55
“هل هناك أي سمة مميزة لشخص يُدعى جيفري؟”
“سمة مميزة؟ آه! هناك نقطة حمراء على شكل فراشة داخل معصمه.”
“نقطة على شكل فراشة؟”
هل هي مجرد صدفة؟
خطر في ذهنهنه شخص واحد على الفور.
“حسنًا. سأتولّى البحث عن هذا الجيفري، فأنتَ ركّز على أبحاثك.”
“حاضر، حاضر!”
بيريل، الذي شعر بتجربة تقشعرّ لها الأبدأن من هالة الغضب التي ينبعث منها كيليان، تمسّك بحقيبته الطبيّة كما لو كانت درعًا واقيًا.
“واحرص على النوم قليلًا.”
“حاضر…؟”
بيريل، الذي كان يهمّ بالفرار من الغرفة كقندس خائف بأسلوب متّسق، توقّف بوضعيّة مضحكة.
“نم جيّدًا، وكُل. إذا انهارَتْ قبل أن تجد طريقة العلاج، فلن يكون هناك ما هو أكثر إزعاجًا من ذلك. كما قلتُ من قبل، إذا احتجتَ شيئًا، مهما كان، أخبر مارك فورًا.”
“…! سموّ الدوق…!”
“…؟”
عند رؤية بيريل الذي بدا متأثّرًا بطريقة ما، انحنت حاجبا كيليان كقوس.
“ألن تخرج؟”
“أخرج، بالطبع أخرج! أي… سموّ الدوق، لا تقلق. سأجد بالتأكيد طريقة لشفاء ليتريشا!”
“هذا بديهي.”
حتّى لحظة مضت، كان بيريل يبدو كالرماد المحترق الخالي من الحياة، لكنّه فجأة اشتعل حماسًا، وأعلن عزمه بقتاليّة ثمّ اندفع خارج الغرفة.
من أين جاءت هذه الطاقة؟ بدا وكأنّه يركض إلى المختبر دون توقّف.
“حالته ليست جيّدة جدًا، لكنّ حماسته ليست سيّئة.”
كيليان، الذي كان يصغي إلى صوت خطوات بيريل الراكض، أسند رأسه مجدّدًا إلى النافذة.
شعر بانتعاش بارد من زجاج النافذة يتسرّب من مؤخّرة رأسه إلى رقبته.
“طبيب متجوّل، إذن.”
إذا لم يعرف أحد مكانه، فكلّ ما عليه هو قلب الإمبراطوريّة رأسًا على عقب للعثور على جيفري.
“مهما كانت الوسيلة، يكفي أن أجده.”
بينما كان يشعر بالبرودة التي توقظ حواسّه وهو مغمض العينين، عادت ليتريشا إلى الغرفة بعد انتهائها من التزيّن.
“سموّك، ما رأيك؟ أليس جميلًا جدًا؟”
مارشا، التي عادت مع ليتريشا بعد التزيّن، رفعت ذقنها. كانت تنضح بالثقة والرضا الشديدين.
ميا، التي كانت إلى جانبها، وضعت يديها المتشابكتين على شفتيها، تنتظر ردّ فعل كيليان بقلق.
لكنّ فم كيليان لم ينفتح. ظلّ متّكئًا على النافذة، نصف مغمض العينين.
“…. ”
“…. ”
ليتريشا، التي لم تتحمّل الأجواء المحرجة، فتحت فمها أولًا.
“حسنًا، أهو مبهرج زيادة؟ لم أعتد ارتداء مثل هذا من قبل.”
رأت انعكاسها في النافذة، وكأنّها ارتدت ملابس شخص آخر، فمدّت يدها إلى زينة رأسها.
“آسفة لأنّكم بذلتم جهدًا في تزييني. أعتقد أنّني أفضّل ملابسي القديمة. سأغيّرها.”
انزلق رباط الشعر المصنوع من الزهور الطازجة، الذي وضعته ميا بعناية.
في تلك اللحظة، ردّ كيليان بصوت متشنّج قليلًا، متأخّرًا بنصف نبضة.
“لمَ تفكّينه؟ كان يناسبك.”
“آه، سموّك! ليس هكذا!”
مارشا، محبطة من ردّ فعل كيليان الفاتر، فتحت عينيها على وسعهما.
كيليان، محرجًا، تنهّد، ثمّ أمسك بأطراف أصابع ليتريشا وقادها إليه.
بما أنّ كيليان كان طويل القامة، حتّى وهو متّكئ بزاوية، كان مستوى عينيه يقارب مستوى عيني ليتريشا.
تحت أنظار مارشا وميا اللتين كانتا تراقبانه دون أن ترمشا، أعاد كيليان رباط الشعر الذي فكّته ليتريشا إلى شعرها.
“إنّه جميل. لذا لا حاجة لتغيير الملابس…”
كان يتلو كلام مارشا المطلوب بنبرة جامدة كمن يقرأ كتابًا مدرسيًا، لكنّ يده توقّفت في الهواء عندما التقت عيناه بعيني ليتريشا.
“لا حاجة لتغيير الملابس…”
كرّر الكلام نفسه كالأحمق. لم يجد الكلمات التالية.
لم تكن هذه المرّة الأولى التي يتبادلان فيها النظرات، لكنّ فمه جفّ بشكل غريب.
هل لأنّ اللون الذي لم ترتده من قبل يناسبها أكثر ممّا توقّع؟ أم بسبب المكياج الذي جعل خدّيها اليوم أكثر احمرارًا؟ أم ربّما بسبب أذنيها الدائريّتين المحمّرتين من الخجل، التي جعلت ذهنه مشوّشًا؟
“ما أحاول قوله هو…”
كيليان، الذي حاول إيجاد أعذار لشرح حالته الغريبة، استسلم أخيرًا، وغطّى وجهه بيده الكبيرة، متجنّبًا عينيها أولًا.
ما تبعه كان مختلفًا تمامًا عن نبرته الخالية من العاطفة قبل لحظات.
“…أنتِ جميلة. حقًا.”
***
“إذن، كونا حذرَين في طريقكما.”
“ليتريشا، اربطي عباءتك جيّدًا!”
مع وداع الخدم الذين بدوا راضين جدًا، بدأت أولى نزهات كيليان وليتريشا.
“ليتريشا، استرخي واسندي ظهرك. لمَ تجلسين بهذا التشنّج؟”
“أنا مرتاحة هكذا…!”
ردّت ليتريشا، التي كانت جالسة معه بنفس الوضعيّة المتشنّجة، مُحافظة على استقامة ظهرها.
لو علمت أنّ هذا سيحدث، لكانت تعلّمت ركوب الخيل مهما قال إيزيس! شعرت بالندم المتأخّر.
منذ أن لمس كيليان شعرها بنفسه، شعرت بحرارة في رقبتها وتوتر يجعل جسدها مشدودًا تلقائيًا.
في هذه الحالة، كان مجرّد الجلوس معه مقربًا هكذا محنة، فكيف يمكنها أن تسند ظهرها إليه؟
“إذا ركبتِ الخيل بهذه الوضعيّة، ستعانين من آلام العضلات بالتأكيد.”
كانت نية كيليان حسنة، لكن عندما شعرت بأنفاسه على رقبتها، تشنّجت ليتريشا أكثر.
لم تعد حتّى تتذكّر كيف تجلس بشكل طبيعي.
كلمة “جميلة” واحدة جعلتها تتصرّف بهذا الارتباك. شعرت بالحرج من نفسها.
‘بينما يبدو كيليان وكأنّه لا يفكّر بشيء.’
اختفى أيّ أثر للخجل الذي بدا عليه للحظة، وعادت ملامحه إلى صلابتها المعتادة كالصخرة.
لم ترَ ليتريشا أنّ رقبة كيليان، الذي كان يبدو كمن يقف تحت شمس الصيف، كان محمّرًا تمامًا، لأنّ نظرها لم يصل إلى هناك، فلم تدرك أنّه في حالة مشابهة لها.
لذا، رغبةً في إخفاء ارتباكها، نظرت حولها.
لحسن الحظ، كان مارك يقود حصانًا ببطء خلف حصان كيليان.
“كيليان، ألا يمكنني الذهاب مع السير ديفيس؟”
“…كيف يمكن ذلك؟”
شعر كيليان بالغيظ من سؤال ليتريشا البريء. شعر وكأنّه خسر أمام مارك.
شدّ قبضته على اللجام، فتوقّف الحصان ورفع قدميه الأماميّتين قليلًا.
كانت الحركة سلسة جدًا لدرجة لم تفاجئ ليتريشا، لكنّها كانت كافية لجعل جسدها يميل للخلف.
“إنّها أولى نزهاتنا معًا، فهل تريدين من زوجتي أن تظهر وهي تتحرّك بمودّة مع شخص آخر؟ هذا يجرح كبريائي.”
“آه، آسفة، كنتُ قاصرة التفكير.”
“لا داعي للاعتذار…”
لكن، لا.
نظر كيليان إلى ليتريشا، التي مالت نحو جسده بشكل غير مستقر.
لم يكن يريد اعتذارًا، لكنّه قرّر أن يتصرّف بقليل من المكر.
“إذا كنتِ نادمة لهذا الحد، فبدلًا من الاعتذار بالكلمات، تكفيني بإسنادكِ إليّ.”
“لم أكن نادمة لهذا الحد…”
ضحك كيليان بهدوء على ليتريشا، التي لم تكبح جماحها، ثمّ دفع جبهتها برفق بيده المغطّاة بقفاز أسود.
عندما استندت ليتريشا بالكامل إليه، أمسك اللجام راضيًا.
“على أيّ حال، أنتِ لستِ سهلة. كنتِ كذلك في لقائنا الأوّل، وما زلتِ لا تعتمدين عليّ.”
الآن، وتذكّر، كانت الحالة مشابهة في مأدبة النصر.
حينها، كانا يركبان حصانًا واحدًا، وتجادلا حول الاستناد وعدمه…
“كنا غرباء آنذاك، لكنّنا الآن زوجان. أتمنّى أن تكوني أكثر ارتياحًا معي.”
هل يعني الراحة في هذا الموقف فقط، أم تجاهه كشخص؟ كان طلب غامضًا.
تحرّكت أصابع ليتريشا داخل القفازات الفرويّة التي أصرّ بيريل عليها، لكنّها لم تغيّر وضعيّتها.
خلافًا لتوقّعاتها، شعرت باستقرار كبير من دعم جسد كيليان.
“…أشعر بالراحة.”
هزّ كيليان رأسه مستسلمًا لردّها الذي حذف المفعول به أيضًا.
“بالمناسبة، بعد انتهاء التفتيش، قد يتبقّى بعض الوقت. هل هناك مكان تريدين زيارته؟”
“هناك أماكن كثيرة أردت زيارتها…”
تذكّرت ليتريشا إحدى المناظر التي كانت تراقبها كلّ صباح من النافذة، ومدّت إصبعها.
كانت نقطة إصبعها، ذات الأظافر المرتبة كالهلال، تشير إلى برج الساعة في شوتن.
“إذا كان عليّ اختيار مكان واحد، أريد زيارة برج الساعة.”
“…لمَ تريدين الذهاب إلى هناك؟”
“لأنه لافت جدًا، وقال الدوق الصغير شيئًا مثيرًا عن البرج. قال إنّه يحقّق الأماني؟ لذا أردت رؤيته عن قرب.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 55"