1
1ⵌ
“أه… لم، لم أرَ شيئًا…”
فليرجم الأرامل البائسات من كان بريئًا فحسب.
كانت جنازة زوجي، الماركيز، مهزلةً بكل معنى الكلمة.
فرغم كثرة أبنائه غير الشرعيين، لم يترك خلفه وريثًا شرعيًا، فانقضَّ أقاربه الطامعون على التركة كذئاب، يتبادلون الشتائم ويتضاربون بالأيدي أمام التابوت.
أما أنا، فقد لعبت دور الزوجة الثكلى، أذرف دموعًا زائفة وأجففها بمنديل حريري.
“آه… آه، ماركيزي العزيز! كيف حدث هذا؟!”
وكيف حدث؟ السبب، بطبيعة الحال، هو بطل القصة.
رغم أنني قدّمت بعض “المساعدة” البسيطة.
ربما كانت هناك طرق أخرى للنجاة في النص الأصلي، لكن من بحقك يرغب في أن يعيش إلى جوار ماركيزٍ عجوزٍ مهترئ؟
“ماذا عساني أن أفعل بعد رحيلك المفاجئ؟ آه…”
ذاك العجوز السافل الذي لاحق الفتيات الصغيرات لم يجنِ سوى ما زرعت يداه.
ومن طرف عيني، راقبت نظرات الحاضرين وهي تلين رويدًا رويدًا، منجذبةً إلى أدائي البارع، بينما استعدت في ذهني تلك الليلة الصادمة التي استرجعت فيها ذكريات حياتي السابقة.
—
“آنسة… آنسة! استفيقي!”
كانت خادمة غريبة تهز كتفيّ العاريتين بعنف، ملامحها تنذر بأنها على وشك صفعتي، ولم أكن لأمانع.
بل كدت أطلب منها أن تفعل وتنتهي.
“أصررتِ على الاستحمام وحدك فتركناكِ، لكننا خفنا أن نجد جثةً في الماء!
لا جدوى، اخرجي من الحمام الآن!”
“جثة…”
“كفي عن التفكير بالأمور الغريبة، اخرجي حالًا! الماركيز أنهى طعامه!”
سحبتني من الحوض وكأني خادمة تحت أمرها، لا نبيلة، وشرعت تدعك جسدي بفرشاة خشنة مغطاة برغوة، كما لو كنت قطعة أثاث تحتاج إلى تنظيف عميق.
“استلقي بثبات، آنستي، لا تقاومي…”
كانت التعليمات التالية مهينة، لكن عقلي كان منشغلًا بالحلم الذي راودني وأنا في الحوض.
اقتربت خادمتان أو ثلاث، وأوقفنني أمام مرآة بعد غسلي، ثم شرعن يدهن جسدي بزيوتٍ معطّرة.
وجهٌ فاتن، وجسدٌ عارٍ، ينعكس في المرآة.
لم أره بعيني فقط، بل بعين الوعي..
هذه لستُ أنا بالكامل.
هل هذا تجسيد؟ أم بعثٌ جديد؟
ذاك الشعور الطفيف بالواقع كمّم صرختي، وشددتُ رأسي بين يديّ وأنا أستوعب أنني لم أُبعث تحت سقفٍ غريب، بل في حمّامٍ فخم داخل رواية كنت قد قرأتها في حياتي السابقة.
“آنسة! قلت لكِ لا جدوى!”
ربما ظنّت الخادمة أنني أذوب خجلًا من ليلتي الأولى مع الماركيز، فصاحت بحدة وهي تعيد دهن شعري المبلل بالزيت وتسرّحه بفظاظة.
كان شدّها لفروة رأسي كفيلًا بإعادتي إلى الواقع.
لقد بُعثت من جديد داخل رواية “كنتُ فقط أُعالج الجرحى”، لكن لا كبطلتها… بل كزوجة الشرير، الماركيز، التي لا تنطق بكلمة واحدة… وتموت باكرًا.
كابنة غير شرعية لعائلة فيكونت ساقطة، أُجبرت على الزواج من الماركيز بضغطٍ من عائلتي.
واليوم، في ليلتي الأولى، يُفترض أن يشنّ بطل الرواية هجومه الأول على الماركيز.
في النسخة الأصلية، ينجو الماركيز باستخدامي كدرع بشري.
يفشل البطل في محاولته، ويهرب مصابًا، ليصادف البطلة التي تُنقذه… فيقع في حبها.
أما أنا؟
فأموت… مطعونة بسيف البطل العشوائي.
“آاااه!”
“آنسة!”
ضربت إحدى الخادمات ظهري بقسوة.
كانت تلك لحظة الإدراك الحقيقي.
لم يتبقَّ على ليلتي الأولى…
وموتي، سوى ساعات قليلة.
—
“هاه… حتى لو وقعت بين أنياب نمر، يمكنك النجاة إن حافظت على رباطة جأشك.”
هذا ما يقوله المثل الذي لم أكن أعرفه قبل بضع ساعات.
جلست على السرير مرتدية ثوبًا شفافًا وقصيرًا، أفكر في الوضع.
“إن كان كمينًا، فلماذا لا يختبئ ويباغته؟ لماذا يدخل من الخارج؟”
لو أن البطل اختبأ في الغرفة منذ البداية، لعقدت صفقةً معه قبل وصول الماركيز من حمّامه.
لكن لا… لقد قرر التسلل في ذروة “الليلة الأولى”.
“لا يمكنني الموت هكذا.”
نظرت مجددًا إلى المرآة.
شعر وردي ناعم ينسدل حتى خصري، وعينان واسعتان بلون رمادي مزرق بلمحة بنفسجية، وبشرة ناعمة بيضاء… أيّ شخصٍ سيراني سيتحسّر على جمال كهذا.
لكنني، في حياتي السابقة، لم أكن أعلم حتى أنني جميلة، فقد عشت منطفئة كابنة غير شرعية منبوذة.
ربما لذلك، حين وقع الهجوم، لاحظ الماركيز الأمر لأنني كنت متخشبة تمامًا من الرعب.
“وإلا، كيف له أن يلتفت عن كل هذا الجمال؟”
قلّبت شعري المتشبّع بعطر الزيت، وتحركت الآلهة في المرآة معي.
قررت خطتي على الفور:
“الإغواء.”
خطةٌ كلاسيكية… وُلدت مع أول حواء.
لكن هذا لا يعني أنني كنت أنوي النوم مع ذلك العجوز.
فقط جذب انتباهه… قليلًا، لا أكثر.
“هل يمكنني؟ لا… يجب أن أنجح.
يمكنك فعلها، أسيليا!”
هذا الجسد، رغم شبابه، يحمل داخله عمرًا يفوق الأربعين إن حسبنا حياتي السابقة.
ومع ذلك، فأنا ما زلت أصغر بكثير من الماركيز.
أيّ عجوزٍ مختلّ هذا؟
نعم، لقد حافظ على مظهره جيدًا بفضل حياة الترف، لكنه يظل عجوزًا، لا يليق به الزواج من فتاة تصغره بأكثر من نصف قرن.
لا بد أنه مختل.
“يا للقرف.”
فكرة أنني مضطرة لمعانقته حتى يصل البطل كانت تكفي لإفراغ معدتي، لكنني لم أكن قد أكلت شيئًا. تماسكت وجلست على السرير، أترقّب.
ثم بدأت أسمع خطواتٍ ثقيلة تقترب…
خطواتٌ مقززة، مفعمة بالغبطة.
“أسيليا— زوجتي!”
“…ماركيز.”
فتح الباب، ودخل كيلدريك، الماركيز.
وقفتُ من السرير وهممت برفع تنورتي لتحيته، ثم تذكرت أن الفستان أقصر من أن يفعل ذلك، فتراجعت فورًا.
“جميلة، كما توقعت.”
ابتسم الشيخ العجوز كمن فاز بجائزة العمر.
تذكرت ما قالته الخادمة في الحمام: “لا تقاومي.”
هل أبدو كفتاةٍ خجولة؟
يا إلهي، معدتي تنقلب مجددًا.
“هل انتظرتِ طويلًا؟ بشرتكِ باردة.”
“…لا، ماركيز.”
تحسّس كتفي العاري بيده الثقيلة، فشعرت بالاشمئزاز، لكنني أخفيت مشاعري وأدرت وجهي خجلًا مصطنعًا.
“لكنّكِ ترتجفين…
أهو من البرد؟ أم من حماسكِ؟”
يا ربّي…
اغسلوا أذنيَّ من هذا القرف! هل وصل البطل إلى أسوار القصر؟ أتمنى أن يصل قبل أن أتقيأ عليه.
“ومن لا يرتجف وهو يستعد لخدمة الماركيز؟”
“رقيقةٌ أنتِ، كجمالك.”
ضغط على كتفي بقوةٍ كادت تُسقطني، كمن لا يسمح باعتراض.
“ماركيز…”
“لستُ مجرد ماركيز بعد اليوم، بل زوجكِ.
من الآن، لستِ أسيليا كورنيل، بل أسيليا فانت.”
كنت أرغب في صفعه على وجهه المتغضّن، لكنني تريّثت، وقررت كسب بعض الوقت.
تفاديت شفتيه المتجهتين نحوي، وهمست بخجل:
“كلّ هذا جديدٌ علي…”
“أوه، مسكينتي… دعي كل شيء لي.”
“أخشى فقط أن أعجز عن إرضائك، ماركيزي.”
يبدو أن تلك العبارة أصابت وترًا حساسًا في قلبه العجوز.
فانتهزت اللحظة، وأجبرت عيني على الامتلاء بالدموع. لا بد أن البريق بدا مؤثرًا في عيني.
“آه، أسيليا… سأكون رقيقًا معكِ.”
ومن خلف الدموع المصطنعة، رأيت نافذة الغرفة تغرق في الظلام… لقد وصل البطل.
“أنا سعيدة لأن زوجي هو الماركيز الطيب.”
عانقت الماركيز وهمست في أذنه، وعيناي لم تفارقا النافذة التي بدأت تُفتح بهدوء.
“…
“…آه، ماركيز…”
تقابلت أعيننا.
ذلك البطل المجنون دخل بوضوحٍ لا يُغتفر.
نظرت إليه ببرود، وتكلمت بنبرةٍ عذبة:
“هل أنت سعيدٌ بزواجنا أيضًا، كاسيون ييغر؟”
من البطل المجنون إلى العجوز الخرف، كلّهم جنون.
تردّد الماركيز قليلًا عندما عانقته، مستمتعًا بادّعائي للخجل.
تمسّكت به بقوة، وأرسلت للبطل إشاراتٍ هستيرية بعيني.
أسرع! الآن!
“أتوسل إليك، أن تنظر إليّ بعين الرضا، ماركيز…”
“أسيـليا… آرغ—!”
استلّ البطل سيفه أخيرًا.
وعندما اخترق النصلُ جسد الماركيز وسط ضوء القمر، دفعتُ وجهه نحو الوسادة لأخنق صراخه.
عينا البطل الحمراوان، خلف القناع، اتسعتا.
لا تحدّق! استخدم ذراعيك، أيها الأحمق!
تخبّط الماركيز قليلًا، لكنه لم يلبث أن انهار فوقي كجثة بلا حياة.
“اترك يدي، أيها الغبي.”
مدّ البطل يده نحوي وكأنه يسحبني بعيدًا، لكنني رفضت.
راودتني فكرة مظلمة: هل ينوي قتلي أيضًا؟
لكن يبدو أن ما تبقى من شرف البطولة منعه من ذلك.
لم يوجّه سلاحه نحوي، بل تراجع بهدوء.
“أمامكِ عشر ثوانٍ.
اهرب. “
مسحت وجهي بدماء الماركيز لأبدو أكثر إثارةً للشفقة، ففهم البطل قصدي، واختفى من النافذة.
حان وقت عرضي المسرحي.
“كييييييياااااه!!
الماركيز!
يا ألهيّ!! الماركيز!!!”
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
2ⵌ
حتى في ذلك اليوم، لم أفقد إحساسي به.
ومع ذلك، فقد كنت أتمتع بموهبة فطرية في التمثيل.
يا للأسف، لا مكان لـ”مؤدية” في هذا العالم الذي يحكمه الذكور والعقود.
“هل أنتِ واثقة من أنكِ لم تري شيئًا؟ فكّري مليًّا… أم أنكِ كنتِ متواطئة في مقتل الماركيز؟”
ومع هذا، حين يتعلّق الأمر بالمال، تظهر دائمًا تلك العقول الباردة التي لا تتأثر حتى بأمهر العروض المسرحية.
“كيف تجرؤ على قول هذا… تنشج…
كيف لي أن أقتل زوجي! وفي ليلة زفافنا!”
في الواقع، ولكي أدرأ عن نفسي الشبهات، صرخت بأقصى صوتي وأنا مستلقية تحت جثمان الماركيز الغارق في دمه، حتى هرع كل من في القصر إلى المكان.
أولئك الذين شهدوا المشهد في ذلك اليوم، سرعان ما استبعدوني من قائمة المشتبه بهم، بعدما رأوني عاجزة عن النهوض، ممددة في وضع مُذل، وثوبي ممزق.
وعندما سُئلت عمّا إذا رأيت وجه القاتل، احمرّ وجهي وصمتُّ، متذرعة بأن الماركيز سقط أرضًا بينما كنت أغمض عيني خوفًا من تلك الليلة.
“أهمم… كنت فقط أتحقّق مجددًا، من باب الاحتياط.”
ورغم كل ما حدث، لم أستطع إخماد تلك النظرات المرتابة التي ما تزال تلمع في أعين بعضهم.
غير أن هناك من افتُتن بالأرملة الجميلة، التي أوشكت على مغادرة القصر ليس بالعار فحسب، بل معدومة الوفاض أيضًا.
حتى ثياب الحداد لم تستطع إخفاء ملامحي.
“لقد قالت إنها لم ترَ شيئًا.
هذا يبدو مشكوكًا فيه.
سيدتي، تبدين وكأنك على وشك الانهيار.”
اقترب رجل من أحد فروع العائلة الفرعية ومدّ ذراعه ليسندني، فاستندت إليه متظاهرة بالإغماء، ثم انخرطت في بكاء حارّ.
وبينما علت وجوه الحضور علامات الامتعاض، بدأنا نقترب من جوهر القضية.
“سيدتي؟ لا يمكننا قبول هذا! الماركيز توفي قبل أن تكتمل ليلة الزفاف!”
“إنها مجرد ابنة فيكونت! أعيدوها إلى حيث جاءت!”
بطبيعة الحال، كان من المفترض أن أُصبح ماركيزة منذ لحظة العقد، لكنهم رفضوا الاعتراف بذلك بشدة.
لم يكونوا على استعداد للتنازل حتى عن غرفة صغيرة أو فلسٍ واحد.
بل بدا لي أن حرمانهم لي من الإرث أهم من اتهامي بجريمة قتل.
ولأنني لم أرغب أصلًا في أن أُصبح ماركيزة، فقد فاجأني هذا الجشع الحقير أكثر مما أزعجني.
“صحيح أننا لا نستطيع اعتبار أسيليا كورنيل ماركيزة، لكننا نُدرك جيدًا ظروف ما حدث.
إنها ضحية كذلك.
علينا إظهار شيء من الاحترام لامرأة كادت أن تنضم إلى عائلتنا.”
اليد التي تظاهرت بحمايتي، والتي كانت تداعب كتفي بخفة، كانت لزجة ومقززة.
فتظاهرت بالإغماء مجددًا وسقطت أرضًا لأتفادى لمسها.
يا لهم من حمقى… سأهرب من هذا المكان.
“يا إلهي! استدعوا الطبيب فورًا!”
كان العزاء مشهدًا فوضويًا يكاد المرء يظن أن الماركيز سينهض من نعشه غضبًا.
—
“آه… لربما لا يجدر بي الدخول.”
لحسن الحظ، أنقذني الطبيب بادعائه أنني أغمي عليّ من وقع الصدمة، لا بسبب العياء.
لكن، وبما أن حالتي لم تكن خطيرة، فقد اضطررت إلى مغادرة قصر الماركيز فور انتهاء مراسم العزاء، وكأنني منفية.
وكان دفعهم أجرة العربة إلى منزل الفيكونت آخر مظاهر “كرمهم”.
“هل سينتفون شعري فور دخولي؟”
علمت بالصدفة أنهم لم يكتفوا بطردي، بل قصدوا منزل عائلتي في الصباح الباكر واستردوا المهر، مدّعين أن الزواج لم يتم، وأن لا حق لي فيه.
لابد أن وقع الخبر على عائلتي كان كالصاعقة، هم الذين ظنّوا أنهم عقدوا صفقة العمر ببيعي.
وغضبهم، لا شك، سيتجه ناحيتي.
ترجّلت من العربة ووقفت مطوّلًا أمام ذلك المنزل الباهت الذي حفظته عن ظهر قلب.
لم يكن هناك مناص.
طَرق… طَرق…
ولأتجنب أن تُنتف خصالاتي، ربطت شعري بإحكام ثم طرقت الباب.
سمعت خطوات مسرعة من الداخل.
أول من استخدم المال في توظيف الخدم… وتلك الخطوات لا بد أنها لأمي.
دويّ!
“ما الذي أخّركِ كل هذا الوقت! ادخلي بسرعة!”
“…؟”
تراجعت خطوة دون وعي حين فُتح الباب.
لكنني لم أُصفع، ولم يُجذب شعري.
بل أُمسكت يدي وسُحبت إلى الداخل.
“أمي؟ أبي؟”
“مضى وقت طويل منذ انتهاء العزاء وأنتِ الآن فقط تصلين؟ بطيئة كالعادة.”
“أخي… أنا آسفة.”
اقتادوني إلى المطبخ، حيث وجدت أفراد عائلتي يحدقون بي بعيون حمراء متحجرة.
لكنهم لم يصيحوا بي، بل رمقوني بنظرات غريبة، شبه مجنونة.
لم أفهم ما تغيّر، فتوسلت .
“…أنتِ لم تكوني السبب، أليس كذلك؟
اجلسي هنا.”
“عذرًا؟”
قال والدي وهو يشير إلى المقعد بجانبه، مبتسمًا برعشة خفيفة في زاوية فمه.
طوال حياتي في هذا المنزل، كنت أجلس في آخر المائدة أو آكل وحيدة.
والآن، يعرض علي الجلوس إلى جواره؟
“هيا.”
وقبل أن أفهم شيئًا، أمسكت أمي معصمي وأجلستني عنوة.
أمام والدي كان هناك خطاب مفتوح.
“أسيليا، أنتِ لم تقضي الليلة مع الماركيز،
أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“أجل، ابنتي عذراء طاهرة.
الحمدُلله.”
أومأ الجميع برضا وكأن صمتي اعتراف.
“أسرة الدوق أرفع شأنًا من أسرة الماركيز.
وهو بطل حرب، لا بد أنه يملك ثروة ضخمة.”
“يجب أن نعقد الزواج بسرعة قبل أن تبدأ الشائعات.”
“رائع! لنرسل الردّ على الفور.”
لم أشعر بالتهميش فحسب، بل تمنيت لو يشرح لي أحدهم ما يجري.
أمي، ووجهها متورد، انسحبت إلى غرفتها تصدر ضجيجًا كعادتها.
“ستحتفلين بزفافين في أسبوع واحد، أسيليا! أليست فرصة ارتداء فستان الزفاف مجددًا مبهجة؟”
“أنا لا أفهم، أخي.”
سخر أخي غير الشقيق من حيرتي.
لا يعلم أنني استعدت ذكريات حياتي السابقة خلال ليلة واحدة في قصر الماركيز.
لم أعد تلك الفتاة الخجولة.
وإن استمروا في تجاهلي، قد أصفع أحدهم دون تفكير.
“الدوق ييغر أرسل عرض زواج.”
“ماذا؟ أليس هذا خطابًا قديماً من قبل زفافي الأول؟”
“لا، وصل صباح اليوم.
يبدو أنه مطلع على كل ما حدث.
ظننته همجيًا، لكنه داهية بحق.
اذهبي إليه برضا، أسيليا.”
ناولني والدي الخطاب الذي أثار فضولي، بتاريخه الجديد وختم عائلة الدوق.
[ “الآنسة أسيليا كورنيل، أعلم أنكِ تمرين بظرف عصيب بعد الرحيل المفاجئ للماركيز.
أكتب إليكِ وأنا قلق على سلامتكِ، وأرغب، إن أذنتِ، ببناء رابط جديد بيننا، وأن أكون إلى جانبكِ لتخفيف مصابكِ.
أرجو المعذرة على اقتراح الزواج بهذه الطريقة، لكن للظروف أحكامها.”]
“لعلكِ تعلّمتِ من التجربة، أسيليا؟ هذه المرة، يجب أن يتم الزواج.
إن خسرنا الدوق، فسنفقد آخر فرصة للنجاة.”
“عزيزي، أنهيت كتابة الرد.”
وسط كل هذا الجنون، بدأت أتساءل إن كنت لا أزال أحلم.
أمي، التي عادت تحمل الرسالة، كانت تعض شفتيها غيظًا لعدم وجود خادم يُرسلها.
“صحيح، أسيليا! عليكِ أن تذهبي بنفسك.
واغتنمي الفرصة لرؤية زوجك الجديد.
سأُعيرك فستاني القديم.”
زوج جديد؟! مجرد الفكرة تُثير جنوني.
“لكن الدوق ييغر لم يحصل بعد على لقبه رسميًا!”
صرخت أخيرًا محتجة.
كاسيون ييغر…
بطل حرب من العامة، وذراع ولي العهد الثانية، سيئ السمعة بطباعه الوحشية.
كان حجر الأساس في استقرار الإمبراطورية.
وبعدها مُنح لقب دوق، وصعد كأمير ثانٍ في ترتيب العرش.
لكنه لم يحصل عليه إلا بشرط…
“ألن تُحل كل المشاكل إن تزوجته؟”
فاللقب مرهون بزواجه من نبيلة خلال عام، ويُقال إنه يقيم حاليًا في قصر متواضع بالعاصمة، بلا دوقية فعلية.
“ومع تدهور وضع عائلتنا، فنحن ما زلنا مؤهلين كفيكونت، ولهذا أُرسل الخطاب.”
أرسلوه وهم واثقون أنني لن أجرؤ على الرفض!
محاولاته الفاشلة للزواج من نبيلة كانت معروفة، إذ لم ترغب أيٌّ منهن في أن تكون زوجته الثانية.
إلى أن ظهرت أنا… أرملة، مفلسة، وفي أول يوم.
“لكن هذا غير لائق! الماركيز توفي قبل يومين فقط!”
“ولهذا علينا أن نتصرّف بسرعة قبل أن تندلع الشائعات! توقفي عن الاعتراض، بدّلي ملابسك، وسلمي الرسالة! هل غادر السائق؟”
حاولت التذرّع بالوفاء للماركيز، لكنها لم تكن سوى حيلة ساذجة.
ومع اقتراب زفافي الثاني، فكرت للحظة في الهرب، ببدء حياة جديدة.
لكنني أيقنت أن امرأة جميلة بلا مال أو سند، مصيرها أن تُسحق في الطرقات.
“السائق غادر.
سأبدّل ملابسي وأعود، لذا اطلبوا آخر.
هذا أقل ما يمكنكم فعله.”
“…لقد أصبحتِ وقحة.
لا تظهري هذه الوقاحة أمام الدوق.”
تفاجأوا قليلاً من نبرتي الجديدة، لكنها لم تردع جشعهم.
ولم تُصفع وجنتاي هذه المرة، فقط لأنني سأُرسل إلى حيث يريدون.
“لم أكن أتصور أن نلتقي مجددًا بهذه السرعة.”
لقد حان وقت لقائي مع قاتل زوجي السابق…
ووريث كل شيء.
لهذا سأقترح عليه أن نتزوج زواج عقدي.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
3ⵌ
“هل أُحضِر لكِ بعض الشاي، آنستي؟”
“أفضل شيئًا باردًا.”
حين وصلتُ إلى مقر إقامة الدوق حاملةً رسالتي، استقبلني كبير الخدم حافي القدمين – أو بالأحرى، مرتديًا جوارب فقط – ما دلّ على استعجاله في استقبالي دون أن يمنحه الوقت لانتعال حذائه.
قادني إلى غرفة الاستقبال، حيث عرض عليّ الشاي.
قال بهدوء: “سوف يصل الدوق بعد قليل، أرجو أن تتكرمي بالانتظار.”
“شكرًا لك.”
يبدو أن عدد الخدم هنا ضئيل، كما هو الحال في منزلنا.
غير أن الفرق بيننا واضح: في بيتنا، مردّ ذلك إلى الفقر، أما هنا، فلا بد من وجود سبب آخر.
وبما أنني طلبت شرابًا باردًا في وقتٍ لم يكن الطقس فيه حارًا بعد، ناولني كبير الخدم بطانية ناعمة وضعتها على ركبتيّ.
لم يغب عني وُدّه الملموس في نظرته.
أن تُقابل بالقبول خير من أن تواجه بالجفاء… لكن، أليس هذا الترحيب المفرط سهلًا أكثر مما ينبغي؟
“هل السبب هو وجهي؟”
صعبٌ أن تُبغض فتاةٌ بهذا الوجه، لكن لا شك أن هناك ما هو أعمق من الملامح الجميلة لتكون صاحبة الهيبة في بيت دوقي ناشئ.
كنت غارقةً في التفكير وأنا أتابع خروج كبير الخدم، أُعدّ كلماتي بعناية قبل ظهور الدوق.
ارتشفت جرعة سخية من الشاي البارد، وبدأت أُحصي في ذهني مطالبي، بندًا تلو الآخر.
“لم أشاهد سيدة نبيلة تشرب الشاي بهذه الطريقة من قبل.”
“وأنت آخر من يحق له التعليق.”
كان واقفًا عند الباب، يرمقني.
لا أعلم متى دخل، لكن حضوره لم يُعلَن.
جسده الطويل اتخذ هيئة متراخية لا تليق بنبلاء، فوضعت فنجاني بصوت مسموع ونهضت، إذ السيطرة منذ البداية أمرٌ حاسم في أي مفاوضة.
قلت بسخرية: “لو أنك أظهرت هذه الكفاءة يوم هجوم الماركيز…”
صمته لم يكن عجزًا بل تحوّلًا.
تلاشت ملامح اللامبالاة عن وجهه، وأغلق الباب خلفه وتقدم نحوي بخطوات رصينة.
ربما كانت تلك التصرفات المرتبكة جزءًا من “تخفيض مؤقت” في الشخصية بقرار من المؤلفة لأجل الحبكة؟ وإلا، فكيف لرجلٍ يتهاون بذلك الشكل أثناء الهجوم، أن يتسلل إليّ الآن دون أن أشعر؟
“إذًا، أنتِ تعلمين.”
“تلك العينان الحمراوان لا تُنسى.”
“عينيّ جميلتان، لا شك في ذلك.”
اقترب أكثر.
عيناك الدمويتان، اللتان يخشاهما الآخرون، بدتا لي كجواهر ياقوت، وإن رفضت أن أُقرّ بذلك.
رفعت ذقني بتعجرف، ونفخت بأنفي، مشيحةً ببصري عنه.
“الهجمات الغادرة لا تليق بي.
أفضل مواجهة الأعداء وجهًا لوجه.”
تقدّم نحوي كأنني خصم له، لكنني أعلم – كما يعلم هو – أن ما بيننا لعبة هيمنة لا أكثر.
لا نية له في إيذائي.
لكن… ألم تُوصَف شخصيته في الرواية بأنها “لطيفة” و”أشبه بالجراء”؟ لما يبدو أمامي الآن وكأنه معتوه؟ هل السبب أنني لست البطلة الأصلية؟
هل كان عليّ إنقاذه بدلًا من مهاجمته؟
“فكرة الزواج من دوق بلا هيبة ولا أتباع…
لا تبدو مغرية على الإطلاق.”
“ليس الأمر أن لا أتباع لدي، بل كلٌّ منهم منشغل بمهامه.”
“وذلك تحديدًا ما أعنيه بنقص الكفاءة.”
ارتبك، وأدار رأسه، كأن كلماتي أصابته في موضع لم يتوقعه.
أحسنتِ يا أسيليا… لقد كسبتِ هذه الجولة.
“إذًا، هل هذا رفض؟”
“قلتُ إنه مُرعب، ولم أقل إنني أرفض.”
حان وقت الجزرة بعد العصا.
“ما أعنيه هو أنني مستعدة لأُساعدك في إعادة ترتيب هذا البيت الدوقي… وأن أتعاون معك.”
مددت يدي، أمسكت بياقة سترته، وجذبته برفق نحو الطاولة.
تبعني دون مقاومة، وجلس قبالتي، ما يزال متحفّظًا، يتفحّص نواياي.
“لنعقد زواجًا بعقد مؤقت.”
“ماذا؟”
دخلت في صلب الموضوع مباشرة، وتمنيت لو أنني طلبت من كبير الخدم ورقةً وقلمًا مع الشاي.
بدأت أعدّ على أصابعي:
“أولًا، ينتهي زواجنا في اليوم الذي يُعلن فيه صاحب السمو الأمير الثاني وليًا للعهد.”
ضربة افتتاحية موجعة لرجل يُعرف بلقب “كلب الأمير الثاني”.
كما توقعت، تجهم وجهه عند سماع عبارة “زواج بعقد”، لكنه تجمّد عند ذكر الأمير.
“ثانيًا، سنُظهر للعامة أننا عشاق، لكننا لن ننجب وريثًا.”
“يبدو وكأنكِ تعلمتِ من زواجكِ السابق.”
“لا تقاطعني.”
أنا من يضع الشروط هنا.
“وعندما ينتهي العقد، تُمنحني أنا – الزوجة السابقة – مبلغًا ماليًا مناسبًا ومنزلًا للسكن.
لا يشترط أن يكون في العاصمة، بل حتى في ضواحيها.”
“هذا العقد يميل تمامًا لصالحكِ.
ما الذي سأجنيه أنا مقابل كل هذا؟”
الآن وصلت إلى النقطة الحاسمة.
في الواقع، لا خيار أمامي سوى هذا، من أجل البقاء.
لكن لا يجب أن أبدو يائسة، بل كمن لا يخسر شيئًا.
“أنت بحاجة إلى لقب دوق فعلي لتدعم الأمير الثاني، ولهذا يجب أن تتزوج فتاة من سلالة نبيلة، أليس كذلك؟”
“لا يوجد رجل غيري سيقبل بكِ.
امرأة نبيلة سقطت مكانتها، ومشتبه بها في جريمة قتل الماركيز.”
“بإمكاني ألّا أتزوج على الإطلاق.
وإن خفّضت معاييري قليلًا، فمن السهل أن أجذب أحد الأثرياء من العامة، بوجهي هذا.”
قلتُ بدلال، وأنا أزيح خصلات شعري الوردي عن وجهي.
صمت، ثم أشار لي أن أُكمل، وقد ابتلع الطُعم.
“لا بد أنك فقدت الكثير في ساحات القتال.
كما هاجمتَ الماركيز الداعم للأمير الأول، سيتربص بك آخرون بسبب ولائك للأمير الثاني.
الخطر لن يزول قريبًا.”
“أنتِ تعرفين الكثير، كما أرى.”
“ولهذا، لم تُبقِ أحدًا حولك… حتى لا تفقد المزيد ممن تحب.
إلى أن يصبح الأمير الثاني وليًا للعهد، سأكون إلى جانبك، أحمي هذا البيت كدوقة.”
“…”
“وعندما يتحقق ذلك، طلّقني، وتزوج من تحب.
حينها سيكون البيت الدوقي في مأمن.
في المقابل، أريد فقط مبلغًا مناسبًا، لا أكثر.
أليس هذا منطقيًا؟”
لقد كدت أفقد حياتي مرة، ومع أن ما أملكه من القصة الأصلية لا يتعدى اللمحات، إلا أنني واثقة من قدرتي على النجاة.
إنها مخاطرة تستحق التجربة بدلًا من أن أُلقى في الشوارع بلا شيء.
السؤال الآن: كيف سيتلقى العرض؟
“موافق.
هذا بسيط فعلًا.”
“!!”
“ومن رؤيتي لما جرى البارحة، يبدو أنكِ لا تموتين بسهولة.
وهذا يعجبني.”
أردت أن أعبس، فقد كنت قاب قوسين من الموت على يديه، لكنني تماسكت.
دون أن أشيح ببصري عنه، قرعت الجرس.
دخل كبير الخدم.
لكن الصوت لم يكن صوتي بل صوته هو من قال:
“أحضِر ورقة، ختمًا، قلمًا، وحبرًا.”
رمقنا الخادم بنظرة قلقة، إذ لم نبدُ كعروسين، بل كطرفين في معاهدة مصيرية.
ومع ذلك، أحضر ما طُلب.
“أنا الطرف الأول: أسيليا كورنيل.
والطرف الثاني: كاسيون ييغر.
وندخل بعقد زواجٍ مؤقت وفقًا للشروط التالية.”
“لقد مرّ زمن طويل منذ أملى عليّ أحدهم شيئًا.
لا داعي للقراءة، زوجتي.”
“أدر الورقة نحوي.
لا أريدك أن تُضيف بنودًا خفية.”
“يبدو أنني حصلت على زوجة شديدة الارتياب.
سمة ممتازة للبقاء.”
لكنه لم يُدر الورقة، فتجاوزته وجلست إلى جانبه لأراقب كل حرف يكتبه.
“هذا غامض جدًا.
يجب أن تكون البنود واضحة.”
“زوجتي، متى ترين أن يكون موعد الزفاف مناسبًا؟”
“المبلغ… فلنتركه فارغًا الآن.
الأفضل تحديده بنسبة، لأننا لا نعلم حجم إرث البيت الدوقي مستقبلًا.”
“أسيليا، جمالكِ يجعلكِ تتألقين في أي فستان. وذكاؤكِ يدرك أنه لا جدوى من تأجيل الحفل لأجل خياطة فستان خاص، أليس كذلك؟”
“لا تكتب: ‘لن ننجب وريثًا’، بل اكتب: ‘لن يمسّ أحدنا الآخر.’ هل تُدرك الفارق بين العبارتين؟”
فحصت العقد بعناية، والحبر بالكاد جف.
أضفت تعديلات، إلى أن اكتمل عقدٌ يُرضيني.
هذا جيد.
“الزفاف سيكون غدًا.”
“أنا سعيد للغاية.
يبدو أنني حصلت على دوقة مثالية.”
“لا تنسَ… إنه مؤقت.”
توهجت عيناي تحذيرًا، فضحك بصوتٍ عالٍ.
وبعد أربعة أيام فقط من زفافي الأول إلى الماركيز، ها أنا أتهيأ لزواجٍ جديد…
من دوقٍ مجنون، قتل زوجي السابق.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
4ⵌ
كان الزفاف فوضى عارمة بكل ما للكلمة من معنى.
“افتحي الباب! أسيليا، افتحي الآن!”
“يا دوق، ما الذي تفعله؟
لا يمكنني أن أُبارك مثل هذا الزواج!”
“آه، أنتم مزعجون جدًا… هيا، دعونا ننتهِ من هذا بسرعة.”
دفعت بالكاهن دفعًا لإتمام الطقوس، بينما كنت أرفع فستان الزفاف الثقيل الذي اشتريته على عجل وكأنه سيتدحرج عني في أية لحظة، استعدادًا لهذا الحدث البائس.
المراسم أُقيمت في كنيسة موصدة الأبواب، بحضور هزيل اقتصر على كبير خدم قصر الدوق، وعدد من الفرسان، والأمير الثاني.
أما عائلتي، فكانت تصرخ من الخارج.
“…هل أنتِ واثقة من قراركِ هذا؟”
“في زواج الحب، لا حاجة للمال، يا سموّ الدوق. يكفيني أنك بجانبي.”
ومع تصاعد الضوضاء خارجًا، عاد كاسيون ليسألني للمرة الثانية إن كنت جادّة.
فابتسمت له ابتسامة مضيئة، موحية بأن كل شيء على ما يرام.
وبدا عليه أنه استلطف الموقف، إذ لمّح على شفتيه أثر ابتسامة ساخرة.
في الحقيقة، لم أرد أن أقدّم لعائلتي المتلهفة للمال قرشًا واحدًا.
العائلة التي باعتني مرتين تحت مسمّى الزواج لا تستحق شيئًا.
لذا اقترحت إسقاط المهر، وأغلقنا أبواب الكنيسة بإحكام استعدادًا للعاصفة العائلية المرتقبة.
“إذًا، نصل للعهود الأخيرة… القبلة…”
قالها الكاهن بصوت مرتعش، واضح الارتباك من الهالة المتوترة.
بالكاد كنت أقف بثبات وسط فستاني الفضفاض وحذائي الضيق، فاجتذبت ياقة كاسيون وقبّلته.
أو لأكون أدق، اصطدمت أسناننا ببعض.
“حتى قُبَلاتكِ مليئة بالتحدي.”
“إنها انعكاس صادق لحبي.”
وعندما لم أعد قادرة على الثبات، قفزت فعليًا بين ذراعي كاسيون.
احتواني فورًا، ثم التفت إلى الحضور.
لا أحد صفق.
“أعرف مخرجًا خلفيًا في هذه الكنيسة.”
قال الأمير الثاني بهدوء أرستقراطي، مشيرًا إلى زاوية خلف المنبر، ودعانا للإلحاق به، فيما بقي الآخرون مذهولين في أماكنهم.
رغم أنني وافقت على مساعدته في صراعه على العرش، لم أكن أرتاح له تمامًا.
لكنه بدا مهذبًا، وربما متسليًا بما يجري.
لم يكتفِ بالحضور بل عرض أيضًا أن يدلّنا على المخرج الخلفي.
“هل لي أن أسأل، يا سمو الأمير، هل توجد عربة بانتظارنا هناك؟”
“تبدوان كعاشقين لا يمكن فصلهما، سأحرص على إحضار واحدة بنفسي.
لا تقلقي، يا دوقة.”
“هذا لطفٌ منك…”
ولم يكن لطفًا فقط، بل ضرورة.
لم أكن أقوى على المشي، ولو خرج الدوق حاملاً لي على الملأ، لتحوّل الأمر إلى مادة دسمة للنميمة.
ابتسم له الدوق امتنانًا.
“ظننت أنكما تتزوجان لاعتبارات محددة، لكن ما رأيته اليوم غيّر نظرتي.
أعتقد أنكما مناسبان تمامًا.
كصديق، أشعر بالارتياح.”
هل كان هذا مديحًا أم سخرية؟ لم أعرف، فاكتفيت بابتسامة رمادية.
ووصلت العربة بسرعة، مما أنقذنا من مزيد من الحرج أمام الأمير.
“آمل أن تزورا والدي رسميًا قريبًا.”
“بالطبع.”
“حينها، رجاءً، اختاروا ملابس تليق بالدوقة.”
“…كل شيء جرى بسرعة، كما تعلم…”
لكن الأمير لم يمنحني فرصة لتبرير الأمر، بل أغلق باب العربة بابتسامة باهتة.
حسنًا، إن كان فستاني يوشك على الانزلاق وحذائي يعذبني، فعلى الأقل ودّعني الأمير بنفسه.
“كم أن هذا مرهق… فلنعد إلى المنزل فورًا.”
ما إن جلست في العربة، حتى خلعت الحذاء والتقطت أنفاسي، متكئة بجسدي المتعب.
وحين انزلقت كتفاي من الفستان الفضفاض، تنهد الدوق وألقى عليّ عباءته بلا كلمة.
“حتى زفافكِ خارج عن المألوف.”
“إنه زواجي الثاني، تذكّر.”
في زفافي السابق، كنت مجرد دمية واقفة بلا روح. أما الآن، فلا يهم.
حتى تسريحة شعري سرّحتها لأتمكن من الاستناد براحة.
“كما قال الأمير، زواجنا يبدو كصفقة.”
“اتفق معكِ.”
“فكّرت أن نُعيد استثمار المهر، ونتصرّف وكأننا نعيش قصة حب عظيمة.
تمثيل أو لا، علينا إقناع الجميع.”
حاليًا، أي غريب يمكنه تمييز أن زواجنا خالٍ من العاطفة.
أنا لقيطة من عائلة نبيلة منحطة، وهو دوق جديد بلا نسب.
زواجنا بحاجة لحب مُفتعل.
“موافق.
أول ما سنفعله هو شراء ملابس لكِ.”
“لكن إياك أن تُصدم من جمالي حين أرتدي شيئًا يليق بي.”
إن كنت بهذا الجمال الآن، فكيف سأبدو حين أختار ملابس تليق بي فعلًا؟ رفعت رأسي باعتداد، فضحك برقة.
ثم قال:
“لم أكتشف كل أنحاء القصر بعد، لكن يبدو أنكِ لا تملكين شيئًا مناسبًا للارتداء، أليس كذلك؟”
“عندي زيّ الخدمة، على الأقل.”
“ذاك لا يُحتسب.
الجمال موهبة، ويجب استثماره.”
“هل تظنني جميلة؟”
“ألا ترغبين في مرآة؟”
بعينيه الحمراوين وشعره الأسود، له حضور قوي ووسامة صارخة.
جسد محارب تنطق عضلاته بقوته، حتى من تحت الثياب.
إنه رجل مثالي للعرض.
“لنبدأ موعدنا الأول إذن، ولْنذهب للتسوق.”
“هكذا؟ ألسنا بحاجة لشيء يليق بمتاجر النبلاء؟”
أمرت السائق بتغيير الوجهة، بينما بدا كاسيون متوترًا.
في الواقع، سبب زواجنا الحقيقي هو المكانة الاجتماعية.
لقّبوه بالدوق الوحشي، العنيف، المولع بالحروب.
رجل نبيل حديثًا، فلا عجب أن يكون قلقًا.
“ليس لديّ شيء آخر أرتديه.
وأنت؟”
“أنا أيضًا… ملابسي معظمها للقتال والحركة.”
“إذن فلنذهب كما نحن.
واترك ربطة العنق.”
حين اقتربنا من وسط المدينة، بدا كاسيون مرتبكًا وهو يعدل مظهره.
نزعت الزينة الرخيصة عن فستاني، وحوّلته لفستان أبيض بسيط.
أما الطرحة، فقد تخلّصت منها سابقًا.
“الثقة والمال هما الأساس.”
“المال؟”
“لا تُخفِ ما لا يمكن إخفاؤه، بل أظهر نقاطك القوية.”
“مثل ماذا؟”
“ألا تعرف؟”
رغم أني لم أحدد موقعًا للسائق، بدأ يُبطئ.
أطللت على المتاجر، قلّبت شعري بعناية ليبدو أكثر لمعانًا وأناقة.
“المال والجمال.”
“هاه.”
ضحك بخفة.
ثم تخلّى عن توتره، وعاد إلى طبيعته الواثقة، شبه المتغطرسة.
بالضبط كما أردت.
“ذلك المتجر يعجبني.”
أمرت العربة بالتوقف.
واجهته الزجاجية رائعة، كأنها خُلقت لعرض الجمال والحب.
كان فارغًا، ربما لأن النبلاء يفضلون الأماكن الخاصة.
“هل ترافقني، عزيزي؟”
“بكل سرور، عزيزتي.”
نزل أولًا، ثم أمسكت بيده.
لم أكن أرتدي القفازات الرديئة، فتلامست أيدينا مباشرة، وكان شعورًا لطيفًا على غير المتوقع.
طنين الجرس
“أوه، أهلًا وسهلًا.”
استقبلتنا صاحبة المتجر بدهشة. جلست على الأريكة بسرعة، متجاهلة ألم قدمي، وسحبت كاسيون بجانبي.
“الجو حار، أيمكننا بعض الشاي وكتيّب المنتجات، من فضلكِ؟”
“نعم طبعًا… لدينا مقاعد داخلية إن أردتم—”
“لا، هذه النافذة جميلة ومضيئة، سنجلس هنا.”
بدأت ألاحظ نظرات المارة من الخارج.
المتجر كان مثاليًا.
“لا تبدين كمن نشأت بين الترف، ومع ذلك تتصرفين كواحدة من كبار النبلاء.”
همس كاسيون، وهو يلف خصلة من شعري حول إصبعه.
هذا هو الرفاه الحقيقي.
“أنا أفعل ما أريد.
افعل الشيء نفسه، لا تهتم بآراء الآخرين.
اشترِ ما يعجبك، انظر لما يروقك.”
“ألن يعتبر هذا تصرّفًا مبتذلًا؟”
“أظهر مواطن القوة.”
“المال والجمال؟”
“أضف إليهما الثقة، ووقتها حتى لو حطمنا المتجر، سنبدو حيويين، لا مبتذلين.”
وصل الشاي والكتيّب.
شاي بالليمون والعسل بدا منعشًا، وآخر أسود. دفعت بالأول نحو كاسيون، وأخذت الثاني.
“الكتيب للنساء فقط.”
“هل تريدين الأحذية؟ الحقائب؟ الإكسسوارات؟
سأحضرها فورًا—”
“وملابس للرجال.
قدماي تؤلمانني، وأحتاج كل شيء هنا.”
“…حالًا!”
بدأت السيدة تدرك أننا زبائن من الطراز الرفيع.
“طعمه حلو.”
“طعم المال والسلطة.”
“أعني… الشاي.”
“تحب الأشياء الحلوة؟”
هززت كتفي وأنا أراقبها تعدو.
كان قد أنهى شرابه، يلعق شفتيه.
“لست متأكدًا.
تعودت على حصص الجنود وطعام الحانات، لا ذوق لي.”
“همم… أعجبك الشاي إذن؟”
“ليس سيئًا.”
إنه لا يفتقر إلى الذوق، بل لم يكتشفه بعد.
سأضيف زيارات الحلويات إلى جدولنا العاطفي.
وعندما عادت السيدة بكومة الكتيبات، بدا كاسيون مذهولًا، فقررت تولي المهمة.
أخذت كتيب الرجال أولًا.
“لنبدأ بك، عزيزي.
سأساعدك، أعلم أنك ستبدو رائعًا.”
اتكأت على كتفه وفتحت الصفحة.
فهم الإشارة فورًا وأمسك بالجانب الآخر.
رفعت خصلاته الطويلة قليلًا عن عينيه برقة.
“أريد ملابس تُظهر عينيك الحمراء المتألقة، عزيزي.”
ابتسم وقال:
“وأُفضل ملابس تريحني.
لا شيء يقيّد الحركة.”
“بالطبع، لنُظهر قوامك المذهل.”
وحين رأتنا السيدة نتصرف بعفوية ودفء، أسرعت لإحضار المزيد من الكتيبات.
“ماذا عن هذا الطقم؟ مزين بخيوط حريرية حمراء…”
وهكذا بدأت حفلتنا الباذخة… ولعبتنا الجديدة في التأنّق بكل فخامة.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
5ⵌ
“تشرفنا بمجيئكم أمل ان تعودوا قريبًا!”
حين خرجنا من المتجر، كانت نبرة السيدة مختلفة تمامًا عمّا كانت عليه في البداية.
بدأنا باختيار الملابس من الكتيب، ثم سرعان ما تحولت التجربة إلى لعبة تلبيس ممتعة.
وبما أن مظهرنا كان لافتًا، بدا أن كل قطعة نرتديها تليق بنا تمامًا.
لأن واجهة المتجر كانت زجاجية بالكامل، أصبحنا محط أنظار الجميع.
لم نكن مجرد زبائن، بل دمى عرض حقيقية جذبت الزبائن إلى المتجر الخالي سابقًا.
لكن من حاول لمس ما ارتديناه خلسة، لم يحالفه الحظ.
“هاه، لطالما رغبت في قول هذه الجملة مرة في حياتي.”
“شراء الملابس؟”
“كلا.
أن أقول: ‘سنأخذ كل شيء، رجاءً غلّفيه.’
تلك العبارة بالذات.”
“آه، فهمت.”
كنا نتنقل بين الملابس ونتبادل الآراء، وهو لم يكن مثل غيره من الرجال الذين يكتفون بالمراقبة.
كان يختار ملابسه وملابسي، ويُبدي رأيه بصراحة، مما جعل الأمر أكثر سهولة ومتعة.
“ألم يكن الأمر مرهقًا أو مملًا بالنسبة لك؟”
ارتدينا أكثر ما نال إعجابنا وراحة من المشتريات، ثم ركبنا العربة عائدين إلى مقر الدوقية، تاركين خلفنا الملابس الرسمية التي دخلنا بها.
كانت الأحذية التي اخترتها مريحة، رغم الجروح الصغيرة التي خلّفتها بكعبي.
“كان متعبًا… كأننا خرجنا من معركة.”
“لكن إن اعتبرناها معركة، فقد خرجنا منها منتصرين، أليس كذلك؟ غنمنا غنائم كثيرة.”
“لذا لا أشتكي. كانت تجربة جديدة.”
ابتسم كاسيون وهو ينظر إلى ملابسه الجديدة، وشعرت بالرضا لأنه أحبها.
في الواقع، التسوق معه بدا مناسبًا لي تمامًا.
وربما لأنه جديد على هذا النوع من التجارب، فقد بدا أن لديه ذوقًا جيدًا فعلًا.
“بالمناسبة، حين زرت الدوقية سابقًا، لم ألاحظ وجود الكثير من الخدم لترتيب الملابس؟”
“……”
“الملابس والأغراض ستُسلّم غدًا.”
“…… ربما كبير الخدم هو من سيتكفّل بترتيبها؟”
لم أرغب في أن يفرّ من المسؤولية، فهو الخادم الوحيد المتبقي لدينا.
وعندما حدّقت فيه بجدية، تهرّب من نظري.
يبدو أن النقص في الكوادر لم يكن مؤقتًا، بل واقع مستمر في الدوقية.
“دعنا نتولى ترتيب ما اشتريناه بأنفسنا.”
“لا مانع، لكن هل تستطيعين القيام بذلك النوع من الأعمال؟”
“ربما هذه أول مرة أشتري فيها كل هذا الكم من الملابس، لكنها ليست المرة الأولى التي أرتّب فيها خزانة.
كما تعلم، لم أُربَّ كفتاة مدللة.”
بدأت العربة تتباطأ تدريجيًا.
كنا قد اقتربنا من مقر الدوقية.
عدّلت من جلستي وأنا أتأمل المبنى الذي لم أزره إلا مرة واحدة.
“لو كنت تبحث عن زوجة راقية بحق، فابحث عنها بعد الطلاق.
لأنني لست تلك المرأة.”
“في الواقع… هذا أفضل بكثير.”
“على أي حال، بما أنني وعدت بالاهتمام بشؤون الدوقية إلى حين يصبح سموه وليًا للعهد، فعلينا أن نحسّن نظام التوظيف.
لا أظن أنك ترغب في أن تقوم زوجتك الحقيقية بترتيب الملابس لاحقًا.”
“طالما أن الأمر لا يتعلق بتوظيف الفرسان، فلا أمانع.”
“لن أتدخل في هذا الجانب.
هل هناك أمور أخرى عليّ أن أضعها في الحسبان؟”
“ليس كثيرًا… ولأكون صريحًا، لم يمضِ وقت طويل منذ تسلّمت اللقب والمنزل.”
اعترف بذلك بتردّد.
حتى بالنسبة لنبلاء جدد، بدا هذا مبالغًا فيه.
حين توقفت العربة، نزلت منها شاعرة بأن هناك الكثير من العمل بانتظاري.
كان كاسيون على وشك أن يمدّ ذراعه ليقدّمه لي، لكنني قفزت قبله من العربة، ما دُمنا لا نخضع لمراقبة أحد.
رأيت كبير الخدم، وهو أثمن موظف لدينا، يتقدّم لاستقبالنا.
“أهلًا بعودتكما.
سمعت أنكما ذهبتما إلى البوتيك بعد مراسم الزفاف مباشرة… لكن، أين الأمتعة؟”
هل يعقل أنه كان ينتظرنا منذ نهاية الحفل؟ كان يجب أن أترك له تعليمات مسبقة.
“ستصل غدًا.
ستكون كثيرة، لكنني سأتولى ترتيبها، لذا فقط دعها حيث تُوضع.”
“لا يجوز ذلك.
سأرتبها بنفسي.”
“…ستندم على هذا غدًا.
نصيحة.”
تجاهل كبير الخدم قائده وتبعني.
بدا شابًا على غير العادة في هذا المنصب.
“بالمناسبة، كاسيون، أنا زوجتك الآن.
ألا يجدر بك تقديمي بالشكل المناسب؟”
أشار بذقنه إلى الرجل خلفي:
“هذا بيرت شليفن.
استقطبته من فرقة المرتزقة التي عملتُ معها.
كان مسؤولًا عن الأعمال الورقية.
إنه ذكي للغاية.”
حدّق بيرت في كاسيون عند استخدامه لكلمة “هذا”، لكنه ابتسم برضا حين سُمّي بالذكي. الصدق يعجبه.
وأنا كذلك.
“كبير الخدم بيرت، أرجو أن نعمل بانسجام.”
“وأنا كذلك، سيدتي.”
مددت يدي، فارتبك وكاد يجمع بين الانحناء والمصافحة في آنٍ واحد.
ضحك كاسيون على المشهد.
“لنذهب إلى الداخل.
سأعرّفكِ بالبقية.
علينا إنهاء هذا قبل العشاء.”
“هل عدد الموظفين قليل إلى هذا الحد؟”
“أمم… فقط كبير الخدم وبعض الفرسان.”
إذًا لا أحد للاهتمام بالأعمال المنزلية.
لا حاجة للمرور عليهم واحدًا واحدًا.
الانطباع الأول هو الأهم.
وبما أن كبير الخدم جاء من فرقة مرتزقة، فأغلب الظن أن الفرسان كذلك.
“في هذه الحالة، اجمعهم جميعًا على مائدة العشاء.
علينا إقامة وليمة زفاف.
يوجد طاهٍ، أليس كذلك؟”
توقف كاسيون عن السير حين سمع كلامي، ثم أومأ وهو يبتسم وكأن الاقتراح راق له.
“أول شخص قمت بتوظيفه حين أصبحت دوقًا كان الطاهي.
أكره الشعور بالجوع.
إن لم يكن هناك ما يُعتمد عليه في هذا القصر سوى الطعام، فاعتبريه مضمونًا.”
“هذه أفضل بشارة سمعتها اليوم.
أكره الجوع أيضًا.
فقط ضمَن لي ثلاث وجبات يوميًا.”
“أنتِ نحيلة جدًا، هل تكفيكِ ثلاث وجبات؟”
“الثلاث وجبات هي الحد الأدنى.
ولا بد من وجبات خفيفة بينها.
ولا تتحدث عن أجساد الآخرين، أيها الخنزير العضلي.”
“خن…؟!”
تلعثم مصدومًا، بينما توجهت إلى غرفتي التي كان يرشدني إليها، ورأيت بيرت خلفنا يبتسم على اتساعه.
“سأستحم ريثما يُحضّر العشاء.”
“سيدتي، أعتذر…
لكن لم نعيّن خادمة لمساعدتك بعد…”
“أنا معتادة على الاستحمام بمفردي، فلا بأس. يوجد حمّام، أليس كذلك؟”
“آه، نعم! لدينا كل المستلزمات!
مع أنني لست واثقًا من أنها ستعجبكِ…”
“هذا كافٍ.
شكرًا لك، كبير الخدم.”
بدت عليه مشاعر الامتنان، وراح يرشدني بحماس إلى غرفتي.
أما كاسيون، فظل واقفًا يردد بذهول:
“خنزير عضلي… خنزير عضلي…”
وبصراحة، مع هذا الصدر، هو من يجب أن يرتدي حمّالة صدر،
لا أنا.
“ما رأيك؟”
“أوه… الأمر يفوق كل توقّعاتي.”
بعد أن أنهيت استعدادي، أدركت أن كل شيء قد تم إرساله إلى القصر باستثناء ما كنا نرتديه.
لم يكن لدي سوى خيار واحد: العودة لارتداء ملابسي القديمة.
فكرت للحظة في أن أعيد ارتداء الزي الذي ظهرتُ به أول مرة، علّه يثبت انطباعًا أوليًا صارمًا، لكنه لم يكن مريحًا.
وبما أن ملابسي القديمة نظيفة، ولو كانت بالية، فقد ارتديتها ونزلت إلى الطابق السفلي.
وما رأيته هناك… تجاوز كل تصوّراتي.
“ألم أقل لكِ ألا تقلقي بشأن الطعام؟”
قالها كاسيون بنبرة مفعمة بالثقة، وهو يرافقني نحو طاولة مستديرة أحاط بها الفرسان.
المائدة كانت تغصُّ بالطعام، في مشهد لا يتناسب أبدًا مع عدد الحاضرين القليل.
“أهلًا بقدومكِ، سيدتي!”
…هل هؤلاء هم الفرسان؟! كانوا أشبه بعصابة خرجت من حانة بعد معركة ناجحة.
كدتُ أصفق على أكتافهم قائلة:
“مرحبا يا شباب، كيف حالكم؟”
“تشرفت بلقائكم جميعًا.
أنا أسيليا.”
“يا للجمال، سيدتي!”
ضرب أحدهم الطاولة إعجابًا، بينما ظل كاسيون واقفًا يرمقني بابتسامة فخر، وكأنه يقول:
“أرأيتِ؟”
جلستُ متنهّدة بارتياح.
الحمد لله أنني لم أرتدِ شيئًا يقيّد كتفي، لأن هذا القصر… يحتاج إلى معجزة.
“حسنًا إذًا، نخب عائلة الدوق! ارفعوا كؤوسكم!”
…وأنا أيضًا، ميؤوس مني.
لذا، رفعت كأسي مثلهم، هاتفة، وعمّ الصمت لحظة… قبل أن تنفجر القاعة بالهتاف.
“لا تترددوا، كلوا بشهية!”
“سيدتي، أنتِ رائعة!”
“واو، حضرة الدوق… لقد أحسنتَ الاختيار.
كم هي نابضة بالحياة!”
كان كاسيون الوحيد الذي لم يرفع كأسه، وبدا كأن نظامه العاطفي انهار من كمية المزاح.
أما أنا، فقد أنهيت كأسي الأول في رشفة واحدة، ولوّحت به عاليًا.
“لمَ لا تأكل؟ هل بدأت حمية بعد أن نعتّك بخنزير عضلي؟”
“…أسيليا.”
“ما هذا الجفاء؟ نادِني بلقب دلع، خنزيري الصغير.”
“جسدي… طبيعي تمامًا!”
الفرسان انفجروا ضحكًا وهم يرون تعابير وجهه تتلوى من الإحراج.
جلس أخيرًا قبالتي، يطحن أسنانه، ويغرز شوكته بالخضار متجاهلًا اللحم… مسكين، هل يخشى أن ينقص حجمه فعلًا؟
“بالمناسبة… هل هذا هو كامل الطاقم؟”
“نعم.
أخبرتك من قبل، لم أوظف أحدًا سوى الفرسان وبيرت.”
“ولا فرسان في مهمات خارجية؟”
نظرتُ من حولي.
عددهم لا يتجاوز الثلاثين.
وجوههم توحي بالحنكة، لكن…
“الآن أفهم لمَ جئتَ بنفسك لهجوم قصر الماركيز.”
“أجل… أثناء الحرب، كان لدي كثير من الفرسان، لكن معظمهم كانوا أقرب للأمير مني.
عندما انتهت الحرب، اخترتُ أن يواصلوا حياتهم كفرسان للعائلة الملكية.
لم أرد لهم أن يرتبطوا بي… أو أن يُسحبوا إلى الخطوط الأمامية في وقت كهذا.”
رفع كأسه بابتسامة جانبية تخفي شيئًا أعمق. وبدأت أفهم.
لم يكن زواجي منه مجرد مسرحية.
بل كان وسيلة لكسب الوقت قبل أن يتزوج من يريدها فعلًا، حين تهدأ العاصفة.
رقيق أكثر مما يظهر.
أما هؤلاء الثلاثون، فهم من تمسكوا بالبقاء، رغمًا عن محاولاته لإبعادهم.
وفاؤهم له لم يكن عاديًا.
“……”
بعضهم رمقني بنظرات حذرة.
ربما يخشون أن يُقال لهم في أي لحظة.
لكن…
بيت الدوق ليس اسمًا فقط.
لا يمكنني أن أسمح له بالبقاء هكذا.
“قلتُ إنني لن أتدخل في شؤون الفرسان، لكن عددكم ضئيل جدًا.
لا يمكن إدارة بيت بأيدٍ قليلة.”
أدرت بصري نحو الفرسان.
رأيت في عيونهم ما يطابق ما في قلبي.
“أنا لا أشكك في كفاءتكم.
بل أقدّرها.
لكن نحتاج إلى عدد يكفي للحفاظ على استقرار هذا المكان.”
“صحيح! نحن نفتقر للعدد!”
“أنا جئت إلى هنا لأكون الرأس في بيت الدوق، لا ذيلًا في القصر الملكي.
أردت تأسيس مكاني هنا… لكنني لم أجد أحدًا أصلًا.”
“…هل نعتني الآن بالثعابين؟”
“لا تصطد في الماء العكر، تعرف جيدًا أنه لم يقصد ذلك.”
توتر الجو فجأة حين عبس كاسيون، لكنني أنا من أوقفه بنظرة.
وصمت الجميع.
“الفارس هنا ليس فقط من يرفع سيفًا.
بل من يخلق الأمان لمن حوله.
وهناك من يحب العمل في الظل، بعيدًا عن الشهرة… إن عرفنا كيف نعاملهم، يمكن أن يصبح هذا البيت من أفضل الأماكن في القارة.”
“……”
“لكن هذا لا يمكن أن يتحقق ما لم نوفر بيئة مناسبة وآمنة.
لن نستقطب أحدًا إن لم يشعروا بأنهم في أيدٍ محمية.”
“…كنتُ أنوي التوظيف، لكن انشغلت بأوامر الأمير.
ولم أجد أحدًا يلفت نظري.”
“نحن لا نبحث عن النخبة.
ابحث عن ذوي الأخلاق الحميدة.
الباقي سنتكفله نحن.”
كان يحاول التهرب، لكن قطعة اللحم بين الخضار خانته، فتجمد في مكانه.
وأنا اكتفيت بهز كتفي.
هو “شيطان القتل”،
بطل الحرب، لذا من الطبيعي أن تكون معاييره مرتفعة.
لكننا لا نريد جيشًا، بل بيتًا يمكن العيش فيه.
“أتمنى أن تتعجل في الأمر.
سأوظف الخدم، لكن إن لم يجدوا حراسًا يطمئنون إليهم، فلن يستقروا طويلًا.”
“حسنًا… سأسرّع في ذلك.”
نقطة البداية هنا صفر.
“نحتاج أيضًا إلى إعادة تأثيث القصر.
يبدو كأنه مشروع حكومي لم يُستكمل.”
“سأتولى الديكور؟… لا، الأفضل أن تتوليه أنتِ.
إن فعلتُ ذلك، سينتهي وكأنه ساحة تدريب.”
“لكنني رأيت ذوقك في الملابس، ولم يكن سيئًا.
لذا لا تخف.
سأعتني بالباقي.”
ارتجفت شفتاه بخفة وهو يمضغ الخضار، أما الفرسان… فقد تبادلوا نظرات غريبة.
…وهنا، ألقيت القنبلة.
“سأزور غرفتك الليلة.”
“؟!”
تجمد. توسعت عيناه، سقطت الشوكة، وسرعان ما حاول إخفاء قطعة اللحم التي كان يسرقها خلسة.
…المرح معه أسهل مما ظننت.
رفعت إصبعي، ولامست زاوية شفتيه بلطف، وكأنني أزيل أثرًا غير موجود.
“إنها ليلة زفافنا، عزيزي… كُن في انتظاري.”
ثم أغلقت فمه المفتوح بأطراف أصابعي.
لكن، للأسف…
المسافة لم تسعفني لإغلاق أفواه كل الفرسان المصدومين من حولنا.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
6
“لقد تزوجنا بالفعل،
فلماذا تغوص وحدك في تلك الخيالات الشهوانية؟”
“…بصراحة، ألم تكوني أنت من دبّر هذا منذ البداية؟”
“ما الذي تتحدث عنه تحديدًا؟”
اتسعت عيناي متظاهرة بالدهشة، وكأنني أجهل ما يرمي إليه، بينما كنت أنسّق وسائل التسلية التي جلبتها فوق الطاولة.
كان كاسيون ينتظرني وقد ارتسم عليه التوتر بوضوح، حين دخلت الغرفة وأنا أحمل بيدي بعض الألعاب الخفيفة ووجبات صغيرة، مرتدية بيجاما فضفاضة لا تتضمن أي عنصر إغراء قد يناسب ليلة الزفاف.
“كان منظرك برداء الحمّام مضحكًا للغاية، بالمناسبة.”
“كنت قد انتهيت من الاستحمام وارتديته فورًا بعده.”
أجاب بنبرة حادة وهو يطفئ الشموع المنتشرة في أرجاء الغرفة واحدة تلو الأخرى، ما عدا تلك التي تحيط بالطاولة.
ومع ذلك، فإن احمرار شحمتي أذنيه جرّده من أي وقار حاول التظاهر به.
ولمّا استعدت مشهد وقوفه كتمثال، مرتديًا رداء الحمّام، عاجزًا حتى عن الجلوس على السرير، انفجرت ضاحكة من جديد.
“يبدو أنك تستمتع بالأمر كثيرًا.
لنرَ ما إذا كنت ستضحك حين نبدأ اللعب.”
“ربما سأستمتع أكثر.”
فرك أذنيه المحمرتين، ثم التقط أول بطاقة من مجموعة الأوراق التي رتّبتها.
وبما أنه مرتزق سابق، لا شك في امتلاكه لمهارة لا بأس بها في ألعاب الورق، لكنني خصم لا يُستهان به.
“لا تندهشي كثيرًا من براعتي، حتى لا تنسي أن تردي الضربات.”
“هاه!
يمكنني التصدي لعشرة رجال بينما أتعامل معك.”
تمامًا كما اقتحم كاسيون زفافي السابق ليلة ارتباطي بالماركيز، ورد في الجزء المتأخر من الرواية الأصلية هجومٌ ليلي أثناء قضاء البطلة وقتًا معه.
ورغم أنني لست البطلة، ولم نصل إلى تلك المرحلة من القصة بعد، إلا أن الواقع يقول إن كاسيون الآن دوق متزوج حديثًا، ولهذا وافق على اقتراحي بالتدرّب على مواجهة الهجمات المحتملة.
“لكن اللعب وحده ممل.
ما رأيك أن نضيف رهانًا؟ من يفوز، يحصل على أمنية يطلبها من الآخر.”
“موافق.
لا تندمي على ذلك لاحقًا يا أسيليا.”
يبدو أنه ما يزال يحمل بعض التصورات النمطية عني كنبيلة مدللة، رغم أنه رآني أحتسي الخمر طوال الأمسية.
لكن بما أن استهانة الخصم فرصة للفوز، فلا بأس في استغلالها.
“إذًا، سأبدأ أنا.”
“افعلي ما تشائين.”
سأريك مهاراتي يا كاسيون.
لا تندم لاحقًا.
—
طرق.. طرق..
“يا صاحب السمو، سيدتي.. الإفطار جاهز.”
“اللعنة، سمعناك! كُفّ عن الإلحاح!”
“قلتَ إنك ستستيقظ منذ زمن!
أعلم أن هذا صباح ما بعد الزفاف، لكن ألا تعتقدان أنكما تأخرتما كثيرًا؟ هل سيدتي بخير؟”
أخفيت ضحكتي بكفّي حين سمعت كبير الخدم يتذمّر خلف الباب، غير قادر على الدخول.
هذه الجولة أيضًا من نصيبي.
“لقد جمعت عشر رموز أمنيات حتى الآن،
رقم جميل، أليس كذلك؟”
“تبًّا!”
رمى الأوراق التي تمسك بها طوال الجولة، عاجزًا عن تقبّل خسارته.
لحسن الحظ، لم يقع أي هجوم حقيقي.
لكن بدا أن أعصابه بدأت تنهار بعد سلسلة من الهزائم المتتالية.
نظرت إليه بعينين دامعتين من كثرة الضحك، بينما أصرّ على جولة إضافية رغم استغاثات كبير الخدم، وفكرت أنه لو حدث هجوم حقيقي فعلًا، لربما أصيب في هذه المرة.
“دعنا نستسلم، نحن مرهقَان وجائعَان.
سأذهب للاستحمام وتبديل ملابسي… آه، لا.”
ابتسمت بخفة وارتميت على سريره، أتمرغ بكسل. لقد قضيت الليل سهرًا، وهذا أجهدني.
“أنت، أحضر لي ملابسي.
سأستخدم هذا الحمّام، أشعر بالخمول.”
“ولمَ عليّ ذلك؟!”
“سأستخدم رمز أمنية.”
“هاه! على أمر تافه كهذا…”
“أوه، لدي الكثير منها، حتى أنني لا أعرف كيف أستهلكها جميعًا~”
خرج كاسيون من الغرفة بخطوات غاضبة.
كبير الخدم، الذي رآني ممددة على السرير بينما يغادر الدوق الغرفة بوجه محمّر، بدا أنه أساء فهم الموقف بالكامل.
“سيدتي، هل أنتم بخير؟”
“بالطبع.
هل بإمكانك ملء الحوض بالماء؟ أنا مرهقة وأحتاج إلى حمام دافئ.”
“بكل سرور، سيدتي! صاحب السمو!
إلى أين أنت ذاهب؟!”
“ماذا؟!”
“كان عليك حملها إلى الحمام!”
“هي من قالت إنها ستذهب بنفسها!”
راقبت كاسيون وهو يصيح خارجًا بوجه مرتبك، بينما هزّ كبير الخدم رأسه بأسى ونظر إليّ بشفقة.
أستطيع أن أخمّن فحوى سوء الفهم، لكن الحقيقة أبسط مما يظن.
“لا بأس، سأذهب بنفسي.”
“أعتذر يا سيدتي… سنقوم بتوظيف خادمات قريبًا… وسأتحدث مع صاحب السمو أيضًا.
الأمر ليس لأنه لا يبادلكم المشاعر، بل لأنه… خجول فحسب.”
“بالطبع.
أعلم أن كاسيون مغرم بي حتى الأعماق.”
ابتسمت بمكر، أحاول منع جفوني من الإغلاق.
“لقد كان مفعمًا بالعاطفة البارحة.”
احمرّ وجه كبير الخدم الطيب كليًا.
يبدو أن جميع من في هذا القصر يمكن إغاظتهم بسهولة، من السيد إلى خدمه.
“شكرًا على التحضير.
سأغتسل سريعًا وأنزل لتناول الإفطار.”
“لا شكر على واجب، سيدتي.
خذوا وقتكم كما تشاؤون.”
رغم أنني ارتديت بيجاما فضفاضة ولم تكن هناك أي آثار على جسدي، فقد بدا عليه الحرج حين نهضت من السرير، ثم انحنى وغادر.
“ليس بالأمر السيء.”
دخلت حمّام كاسيون وأنا أستمتع بشعور المنتصر. رغم مظهره كرجل قاسٍ، كان الحمّام أنيقًا ومرتبًا.
وأعجبني أنه خالٍ من الروائح الزهرية المنفّرة.
غسلت جسدي بعطر نظيف يشبه ذلك الذي يفوح منه، ثم غصت في الحوض الدافئ.
وبينما يغلبني النعاس، سمعت وقع خطوات خلف الباب.
هل عاد بهذه السرعة؟
“أسيليا! أحضرت ملابسك، ارتديها بنفسك!”
“شكرًا، عزيزي.
هل أحضرت الملابس الداخلية أيضًا؟”
“…اللعنة!”
يبدو أنه نسيها.
من الواضح أنه لم يخطط للأمر حتى نهايته.
ضحكت بهدوء وسط المياه، وأنا أسمع خطواته تبتعد مجددًا.
رغم مظهره المتجهّم، إلا أنه لا يختلف كثيرًا عن أي طيب القلب.
لكن هذه المرة، عاد أسرع من ذي قبل.
“…ها هي! ألا تخجلين؟ هذا… هذا…”
“ألسنا زوجين؟ شكرًا لك، عزيزي.
إن لم تكن ترغب في رؤيتي أبدّل ملابسي، فغادر أولًا.”
“أنتِ لا تُحتملين.”
رغم رغبتي في البقاء أطول في الماء، فقد قيل إن الفطور جاهز، ومن الأفضل النزول قبل أن يبرد.
كما أن عليّ التوقف عن مضايقته، إذ قضى الليل بأكمله متوترًا، ولو واصلت مضايقته صباحًا، سينفجر حتمًا.
خرجت من الحمّام وأنا ملفوفة بمنشفة، أصغي إلى صوت خطواته وهو يغادر.
وعلى السرير، رأيت الملابس مطوية بعناية.
“همم.”
بحثت بين الملابس، فوجدت الملابس الداخلية مخفية تحت البقية كما لو كانت شيئًا محرّجًا. ضحكت مجددًا.
حتى أنها لم تكن ملابس مغرية، ومع ذلك بدا وكأنه خائف من لمسها.
“يبدو أن الشائعات ليست دقيقة.”
بخلاف الأقاويل عن كونه دوقًا دمويًا من أصول متواضعة، فقد انتشرت كذلك شائعات عن كونه زير نساء.
لكن يبدو أن كل هذا مجرد وهم ناتج عن صعوده المفاجئ، أما في الواقع، فهو رجل يجيد التظاهر بالقسوة لا أكثر.
“كان مضحكًا أثناء اللعب أيضًا.”
في البداية، كان يرتبك من أبسط لمسة، لكن حين بدأت الهزائم تتوالى، نسي الحرج تمامًا.
ضحكت وأنا أتخيله يركض وهو يحمل الملابس الداخلية بأطراف أصابعه، يخفيها كأنها شيء محرّم.
ورغم بساطة الملابس وقدِمها، فقد اختار أفضلها من بين المتاح، وكانت سهلة لدرجة أنني لم أحتج إلى مساعدة أحد.
“آسفة على التأخير… أوه.”
كان الإفطار متكاملًا ومغذيًا.
وهذه المرة، استقبلني كاسيون بوجه محمّر لسبب آخر، بينما الطاهي يقدّم الطعام بكل فخر.
“سيدتي! أعلم أن الأكل صباحًا ليس سهلاً، لكن عليكم تناول كل شيء.
لا بد أن تتناولي جيدًا حتى لا تمرضي!”
“أوه… شكرًا لك.
سأحرص على ذلك.”
ابتلعت ريقي وأنا أبتسم بخجل مصطنع.
وكأنني لا أستطيع الأكل؟ لقد سهرنا الليل كله، وأنا أتضور جوعًا.
“من يأكل… هذا النوع من الطعام صباحًا؟!”
“ولِم لا؟ لقد أُعدّ بعناية.
عليك أنت أيضًا أن تأكل، عزيزي، وإلا ستصاب بالمرض.”
ومنذ ذلك اليوم، بدأت منافسة صامتة بين الطاهي الذي يرى أن الدوق يعاني من ضعف بدني، وكبير الخدم الذي يعتقد أن السيدة تُرهق بسبب زوجها.
ويبدو أن كاسيون سمع بهذه الشائعات، لكنه لم يكن قادرًا على الدفاع عن نفسه، فاكتفى بطحن أسنانه.
ومع كل ذلك، لم يتمكن من التوقف عن ممارسة اللعب الليلي للتدرّب على الهجمات المباغتة، حتى حلّ اليوم الرابع، وبدا عليّ الشحوب وتورّمت عيناي رغم النوم نهارًا، مما رجّح كفة كبير الخدم في النقاش.
وعندها… ظهر القاتل أخيرًا.
“بسبب هذا اللعين!”
وانفجر غضب كاسيون أخيرًا.
كان على وشك هزيمتي، بعدما بدأ يفهم قواعد اللعبة.
“يا للأسف.”
لكن عندما أوقفت القاتل الذي تصدى له كاسيون، انقلبت الطاولة وتناثرت أوراق اللعب.
“لكن بدءًا من الغد، لن نضطر للسهر طوال الليل للعب، أليس كذلك؟”
كانت ليلة ربحت فيها ثلاثين رمز أمنية.
وكانت ممتعة على نحو لا يُصدّق.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
7ⵌ
“سيدتي، لم تعودي بحاجة للقلق بعد الآن.”
كان أفراد قصر الدوق يظنون أنني أقيم في غرفة منفصلة عن كاسيون بسبب الرعب الذي أصابني بعد حادثة الكمين.
والواقع أن السبب مختلف تمامًا، لكن تزامن الأمر مع ما حدث جعل الكذبة تبدو منطقية.
ولأن كاسيون كان يتنقّل في أرجاء القصر بملامح عابسة وحاجبين معقودين إثر خسارته الفرصة الوحيدة التي كانت كفيلة بمنحه الأفضلية، راجت شائعة مفادها أنه هو من اختار الابتعاد والنوم في غرفة مستقلة، بدافع الغضب والانزعاج.
وقد استشعر الفرسان أساه، فشرعوا يُخضعون المجندين الجدد لتدريبات صارمة، يكاد يُشمّ منها رائحة العقاب لا التمرين.
فقلت مبتسمة بلطف:
“أُقدّر حماسكم، لكن رجاءً… لا تُثقل على الفرسان الجدد.”
فردّ أحدهم بحماسة متقدة:
“أبدًا! لا بد أن نكون حازمين منذ البداية!”
وكما اعتدت، اكتفيت بابتسامة رقيقة، وأضفت بثقة أنني أضع ثقتي الكاملة بهم، ثم مضيت في طريقي.
على غرار كاسيون الذي انشغل بتوظيف فرسان جدد، كنت أنا الأخرى غارقة في مقابلات التوظيف، بهدف تعزيز الطاقم الخدمي في القصر.
“آه…
ليتني طلبت استمارات تقديم بدلًا من خطابات التوصية.”
الخدم الذين يتفاخرون عادةً بخدمة النبلاء ذوي المكانة العريقة، كانوا يترددون في الالتحاق بمنزل الدوق الذي لطالما وُصف بأنه حديث النعمة، وسيده سيّئ الطبع.
لذا، ولجذب المتقدمين، قدمت عرضين غير مسبوقين:
أجور عالية مضمونة، والاستغناء عن خطابات التوصية.
صحيح أن خطابات التوصية تُعدّ أداة مهمة لفهم طبيعة الخادم وخلقه، غير أن كثيرين من الأكفاء فقدوا وظائفهم لأسباب واهية، فقط لأنهم لم يروقوا لمزاج أحد النبلاء.
كانت تلك محاولتي لاكتشاف أولئك “الماس الخام” وسط الركام، لكن بما أن الخطوة تنطوي على مخاطرة، قررت أن أجري المقابلات بنفسي مع كل متقدم على حدة.
وبمجرد إعلان تلك الشروط، تدفق المتقدمون إلى القصر كما يتهافت النحل على الزهر، بعد أن كان لا يزوره إلا صمت الريح.
في صباح اليوم التالي، كان عدد المتقدمين كبيرًا لدرجة أن كاسيون كاد يشهر سيفه ظنًا أن شيئًا خطيرًا يحدث.
قال كبير الخدم بلطف وهو يقدّم لي كأسًا من الشاي المثلّج: “لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا يا سيدتي، أعددت لكِ شرابًا باردًا كما تحبين.”
“شكرًا لك.”
استغللت الوقت الفاصل بين المقابلات لتفقّد تدريبات الفرسان، ثم عدت لأرتاح قليلاً، وكان الشاي البارد في انتظاري.
شربته دفعة واحدة، ثم ارتميت على المقعد بأنفاس مثقلة، أحدق في الفراغ.
“ليتني طلبت استمارات تقديم بدلًا من خطابات التوصية…”
لكن المشكلة أن معظم الخدم والعمال البسطاء لا يجيدون القراءة ولا الكتابة.
وأنا مرهقة من إجراء المقابلات منذ ما بعد الإفطار وحتى مغيب الشمس.
“قلتُ لكِ أن تخففي من الضغط على نفسك.”
“كاسيون…”
ذلك الرجل، باستثناء ليلة الكمين، لا يتوقف عن التسلل إلى مكاني بهدوء.
بل بدأت أضيق ذرعًا من نفسي لأني بدأت أعتاد وجوده.
نظرت إليه، فهزّ لسانه بضيق.
“ارتاحي اليوم.
لقد صرفتُ المتقدمين.”
“ماذا؟! كانت لدينا مواعيد محددة، كيف تُعيدهم؟!”
“حتى نُقصي من يفتقرون إلى الإصرار ولا يعودون لمجرد أن رُفضوا مرة.”
لكن…!
رغم ما أحمله من ذكريات حياة سابقة، لم أستسغ فكرة أن يُطلب من أشخاص عادوا بناءً على موعد مُسبق أن يرحلوا لمجرد مزاجنا، أياً كانت مكانتنا الاجتماعية.
قفزتُ نحو النافذة، وبالفعل رأيتهم يغادرون بخطى متثاقلة.
“لماذا لم تُعلمني مسبقًا؟!”
“لأنك كنت سترفضين، أليس كذلك؟ ثم إنني لم أرَ أنك بحاجة ماسّة لخادمات يخدمنك.”
رمقني بنظرة فاحصة، يتأمل شعري المصفف بعناية وثوبي الذي اخترته بعناية ليعكس بعض الوقار.
لطالما تصرفت بتلقائية في حضوره منذ لقائنا الأول الكارثي، لكن في مقابلات التوظيف، كنت بحاجة إلى هيبة، لذا اعتنيت بمظهري.
قال ساخرًا:
“الهالات تحت عينيكِ صارت أغمق من ليالي السهر.
ومع انتشار شائعات تقول إن الدوق المجنون يُعذب عروسه الجديدة، هل تظنين أن المتقدمين المؤهلين سيتحمسون للمجيء؟”
“هل الشائعات وصلت إلى الخارج؟ غريب، أنا لم أغادر القصر إطلاقًا.”
“لا أقصد شائعة حديثة.
بل هذا هو الانطباع العام.
سمعتي لا تتعدى هذا المستوى.
أما أنتِ…”
“ماذا عني؟”
“أنتِ… تبدين مؤهلة وجميلة.”
لكن كيف تسربت تلك الشائعات وأنا لم أغادر القصر سوى مرة واحدة يوم زفافي؟
كنت واثقة أننا مثّلنا الدور بإتقان.
عبست، وتساءلت في داخلي إن كان بعض المتقدمين قد نشروا الأحاديث.
لكنه اكتفى بهز كتفيه.
يبدو أن ثقته بنفسه أوهن مما توقعت.
أكاد أتخيل كم سمع من كلمات مُهينة في طريقه للوصول إلى مكانته الحالية.
“صحيح أنني أبدو كـ’جميلة مثيرة للشفقة’، لكن سمعتك ليست سيئة كما تعتقد.
أنت بطل الحرب، والجماهير تُعجب بك.”
“لست بحاجة للمجاملات.”
“لست أجاملك.
كثير من المتقدمين جاؤوا لأنهم يُكنّون لك الإعجاب.”
“…حقًا؟”
“بالطبع.
وسأوظف هؤلاء.
المهارة مهمة، نعم، لكن الناس يتعلمون العمل مع الوقت.
لا أبحث عن الكمال، بل أهتم بمواقفهم تجاهك، وأخلاقهم.
لهذا السبب أعتمد على المقابلات الشخصية.”
وهذا ما يجعل المهمة مُرهقة.
يمكن لأي شخص تقييم مهارة تنظيف الفضة أو أسماء النبلاء الذين خدمهم أحدهم، لكن من الصعب تمييز النوايا الخفية.
“لكن، إن لم يكونوا ماهرين من البداية، ألن يسببوا لكِ المتاعب؟”
“أنا مجرد زوجة مؤقتة.
ما نحتاجه هم أشخاص مخلصون لبيت الدوق على المدى الطويل، حتى لو افتقدوا للكفاءة الآن.
وكما كنتَ دقيقًا في اختيار فرسانك، لدي أنا أيضًا معاييري.”
“…همم.”
“لذا، رجاءً… لا تتصرف من تلقاء نفسك وتطرد المتقدمين دون إعلامي.
كما أنني لا أفضّل التابعين الذين يفرطون في الطاعة.
التابع الحقيقي هو من يعرف متى يوافق ومتى يعترض، وهذا وحده كفيل بخدمة سيده بحق.”
وإن كان بين أولئك الذين طردهم شخص جدير، من ظنّ أن سيد هذا القصر لا يحترم كلمته، فقد أضطر في النهاية إلى شدّ شعره الحريري الأملس.
لكن… لا بأس.
طالما فعل ذلك بدافع القلق عليّ.
ثم إن الخسارة، في النهاية، ستكون عليه، لا عليّ.
“…أنتِ مجتهدة للغاية.”
اقترب مني بملامح لا تُقرأ، وجلس بجانبي.
اكتفيتُ بالنظر إليه دون تغيير وضعيتي المسترخية.
“أنا لا أتهاون في العقود.
وإن رأيتني أعمل بجد، فلا مانع لدي أن ترفع نسبتي في الاتفاق.”
في الحقيقة، جزء كبير من الدافع داخلي، فأنا لا أرتاح ما لم أتمّم أي مهمة كما يجب.
لكن لا ضرورة لقول ذلك الآن.
أشرت بأصابعي بحركة دائرية تشير إلى المال، فابتسم واحتسى ما تبقى من شايّ المثلج.
“لماذا تكثرين من المشروبات الباردة؟ ألا تخشين ألم المعدة؟”
“أنا امرأة مشتعلة الحماسة.”
أدرت وجهي عنه بينما كانت ملامحه تنكمش قليلًا، وأجبت جوابًا عابرًا، ثم بدأت أفك تسريحة شعري المحكمة.
لقد انتهى اليوم، والمتقدمون رحلوا، وحان وقت الراحة.
لكن فجأة…
“سيدتي… وصل الآن متقدم لوظيفة البستاني.
هل نُعيده أيضًا؟”
“هاه؟”
ما إن قررت أن أرتاح حتى ظهر أمر جديد!
عادةً ما يصطف المتقدمون بعد الظهر، فهل ظنّ هذا أن خلو المكان فرصة له؟
“كان عليك إخباره أن المقابلات انتهت.
أعِد أي شخص آخر يأتي.
لقد أوشك وقت العشاء، ولا أحد يتقدم لوظيفة في مثل هذا الوقت إن كان سليم العقل.”
“لا، سألتقي بهذا الأخير بنفسي.
نحن في حاجة ماسة إلى بستاني بشكل عاجل.”
عبس كاسيون مستاءً، لكنني نهضت، أُعيد ترتيب فستاني المبعثر بعناية.
بالنسبة له، الذي لم يُمنح بعد أي إقطاعية، ويقتصر ملكه على هذا القصر الدوقي الفخم، لا يوجد أفضل من القصر نفسه ليُظهر من خلاله قوته ونفوذه.
قبل أن نبدأ بدعوة النبلاء بشكل رسمي، وجب علينا أن نُعنى بالحديقة سريعًا، لكن التقدم كان بطيئًا بسبب عدم توظيف يد مساعدة للبستاني المتمرس الحالي.
“أمره أن ينتظر عند مدخل الحديقة، لا تسمح له بالصعود.
سأذهب إليه بنفسي، فلا بد من اختبار مهاراته.”
انحنى كبير الخدم احترامًا وغادر، بينما كاسيون، رغم تردده الواضح، لم يمانع ذهابي، ربما لأن كلامه السابق كان كافياً.
قال وهو ينقر بلسانه:
“لا تتأخري على العشاء.”
“هل رأيتني أتأخر عن الطعام من قبل؟ أنا متأكدة أن مأدبة اليوم ستكون شهية كالعادة.”
ابتسمت له، وندمت في قرارة نفسي على أنني فككت تسريحة شعري.
فمن بين جميع الأقسام في هذا القصر، المطبخ وحده لا يحتاج إلى تغيير بين طاقم العمل.
فريق الطهاة هنا متقن، ومنذ زفافي وأنا أستمتع بطعام يرضي الذوق ويشبع الروح.
وبما أنني لن أُرى، أسرعت بالنزول عبر الدرج، لكنني هدأت خطواتي عند مدخل الحديقة، متظاهرة بالوقار، وأخذت أبحث عن المتقدم للمقابلة.
رأيت البستاني الحالي إلى جانب شاب يبدو هو المتقدم.
كان ظهره متجهًا نحو الغروب، يعتمر قبعة قش واسعة تحجب ملامحه.
برغم انفتاحي وتحليلي للأمور بعقلانية، لم أجد من اللائق أن يحضر المرء مقابلة دون خلع قبعته.
كانت بداية سيئة.
“تحية طيبة، سيدتي.
اسمي هوكينز، أود التقدم لوظيفة مساعد بستاني.”
نقطة سلبية أخرى… صوته منخفض جدًا، كأنه يخشى أن يسمعه أحد!
سألته بهدوء:
“حسنًا، ماذا عن مهاراتك؟”
دخل البستاني الحالي قائلاً، ووجهه يعكس حيرة واضحة:
“سيدتي، حين طلبت منه أن يُظهر مهاراته، أخبرني أنه يخاف أن يقطع أشجارًا مزهرة جميلة، وطلب أن يجرب في الحديقة الخلفية، لذلك لم نتمكن من تقييمه حتى الآن.”
كان تعبير وجه البستاني يقول بوضوح:
هذا المبتدئ لا يصلح.
رغم الانزعاج الذي بدا على وجه كاسيون، جئت للمقابلة، لكن بدا أن هذا الشخص غير مناسب، فكرت في إنهائها بسرعة، ثم قلت:
“إذن، اتبعني من هنا.”
لم أرغب في طرده دون منحه فرصة.
قدتهما إلى الحديقة الخلفية، حيث النباتات تنمو بطريقة فوضوية، وحيث لن يلحظ أحد لو أخطأ في القص.
“هوكينز، أليس كذلك؟ هنا-“
طعنة!
حين استدرت، رأيت البستاني ممددًا على الأرض، والرجل الآخر يرفع أداة بستنة ثقيلة خلف ظهره!
مع إدراكي للخدعة، شعرت بألم حاد في صدغي، وغمرني ضوء الغروب الأحمر حتى طغى على بصري، ثم عمّ الظلام.
—
“آه…!”
سقف مألوف.
نعم، سقف غرفتي القديمة التي عشت فيها قبل الزواج من كاسيون.
لا مجال للخطأ.
“…هل يمكنني اعتبار هذا حظًا؟”
وضعت يدي على صدغي النابض، وكان أثر الدم الجاف واضحًا.
آخر ما تذكرت قبل فقدان الوعي أن هذا اعتداء من جهة الأمير الأول تستهدف كاسيون.
لكنني الآن محتجزة في منزل عائلتي.
“هل السبب هو المال؟”
كنت أترقب مواجهتهم في وقت ما، لكن لم يخطر ببالي أنهم سيخطفونني فعلاً.
وأنا ابنتهم، كيف يلجؤون لهذا العنف؟
“الوقت… لم يمضِ طويلاً.”
الغرفة بلا نوافذ، تشبه مخزنًا، ولم أتمكن من تقدير الوقت.
شعرت أني قد غفوت لفترة قصيرة، أقل من يوم، لكن دون يقين.
تدحرجت عن السرير، وضعت أذني على الباب.
كانت يداي مقيدتين خلف ظهري، لكن ساقي حرتان، والغرفة ليست محصنة بشدة، مما منحني أملاً.
“الدوق… الآن…”
“لا نعلم… حتى الآن…”
كانت الأصوات مألوفة تصل من وراء الباب الرقيق. يتحدثون بحماسة دون خفض الصوت.
هل ارتكبوا هذا العمل اليائس بلا خطة لاحقة؟ بيتنا، عائلة الفيكونت، على شفا الإفلاس.
ربما أنفقوا كل ما تبقى لديهم لاختطافي.
“هاه… لست أسيليا التي عرفوها.”
كان من الطبيعي أن يروني فتاة خاضعة، عاشرت التسامح 19 عامًا.
لكنني تغيرت الآن، تغيرًا جذريًا.
كان عليهم أن يكونوا ممتنين لأنني تركتهم بهدوء دون طلب شيء!
بدأت أتفقد الغرفة المظلمة المألوفة.
هناك، قرب السرير…
“آه، هذا هو.”
وجدت اللوح الخشبي المشقوق الذي كنت أجرح قدمي عليه.
أزحت القماش القديم، ولمست اللوح، فوخزت أصابعي.
“آه، مؤلم…”
كانت يداي مقيدتين بحبل خشن، ومع أنني جربت عدة نقاط في كفي، تعودت تدريجيًا على استخدام الحواف الحادة للوح.
وبعد محاولات قليلة.
طقطق!
انقطع الحبل.
“حسنًا.”
حرّكت كتفي المتيبستين للأمام، وفتشت الغرفة بحثًا عن أي شيء يصلح كسلاح.
لم يكن هناك سوى فستان رث، منديل للرأس، مشط نصف دائري، علبة صفيح مليئة ببعض الأدوات المتناثرة… لا شيء حاد، حتى بروش بسيط مفقود!
“حقًا… نشأت في فقر مدقع.”
بعد أن فقدت أملي في إيجاد سلاح، عدت إلى اللوح الخشبي.
لا خيار سوى نزعه.
صرير… تشقق…
بالرغم من أن بإمكاني التظاهر بالإغماء ثم مفاجأتهم، إلا أنني لم أرغب بمواجهة ثلاثة أشخاص بلا سلاح.
لففت قطعة القماش حول جزء من اللوح المرفوع، أمسكت به بقوة، ثبّت قدمي، وسحبت بكل قوتي.
بدأت الدماء تسيل من كفي، لكنني كنت أعلم أن ترك اللوح الآن سيؤدي إلى ارتداده بصوت مدوٍ.
تمزق!
“…!”
بجهد إضافي، انفصل اللوح أخيرًا، لكنه أحدث صوتًا مرتفعًا.
تجمدت، أمسك بالقطعة الخشبية الممزقة، وأحبس أنفاسي، أتنصت بحذر…
“ألم تسمع صوتًا يصدر من غرفة أسيليا؟”
“ماذا؟”
“لا… أنا متأكد أنني سمعت شيئًا…”
اللعنة. يبدو أن الصوت قد وصل إلى الخارج.
أخذت الأصوات تزداد وضوحًا، وشعرت بخطى تقترب من الباب.
حسنًا، بما أنني صرت أمتلك سلاحًا، فالأجدر بي أن أتهيأ للمعركة.
نقرة.
كان صوت فك قفل الباب.
وقفت خلفه مباشرة، ممسكة بقبضة اللوح الخشبي الملفوف بالقماش، وأخذت نفسًا عميقًا.
دَفعة –
“هل أنتِ مستيقظة… أوهغ!”
أول من دخل كان أخي غير الشقيق، بارمينون.
لطالما رغبت في تحطيم ذلك الوجه المغرور.
وجهت ضربة قوية إلى رأسه مستخدمة اللوح الخشبي بكل ما أوتيت من قوة، ثم تجاوزت والدتي التي كانت تلحق به، وانطلقت خارج الغرفة.
“كيييااه! تلك الفتاة!”
كما توقعت، لم يكن هناك أي مرتزقة أو حراس في الخارج.
يبدو أنهم لم يملكوا المال لتوظيف حراس، وقد غادر الخاطف بالفعل.
بهذا الوضع، قد أتمكن من الهروب بسلاسة…
“آآه!”
لكن بينما ظننت أن الأمور أسهل مما ينبغي، باغتني والدي بالإمساك بشعري.
يا لغبائي، كان علي أن أربطه قبل الخروج.
ضربة –
“يا لكِ من ناكرة للجميل! تُحدثين فوضى بعد كل ما بذلناه من أجلك؟!”
بألم يشبه اقتلاع فروة رأسي، سُحبت إلى الوراء ورُميت قرب مائدة الطعام.
هرع والدي نحوي، يلهث، وركلني بقوة.
“أيتها الحقيرة! أيتها الجاحدة! ألم يكن من واجبك إرسال المال إذا تزوجتِ؟! تغلقين قاعة الزفاف علينا؟!”
استطعت صد الركلة الأولى بتحريك اللوح الخشبي، لكن ذلك لم يزد الأمر إلا سوءًا.
انزلق اللوح من يدي، مخلفًا جرحًا عميقًا في كفي، قبل أن ينتزعه مني والدي ويلقيه جانبًا.
وسط سيل الركلات، لمحت أمي وهي تسند أخي، الذي كان ينهض وهو يضغط على رأسه.
عليّ أن أهرب مجددًا قبل أن يُحكموا الطوق حولي.
“آآآغ!”
تخبطت بذراعي بعشوائية، دون اكتراث لمظهر تصرفي، وأمسكت بقدم والدي التي كانت على وشك أن تسدد لي ضربة، ثم عضضتها بقوة.
إما أن أقاتل أو أفنى.
“كييييااه!!”
صرخت والدتي، رغم أنها لم تُمسّ بسوء، كأنها على وشك أن يغمى عليها من هول المشهد.
حسنًا، لا تقتربي، أنا بالكاد أحتمل.
“ماذا قدمتم لي حتى تنتظروا مني مالًا؟!”
تمكنت بأسناني من السيطرة على الموقف.
وبينما كان والدي يتألم ويتوقف عن الركل، ارتميت على ساقيه بكل قوتي، تدحرجنا معًا، وصرخت بمرارة:
“كان يمكن أن ننهي هذا بسلام!”
كادت الدموع تنهمر من عيني وأنا أتكلم.
حتى وإن اختلفت شخصيتي بعد أن استعدت ذكرياتي من حياتي السابقة، فما زلت أنا، وتلك الطفولة المأساوية التي عشتها لم تكن خيالًا.
ما الجرم الذي ارتكبته لأُعامَل بهذه القسوة؟ لأُزوّج مرتين كما لو كنت سلعة معروضة للبيع؟
“لقد فقدتِ صوابك بعد زواجك من ذلك الدوق المجنون!”
اقترب بارمينون، وقد استعاد توازنه، يلهث بشدة.
كان الدم يسيل من جبيني وجبينه، ومع ذلك كانت المعاملة بيننا متفاوتة بشكل يصعب استيعابه.
كيف يُعقل أن نتلقى معاملة بهذا التباين ونحن من نفس الدم؟
غضبي تفجّر حين رفع يده ليصفعني، ملامحه مشوهة بالحقد.
من يظن نفسه ليصفعني دون رد؟
من يضرب أولًا يربح.
صفعة –
“أوغ!”
منذ صغره، كان بارمينون ينهك موارد العائلة بادعائه أنه سيصبح فارسًا.
لكن رغم كل ما استُثمر في تعليمه، لم يكن يملك ذرة موهبة في المبارزة، حتى أنه فشل في دخول الأكاديمية.
بمعنى آخر، من يعيقني الآن في هذا المنزل هم ثلاثة أشخاص بلا جدوى، عاشوا على هامش الكسل والاعتماد، رغم ضيق الحال.
ضحكت وأنا أراه يتهاوى، والدم يسيل من أنفه إثر ضربتي.
الدم المتسرب من رأسي وصل إلى فمي، تاركًا طعمًا معدنيًا مقززًا، لكن من يهتم؟
“نعم، لقد جُننت!”
رميت بكل ما وصلت إليه يدي – كراسي، صحون، أي شيء.
ارتدّ أفراد عائلتي، مذهولين من نوبة جنوني.
فقط لأجل هذا القليل؟
“أقول لكم، لقد جُننت!
وزوجي أكثر جنونًا مني،
فلا تُفكروا حتى في اللحاق بي!”
كنت أريد أن أقلب الطاولة، لكنها كانت ثقيلة.
فدفعتها بقوة حتى انقلبت جانبًا، وصرخت “آآآغ!” كأنني أفرغ حممًا بداخلي.
شعرت بلذة لا توصف.
“لا تحاولوا ملاحقتي.
هذه آخر مرة أتحدث فيها باسم العائلة.”
حين حاولت إزاحة شعري المشعث، لم يتحرك بسهولة بسبب الدم المتجلط.
قبضت عليه بخشونة وأرجعته إلى الوراء، ثم تبادلت نظرات التحذير مع كلٍّ منهم:
“منذ البداية، كنت كأنني غير موجودة في هذه العائلة.
استمروا في هذا الاعتقاد.”
“أسيليا! نحن والداك!
هل تعرفين ما تفعلينه؟!”
“لا تظني أني سأتردد في ضربك لمجرد أنك والدتي.”
عندما صوبت نظراتي نحو والدتي، التي كانت الوحيدة السليمة مقارنةً بالآخرين، ارتجفت من الخوف.
قبضتي ما زالت جاهزة.
“أسرة فيكونت كورنل لم تكن تملك سوى ‘أصل’ يُدعى أسيليا.
اعتبروا أنكم فقدتم حتى هذا الأصل.
لم تكونوا تقدّرونه يومًا.”
ركلت آخرًا قطعة خشبية تشبه الزينة، كأنني مشاغبة.
طارت القطعة واصطدمت عند قدمي بارمينون.
تمنيت لو أصبته بها مباشرة.
“آمل ألا تجمعنا الحياة مجددًا.”
بدأت رؤيتي تتلاشى تدريجيًا، لكنني استدرت متظاهرة بالثبات والكرامة.
خشيت أن يفلت زمام الأمور إن لحقوا بي، ففتحت الباب بسرعة وهم لا يزالون مصدومين.
“آه؟”
“…!
أسيليا!”
وما إن خرجت، حتى وقعت عيني على كاسيون، واقفًا بسيفه المشهر.
هل كان ذلك وَهْمًا من ضوء القمر؟ لقد أرخى الليل ستائره بالفعل.
“سيبدو الأمر سخيفًا إن سألتكِ… هل أنتِ بخير؟”
كاسيون، الذي بدا على وشك اقتحام الباب، غمد سيفه بسرعة واقترب مني بخطوة واحدة، ثم حدّق فيّ، يضغط على أسنانه.
“كان عليكِ أن تسأليني.
كنت لأخبرك أنني بخير.
لأني انتصرت.”
إنه كاسيون فعلًا.
يبدو أنه، كما التبست علي هوية خاطفيّ فظننتهم رجال الأمير الأول، ظن هو أيضًا أن العثور عليّ سيستغرق وقتًا طويلًا.
رغم أنه لم يظهر كبطل في لحظة الخطر، إلا أن رؤيته بعثت في نفسي طمأنينة لا توصف.
ابتسمت، رغم ألم شفتاي المتشققة.
“لنعد إلى قصر الدوق…”
“الدوق ييغر!”
اندثر الشعور بالراحة في لحظة.
والدي، الذي كان في حالة ذهول، استعاد وعيه من وقع ظهور كاسيون.
“الدوق ييغر، ما هذا… لا، أنت لا تستحق لقب الدوق حتى.
لا أوافق على زواجك من ابنتي! لقد اختطفتها!”
نهض والدي مترنحًا، يشير إلى كاسيون وهو يصيح بوقاحة.
“هاه…”
استدرت، وأنا على وشك أن أفقد صبري، وكانت عينا كاسيون مشتعلتين أكثر من عينيّ.
أمسكت بطرف ردائه لا إراديًا.
“لا توقفيني، أسيليا.
حالتك…”
“اضربهم، لكن لا تقتل أحدًا.”
استقرت نظراته المجنونة عند سماع كلمتي.
تبادلنا نظرة سريعة، ثم نظر إلى وجوه أفراد عائلتي المشتعلة غضبًا.
“سنتولى التفاصيل لاحقًا… أنا مرهقة اليوم.”
لم أقل “دعنا نضربهم ونعود”
لكنه فهم تمامًا ما أعنيه.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
8ⵌ
“ظننت أن أول مرضاي سيكونون من الفرسان.”
“كفي عن الكلام وابدئي في علاجها.”
“يصعب عليّ التزام الصمت في موقف كهذا.”
كانت الطبيبة التي استأجرها الدوق لجُرأتها أشد جرأة مما ظننت.
بل لم تتردد في النقر بلسانها تعبيرًا عن انزعاجها أمام كاسيون، الذي لم تخمد نار نظراته المجنونة بعد.
“حسنًا، بما أنني سأعالج السيدة بنفسي، فستشهد مهارتي عن قرب.”
“وهل هذا وقت المزاح؟”
“كفّ عن التحديق بي وغادر المكان.”
آنذاك أدركت السبب وراء خلو سجلها الوظيفي رغم تفوقها.
كنت أظن أن السبب كونها امرأة، لكن يبدو أن مشكلتها الحقيقية هي افتقارها لغريزة البقاء.
أيقنت أنه عليّ إبعادها عن كاسيون.
“ولِم أغادر؟”
“لأنها بحاجة لفحصي تحت الملابس أيضًا.”
“ماذا؟! وأين بالضبط؟”
كنت أشعر بآلام في ظهري وبطني جراء الركل المتكرر وأنا على الأرض.
قلت ذلك لأنني ظننت أن الأمر يستدعي خلع ثيابي للفحص بشكل صحيح، لكن كاسيون، الذي عادت نظراته للجنون، اندفع نحوي فجأة وأمسكني.
“ما الذي تفعله؟!”
صرخت مرتاعة ظنًّا أنه سيعتدي عليّ، لكنه أمسك كتفيّ بلطف شديد، ونظراته كانت حذرة وهو يتفقد جسدي.
كنت قد صرخت خوفًا من أن يمزق ثيابي، وإذا بي أُفزع الخادم الذي دخل معنا.
“أنا بخير، ابتعد من فضلك.”
لكن المسافة بيننا كانت ضئيلة، ولمح مزيدًا من الكدمات على ساقي، فعلا العبوس وجهه أكثر.
دفعته بيدي فتراجع مطيعًا، لكنه لم يكف عن النظر إليّ بنظرات مشتعلة.
“كان عليّ أن أفتك بهم أكثر.”
“كفى.
لو بالغت أكثر، لماتوا على يديك.”
هززت رأسي وأنا أرتب ثوبي لأخفي جراحي.
لم تبارحني صورة عائلتي المنهكة، بعدما أشبعناهم ضربًا أنا وكاسيون.
قررنا أن نأخذ حقنا بأيدينا قبل أن يقتص منهم القانون.
سواء اشتكوا أو طعنوا في زواجنا، فسيطول أمرهم حتى يفيقوا من غيبوبتهم.
وغالبًا لن يجدوا مالًا لاستدعاء طبيب.
“تبتسمين رغم حالتك؟”
لا بد أنني ابتسمت لا إراديًا لشعوري بالرضا.
آه…
يجب ألا أسمح للعنف أن يلوث قلبي.
“وما العيب في ذلك؟ هكذا يبدو المنتصر الحقيقي.”
رغم ما بي من جراح، لم أشعر بأي ندم.
“لماذا لم تنتظري قدومي بهدوء؟”
“وكيف لي أن أعلم متى ستأتي؟ لو كان الخاطفون جماعة ولي العهد بدلًا من عائلتي، لكنت هلكت قبل أن تصل.”
كان محقًا، فبما أنني عرفت أن الخاطفين عائلتي، كان يمكنني الانتظار.
لكنه لم يكن في وسعي الجلوس مكتوفة اليدين.
“لنقل إنها كانت تجربة لتعلُّم الدرس.”
“هل فقدت صوابك؟ هل هذا وقت المزاح؟”
هززت كتفي بلا مبالاة، وعضّ على أسنانه غيظًا.
كان متوترًا أكثر من المعتاد…
أسنانه ثمينة، ليتني أنصحه بالحفاظ عليها.
أما أسناني فكانت سلاحي اليوم.
“لن يتكرر ذلك.
سأرافقك في المقابلات من الآن فصاعدًا.”
“ماذا؟ لدي مقابلات طوال بعد الظهر لأسابيع.
ألا يكفيك ما لديك من مشاغل؟”
كان مشغولًا بعدة مهام حتى بعد الحرب.
نظرت إليه بدهشة، لكنه كان جادًا.
“لا تقلقي، وسأعيد غرفة نومك إلى غرفتي!”
أجل، كان قادرًا على ذلك.
لكنه سيضطر للسهر… لا بأس، ليس شأني.
في الحقيقة، نسيت إدراج بند يلزمه بحمايتي قدر استطاعته، لكنني محظوظة.
“أنت أكثر حرصًا مما ظننت— كييااه!”
فوجئت بالطبيبة تفك أزرار فستاني فجأة.
جلست أحاول تغطية نفسي، ورأيت كاسيون يستدير وقد احمرت أذناه.
“ماذا تفعلين! كان عليك الانتظار حتى يغادر!”
“ظننتكما زوجين وقد دخلتما معًا غرفة واحدة.
لم أتوقع منك هذا الحياء.”
لم أجد ما أرد به سوى التلعثم، بينما تنحنح كاسيون وقال:
“سأخرج.
تعالي إلى غرفتي بعد انتهاء العلاج.”
بانغ!
خرج وهو يكاد يحطم الباب.
جلست منهارة، والطبيبة تقول:
“ما بكم؟ ستخلعين ثيابك مجددًا عنده بعد العلاج، أليس كذلك؟”
“… كان الأجدر بك كتمان لسانك بدل التباهي بمهاراتك.”
دفنت وجهي بين يديّ.
—
“هاه… جئت.”
كنت أتمالك نفسي، لكنه استدار وقد احمرت رقبته لرؤيتي.
شعرت أنني سأفقد رباطة جأشي.
“أنا مرهقة، سأنام.
تعال حين تنهي عملك.”
“ماذا؟!”
مررت به ودخلت السرير.
نظر إليّ بدهشة.
“ما الأمر؟ أليس من حقي النوم؟”
“لا… بل الجزء الأخير…”
“تعال حين تنتهي من عملك؟ ولم؟”
“ألا تعني دعوتك لي أن ننام معًا؟”
“بحسب عقدنا، لا وريث!”
“… النوم لا يعني أفعالًا طائشة.
السرير واسع.”
“…!”
احمر وجهه أكثر.
[كاس وكاس ما يفشلون يضحكوني بفهاوتهم]
تثاءبت واحتضنت وسادتي.
نظر إليّ خلسة.
“إن انتهيت، تعال.
أو أرسم لك خطًا؟”
“لا حاجة لذلك!”
اقترب أخيرًا وتمدد بعيدًا كأنني قنبلة.
“ألست متهورة رغم العقد؟”
“وددت لو قلت إنك تثق بي.
وإن شعرت بالإثارة، فلديك ميول غريبة.”
حدق بي بدهشة.
“ظننتك تعرفين حالك، لكن يبدو لا.”
“دعنا ننام.”
“… كنت قلقًا أن تكوني صُدمت.”
“لو واصلت، عدت لغرفتي.”
ناولني وسادة.
وضعتها بين ساقي، وارتحت.
“عن عائلتي…”
“قلت ستنامين، والآن تتحدثين؟”
“حسنًا…”
تمتمت: “سيعودون لإلغاء الزواج…”
“سأتولى الأمر.”
ابتسمت وشكرته. نظر إليّ بقلق صادق.
“تصبح على خير.”
أغمضت عيني بطمأنينة.
رغم اختطافي وضربي لعائلتي، عرفت أنني سأنام بسلام، فلا شيء أخشاه بعد الآن.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
9ⵌ
“يبدو أن عدد المتقدمين قد انخفض منذ أن بدأت أُظهر حزمي.”
“من يريد العمل في قصر الدوق عليه أن يتقبل وجودي أيضًا.”
كان كاسيون قد نصحني بأن أرتاح بضعة أيام أخرى، لكنني لم أرغب في تأجيل الخطة أكثر.
ارتديت قبعة صغيرة مائلة لأخفي آثار جراحي، وقفازات طويلة تصل إلى مرفقي.
ومع وقوف الدوق خلفي، لا شك أن مظهرنا بدا مهيبًا أثناء المقابلات.
بعض المتقدمين لم يجرؤوا على الدخول فتراجعوا عند الباب، والآخرون ممن تمالكوا أنفسهم ودخلوا، تشتت تركيزهم بسبب وجود الدوق فأفسدوا المقابلة.
بهذا الشكل، أخشى أن يكون طاقم القصر مكوّنًا من أصحاب القلوب القوية فقط، مثل ذلك الطبيب.
“الأهم من كل هذا، ألا ترين أن خادمة واحدة لا تكفي؟”
“لم أكن أنوي توظيف حتى تلك الواحدة.
أنا شخص سأغادر هذا المكان في النهاية، وقد عرفت أي نوع من البيوت نشأت فيه.
لا أحتاج إلى خدم.”
في الحقيقة، وجود الخدم يزعجني أكثر مما يفيدني.
لكن بعد أن فكرت أنني سأحتاج من يساعدني في ترتيب ملابسي في المناسبات لتوفير الوقت، وظّفت خادمة واحدة بدت لي عاقلة.
“…ليس عليك أن تؤكدي بهذه القوة أنك شخص ‘سيغادر’.”
“ما الذي تتمتم به؟”
على أي حال، وبعد أيام من المقابلات، أكملنا أخيرًا اختيار طاقم القصر.
وبينما كنت أراجع قائمة الموظفين، بدا أن كاسيون منزعج وكأن هناك أمرًا يضايقه.
“هل هناك من لم توافق عليه؟ كان عليك أن تخبريني منذ البداية.”
“لا، لا مشكلة.
ليس هذا السبب.”
إذن ما سبب انزعاجه؟
“إن لم يكن لديك مانع، ما رأيك أن نخرج معًا بما أننا انتهينا مبكرًا؟”
“كنت قد طلبت منك أن ترتاحي، والآن تريدين الخروج؟”
“أوه، لا تبالغ في العتاب بسبب بعض الجروح…”
“عتاب؟ حتى الفرسان لا يعتبرون مثل هذه الجروح مجرد خدوش!”
تكررت كلمة “راحة” منه كثيرًا حتى شعرت أن أذني ستصبان بالصمم من تكرارها.
وحين عبست، تنهد هو أيضًا.
“أنا بخير، لم ينكسر مني شيء.”
رجل كان بطلًا في الحرب يثير ضجة بسبب جروح سطحية.
تجاهلت ملامحه المرهقة وسحبت كمه لأقوده.
“إلى أين تنوين الذهاب؟”
“في موعد غرامي.”
تعلقت بذراعه فور خروجنا من الغرفة، وكما توقعت، ارتبك ولم يستطع التملص.
“لقد مضى أسبوع تقريبًا على زواجنا، ومنذ زيارتنا لمتجر الملابس، لم نخرج معًا أمام الناس إلا نادرًا. حان الوقت لنبدو كزوجين سعيدين لنوقف الشائعات عن زواجنا المزيف…”
نحتاج إلى كسب الرأي العام قبل أن تجد عائلتي مبررًا لنفي أو إلغاء الزواج.
“ثم إنني أرغب في تناول شيء حلو الآن.
أريد زيارة متجر الحلويات.”
بعيدًا عن الرأي العام، كنت أشعر بالفضول تجاه محل الكعك الجديد في الجوار.
في هذه الحياة، لم أذق الكعك إلا في حياتي السابقة.
“متجر حلويات؟ وهل يذهب الرجال إلى أماكن كهذه؟”
“لا بأس إذا كان لموعد.”
في الحقيقة، لست متأكدة، لكنني أصررت وسحبته، وطلبت من الخادم استدعاء عربة.
“قلت إنك لا تعرف ذوقك في الحلويات، أليس كذلك؟ هذه فرصة لتكتشفه.”
رغم براعة الطاهي في القصر، إلا أن براعته تقتصر على الأطباق الرئيسية.
حين قلت ذلك، أمسك كاسيون يدي برفق، وانتبه ألا يؤلمها، ودخلنا العربة معًا.
“يقولون إن الطعام الجيد يعجّل بالشفاء.
على أي حال، قلت إنني أرغب في الحلويات.”
بمجرد التفكير في تلك الحلويات اللذيذة، شعرت بالسعادة.
ولما رأى ابتسامتي، هدأت ملامحه المتجهمة.
“إن كان هذا ما ترغبين به، قولي فقط أنك تشتهينها.”
“ليس الأمر أنني أريد الأكل فقط، بل أريد أن نذهب معًا.”
نحتاج إلى أن نُظهر للناس أننا زوجان بالفعل.
ثم، دون الدوق، ليس لي أحد أخرج معه وسأضطر للأكل وحدي.
“…تقولين هذا بسهولة.”
“وهل من الغريب أن أشتهي الحلوى؟”
ربما ظن أن السيدات النبيلات يحرصن على رشاقتهن؟ لكنهن يأكلن الحلوى أيضًا.
لم أفهم ما وجده غريبًا.
“آه، ها هو المتجر!
لحسن الحظ ليس هناك ازدحام.”
كنت قلقة من الانتظار، لكننا وصلنا قبل الظهر والمكان شبه فارغ.
حتى من الخارج، بدا الديكور الرومانسي يثقل على ملامح كاسيون.
“علينا دخول هذا المكان؟”
“أفضل أماكن المواعيد تكون محرجة قليلًا.
ابتسم ورافقني كدوق حقيقي.”
توقفت العربة أمام المتجر، لكنه تجمد.
دفعته برفق فنزل، ثم مدّ يده يساعدني.
“تماسك.
نحن تحت الأنظار الآن.”
“…حسنًا.”
وما إن دخلنا حتى شعرت بالأنظار تتبعنا.
ولسوء حظ كاسيون، لم يكن هناك رجل غيره.
يحدث هذا.
“مرحبًا بكم.
سأرشدكم إلى طاولتكم.”
اقترب النادل بثبات رغم وجود كاسيون الطاغي.
لكنني أردت النظر إلى المعروضات خلفه.
“لا بأس، سنتجول قليلًا أولًا.”
“هل أضع معطفيكما وقبعتكِ؟”
“الجو بارد قليلًا.
سأحتفظ بهما.
وأنت، عزيزي؟”
“هم؟”
“ناول معطفك للنادل، عزيزي.”
وخزته بلطف، فسلم معطفه.
قدته إلى واجهة الحلوى.
“يا للجمال… تبدو شهية.”
“…جميلة فعلًا.”
اصطفت قطع الكعك تحت الأضواء مزينة بأفخم الفواكه.
بدا كاسيون مهتمًا، انحنى ينظر إليها.
“هل هذه طعام فعلًا؟”
“تلك ماكرون.
نطلب بعضًا منها؟”
“صغيرة جدًا.
تؤكل واحدة واحدة؟”
“في هذه الأماكن نختار قطعًا صغيرة بأنواع مختلفة.”
“اطلبي المزيد.”
“إذن من كل نوع من هذا الصف، وأنت؟”
“اطلبي الصف السفلي أيضًا.”
كما توقعت، رفيق تسوق ممتاز.
بدا كطفل متحمس.
“واحد من كل نوع من الصفين، ولكل نكهة ماكرون أربع قطع.
هل لديكم شاي بارد؟”
“عذرًا؟”
“ألا يوجد شاي بارد؟”
“آه، لدينا شاي أسود بارد مع عسل وحليب.”
“سنأخذ منه.
هيا عزيزي، تلك الطاولة جميلة.”
“أليس قليلًا؟”
“نجرب أولًا، نطلب المزيد لاحقًا.”
جلسنا قرب النافذة متعمدين الظهور كزوجين عاشقين.
امتلأت الطاولة بالحلوى.
وخرج صانع الحلويات بنفسه.
“أتمنى أن تعجبك، سيدتي…”
عرفته بالدوق، فانحنى مرتبكًا.
“عزيزي، جرب هذا أولًا.
كنت فضوليًا حياله، أليس كذلك؟”
ناولته ماكرون وردي، فأكله في قضمة واحدة.
“…يمكن أكله.”
“حقًا؟”
ثم نظر للكعكة المزينة بالكريمة، قطعت له قطعة فأكلها بشهية.
“انعكست الأدوار هنا.”
“لذيذة.
لكن الماكرون مقرمش أكثر.
جربي أنت.”
أطعمني بتردد، ابتسمت حين لمست أصابعه شفتي.
كان الطعم مقرمشًا وحلوًا كما وصف.
“ربما كان علينا طلب شاي أقل حلاوة.”
“اطلبي ما تريدين.”
أعجبني كيف صُدم من حولنا من المشهد، واعتبرته نجاحًا رائعًا.
︶ ⏝ ︶ ୨୧ ︶ ⏝ ︶
10ⵌ
“وليمة؟”
“ليست وليمة، بل استقبال بسيط في المنزل.”
“أليس الأمر نفسه؟”
قطّب كاسيون حاجبيه وهو يضع قطعة من الماكرون بالشوكولاتة في فمه.
منذ ذلك اليوم، تجوّلنا معًا في جولات صاخبة في أنحاء المدينة، لكن يبدو أن هذا المقهى الذي التقينا فيه أول مرة هو المفضل لديه.
“الأمر مختلف قليلًا.
اعتبريه لقاءً أكثر تواضعًا في القصر مقارنة بوليمة رسمية.”
“ولماذا علينا تنظيم أمر كهذا؟”
“لأن سلطة الدوق ضعيفة، ببساطة.”
هذه المرة، عبست بدوري وأنا أرتشف من شاي أسود بارد.
الآن وقد انتهينا من توظيف الخدم وبدأت أخبار ارتباطنا تنتشر، حان وقت الانتقال إلى المرحلة التالية.
“سمعتك بين النبلاء أسوأ مما تظن.”
“…من المنعش أن أسمع أحدهم يصرّح بذلك بهذا الوضوح.”
حقًا، من ذا الذي يتجرأ على قول مثل هذا الكلام لرجل يطارده صيت الوحش الحربي المتعطش للدماء؟ سواي، بالطبع.
“إن كنت حقًا تريد خدمة سمو الأمير، فعليك أن توسع نفوذك قليلًا.
أنت الآن في الهامش، ليس فقط لدى أنصار الأمير الأول، بل حتى وسط داعمي الأمير الثاني.”
“أظن أنهم لا يريدون التعامل مع دخيل مثلي.”
ضحك وهو يلتهم قطعة الحلوى التالية.
ألا يشرب الشاي؟ ألا يشعر بالشبع أبدًا؟
“ما وراء خدمة الأمير، إن كنت تفكر في حماية بيت الدوق مستقبلًا، فعليك أن تبني لنفسك مكانة وسلطة، شئت أم أبيت.
لا أظنك تريد لزوجتك المستقبلية أن تُهان في الولائم المقبلة، أليس كذلك؟”
ازداد وجهه عبوسًا. كان يكره الفكرة أصلًا، وهو لا يملك حتى صديقة بعد.
“انتشرت أخبار زواجنا ومواعيدنا بما يكفي، ومع ذلك لم تصلنا أي دعوة.
لذا، علينا أن نبادر نحن ونقيم حفلنا الخاص.”
“وهل سيحضرون إن دعوناهم؟”
قالها بنبرة مشككة، وحدّقت فيه وأنا أصدّ شوكته التي كانت تستهدف قطعتي من التارت.
“سنجعلهم يحضرون.
على الأقل النبلاء المؤيدين للأمير الثاني.
ولهذا، لديك مهمة بانتظارك.”
ارتبك قليلًا حين أدرك أنه كاد يسرق طعامي دون قصد، فعض على شوكته.
رقّ قلبي له فقطعت له قطعة صغيرة وقدمتها له، فتناولها مباشرة ورفع حاجبه بدهشة.
“لندعُ سمو الأمير الثاني إلى استقبالنا.”
“ذلك الرجل؟”
“…أعرف أنك مقرب منه، لكن لا تنسَ أننا في مكان عام.”
“حتى لو تحدثت بصراحة، فلن يعرف أحد عمن أقصد.”
في الحقيقة، معه حق.
لأول مرة كدت أتفق معه، لكنني سرعان ما صرفت ذلك عن ذهني.
بدا زواجهما في الحفل ودودًا أكثر مما يجب.
“هناك أمران مهمان لهذا الاستقبال.
انظر، لدينا الأمير إلى جانبنا!”
“…وما الثاني؟”
“نحن أغنياء!”
“…”
ازداد وجه كاسيون قتامة.
لوّحت بشوكتي بحماس وأنا أواصل خطتي.
“لا تُبدِ هذا الوجه!
المال والسلطة كافيان لجذب الناس.
إن كان لديك مال، فاصرفه وأبرِزْه! فنحن أصلًا بلا تاريخ نفتخر به!”
“أنتِ صريحة للغاية.”
“ليس لدينا لوحات لدوقات سابقين نزيّن بها القصر. هل ندع المدعوين يقفون محرجين؟ أتريد أن يقال إن قصر الدوق بائس المظهر؟”
شدّ حديثي المتحمس انتباه كاسيون، حتى توقف عن أكل الحلوى وأخذ ينصت إليّ باهتمام.
“أنفق المال! استدعِ أشهر الفنانين والعازفين في العاصمة! زيّن القصر بما يخطف الأنظار! ضع الأمير في قلب الحدث!”
“…ألستِ أنتِ من حذّرني من كلماتي؟ وكأنك تعتبرين الأمير نفسه زينة للحفل.”
“المهم أن نصنع المشهد المناسب، وندع أصحاب المصالح المشتركة يتحاورون.”
“لا أدري إن كنت أحدث فارسة مرتزقة أم سيدة نبيلة.”
“كفّ عن التدقيق.”
“بل كلامك واضح وسهل الفهم.”
ابتسم وهو يلتهم آخر قطعة من الكعك ويشرب شايه.
أما أنا، فأنهيت شايي محاوِلةً كتم تنهد ارتياح.
وذلك لأنني رأيت النادل وصانع الحلوى خلفنا ينظران إلينا بامتنان وفخر.
“على أي حال، إن كنت فهمت، فأرسل رسالة إلى الأمير أولًا.
ليكن الموعد… نهاية هذا الشهر.”
“همم…”
“ما بك الآن؟”
“لا مانع لدي من إرسالها، لكن هناك مشكلة.”
وضع شوكته جانبًا وحدق خارج النافذة بتوتر، وهو يعبث بأذنه في دلالة على تردده.
“حتى إن كان مجرد استقبال، ألن نضطر للرقص؟”
“يمكننا أن نرقص أو لا.
لكن بما أننا المضيفان، من الأفضل أن نرقص رقصة واحدة على الأقل.”
“…أنا لا أجيد الرقص.”
“آه.”
قالها بصوت أخفض مما استخدمه للحديث عن الأمير.
عندها أدركت ثغرة في خطتي.
“ما العمل؟ أنا أيضًا لا أجيد الرقص.”
“…”
نظر إليّ بدهشة ممزوجة ببعض الارتياح.
“لا تنظر إليّ هكذا.
تربيت في غرفة أشبه بالخزانة بلا نوافذ.
أظننتني تلقيت تربية ثقافية؟”
“وهل تتصورين أنني تعلمت الرقص وأنا أجوب ساحات القتال؟”
“…”
“…”
سادنا صمت.
في الحقيقة، نحن زوجان حديثا النعمة، ارتقينا إلى هذه المكانة فجأة.
الرقص أكبر عائق، بل حتى قواعد الضيافة لا نعرف عنها شيئًا.
“…إن لم نتمكن من إلغاء الاستقبال، فلنؤجله.”
“لا يصلح ذلك.
علينا إقامته ما دامت الشائعات عنا ما تزال حديثة.”
ليس أمامنا سوى حل واحد: المال، سلاح كاسيون الآخر.
“فلنستعن بمدرّسي آداب ورقص فورًا، شرط أن يكونوا متحفظين.”
“أليس من الصعب تعلم ذلك قبل نهاية الشهر؟”
“وهل كنت تنام أثناء الحرب؟ ماذا عن استعدادات الكمائن؟”
“…لم أنم.”
“حين يصل المدرس، سنتدرب حتى الفجر.
نحتاج رقصة واحدة فقط.”
وقفت لأدفع الحساب وأنا أراقب تعبيره المتيبس.
“سنرتاح حين نموت.”
وبينما يرسل الرسالة للأمير، سأبحث عن مدرّس يبدأ معنا من اليوم.
عليّ تعلم الإتيكيت وشراء بعض الكتب أيضًا.
ربما أمر بالمكتبة.
“ما بك، عزيزي؟ ألا تلحق بي؟”
ناديت عليه وأنا أمد ذراعي بابتسامة مشرقة.
وكأنه اعتاد ذلك، اقترب وربط ذراعه بذراعي وهو يطلب الحساب وبعض الحلوى لتغليفها.
وحين رمقته بنظرة متسائلة، همس بوجه متجهم:
“إن كنا سنسهر على التدريب، فمن الأفضل أن نُخزّن بعض الطعام.”
“يا له من رجل عملي.”
طعنت جانبه بخفة.
رغم كل ما أكله من حلويات، ظل متماسكًا…
ترى، هل صمد جسدي بعد كل ما أكلته معه؟
“أرسلها للقصر.
علينا النظر في الملابس والحلي المناسبة للاستقبال.”
ليس لدينا وقت لتفقد كل عمل فني، فلنبتع كل شيء ونختار لاحقًا ما يناسب.
هكذا يتصرف الأثرياء.
“صحيح.
ولنشترِ ثلاث أو أربع بدلات أخرى.”
لمعت عيناه بفكرة الإنفاق المشترك.
ربما استعاد ذكرى الحفلات التي حضرها فارسًا للأمير.
“ودبوس أحمر ضخم مرصع بالجواهر، يلمع مثل عينيك، سيكون جميلًا.”
ابتسمت.
ما أجمل التسوق مع شريك يشاركك الذوق.
بادلني الابتسام بمكر.
“وبما أننا لم نختر خواتم الزواج بعد، فلنختر واحدًا بحجر ضخم.”
“على أن يكون صلبًا وكبيرًا بما يكفي لتحطيم جمجمة عند الحاجة.”
“فكرة رائعة.”
وانطلقنا متفقين، متجاهلين العربة، ومفضلين السير بين المحال.
حتى نظرات الفضوليين بدت اليوم محببة.
“إلى أين أولًا؟”
“إلى كل مكان، بدءًا بالأقرب.”
“لنبدأ بذلك المتجر للأحذية هناك.”
قبل معركة التسوق، شعرت أن عليّ استبدال هذه الأحذية بكعب أقل.
“لا تقلقي.
إن تعبت، سأحملكِ بين ذراعي.”
“يا لك من رجل نبيل يعتمد عليه.”
شعرت بقشعريرة طفيفة…
ربما شجعته أكثر مما ينبغي. أراه يحملني ويجوب المتاجر.
…آمل أن تصمد طاقتي.
“هيا بنا!”
“هيا.”
ودخلنا معركة التسوق بوقار.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 10 - من الفصل الحادي والتسعين إلى المائة «النهاية». 2025-08-14
- 9 - من الفصل الحادي والثمانين إلى التسعين. 2025-08-14
- 8 - من الفصل الحادي والسبعين إلى الثمانين. 2025-08-14
- 7 - من الفصل الحادي والستين إلى السبعين. 2025-08-14
- 6 - من الفصل الحادي والخمسين إلى الستين. 2025-08-14
- 5 - من الفصل الحادي والأربعين إلى الخمسين. 2025-07-23
- 4 - الفصل الحادي والثلاثين إلى الأربعين. 2025-07-23
- 3 - من الفصل الحادي والعشرين إلى الثلاثين. 2025-07-23
- 2 - من الفصل الحادي عشر إلى العشرين. 2025-07-23
- 1 - من الفصل الأول إلى العاشر. 2025-07-23
التعليقات لهذا الفصل " 1"