نظرت ليتريشيا إلى السّقف أمامها مباشرة وهي تُرمش بعينيها.
“إذًا، لماذا أنا في هذا الوضع الآن؟”
على الرّغم من عزمها الشّديد على الذّهاب لمقابلة بيتر جودوين فورًا، كانت ليتريشيا ممدّدة على السّرير، ملفوفة بإحكام في الأغطية.
“هذا جزاء الكذب.”
كيليان، الّذي تسبّب في وضعها هذا، كان يقلب صفحات كتاب بجانبها بهدوء.
تجعّدت جبهة ليتريشيا النّقيّة كاللّؤلؤ دون أيّ تجعيدة.
حاولت ليتريشيا رفع جسدها ببطء.
“ما الكذب الّذي تقصده؟ ليس هذا وقت الاستلقاء بهدوء هكذا.”
“ولا هو وقت لا يسمح بالاستلقاء أيضًا.”
وضع كيليان الكتاب جانبًا وضغط بإصبعه على جبهة ليتريشيا.
فسقط جسدها العلوي، الّذي كان يقاوم بضعف، مرّة أخرى على السّرير.
“على أيّ حال، لا يمكنكِ مقابلة الدّوق الصّغير الآن. لقد تلقّينا رسالة تفيد بأنّ مستوى مياه قناة رومان ارتفع بسبب المطر الّذي هطل أمس، ممّا يجعل الحركة صعبة حاليًا.”
“آه… هذا منطقي.”
قناة رومان هي القناة المحيطة بمتجر الأقمشة الّذي يرتاده الدّوق الصّغير غالبًا.
في الأيّام العاديّة، تكون المياه هادئة بما يكفي لعبورها بقارب صغير، لكن بسبب المطر العنيف أمس، يبدو أنّ العبور أصبح مستحيلًا، فحوصرت المنطقة الدّاخليّة.
“لقد تبادلنا النّوايا بشأن الزّيارة عبر الطّيور الرّسولة.”
“وهل وافق على اللّقاء؟”
“وافق بحماس.”
بدت تعابير كيليان إيجابيّة، ممّا يشير إلى أنّ ردّ فعل الدّوق الصّغير كان أكثر ودّيّة ممّا كان متوقّعًا.
“بمجرّد انخفاض مستوى مياه القناة، اتّفقنا على اللّقاء بالقرب من الحدود، لذا عليكِ أوّلًا تلقّي العلاج.”
رفع كيليان الأغطية المنزلقة إلى ذقن ليتريشيا.
“لقد كذبتِ عليّ كثيرًا خلال هذه الفترة.”
“ما الكذب الّذي تقصده؟”
“ألم تقولي في كلّ مرّة سألتكِ فيها عن حالتكِ الصّحيّة إنّكِ بخير؟ فهل هذه حالة شخص بخير؟”
أصبحت تعابير كيليان جادّة وهو يلوّح بمنديل أبيض ملطّخ بالدّم.
كان ذلك المنديل الّذي استخدمته ليتريشيا لمسح دماء أنفها اللّيلة الماضية.
في العادة، كانت ستقوم بغسله وتجفيفه في نفس اليوم، لكن كيليان اقتحم غرفتها فجأة أمس، فلم تجد وقتًا لذلك، وبقي المنديل هناك حتّى اكتشفه.
“كنتِ تقولين دائمًا إنّكِ بخير، بخير، فهل كنتِ تعانين من هذا كلّ ليلة؟”
“لا.”
“لن أصدّق كلامكِ هذا بعد الآن.”
عبس كيليان بعين واحدة وابتعد جانبًا، فاقترب بيريل، الّذي كان يقف خلفه، بخطوات سريعة.
“الآن وقد وصل الطّبيب الخاصّ، ستخضعين لفحص حالتكِ الصّحيّة مرّتين يوميًا، صباحًا ومساءً.”
“ماذا؟ هل هذا ضروري حقًا؟”
“ليتريشيا.”
أمام تعبير كيليان المتجهّم، أغلقت ليتريشيا فمها.
مرتين يوميًا؟ بدا ذلك مبالغًا فيه مهما فكّرت في الأمر، لكنّها أومأت برأسها على مضض.
بدأ بيريل بفحصها بعناية.
وكانت نتيجة تشخيص بيريل أنّ حالة ليتريشيا كانت جيّدة نسبيًا.
سمح كيليان لليتريشيا بالخروج من السّرير فقط بعد أن تأكّد من هذا الأمر مرّات عديدة.
تشوو.
كانت ليتريشيا تعصر منشفة مبللة لتوضع على رأس ألين، وهي تنظر إلى عيني الجالس أمامها.
“كيليان، أنا حقًا بخير. ألم تسمع ما قاله بيريل؟”
“كيف لي أن أصدّق ذلك؟”
كان كيليان يراقب ليتريشيا بعينين مليئتين بالشّك.
قبل أن يضيف كيليان، الّذي بدا قلقًا، شيئًا آخر، تظاهرت ليتريشيا بالانشغال بفحص ألين.
لحسن الحظ، تعافى الفرسان الآخرون بسرعة بعد معاناتهم من اضطرابات معويّة لبضعة أيّام، لكن ألين، كما قال بيريل، لم تتحسّن حالته بسهولة، ربّما بسبب صغر سنّها.
“سيّدتي، أنا آسفة. لو أطعت الأوامر ولم آتي الي هنا…”
شعرت ألين، الّتي فتحت عينيها عندما لمست يد ليتريشيا وجهها، بارتعاش في ذقنها، وكأنّها حزين جدًا.
“بسببي، ماذا لو انتقل المرض إليكِ يا سيّدتي؟”
“ألين، ألم أقل لكِ؟ هذا ليس مرضًا معديًا.”
بلّلت ليتريشيا شفتي ألين المتشقّقتين من الجفاف بالماء، ثمّ نهضت.
“بالمناسبة، كيليان، ألم يصل الدّوق الصّغير بعد؟”
كانت تظنّ أنّ الحصول على التّيتراد سيحلّ مشكلة العلاج والفوضى بسرعة، لكن الأمور لم تسر كما توقّعت.
كان مستوى مياه قناة رومان ينخفض ببطء أكثر ممّا توقّعوا، وفي هذه الأثناء، ازداد عدد المصابين بالتّسمّم في العاصمة.
وكان الأمر الأكثر إشكاليّة هو أنّ حالة الأطفال المصابين بالتّسمّم، كما توقّع بيريل، لم تكن جيّدة على الإطلاق.
مع تفاقم الوضع، بدأت أصوات تُلقي باللّوم على كيليان ترتفع، كما لو أنّ هناك حاجة لتحميل أحدهم المسؤوليّة.
بل إنّ بعض المتطرّفين بدأوا يُظهرون سلوكيّات تهديديّة في المناطق الحدوديّة المتاخمة للشّمال، مطالبين بطرد كيليان من الإمبراطوريّة.
وفي خضمّ كلّ هذا، بدا الأمر مضحكًا أنّ الرّأي العام تجاه بيتريك كان يميل للإيجابيّة.
كان يوزّع الحبوب تحت ذريعة مواساة المرضى، أو هكذا قيل.
“في الواقع، تلقّينا رسالة هذا الصّباح. قالوا إنّه بحلول الظّهر يمكن عبور القناة…”
فتح كيليان ساعته الجيبيّة لتقدير الوقت.
“ربّما خرج بالفعل الآن. أظنّ أنّ زيارته ستكون غدًا.”
في تلك اللحظة، وكأنّ الأمر كان موعدًا متّفقًا عليه، اقترب مارك من كيليان بخطوات سريعة.
“سيّدي، وصل رسول من الحدود. يقول إنّ شخصًا يُدعى بيتر جودوين يطلب الإذن بدخول الشّمال.”
“أقول لكم، لقد اتّفقتُ مع الدّوق الأكبر على اللّقاء مرّات عديدة!”
وقف رجل نحيف في منطقة الحدود، يعبث بشعره الأشقر بنفاد صبر.
“نأسف، لكن بدون إذن الدّوق الأكبر، يُمنع الأجانب من دخول الشّمال.”
“يا إلهي…!”
رفع الرّجل صوته، ثمّ أشار بيده في الهواء بعلامة غامضة، ربّما محاولًا تهدئة غضبه.
“هذا سيُجنّنني، حقًا.”
“سيّدي، الآخرون يراقبون.”
“أعلم، لديّ عينان أيضًا.”
ردّ الرّجل بحدّة وهو يتفقّد ملابسه.
رتب ملابسه بدقّة مرضيّة، حتّى أكمامه، ثمّ رفع عينيه إلى السّماء الصّافية وهو يطرق كتفيه برفق.
“بسبب المطر الّذي استمرّ أكثر ممّا توقّعت، تأخّر جدولنا.”
“ألم أقل لكَ أن نخرج فحسب؟ أنتَ من أصرّ على البقاء في متجر الأقمشة حتّى توقّف المطر.”
“لم يكن لديّ لفافة انتقال! وهل تعتقد أنّها رخيصة؟ يا نيرو، أنتَ أكثر إسرافًا ممّا تبدو.”
“تعلم أنّني لم أقصد ذلك، أليس كذلك؟”
“حقًا؟ لا أعلم.”
ردّ بيتر بشكل مريب وغيّر الموضوع بهدوء.
“بالمناسبة، هل لا يزال والدي بدون أيّ ردّ؟”
“نعم، الدّوق لم يردّ على أيّ رسائل أو طيور رسولة منذ أيّام.”
تجعّد وجه بيتر الوسيم عند سماع كلام نيرو.
“نيرو، خلال إقامتي في متجر الأقمشة، بدأ وباء مفاجئ ينتشر في العاصمة، أليس كذلك؟”
“نعم، هكذا قيل.”
“وأصبح بيتريك فجأة كاتبًا في القصر الإمبراطوري؟”
بينما كان يطرق كتفيه المتصلّبة من مراجعة الوثائق طوال اللّيل، اتّسعت عينا بيتر وكأنّه يحسب شيئًا.
“وعلاوة على ذلك، الدّوق الأكبر، الّذي لم يكن يتواصل مع الخارج، طلب منّي فجأة اللّقاء؟ في هذا التّوقيت تحديدًا؟”
“هذا صحيح.”
لم يبالِ بيتر بردّ نيرو البارد واستمرّ في طرق كتفيه بحماس.
“نيرو.”
“نعم، سيّدي.”
“هناك شيء مريب هنا.”
“الآن فقط بدأتَ تهتم؟ لقد أخبرتكَ مرارًا أنّ هناك شيئًا غريبًا، لكنّك كنتَ مشغولًا بالرّاحة طوال الأيّام الماضية.”
“صه، نيرو، أصمت.”
ضغط بيتر بإصبعه على شفتي نيرو المتململ، ثمّ عاد إلى الحارس وهو يضحك على ردّ فعل نيرو المذعور.
“اسمع، ارفع تقريرًا آخر إلى الدّوق الأكبر. أنا بي-“
“الدّوق الصّغير جودوين.”
قبل أن يكمل بيتر تقديم نفسه، سقط ظلّ ضخم فوق رأسه.
“نعم، أنا جودوين…”
“هل أنتَ السّيّد بيتر جودوين؟”
“….”
فرح بيتر لأنّ أحدهم تعرّف عليه أخيرًا، لكنّ كتفيه ارتعشتا.
توقّع أن يرى حارسًا عاديًا ممّن كان يتحدّث إليهم، لكن عندما استدار، واجه رجلًا أطول منه بكثير، بعينين شرستين.
“نيرو.”
لوّح بيتر بيده بسرعة وسحب نيرو أمامه.
استخدم نيرو كدرع بشريّ، ثمّ رسم ابتسامة مثاليّة وكأنّ شيئًا لم يكن.
“نعم، أنا بيتر جودوين. ومن أنتَ؟”
ارتبك الفارس من تحوّل بيتر المفاجئ، لكنّه انحنى بوقار.
“أتشرف بلقائكَ للمرّة الأولى، سيّدي الدّوق الصّغير. أنا مارك ديفيس، نائب قائد فرقة سيلفانو.”
كان مارك هو من نادى بيتر.
تلقّى مارك أوامر من كيليان بإحضار بيتر إلى قلعة الدّوق الأكبر، فهرع إلى هنا مسرعًا.
“لقد أمرني الدّوق الأكبر بمرافقتكَ إلى القلعة. تفضّل معي.”
المترجمة:«Яєяє✨»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"