“لو لم أذهب إلى قصر الدوق في ذلك اليوم…”
“حتّى لو لم تذهب، كانوا سيجدون طريقة للقبض عليك.”
أطلق بيتر، الذي كان مستلقيًا على الأرض كأنّه جزء منها، تعليقًا ساخرًا.
“يا سيد إيزيس، لا تعتقد حقًا أنّك هنا بسبب سوء الحظ، أليس كذلك؟”
“… ”
من تعبير إيزيس، بدا أنّه ليس غافلاً تمامًا عن مجريات الأمور.
فكّر بيتر أنّه من حسن الحظ أنّ زميله في الزنزانة المجاورة ليس مجرّد أحمق غاضب.
في يوم الحادث، جاء إيزيس إلى قصر الدوق وعيناه حمراوان، ينفث من أنفه غضبًا.
كان قد تلقّى رسالة من بيتريك يطالب فيها بتعويض لأنّ ليتريشا ألغت خطوبتها من طرف واحد، مدّعيًا أنّه تكبّد خسارة.
على أيّ حال، كان إيزيس غاضبًا للغاية، يصرخ قائلاً إنّهم هم من يستحقّون التعويض، واندفع إلى غرفة الدوق.
في ذلك الوقت، كان الدوق جودوين قد تناول المضادّ، وكان السمّ الذي انتشر في جسده قد تمّ تحييده إلى حدّ ما.
لكن، على عكس الكمية المخفّفة التي وضعها بيتريك في البئر، كان قد أعطى الدوق جرعة من محلول التيتراد النقيّ، لذا حتّى مع تناول المضادّ، كان التعافي محدودًا.
ومع ذلك، لم تكن هناك مشكلة في إجراء المحادثات، لكن أثناء نقاش حادّ مع إيزيس، توفّي الدوق فجأة.
“أقسم أنّني لم أفعل شيئًا!”
“أعلم. لم تفعل شيئًا سوى إثارة غضب والدي.”
“يا له من رجل…!”
“لكن ربّما كان ذلك سببًا كافيًا؟”
“تكلّم بوضوح ولا تلتوِ في كلامك!” صرخ إيزيس غاضبًا، بينما استدار بيتر على جنبه.
حاول بيتر استحضار قوّته السحريّة، لكنّ الأغلال منعتها، فتلاشى السحر كجمر مبلّل بالمطر.
“لو أمكنني الخروج، لفعلتُ شيئًا.”
كان يعرف من هو الجاني. بيتريك جودوين، أخوه غير الشقيق الماكر.
“كنتُ أعلم أنّه سيُحدث فوضى عندما اندفع بنظرة مليئة بالحقد.”
بعد أن أصبح الدوق جودوين قادرًا على الحركة قليلاً، كان أوّل ما فعله هو طرد بيتريك من القصر.
كما توقّعت ليتريشا منذ زمن، اعتبر الدوق جودوين علاقة بيتريك مع روزالين أمرًا مشينًا أكثر من أيّ شيء آخر.
علاوة على ذلك، ألمح بيتر إلى والده بما تناوله ليصبح في هذه الحالة، لذا ربّما كان الطرد عقوبة خفيفة.
بعد طرده، كان بيتريك يعيش مع روزالين، لكن عندما سمع أنّ الدوق جودوين يعدّ لتوريث اللقب لبيتر، عاد مسرعًا.
لكن، على عكس اندفاعه العنيف، انسحب بهدوء، فلم يُعر الأمر اهتمامًا.
في اليوم التالي مباشرة، توفّي الدوق جودوين.
“هل تعلم، يا سيد إيزيس؟”
“لا أعلم. كيف أعرف إذا تحدّثتَ دون فاعل أو مفعول؟ لستُ قارئ أفكار!”
“ماذا يحدث للإنسان إذا تناول محلول التيتراد النقيّ دون تخفيف؟”
نظر إيزيس إلى بيتر من رأسه إلى أخمص قدميه وكأنّه يرى شخصًا غريبًا يطرح لغزًا مفاجئًا.
“ألم يقولوا إنّ هذا الوباء بسبب التيتراد؟ إذا تناولته دون تخفيف، سيكون الألم لا يُطاق.”
“قريب من الصواب، لكنّه أكثر تطرّفًا. إنّه يقتل. وفي غضون يوم ونصف.”
“ماذا؟”
قفز إيزيس من مكانه.
“هل تقصد أنّهم أعطونا هذا الشيء الخطير كدفعة؟ كنتُ أنا ووالدي نخزّنه في المستودع ونعيش معه؟ هل تمزح الآن؟”
“إنّه خطير، لكنّه أيضًا توابل ثمينة، أليس كذلك؟ اهدأ واجلس.”
لكن إيزيس لم يكن ليطيع بيتر بهدوء. ركل القضبان بعنف.
“لو أعطيناكَ الآن جرعة من التيتراد النقيّ، سيكون هناك جثّة بحلول المساء.”
“ألا تتذكّر ما قلته؟ قلتَ إنّه يستغرق يومًا ونصفًا!”
“هذا إذا تمّ تناوله فقط. إذا ارتفع ضغط الدم، ينتشر السمّ بسرعة مضاعفة.”
“لحظة… اللعنة! إذًا، هل تقصد أنّ التيتراد النقيّ هو ما قتل الدوق جودوين؟ وأنا، بإثارة غضبه، سارعتُ بانتشار السمّ؟”
غاضبًا، ركل إيزيس القضبان مرّة أخرى وانهار جالسًا.
“لقد وقعتُ في الفخّ تمامًا. ماذا نفعل الآن؟”
“لمَ تسألني؟ الإمبراطورة الأم هي من تعرف.”
“آه! لمَ يفعلون هذا بي؟ اللعنة!”
من الإحباط، كان إيزيس يشدّ شعره، ثمّ لاحظ شخصًا ينزل درج الزنزانة، فهرع على ركبتيه إلى القضبان.
“أبي…؟ أبي! كيف دخلتَ إلى هنا؟”
كان الكونت إيستا يتبع جنديًّا بسريّة.
وجه الكونت الهزيل أظهر مدى المعاناة التي يمرّ بها.
أشار الكونت بعينيه إلى الجنديّ الذي يمسك بكيس نقود.
“لن أتمكّن من البقاء طويلاً. هل أنتَ بخير؟”
“أنا بخير. لكن وجهكَ يبدو أكثر إرهاقًا. كلّ هذه المشقّة بسبب ليتريشا.”
كان بيتر يراقب لقاء الأب بابنه وهو جالس منحنيًا، عندما لمع وجهه برؤية شخص آخر.
لم يكن واضحًا خلف الكونت إيستا، لكن كان هناك شخص آخر أمام الجنديّ.
“واو، من هذا؟ أليس هذا نيرو، خادمي الذي هرب وتركني؟”
“من قال إنّني تركتكَ؟ لقد ابتعدتُ مؤقّتًا لإبلاغ الدوق الأكبر بالأخبار.”
“هل أخبرتَ الدق الأكبر بهذا الوضع؟”
“نعم. لم أجد أحدًا غيره قد يساعدكَ.”
“همم، ظننتُ أنّني سدّدتُ ديني، لكن يبدو أنّني سأراكم دينًا جديدًا.”
حاول بيتر لمس خيط نظارته عادةً، لكنّه أدرك أنّ النظارة ليست موجودة، فأنزل يده.
“ماذا حدث لنظارتكَ؟”
“أخذها بيتريك. يبدو أنّه أعجبته. لا بأس بذلك. الآن، أعطني إيّاها.”
مدّ بيتر يده عبر القضبان، وهزّ أصابعه.
“هذا المكان ليس على مزاجي، أريد الخروج… ماذا تنتظر؟ ألم تجلب لفافة الانتقال الخاصّة بي؟ تلك التي أخفيتها تحت درج غرفتي، ألم تجدها؟”
“وجدتها بالفعل.”
“إذًا، أعطني إيّاها بسرعة.”
ظلّ بيتر ممسكًا بيده ممدودة، يلوّح بكتفيه ويحرّك رقبته ليستعدّ.
“إذًا، كيف الوضع في الخارج؟”
“ليس جيّدًا. يبدو أنّ الإمبراطورة الأم تحاول ربط هذه القضية بالشمال. وقد أكمل السيد بيتريك استعداداته لتسلم لقب الدوق.”
“واو. كنتُ أتوقّع الأوّل إلى حدّ ما، لكن الثاني صادم. يجب ألّا أبقى هنا أكثر.”
نظر بيتر بالتناوب إلى يده الفارغة ونيرو.
“لمَ لا تعطيني إيّاها؟”
“في الحقيقة، أرسلتُ لفافة الانتقال إلى الشمال أيضًا.”
“… ماذا؟”
جلس بيتر، الذي كان منحنيًا، على الأرض بإحباط.
“اعتقدتُ أنّ الدق الأكبر سيحتاجها ليأتي إلى العاصمة بسرعة بمجرّد أن يتلقّى الأخبار.”
بالنسبة إلى نيرو، الذي لا يعلم أنّ الإمبراطور يزوّد كيليان بالمعلومات، كان هذا قرارًا حكيمًا. لكن بالنسبة إلى بيتر، كان الخبر بمثابة صاعقة.
“وأنا؟ كيف سأخرج؟”
أدار نيرو رأسه نحو الحائط متظاهرًا بالجهل.
“هه…”
عندما هدأ بيتر مذهولاً، أصبحت زنزانة إيزيس صاخبة.
“ليتريشا تلك حقًا… هذه المشكلة أيضًا بسببها. زواجها من الدق الأكبر جعلنا نثير غضب الإمبراطورة الأم!”
“إيزيس، هذا ليس المهمّ الآن.”
“وما المهمّ إذًا؟ إنّه صحيح! منذ أن ظهرت، لم يعد شيء على ما يرام. حتّى قضية أمّي.”
في هذا الوضع المقيّد تمامًا، فقد إيزيس آخر ذرّة من رباطة جأشه، وتنفّس بصعوبة وكتفاه ترتجفان.
“لو كانت قد سلكت الطريق المعتاد، لما خسرنا أمّي هكذا. لو لم تذهب إلى قرية ريفية مثل هوكرس لإحضار تلك الفتاة من الملجأ، لما انقلبت العربة أبدًا!”
“هل تريد أن تعلن للجميع أنّ والدك هنا، يا سيد إيزيس؟ توقّف عن التصرّف كطفل واخفض صوتك…”
لم يتحمّل بيتر صراخ إيزيس، فردّ بحدّة، ثمّ توقّف عن التنفّس للحظة.
“هل قلتَ إنّ الكونتيسة إيستا الراحلة مرّت بهوكرس؟”
“نعم، لكن لمَ يسأل الدوق الصغير عن ذلك؟”
“واو…”
لم يستطع بيتر مواصلة الكلام ونظر إلى نيرو.
إذا كانت ذاكرته صحيحة، فإنّ يوم انقلاب عربة الكونتيسة إيستا كان نفس يوم تعرّض الأمير كيندريك لحادث.
وكانت هوكرس، المكان الذي انقلبت فيه العربة، هي المكان الذي ذهب إليه كيندريك وكيليان في نزهة.
لم يكونا هناك في نفس الوقت، لكن إذا كان هناك احتمال، ولو ضئيل، أنّ الخيل التي كانت تسحب عربة الكونتيسة قد شربت ماءً ممزوجًا بمنشّط…
فربّما كانت مأساة عائلة إيستا أيضًا من تدبير الدوق جودوين والإمبراطورة الأم.
لم يستطع بيتر إغلاق فمه المفتوح من الصدمة.
كان لديه شعور بأنّ هذا الوضع السيّئ سيزداد سوءًا.
تمنّى أن تكون هذه الفرضية التي خطرت له للتوّ خاطئة…
نسى نيرو صدمة إرسال لفافة الانتقال، وبدا وجهه مكتئبًا.
“نيرو… يبدو أنّ ديننا للدوق الأكبر وزوجته سيزداد…”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 69"