يسلمون رسالة مختومة بإحكام.
“هذه رسالة من صاحب السمو الأمير الثاني. طلب مراجعتها فورًا لأنها أمر عاجل، صاحبة السمو.”
“همم.”
بينما تلقّى كاسيون الرسالة بهدوء وفتحها دون تردد، حولت نظري إلى الفرسان. ليس الأمر متعلقًا بمحتوى الرسالة، فهل يجوز أن أسأل؟
“كيف علمتم أننا هنا؟”
“هاه؟ حسنًا، في النهاية، الدوق والدوقة… أه. لستم زوجين مغمورين، أليس كذلك؟ لا نقصد أي إهانة، سيدتي!”
“آه. أفهم.”
كنت أتساءل كيف وجدنا فرسان القصر بهذه الدقة رغم أننا لم نكن في القصر، لكن كان سؤالًا سخيفًا. كنت مشغولة جدًا مؤخرًا حتى نسيت جمال كاسيون وجمالي.
ربما فقط سألوا بائعًا أو اثنين في الشارع.
ومع ذلك، بينما كنت أشبع فضولي، كان كاسيون، الذي فحص الرسالة، يعبس بشدة. لماذا؟ ما الأمر الذي جعله يتفاعل هكذا؟
فحص الختم على الرسالة مرة أخرى، نظر إلى وجوه الفرسان، ثم أومأ بفهم وسلمهم الرسالة.
“أخبروهم أننا متجهون إلى القصر فورًا.”
“نعم! إذن، سنغادر الآن. صاحبة السمو!”
لسبب ما، بدت وجوه الفرسان التي كانت متوترة مثل كلاب بحاجة إلى التخلص من نفسها مشرقة. عادوا إلى القصر البعيد، يركضون عبر الشوارع بصخب وعجلة كما جاءوا.
قبل أن أسأل عمّا يحدث، أخذني كاسيون إلى زاوية في الزقاق بجانب المحل وانحنى. كان نفسُه يدغدغ أذني كالعادة.
“يقولون إن الأمير الأول قد هرب.”
“ماذا؟ كيف؟!”
تحول الدغدغة على الفور إلى قشعريرة. لم أتمنى حقًا أن أجد نفسي في وضع يهدد فيه السكين رقبتي فعليًا.
“سنتحقق من التفاصيل، لكن يبدو أن عائلة الإمبراطورة ساعدت. ربما يريدون قلب الطاولة قبل أن تلتهمهم النيران أيضًا.”
تألّق بريق في عيني كاسيون وأنا أنظر إليه متفاجئة.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
80ⵌ
“هاه؟ أنتَ خرجت متأنقًا بالكامل. لماذا عدتَ بهذه السرعة…؟”
“غيّر ملابسك، لوران.
علينا أن نلتقي بجلالة الملك.”
“ماذا؟ لماذا يجب أن أغير ملابسي لألتقي بجلالة الإمبراطور…؟”
“يجب أن تأتي معنا لمقابلة جلالته أيضًا.”
“ماذا؟”
“بيا، ساعديه.”
بعد أن نظرت إلى لوران، الذي بدا إما غير قادر أو غير راغب في تصديق الحقيقة، أشرت إلى بيا، معتقدةً أنه بما أنه قد غسل نفسه صباحًا، فسنحتاج فقط إلى تغيير ملابسه.
لا وقت لشرح الوضع وتجهيزه.
“لماذا، لماذا تفعلون هذا! لا! ماذا يحدث! سألبس نفسي بنفسي!”
“كل هذا للحفاظ على حياتنا. أنت لا تريد أن تموت وهم يسألونك لماذا تأخرت بينما تم استدعاؤك منذ زمن بعيد، أليس كذلك؟ علينا الوصول إلى القصر قبل الغروب!”
أمسكت بذراعي لوران من الخلف ورفعتهما، ثم أزالت بيا ملابسه بسرعة. وبينما حدث نزع الملابس وارتداؤها في لحظة، أمسكت بلوران المكافح بشدة وأفكاري كانت تدور كأنها على وشك الانفجار.
رغم أن الرسالة التي تحقق فيها كاسيون كانت من الأمير الثاني، إلا أنها كانت كأنها رسالة من الإمبراطور نفسه. الرسالة التي طلب فيها الأب مقابلة لوران وزوجي عائلة ييغر لحل هذه المسألة كانت بمثابة أمر لنا جميعًا بالتوجه سريعًا إلى القصر فورًا.
بالطبع، رغم جدية التعبير وكون المرسل هو الأمير الثاني، لم يكن بإمكاننا أن نأخذ نصف يوم للتفكير والتنظيم.
ماذا سنقول عندما نصل؟ ماذا يريد الإمبراطور أن يخبرنا به عبر هذا الاستدعاء؟
طرقة على الباب-
“أسيليا. هل يمكنني الدخول؟”
“نعم! ادخل بسرعة وساعدنا يا كاسيون!”
“لا، يمكنني حقًا ارتداء البنطال بنفسي…!”
حتى بالنسبة لشخص بطيء كلوران، يزداد مقاومته حين تمتد الأيدي نحو خصره. بينما كنت أمسك بجسده، مدّت بيا البنطال، وكاسيون الذي دخل لتوه عبس بوجهه بشدة. وأخيرًا، أزال لوران ملابسه السفلية بسرعة وارتدى البنطال الجديد بطيات مكوية بوضوح.
[ هنالك ملابس سفلية يلبسونه تحت الملابس الخارجية لذلك الي نزعها مو ملابسه الداخلية 🙏🏻🙏🏻🙏🏻]
“الآن بعد أن غيرت ملابسي، اشرحوا لي!”
“لقد شرحت من البداية. علينا الذهاب لمقابلة جلالة الإمبراطور، تذكر؟”
“لكن لماذا أنا؟ هل سيكون هناك محاكمة أخرى؟”
“لا. الأمير الأول هرب، وهم بحاجة لأن تستجوب الإمبراطورة. هيا، كاسيون! هل العربة ما تزال تنتظر في الخارج؟”
“الأمن في القصر صار مشددًا، لذا غيرتُ إلى عربة تحمل ختم الدوق بوضوح.”
“جيد!”
سحبنا لوران عمليًا. كان عقلي لا يزال يسرع، لكن لم أستطع التفكير في شيء مفيد أقوله.
“ما الجيد في هذا! الأمير الأول، تعني أن ابني هرب؟ سيستجوبون الإمبراطورة؟ باستخدامي أنا؟”
“قلت لك إننا مستعجلون، لماذا تظل تطرح الأسئلة؟ اركب بسرعة! ولا تعبث بملابسك!”
“هيا بنا!”
ما إن دفعت لوران إلى الداخل، حتى قفز كاسيون إلى العربة وطرق على الجدار كإشارة. بدأت العربة تتحرك وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة.
لوران، الذي لم يجد توازنه بعد، صرخ وهو يميل للأمام، بينما أغمضت عيني للحظة لأرتب أفكاري وأتنفس بعمق.
“همم… ظننت أن الأمور تمضي بسلاسة زائدة.”
“الإمبراطورة والأمير الأول كانا مطيعين للغاية.”
“ماذا تقصد بمطيعين؟ لقد كان غاضبًا حتى من فكرة قتلي في قاعة المحكمة!”
تجاهلنا كلمات لوران بعد أن جلس مستقيمًا أخيرًا، وتبادلنا النظرات.
تمامًا مثل الأمير الأول، الذي بدأ للتو في التمرد، رد الإمبراطور كان غير مسبوق أيضًا.
حتى وقت قريب، كان يراه دمًا من دمه، لكن بمجرد أن علم بهروبه، استدعاهم جميعًا.
“…يبدو أن جلالته قد قلب قلبه تمامًا.”
“الإمبراطور لم يكن يومًا متعلقًا بأحد من الأساس. أظن أنه يعتقد أنه لا جدوى من التمسك بجزء عديم الفائدة حتى للحظة.”
“لإزالة الأمير الأول سرًا، هل يمكن أن تكون الإمبراطورة تخطط لثورة؟ رغم أن شخصيتها باردة، لكنها لم تبدُ… نشطة إلى هذا الحد.”
الإمبراطورة كدمية آلية من الجليد. باردة وسريعة في تصرفاتها، لكنها كل ما فعلته كان لحماية نفسها والأمير الأول. لم تبدُ كشخص يبادر للمؤامرة.
“ربما ليست خطة الإمبراطورة. لابد أن عائلتها هي من يتحرك بشكل مستقل. لقد تمتعوا بكل أنواع السلطة بوضع الإمبراطورة والأمير الأول في المقدمة، والآن على وشك خسارة كل شيء دفعة واحدة.”
أعتقد ذلك أيضًا.
الإمبراطورة ليست نشطة ومحبوسة في البرج. علاوة على ذلك، كان الأمير الأول يفتخر بنسبه، فلا أظن أنه في وعيه الكامل بعد أن تم إنكار حياته كلها.
حقيقة تمكنهم من خداع عين الإمبراطور والهروب في هذا الوضع تعني أن هناك من تحكم بالأمور من الخلف. وفي هذه المرحلة، الوحيدون الذين سيناصرون الأمير الأول هم من استمتعوا بالسلطة تحت الإمبراطورة.
“على أي حال، أصبح الأمر سخيفًا. الشخص الذي اهتم بالنسب الملكي أكثر من غيره يهرب الآن من القصر ليهاجم العائلة الملكية.”
“إذن… ألسنا نحن أيضًا في خطر؟”
بفضل سرعة العربة، وصلنا إلى القصر بسرعة. بعد أن أظهرنا وجوهنا للحراس ومررنا البوابة، نظرت إلى لوران. وكان كاسيون ينظر إليه أيضًا بتعبير من الاستياء.
لماذا تقول مثل هذه الأمور الواضحة؟ إذا استولى الأمير الأول، الذي دفع نحو التمرد، على العرش، فنحن ولوران سنكون الأهداف الأولى للإعدام.
“صاحبة السمو، الدوقة. السيد لوران. جلالته ينتظر. سأرشدكم فورًا.”
المرشد الملكي الذي كان ينتظرنا حيانا بإيجاز ودخل في صلب الموضوع. ربما كانت تحية غير مهذبة قليلاً، لكن نظرًا لضرورة الأمر، تبعناه دون تردد.
“أرجلُك ليست قصيرة، فلماذا لا تمشين أسرع قليلًا؟”
مع ذلك، اضطررنا للتوقف مرتين واعتذار المرشد لأن لوران كان يتخلف وراءنا. أخيرًا، كنت أقف خلفه وأدفعه عمليًا، مما جعل كاسيون يعقد حاجبيه استياءً.
“لكن… لا أعرف ماذا أقول! لم أتدرّب كما فعلت في المحاكمة. ماذا لو أخطأت؟”
“لم يستدعك ليعاقبك. أنت فقط وسيلة لكشف خطط الإمبراطورة والأمير الأول. لا تكن محبطًا، فقط أجب بصدق.”
“هل سيعود ابني إذا تحدثت بصدق؟ لا أفهم لماذا تم استدعائي!”
“الدلائل قد تُكتشف في أماكن غير متوقعة. جلالته ربما لا يتوقع منك أن تكشف فورًا عن مكان الأمير الأول أو تجعلي الإمبراطورة تتحدث، هيا!”
وقف المرشد الملكي أمام باب ما يبدو أنه غرفة استقبال الإمبراطور، ينتظر بهدوء حتى ننهي جدالنا مع لوران قبل فتحه.
بعد أن هدأت لوران وأومأت، أعلن المرشد وصولنا للإمبراطور، وسمح لنا بالدخول.
“نحيي جلالتك…”
“تجاوزوا التحيات. اتبعوني. سنتحدث ونحن نمشي.”
رغم تعبيره الهادئ، كانت تحركات الإمبراطور سريعة. ما إن تأكد من وجودنا ولوران، لوّح بيده لوقف تحياتنا، ونهض من العرش وخرج من الباب الذي دخلنا منه.
“إلى أين نحن ذاهبون…”
بينما كان لوران، المرتبك من مغادرته مباشرة بعد الدخول، على وشك أن يسأل الإمبراطور بفظاظة، دفعتُه بمرفقي بسرعة ليتوقف. لكن الإمبراطور، بعد أن سمع ذلك الصوت المرتجف الصغير، رد على لوران.
“نحن ذاهبون إلى البرج. يجب أن تلتقي بحبيبتك.”
“ج-جلالتك! أنا آسف! اقتلني من فضلك… أوف!”
مندهشًا من جواب الإمبراطور، سجد لوران على ممر القصر. لكن بينما أمسكتُ أنا وكاسيون بذراعيه من الجانبين وسحبناه لنمشي، انتهى به المطاف يجر خلفنا وهو يتعثر.
“كنتُ سأدعو فقط حبيب الإمبراطورة، لكن دعوتُ الزوجين الدوقيين أيضًا، وكان حكمي صحيحًا.
أنتما سريعا الفهم.”
“…شكرًا لك، جلالة الملك.”
“حسنًا، إذا عملتَ أنت والأمير الثاني بجد، ستنتهي هذه الضجة الصغيرة. لكن بما أنني ما زلت إمبراطور الإمبراطورية، فلا أستطيع إلا أن أتدخل.”
‘ضجة صغيرة’، يقول. فُتحت فم لوران على مصراعيه من موقف الإمبراطور اللا مبالي، لكن لم ينتبه أحد له. وبينما يقول ذلك، نعلم جميعًا أن الإمبراطور سيكون الكيان الأكثر رعبًا إذا ساءت الأمور.
التجاهل يعني القدرة على الحفاظ على موقف موضوعي دون الانحياز في السياسة، لكنه أيضًا يعني عدم وجود اهتمام كافٍ لتحمل مشاعر شخصية تجاه الآخرين.
“علينا أن نمشي قليلاً. لكن لن يكون هناك أحد في الطريق، فلنتحدث قليلاً أثناء السير.”
حنى الحراس الذين أكدوا حضور الإمبراطور رؤوسهم احترامًا، ثم فتحوا الباب المؤدي إلى البرج. ابتسم الإمبراطور مشيرًا إلى الدرج الحلزوني الطويل والضيق والمظلم.
تلك الابتسامة المصنعة بلا أي إحساس بدت مألوفة إلى حد ما.
“…”
كانت الابتسامة التي اعتدت رؤيتها على الأمير الأول.
بدأت أحاول أن أقيّم مشاعر الأمير الأول، الذي نشأ وهو ينظر إلى الإمبراطور بملامح تشبه لوران، والإمبراطورة التي عاشت تخفي الحقيقة عن ابن كهذا، ثم توقفت.
لأنه من المستحيل معرفة أي شيء دون أن تكون في مكانهم، سأتصرف من أجل واقعي بدلاً من تعاطف متسرع أو تعاطف وهمي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 10 - من الفصل الحادي والتسعين إلى المائة «النهاية». 2025-08-14
- 9 - من الفصل الحادي والثمانين إلى التسعين. 2025-08-14
- 8 - من الفصل الحادي والسبعين إلى الثمانين. 2025-08-14
- 7 - من الفصل الحادي والستين إلى السبعين. 2025-08-14
- 6 - من الفصل الحادي والخمسين إلى الستين. 2025-08-14
- 5 - من الفصل الحادي والأربعين إلى الخمسين. 2025-07-23
- 4 - الفصل الحادي والثلاثين إلى الأربعين. 2025-07-23
- 3 - من الفصل الحادي والعشرين إلى الثلاثين. 2025-07-23
- 2 - من الفصل الحادي عشر إلى العشرين. 2025-07-23
- 1 - من الفصل الأول إلى العاشر. 2025-07-23
التعليقات لهذا الفصل " 8"