كررر.
تضيّقت عيناه العميقتان بنزعاج مع دويّ الرعد المشؤوم الذي هزّ الأرض.
“يبدو أنّ المطر قادم.”
“مطر؟ يا إلهي، كارثة! لا ينبغي أن يمطر!”
بصق بيل، الذي كان يمضغ قشّة كالبوهيمي وينظر إلى السماء، القشّة من فمه.
“يا للروعة، مطر في هذا الوقت؟ سيدي، لندخل!”
“حقًا، مطر في هذا التوقيت. هل يمطر في الشمال أيضًا؟ إذا حدث، ستتسخ الحديقة، وسيصعب على ليتريشا المشي.”
نظر بيل، الذي كان قلقًا على كيليان، إليه بتعابير غريبة، ثم خدش ظهره كأنّ قشعريرة انتابته.
“أوغ، أليس هذا مبالغًا فيه، سيدي؟”
“ماذا؟”
“منذ وصولك إلى العاصمة، لم يمر يوم دون أن تذكر سموّ الدوقة. أليس هذا قاسيًا على شخص وحيد مثلي؟”
“هل هذا ذنبي أم ذنبك؟”
رفع كيليان زاوية فمه، كأنّ بيل يتكلم هراءً.
لكن تعبيراته، التي خفّت لحظة مع مزاح بيل، عادت للعبوس.
كانت عيناه، وهو ينظر إلى جهاز الإرسال في يده، زرقاوين بشكل مخيف.
“سمعتُ أنّه تم إصلاحه. لمَ لا يعمل الجهاز بعد؟”
“لا أعرف. قال الساحر الذي أصلحه إن الجهاز سليم، لكن تداخل موجات الطاقة يمنع الإرسال.”
“اللعنة… محبط. أكاد أجنّ!”
كبح كيليان رغبته في تحطيم الجهاز، ومرر يده على شعره.
كان قد دمرَ بالفعل صندوقًا من الأجهزة.
ما الخطأ الذي يمنع أي جهاز من الاتصال بالقلعة؟
أرسل رسائل مع قوات العاصمة ليطمئن من في الشمال، لكن عدم سماع أخبار ليتريشا كان يدفعه للجنون.
من شدة العطش، شرب كيليان جرّة ماء دفعة واحدة.
بينما كان يمسح شفتيه ويتجه إلى الملجأ، التفت بغريزة لضوء أبيض برفض خلفه.
“برق؟ الحظ سيئ اليوم.”
اتسعت عيناه الزرقاوان، اللتين بدتا على وشك إطلاق شتائم، بدهشة مع اختفاء الضوء. هل بدأ يرى أوهامًا؟
لا يجب. عيناي يجب أن تكونتا سليمتين.
ضغط كيليان على عينيه بقوة.
نظر مجددًا، لكن ما لا يُفترض أن يكون موجودًا ظل مرئيًا.
“ليتريشا؟”
شعر وردي فاتح ناعم بشكل خيالي، وعيون لامعة كالخرز.
كانت ليتريشا تقف في فناء الملجأ.
قفز بيل متحمسًا، فلم يكن هذا وهمًا يراه وحده.
تجمد كيليان قبل أن يندفع نحوها.
“…كيليان.”
ترجفت عيناه مع صوتها الرطب.
أراد التحرك نحوها، لكن قدميه لم تنفصلا عن الأرض.
كان المشهد صادمًا.
“هوك، كيليان.”
كانت ليتريشا تبكي.
مع علامات أيدٍ على رقبتها، وحافية.
زوجته، التي ينبغي أن تضحك دائمًا، كانت تبكي.
—
“كيليان!”
كان كما رأته آخر مرة في المكتب: سليمًا وكامل الأناقة.
اندفعت ليتريشا، غارقة في الارتياح، دون أن تهدأ دموعها أو تتحكم بمشاعرها.
ركضت إليه، غير مبالية بخدوش العشب، وتعلّقت بحضنه.
عندما ضمّته، بدأ قلقها المستمر منذ أسابيع يتلاشى.
عبق منه رائحة النعناع المألوفة.
دخان أزرق ينبعث من يده دار حول ليتريشا الباكية.
هذا هو كيليان الحقيقي.
“الحمد لله، الحمد لله. شكرًا لأنّك لم تُصب. شكرًا… كيليان.”
استمع كيليان لهذيانها الممزوج بالبكاء، ثم أبعدها بحذر.
“لمَ أنتِ هنا؟”
“متسلل… دخل القصر.”
“متسلل؟”
شعر كيليان بقشعريرة. كأنّ أحدًا يستنزف دمه.
“فرقة فرسان الظل التابعة للإمبراطورة أستارا تظاهرت بأنّها أنتَ. هاه… دعنا ندخل لنتحدث.”
ظهر جستن، الذي كان واقفًا كحاجز، بهدوء.
“تظاهروا بأنّهم أنا…”
توقّف نظر كيليان على رقبة ليتريشا المجروحة وقدميها.
احترقت عيناه غضبًا. تحرّك بعدها شبه فاقد للوعي.
أدخل ليتريشا إلى الملجأ، غسل قدميها المتّسختين، عالج رقبتها وأصابعها المجروحة، واستمع لجستن، عاجزًا عن كبح غضبه.
“لم أترككِ لهذا. لم أترككِ وحدكِ لتُصابي هكذا. اللعنة، أيها الأحمق!”
أمسكت ليتريشا يده وهو يلوم نفسه.
كانت يده الضخمة ترتجف.
“السيد ديفيس والعم، الجميع كانوا هناك، فلم أكن في خطر.”
اتسعت عينا جستن.
“ماذا؟ لستِ في خطر؟ هل نسيتِ أنّ ذلك الوغد حاول خنقكِ؟ كان يستهدفكِ! لو تأخرنا ثوانٍ، لكان الأمر كارثة!”
“عمي…!”
“ماذا؟ مهما أحببتكِ، يجب أن أغضب هذه المرة!”
كان صوت جستن مدويًا، فلم تستطع ليتريشا تجاهله، ونظرت إلى كيليان.
كان وجهه شاحبًا بشكل مخيف، وتمتم بشتائم سريعة.
ابتسم بلطف عندما التقت أعينهما، لكن ابتسامته الكثيفة أظهرت غضبه.
“كنتِ متهورة.”
تدلى كتفا ليتريشا تحت التوبيخ، وعبثت بضمادات رقبتها.
“لكنكِ أحسنتِ. بفضل ذكائكِ، تمكّنا من القبض على المتسلل دون إصابات.”
“…!”
“لكن لا تعيدي هذا التصرف الخطير. ألم تفكري كم سأقلق؟”
أضاء وجه ليتريشا بالمديح، ثم خفت مع التوبيخ.
كانت تعابيرها المتغيرة كأرنب بريء، محبوبة، لكن وجه كيليان ظل متجهمًا.
“آسفة لإخافتك. لكنني… كنتُ قلقة أيضًا.”
“ماذا؟”
“قلقة. توقّف الاتصال فجأة، ولم أعرف عنك شيئًا، ثم ظهر شخص مشبوه ينتحل شخصيتك.” انخفضت زاوية فم ليتريشا.
“في تلك الظروف، خشيتُ أن يكون شيء قد أصابك، فلم أستطع التفكير بحذر.”
“…ألم تصلكِ الرسائل؟”
“أي رسائل؟”
تنهّد كيليان أمام عينيها الدامعتين كحلوى مبللة.
كاد يركض إلى القصر ليواجه أستارا.
“لم يعمل جهاز الإرسال، فأرسلتُ رسائل مع البريد. لن نتحقق من ذلك الآن.”
عقد حاجبيه، يكبح غضبه، وأجلس ليتريشا على حجره.
“حسنًا، ليتريشا، أنا المخطئ. تبًا، توقّفي عن البكاء، أرجوكِ. أكاد أجنّ.”
قبّل كيليان دموعها المتساقطة.
كانت شفتاه الناعمتان تدغدغ.
“كح، كحم!”
سعل جستن بصوت عالٍ، محرجًا من تصرفات ابن أخيه.
لكن هل يدرك كيليان أنّ هذا حب؟
‘هه، يتصرف هكذا وينكر الحب. أحمق.’
حدّق جستن في كيليان بنظرات متجهمة.
“امم… دعا حبكما لوقتكما الخاص. إلى أين وصلتَ في الأمور؟ هل انتهى كل شيء؟ هل أُطلق سراح إيزيس إيستا؟”
عبس كيليان فجأة.
“كل شيء تقريبًا تم حله، لكن هذه المسألة تؤرقني. أصدرت الإمبراطورة أستارا قانونًا غريبًا مؤخرًا بسرعة.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 78"